15/6/2022
ماذا بعد أن عرقلت إيران مراقبة منشآتها النووية؟
شهدت مفاوضات فيينا التي تهدف إلى عودة الولايات المتحدة وإيران إلى «الاتفاق النووي»، لعام 2015، العديد من الوسائل للتأثير أو التصعيد من أجل تحقيق أهداف كلا الجانبين، إلا أنها أخفقت في التوصل لأي اتفاق. وعلى الأخص، رفضت «إدارة بايدن»، رفع «الحرس الثوري» الإيراني من القائمة الأمريكية لـ«المنظمات الإرهابية الأجنبية»، في حين كثفت «طهران»، جهودها لتخصيب اليورانيوم، في الوقت الذي تصاعدت فيه التوترات نتيجة قيام إسرائيل بعرقلة تطلعات إيران النووية، بما في ذلك استخدام ضربات واغتيالات وهجمات إلكترونية.
وفي أحدث انتكاسة لهذه المفاوضات، أزالت «طهران»، كاميرات المراقبة التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ردًا على تبني الأخيرة قرارا ينتقدها رسميا لعدم تعاونها بشكل ملائم معها. وعليه، حذر محللون غربيون من أن الإشراف الدولي على عملية صنع سلاح نووي إيراني، أصبح الآن ضعيفًا للغاية، حيث لا تُظهر طهران أي علامة على الالتزام بالجهود الدبلوماسية لحل الأزمة.
وبعد سنوات من عدم امتثال إيران للشروط التي تم الاتفاق عليها عام 2015، وافق مجلس محافظي الوكالة الدولية في يونيو 2022، بأغلبية على قرار «أمريكي، بريطاني، فرنسي، ألماني» مشترك، يدين طهران؛ بسبب مخاوفهم «العميقة؛ بشأن الضمانات والتعاون الموضوعي غير الكافي من جانبها». وعلى وجه الخصوص، تركز عدم التعاون في إحجامها عن المساعدة في تحقيق الوكالة الدولية في آثار اليورانيوم المخصب المكتشفة في ثلاثة مواقع نووية غير مُعلنة. وأوضحت شبكة «بي بي سي نيوز»، أنه مع فصلها للكاميرات التابعة للوكالة خلال العام الماضي -في محاولة لزيادة الضغط على واشنطن- فإن الوكالة «لم تتمكن من متابعة أنشطتها النووية».
وعلى الرغم من أن صحيفة «واشنطن بوست»، أشارت إلى تصويت ممثلين من كل من «روسيا»، و«الصين»، ضد القرار، الذي يدين إيران، فقد أفاد «مارتن تشولوف»، في صحيفة «الجارديان»، بأن 30 من أصل 35 عضوًا في الوكالة، صوتوا لإدانتها علنًا، وكان هذا هو «التوبيخ الأول من قبلها في غضون عامين، ما يعكس الإحباطات المتزايدة من قبل الدول، التي ترى أن الصفقة تتلاشى، بينما تظل الأطراف المتنافسة متمسكة بمواقفها».
وفي ردها على القرار، أعلنت «إيران»، إزالة 27 كاميرا من منشآتها النووية الرئيسية، التي تستخدمها وكالة الأمم المتحدة في عملية المراقبة. وعلى الأخص، في منشآت «أصفهان»، و«طهران»، والمنشآت الرئيسية في «نطنز». ووفقًا لـ«مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، «رافائيل غروسي»، فإن هذا الرقم يمثل أساسًا جميع الكاميرات، التي تم وضعها بموجب شروط اتفاقية عام 2003، بشأن عمليات التفتيش على المنشآت النووية.
وعلى الرغم من بقاء حوالي 40 كاميرا تفتيش في المنشآت النووية الإيرانية -بموجب شروط اتفاقية الضمانات الشاملة- فقد أوضحت «ستيفاني ليختنشتاين»، في مجلة «بوليتيكو»، أن الخطوة الإيرانية، ستترك «المراقبين الدوليين يتخبطون»، وبالتالي «تُعرض للخطر، صفقة الحد من طموحات طهران النووية»، موضحة أن الكاميرات «لا غنى عنها «لمراقبة إنتاج أجهزة الطرد المركزي المتقدمة»، مشيرًة إلى أن إزالة هذه الكاميرات «يمثل تحديًا خطيرًا» لقدرة الوكالة على مواصلة عمليات التفتيش.
وبالمثل، أوضحت «كيلسي دافنبورت»، من «جمعية الحد من الأسلحة»، أنه «إذا لم تتمكن الهيئة الدولية من متابعة برنامج إيران النووي، فلن تستطيع تنفيذ بند المراقبة والتحقق الخاص بالاتفاق النووي لعام 2015». وأشارت «ليختنشتاين»، إلى أنه بدون كاميرات لمراقبة التغييرات في المنشآت النووية، «ستتولد فجوة حول المعلومات الحاسمة»، وكلما طال أمد ذلك، «سيكون من الصعب على المفتشين إعادة حصر عدد أجهزة الطرد المركزي المتقدمة أو ما تم إنتاجه من اليورانيوم».
وفي ظل هذا الوضع، أوضح «فرانسوا مورفي»، من وكالة «رويترز»، أن «إيران تحتفظ بالبيانات المسجلة بواسطة معدات المراقبة الإضافية للوكالة الدولية منذ فبراير من عام 2021. لكن في المستقبل، هناك احتمال لمزيد من مثل هذه الإجراءات، حيث تحتفظ بكاميرات في منشآتها النووية لاستخدامها كأدوات مساومة في الخلافات أو المفاوضات اللاحقة. وكتب «تشولوف»، أنه «من المحتمل أن تكون ورقة مساومة إضافية في يدها مستقبلا».
وأثار رد فعل إيران على انتقادات الوكالة الدولية، إدانة دولية وإقليمية. وأوضح بيان «بريطاني، فرنسي، ألماني»، مشترك، أن «أنشطة إيران النووية، ليست خطيرة وغير قانونية فقط»، لكنها أيضًا تخاطر بـ«تدمير الصفقة»، وأنه كلما تقدمت في نهجها، زادت صعوبة العودة إلى الصفقة». وأضاف البيان، أن «تصويت أغلبية أعضاء مجلس إدارة وكالة الطاقة الذرية، بعث «رسالة لا لبس فيها إلى إيران». وعلَّق وزير الخارجية الأمريكي، «أنتوني بلينكين»، بأن رد إيران على قرار الوكالة «لم يكن لمعالجة الافتقار إلى التعاون والشفافية»، ولكن لـ«التهديد بمزيد من الاستفزاز، والمزيد من تقليل الشفافية».
من جهتها، أوضحت «إيران»، أنها «لن تتراجع ذرة واحدة عن مواقفها». ورفضت «الخارجية الإيرانية»، انتقادات الوكالة الدولية، ووصفتها بأنها «مسيسة وغير بناءة، وغير صحيحة من الناحية العملية». وعلَّق «تشولوف»، بأن تصرفات إيران وخطاباتها، «تؤكد تبني سياسة حافة الهاوية المتزايدة بين الجانبين»، وهو ما يهدد بالتصعيد الإقليمي، مشيرًا إلى أن إسرائيل «قادت سلسلة من الجهود لشل القدرة النووية الإيرانية»، من خلال «عمليات الاغتيال»، و«الهجمات الإلكترونية»، و«مداهمة مستودع يحتوي على وثائق مرتبطة بالبرنامج النووي».
وبالنسبة إلى المحللين الغربيين، فإن الاستفزاز الإيراني الأخير، يمثل «ضربة أخرى لآفاق إحياء الاتفاق النووي». وحذر «غروسي»، من أن هذه الخطوة قد توقف المفاوضات «بشكل نهائي». ووصفها «تشولوف»، بأنها «أخطر ضربة حتى الآن». وأشار «هنري روما»، من «مجموعة أوراسيا»، إلى أنه «سواء كانت تهدف المراقبة إلى نوع من العقاب أو الإكراه لإيران ليس إلا، فإن إزالة الأخيرة للكاميرات تقوض بشكل أساسي أي منطق بأنها تحاول إحياء الاتفاق النووي»، كما أن هذا التطور «يقلل من فرص التوصل إلى اتفاق ما خلال العام من 55% إلى 40%»، ناهيك عن أن طهران أيضًا «تبذل جهودًا للحصول على بعض الامتيازات الرمزية قبل إحياء المحادثات النووية بجدية في فيينا». وأوضح «كريم فهيم»، و«كارين يونج»، في صحيفة «واشنطن بوست»، أن المسؤولين الأمريكيين لديهم «تشاؤم متزايد بشأن إمكانية استعادة الاتفاق».
ومع كون العودة للاتفاق النووي، تبدو «أقل احتمالية» الآنً، عاد التساؤل عن مدى اقتراب «طهران» من صنع سلاح نووي مجددًا. وحذر «غروسي»، من أن المجتمع الدولي «في وضع يرثى له»، لا سيما وأن إيران «قريبة للغاية» من امتلاك كميات كافية من العناصر اللازمة لصنع قنبلة نووية». ووفقًا لأحدث النتائج التي توصلت إليها «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»؛ فقد حصلت على أكثر من 43 كيلوجرامًا من اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء 60%، وهي عتبة قريبة من نسبة الـ90% المطلوبة لصنع أسلحة نووية، ولكن ربما تزيد تلك النسبة في ظل تدابير رقابية أو مساءلة محدودة في الوقت الراهن.
ومع ذلك، أكد «غروسي»، أن اقتراب طهران من الحصول على ما يكفي من اليورانيوم المخصب، لا يمكنها ذلك، حتى الآن، من «امتلاك قنبلة نووية»، وبالتالي لا يزال هناك وقت، وإن كان محدودًا، لتجنب وقوع هذه النتيجة. وبالمثل، أوضحت «دافنبورت»، أن «زيادة نقاء مخزونها من اليورانيوم المخصب سيستغرق من عام إلى عامين». وعلى الرغم من ذلك، فإنه مع انخفاض آليات الإشراف الدولي، سيكون «من الصعب كشف هذا الأمر وتعطيله»، بمجرد نقلها «هذا المخزون من منشآت التخصيب المعلنة إلى مواقع تطوير سرية».
وبات واضحًا أن إيران رفضت علنًا الخضوع للإشراف من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في إشارة لافتقادها أي اهتمام بإحراز تقدم في المحادثات النووية، مما أثار انتقادات عدد من الخبراء الغربيين للنهج التي تتبناه الإدارة الأمريكية في التعامل مع التعنت الإيراني. وواصلت «واشنطن» تأكيد أن المسؤولية النهائية لتجنب التصعيد الإقليمي تقع على عاتق «طهران»، حيث علق المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون إيران، «روبرت مالي»، على استفزازها الأخير قائلاً: إنها «تمتلك آليات الخروج من الأزمة التي أحدثتها عبر التعاون مع الوكالة الدولية، وحل مشكلة الضمانات المعلقة، والموافقة على العودة إلى الاتفاق النووي، والخيار لها في النهاية».
وفي الواقع، تعرض التوجه الأمريكي وافتقاره لاستراتيجية واضحة لحل الأزمة لانتقادات واسعة. وأعرب «آرون ميلر»، من مؤسسة «كارنيجي للسلام الدولي»، عن أسفه كون الولايات المتحدة، «تعاني الأمرين» في هذه الأزمة، «آملاً ألا تندفع إيران نحو العتبة النووية؛ وخاصة أن إسرائيل لن تفعل شيئًا يذكر لمواجهة ذلك»، كونها لا تريد أن تقدم «إيران ووكلاؤها على قتل الكثير من الأمريكيين في العراق أو في أي مكان آخر»، معتبرين أن هذا الافتقار «لا يعد استراتيجية للتعامل مع تلك التحديات» على الإطلاق.
علاوة على ذلك، أشار «مايكل هيرش»، في مجلة «فورين بوليسي»، إلى أن «السياسات المتشددة من كلا الجانبين»، تستمر في «إحباط التوصل إلى اتفاق». ورأى «علي فائز»، من «مجموعة الأزمات الدولية»، أن بايدن «ليس مستعدًا لدفع ثمن سياسي مقابل هذا الاتفاق»، شريطة موافقته على شطب «الحرس الثوري»، الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية.
على العموم، رغم أن المسؤولين الغربيين مترددون في الاعتراف بالهزيمة الدبلوماسية في معالجة هذه الأزمة، لا يزال بعضهم يصر على أنه يمكن إنقاذ الوضع، وتجنب طهران المسلحة نوويًا. وأكد «غروسي»، أن هذا الجمود لا ينبغي أن يكون «نهاية الطريق». ومع ذلك، فإن عدم امتثال إيران يأتي مرة أخرى في مقدمة العقبات المعنية بإبرام الاتفاق، في ظل موقفها التفاوضي الذي «لم يتغير»، وأنها تسعى إلى وضع «مسؤولية العودة إلى الاتفاق على كاهل واشنطن وأوروبا مع رفضهما الوفاء بشروطها والتفاوض على حل وسط يرضي جميع الأطراف».
وعند التمعن في سيناريو رفض طهران للرقابة الدولية على أنشطتها، يتضح من التعليقات الغربية، أن العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، أصبحت الآن احتمالًا بعيدًا، ما لم تحدث تغييرات جذرية لكلا الجانبين الأمريكي والإيراني على حد سواء.