22/6/2022
رؤى غربية لحل أزمة تصدير الغذاء من أوكرانيا
بعد مرور أربعة أشهر من الحرب الروسية في أوكرانيا، لا يزال الحل الدبلوماسي للصراع بعيد المنال. وبدلاً من تراجع التوترات ثارت قضايا جديدة تُعقد أي تسوية محتملة، حيث تزايد القلق العالمي بشأن نقص المعروض من السلع والحبوب الأوكرانية، والتي يتم تصدير معظمها إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، والعديد من دول العالم، وخاصة بعد منع روسيا تدفقها عبر الموانئ الرئيسية على البحر الأسود.
وتنبع المخاوف المتزايدة من انعدام الأمن الغذائي من الحصار الروسي للموانئ الأوكرانية التي تُبحر منها صادرات السلع الأساسية قبل الغزو في فبراير 2022. وقبل الحرب أنتجت كييف 86 مليون طن من الحبوب في عام 2021، بينما كانت خامس أكبر منتج للذرة في العالم، كما أنها توفر 3.7% من إمدادات القمح العالمية. وإلى جانب تصدير سلع مماثلة من روسيا، سجلت الأمم المتحدة، أن حوالي 40% من القمح المستهلك في إفريقيا يأتي من هذين البلدين، مما يبرز كيفية تأثير اضطرابات الإمدادات على الأسواق العالمية.
وتعقيبا على احتجاز حوالي 20 مليون طن من الحبوب في موانئ أوكرانيا، وعجز الطرق البرية البديلة عن تأمين نقل سوى عُشر الطلب من الإمدادات؛ أكد آسلوند، أن افتتاح ميناء أوديسا، تحديدا يجب أن يحظى بأولوية دولية عاجلة، مع التحذير من أن إغلاق هذه الموانئ قد يتسبب في مجاعة لما يصل إلى 47 مليون شخص. وبالمثل، أوضح ديفيد بيزلي، المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، أن الإخفاق في فتح موانئ أوكرانيا لصادرات الحبوب والسلع، سيكون بمثابة إعلان حرب على الأمن الغذائي العالمي.
وبشكل أساسي، ألقى المعلقون الغربيون اللوم في هذا الموقف على روسيا. واتهم فريدريك كيمبي، من المجلس الأطلسي، بوتين، بأنه على استعداد للمخاطرة بإحداث مجاعة في مكان آخر في الوقت الذي يراهن على إمكانية صموده أمام الدعم الغربي لكييف. وأوضح آسلوند، أنه بدلاً من مجرد تجاهل موسكو لأزمة الغذاء العالمية، اختارت تأجيجها واستغلالها من خلال قصف البنية التحتية الزراعية لأوكرانيا.
وكما لاحظ توفان جومروكو، وميشيل نيكولز، من وكالة رويترز، فإن الأمم المتحدة، تحاول التوسط في صفقة لاستئناف الصادرات الأوكرانية والروسية. وفي هذا الصدد، أبدت تركيا حرصها على المساعدة؛ في ظل أهمية دورها المتحكم في مضيق البوسفور، الذي يصل البحر الأسود بالبحر الأبيض المتوسط. وأوضحت جوانا بارتريدج، في صحيفة الجارديان، أن في هذه الحالة من المحتمل أن أي سفن شحن لنقل الحبوب تغادر أوديسا، أو موانئ أخرى على البحر الأسود، ستكون برفقة البحرية التركية.
ومع ذلك، حذر المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، من أنه لكي يمضي هذا الأمر قُدما، ستكون هناك حاجة إلى اتفاق مع الجانبين؛ الأوكراني والروسي، وهو ما لم يتم التوصل له بعد. ويمثل القبول عملية معقدة بسبب إحجام الطرفين عن التعامل دبلوماسيا معا، أثناء الحرب الدائرة في شرق أوكرانيا، فضلاً عن عدم رغبة الأوكرانيين في تقليل دفاعاتهم البحرية ضد هجوم برمائي روسي محتمل على الموانئ الرئيسية. وذكرت وكالة رويترز، أنه بينما وافق بوتين، على التعاون مع تركيا، لتسهيل تصدير الحبوب دون عوائق من الموانئ الأوكرانية؛ فقد أصر أيضًا على أنه ليس مسؤولاً عن توفير ممرات آمنة في البحر الأسود. وأشار بارتريدج، إلى ضرورة توفير تأمين خاص للسفن، وتقديم تأكيدات بشأن سلامة أطقمها قبل إرسالها إلى البحر الأسود.
وبعيدًا عن خطة الأمم المتحدة المقترحة لتعزيز الصادرات، ذكرت وكالة رويترز، أن روسيا، بدأت في تسهيل تصدير الحبوب والبذور الزيتية من أوكرانيا، عبر موانئ تخضع لسيطرتها، على الرغم من عدم توضيح ماهية الجهة التي وفرت تلك المواد الغذائية للتصدير. ورغم تأكيد موسكو، أنها ستستأنف تصدير الحبوب من ميناء بيرديانسك المحاصر، عقب اجتماع وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، مع وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو؛ فقد أوضحت نائبة رئيس الوزراء الروسي، فيكتوريا أبرامشينكو، بشكل منفصل، أن بلادها، ليس لديها خطط حالية لتعديل رسوم تصدير الحبوب الخاصة بها، مما يعني أنها لن تساعد بنشاط الجهود المبذولة للتخفيف من مخاوف الإمدادات الغذائية العالمية.
علاوة على ذلك، حث آسلوند، واشنطن، على ضرورة إنشاء تحالف من الدول التي يمكنها توفير ممرات بحرية آمنة إلى أوديسا، ومرافقة السفن المحملة بالصادرات الغذائية للمياه المحايدة، مثل تركيا والدول التي تستورد بعضا من إمداداتها الغذائية من كييف، واصفا مساهمة أنقرة، بأنها ضرورية، واقترح أيضًا أن تساعد البحرية المصرية في إزالة الألغام الموضوعة بالقرب من الموانئ الأوكرانية.
ومع ذلك، يعترض تلك الجهود الدبلوماسية لإعادة تدفق السلع الغذائية عبر الموانئ الأوكرانية؛ التداعيات المستمرة للعقوبات الاقتصادية ضد روسيا، وإصرار الدول الأوروبية على التصدي لعدوانية موسكو، من خلال دعمها لانضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي. وفي 16 يونيو 2022، أعلن قادة كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا ورومانيا، خلال اجتماعهم مع الرئيس الأوكراني، زيلينسكي، لأول مرة في كييف، تأييدهم لهذا المقترح. وأشارت صحيفة لوس أنجلوس تايمز، إلى أنه في اليوم التالي للاجتماع، أوصت المفوضية الأوروبية رسميًا بمنح أوكرانيا وضع المرشح، بحيث ستنضم يومًا ما إلى التكتل.
وردا على هذا الاجتماع، قامت موسكو، باستغلال وضعها كمصدر للطاقة للدول الأوروبية، عبر تعمد نقص إمدادات الوقود لألمانيا وإيطاليا في نفس اليوم. وأوضح المراقبون، أنهم غير مقتنعين بمزاعم شركة غازبروم الروسية بأن هذا النقص بسبب الإصلاحات الضرورية لخطوط الأنابيب. وأشارت كاترين بينهولد وميليسا إيدي، في صحيفة نيويورك تايمز، إلى أن سيطرة روسيا على صادرات الغاز إلى أوروبا تعتبر أداة دبلوماسية قوية للتأثير وفرض الهيمنة ويجري استخدامها الآن.
ومن جانبه، انتقد رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراجي، تسييس موسكو لصادراتها من الغاز والحبوب واستخدامها كسلاح، واصفا الأعذار -المذكورة سابقا- بأنها أكاذيب. في الوقت الذي أشار فيه نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، الى أن الكرملين لا يزال أكثر تعنتًا تجاه الدول الأوروبية فيما يتعلق بصادرات الطاقة، وأن التخفيضات الحالية في إمداداتها لفنلندا وبولندا ليست الحد الأقصى للتدابير التي قد يتم ممارستها.
وفي ضوء سيطرة روسيا على إمدادات الغذاء والطاقة العالمية، أيد المعلقون الغربيون الفكرة القائلة بمعاقبة موسكو، لما خلفته تلك الحرب من آثار وتداعيات، ونفي أي اقتراحات للتفاوض. وتتناقض هذه الرؤية مع موقف الرئيس الفرنسي، ماكرون، الذي لطالما واجه انتقادات شديدة لتلميحه إلى أن التسوية النهائية للحرب الأوكرانية، لا ينبغي أن تؤدي إلى إذلال روسيا بالنهاية.
ويدعم السفير الأمريكي السابق لدى موسكو، مايكل ماكفول، فكرة عدم التسوية والدفع بمزيد من الدعم لأوكرانيا، بما في ذلك إمدادها بأسلحة أكثر تقدمًا، مؤكدًا أن بوتين سيتفاوض فقط عندما لا يستطيع جيشه الاستمرار في تقدمه. وأشار فريدريك كيمبي، من المجلس الأطلسي، إلى أن أوكرانيا يجب أن تفوز بالحرب، ويجب أن يخسرها بوتين، وأن اختيار أي نتيجة أخرى ستكون غير أخلاقية وسابقة تاريخية ذات خسائر كارثية.
في المقابل، انتقد المعلقون والمسؤولون الغربيون تصريحات الرئيس الفرنسي في أوائل يونيو 2022، بأنه يجب السماح لبوتين، بمخرج من خطئه الأساسي في غزو أوكرانيا، قبل أن يهين بلاده. واتهم إليوت كوهين، من كلية جونز هوبكينز، ماكرون بالغرور. وعلق جون تشيبمان، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، على الجهود الفرنسية للسماح لموسكو بحفظ ماء وجهها، بأنها هدف دبلوماسي ضعيف الحجة، وعقوبة مخففة جراء ارتكاب جرائم حرب. وبالمثل، انتقد الرئيس البولندي، أندريه دودا تصريحات ماكرون عبر سؤاله.. هل تحدث أي مسؤول عن إتاحة مثل هذا الخيار لـ«أدولف هتلر»، خلال الحرب العالمية الثانية.
وكتب ميشيل باربيرو، في مجلة فورين بوليسي، أنه في حين أن ماكرون، تعرض لانتقادات دبلوماسية من قبل الحلفاء الأوروبيين المرتبكين؛ فإن نهجه يهدف بوضوح إلى الاضطلاع بدور قيادي في أوروبا وضمان أن تؤمن باريس دورًا بارزًا في مفاوضات السلام التي يجب أن تتم في نهاية المطاف. بالإضافة إلى ذلك، أشار غيوم ديفين، من معهد الدراسات السياسية، إلى أن دبلوماسية التوازن، التي تنتهجها باريس، هي وسيلة مقصودة لتكون على تقارب مع كافة حلفائها، ولكنها تحافظ دائمًا على استقلالية مواقفها واختلافها قليلاً عن شركائها. وفي الواقع، أصر ماكرون، نفسه على أن دور فرنسا الأساسي في هذا الصراع هو أن تكون قوة وسيطة.
ومع ذلك، من المهم التأكيد على أن فشل الدبلوماسية في منع هذه الحرب، أو إنهائها لا يعني أن جهود التسوية يجب أن تتوقف. وبمجرد أن تصل الحرب إلى مرحلة يكون فيها أحد الطرفين قويًا بما فيه الكفاية، أو أصبحت تكلفة الحرب بالنسبة لكليهما أكثر من اللازم، يمكن للدبلوماسية أن تثبت أنها أداة ناجحة لإبرام اتفاق سلام. وطالما لم يتحقق هذا السيناريو، فإن معالجة الأزمة من خلال أساليب دبلوماسية بين طرفين غير مهتمين وغير موثوقين ببعضهما البعض ستذهب سدى.
على العموم، مع عدم وجود نهاية واضحة للعنف في أوكرانيا، من المقرر أن تستمر الاضطرابات الحالية في الإمدادات الغذائية العالمية، ومن المحتمل أن تواجه العديد من دول الشرق الأوسط تحديات اقتصادية كبرى نتيجة لذلك. وكما لاحظت عبير عطيفة، من برنامج الغذاء العالمي، قد تؤدي الحرب إلى زيادة حالة انعدام الأمن الغذائي، وبالتالي مزيد من الاضطرابات والعنف، مما يسلط الضوء على المخاطر النهائية لهذه الاضطرابات.
وعلى الرغم من أن خطة حماية السفن التي اقترحتها الأمم المتحدة، قد لقيت ترحيبا، فإنه لا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت أوكرانيا أو روسيا ستوافقان على شروطها أو تدعمان تنفيذها. وطالما استمر مأزق تأمين الشحن؛ ستستمر قضايا انعدام الأمن الغذائي في النمو بالنسبة لمستوردي الأغذية والمستهلكين على حد سواء.