5/7/2022
قراءة في إجراءات "مجموعة السبع" ضد الاقتصاد الروسي
عُقدت القمة الـ"48" لدول "مجموعة السبع"، في وقت حرج مع استجابة التحالف عبر الأطلسي لحرب الاستنزاف ضد روسيا؛ بسبب حربها في أوكرانيا. وعلى الرغم من أن قادة الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وكندا، واليابان، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، تعهدوا بدعم الدفاع عن كييف، إلا أن الانقسامات البارزة بشأن السياسة تجاه موسكو، ألقت بظلالها على النقاشات، وقوضت وحدة التحالف.
وفي طليعة المحادثات، كانت هناك آراء حول كيفية معاقبة روسيا خارج نطاق العقوبات الاقتصادية المفروضة بالفعل ضدها. وأوضح جيم تانكرسلي، في صحيفة نيويورك تايمز، أن الإجراءات التي اتُخذت حتى الآن لم تحد من قدرتها أو تصميمها على شن الحرب، وبالتالي، فإن الاقتراح الآن، هو خطة قوية للتحكم بسعر النفط وتقييد الإيرادات التي تُؤمن آلة حرب بوتين؛ أي وضع حد أقصى لسعر صادرات النفط الروسية العالمية.
من جانبه، أشار مايكل شير، في صحيفة نيويورك تايمز، إلى عزم الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وغيره من قادة العالم، خلال القمة، على الاستمرار في معاقبة روسيا على الرغم من ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء. وأوضح سام فليمنج، في صحيفة فاينانشيال تايمز، أن فكرة فرض سقف لأسعار صادرات النفط الروسية؛ مدفوعة بمخاوف من أن موسكو تستفيد من ارتفاع أسعار الطاقة؛ وذلك على الرغم من العقوبات المفروضة عليها من قبل الغرب.
ووفقا لـ"جيسون بوردوف"، وميغان أوسوليفان، في مجلة فورين بوليسي، فإن أسعار النفط العالمية، لا تزال بالقرب من مستويات قياسية مرتفعة. واستفادت موسكو، من زيادة عائداتها من صادرات النفط، والتي تقف حاليًا عند مستوى يقرب من مليار دولار يوميًا، استنادًا إلى شهر يونيو 2022 لتصديرها حوالي 3.9 ملايين برميل من النفط. وأوضح إدوارد فيشمان، من المجلس الأطلسي، أنها جمعت في الأيام المائة الأولى من حرب أوكرانيا، ما يقرب من مائة مليار دولار من خلال مبيعات الطاقة في الأسواق العالمية، وأن أكثر من 60% من هذا الرقم، يأتي من بيع النفط الخام والمنتجات البترولية.
وعلى الرغم من أن واشنطن، ولندن، قد حظرتا واردات الطاقة الروسية، ووافق الاتحاد الأوروبي على التخلص التدريجي من استخدامها؛ فقد رُفضت اقتراحات بحظر عالمي لصادرات موسكو، من الطاقة باعتبارها غير عملية. وأوضح المجلس الأطلسي أن الغرب لا يستطيع منع المشترين الجدد من التدخل لشراء صادرات نفط روسية أرخص، وأن قطع الإمدادات الروسية، تمامًا من شأنه أن يؤدي إلى رفع أسعار الطاقة، ومن ثمّ، إلحاق المزيد من الضرر بالاقتصادات الغربية التي تعاني من ارتفاع مستويات التضخم.
ووصف تانكرسلي فكرة فرض حد أقصى لسعر صادرات النفط الروسية العالمية، بأنها الأكثر حداثة، وربما الأكثر أهمية، في إطار هجوم اقتصادي مقترح ضد موسكو. وفي حين أن هذا من شأنه أن يسمح للأخيرة بمواصلة بيع النفط في الخارج، إلا أنه سيحد بشدة من عائداتها؛ استنادًا إلى أن الدول ستسعى إلى أقل سعر يمكن مقابل سلعة مهمة مثل النفط. وبالتالي، إذا تم التوصل إلى اتفاق بين دول المجموعة، ودول العالم الأخرى لشراء النفط بسعر أقل بكثير من القيمة السوقية العالمية؛ فإن المشترين في الصين والهند سيصرون على دفع سعر منخفض، مما يزيد من إضعاف عائدات صادرات موسكو.
وبناءً على ذلك، أشار فيشمان إلى أن قيام الهند بمساومات للحصول على النفط الروسي، من خلال تحديد سقف الأسعار، يمنح دول المجموعة المزيد من النفوذ؛ لتقليل أسعار النفط. وفي حين يتم تداول خام برنت حاليًا بين 110 دولارات و120 دولارًا للبرميل، فإن بيع النفط الروسي بسعر مخفض يتراوح بين 30 إلى 40 دولارا للبرميل، سيؤدي إلى خسارة المليارات من العائدات المحتملة لموسكو.
علاوة على ذلك، يرى فيشمان، أنه بالإضافة إلى تحديد سقف لسعر الصادرات الروسية، يمكن للدول الغربية أن تجعل من غير القانوني لأي بنك أو شركة تقديم دعم مادي لشحنات النفط الروسي التي تتجاوز سقف السعر، وكذلك التهديد بعقوبات ثانوية، ضد المؤسسات الأجنبية التي تشارك في معاملات تنتهك سقف هذا السعر. وكتب ديفيد لودر، من وكالة رويترز، أنه إذا رفضت روسيا بيع خامها بالسعر المحدد، فإنه سيكون لديها خيارات قليلة لبيعه بسعر أعلى؛ في ظل العدد المحدود من السفن التي ستكون متاحة لتجاوز العقوبات. ومع ذلك، حذر برايان أوتول، من المجلس الأطلسي، من أن فرض مثل هذه العقوبات، قد يتسبب في مزيد من الزيادات في أسعار الطاقة في بيئة تضخم مرتفعة بالفعل.
وبالنسبة إلى الغرب، لاحظ المراقبون أن إدخال دول أخرى في العقوبات الاقتصادية المعادية لروسيا، هو مسألة أخرى معقدة. وأشارت كاتيا أدلر، من شبكة بي بي سي، إلى أن هذه مبادرة لا يمكن أن تنجح إلا إذا كان هناك ما يكفي من الدول، وأكبر اقتصادات العالم على الإطلاق. وعلى الرغم من إجراء المجموعة مناقشات إيجابية ومثمرة مع بكين، ونيودلهي، بشأن خطط الحد الأقصى للأسعار؛ فقد علق تانكرسلي بأنه ليس هناك ما يضمن أن الخطة ستتجاوب بسرعة. لذلك، رأى أن تنفيذ هذا الإجراء سيكون شاقًا ومحفوفًا بالمخاطر، ويستغرق وقتًا طويلاً، بالإضافة إلى أنه محفوف بالانقسامات السياسية، مشيرًا إلى أن التوصل إلى إجماع في أوروبا لتأييد حظر نفطي على روسيا، كاد أن يفكك تقريبًا وحدة الكتلة الأوروبية.
من ناحية أخرى، تم التحذير من أن التقديرات الخاطئة واللوائح التنظيمية المطبقة بشكل غير صحيح، يمكن أن تضر بأسواق الطاقة العالمية المتقلبة بالفعل. وصرح أوتول بأن الإخفاق في إنشاء آلية إنفاذ واضحة للحد الأقصى لأسعار صادرات الخام والمنتجات النفطية الروسية سوف يؤدي إلى الارتباك بين وسطاء وسماسرة النفط، وأنه بدلاً من العمل على تهدئة الأسعار، قد يؤدي الإخفاق إلى تذبذب أسواق النفط التي تكافح من أجل التكيف مع العقوبات الحالية، وعملية إعادة توجيه الصادرات النفطية وخطط التوريد البديلة.
علاوة على ذلك، حذر الباحث من تاريخ طويل من المراوغة؛ لتجنب وطأة العقوبات من قبل بعض الدول. ووصف دارين وودز، من شركة إكسون موبيل، آلية وضع حد أقصى لأسعار الصادرات، بأنه تحد معقد، ورأى أن تنفيذ تلك الآلية ليس واضحًا، متسائلا كيف ستعمل في ظل أن أسواق الطاقة العالمية لا زالت تعمل بكفاءة وفعالية. وحذر مارك موزور، بنشرة بلاتز العالمية، من العواقب غير المتوقعة لذلك، وأشار إلى أن تحديد سقف الأسعار لن يضع روسيا تحت ضغط مالي فوري يتوقعه الكثيرون، وأنه بدون التنسيق مع الهند والصين، يمكن أن يكون الأمر، إشارة لزيادة الطلب على الأسواق النفطية باختلافها، بعيدًا عن موارد الطاقة الروسية.
ونتيجة هذه الصعوبات اقترح المراقبون بدائل محتملة للاتفاق على سعر موحد لصادرات النفط الروسية. وأوضح فيشمان، أن الطريقة الفعالة والجوهرية، للتأثير على الصادرات النفطية الروسية، تتطلب فرض الدول الأوروبية وغيرها، إيداع إيرادات موسكو من عمليات بيع النفط في حسابات بالعملة المحلية التي لا يمكن استخدامها إلا لتمويل التجارة الثنائية فقط، وهو النهج الذي طبقه الغرب حاليًا ضد صادرات الطاقة الإيرانية. ومع ذلك، أقر أن تطبيق مثل هذا النظام مع روسيا، سيتطلب امتثالًا من قبل مستوردي النفط الروسي غير الغربيين، دون إعطائهم حافزًا إيجابيًا قويًا للقيام بذلك.
وفيما يتعلق بإمكانية فرض تعريفات جمركية ضخمة على واردات الطاقة الروسية، حذر أوتول من أن الأمر سيواجه تحديات، حيث أثبتت أسعار النفط المرتفعة بالفعل أنه لا يوجد أمام الأوروبيين بديل كافٍ لإمدادات النفط والغاز الروسية، وبالتالي، سيتحملون هذا العبء في النهاية. وبدلاً من ذلك، فضل تقليل قدرة روسيا على الاستفادة من صادراتها من الطاقة من خلال القضاء على قابلية تحويل الروبل إلى عملات أجنبية أكثر استقرارًا، وهو ما من شأنه أن يلحق أضرارًا جسيمة باقتصادها، وسيكون له تأثير على تجارتها العالمية.
وعلى المدى الطويل أعلنت 10 دول في الاتحاد الأوروبي استعدادها لتفعيل خطة طوارئ لمواجهة انخفاض إمدادات الغاز الروسية. وأشار بوردوف، وأوسوليفان، إلى أنه على عكس العديد من الأساليب التي يتم تبنيها من قبل الغرب؛ فإن زيادة كفاءة الطاقة والاعتماد على المصادر المتجددة، يمكن أن تقلل من النفوذ الروسي المهيمن على أوروبا، ومواجهة أزمة ارتفاع أسعار الطاقة.
بالإضافة إلى ذلك، هناك أيضًا انقسامات داخل مجموعة السبع، حول أفضل طريقة لاستهداف صناعة النفط الروسية. وأشار المجلس الأطلسي إلى أنه بينما تقوم واشنطن بالضغط من أجل تحديد حد أقصى لأسعار النفط الروسية، تريد فرنسا، سقفًا عالميًا ليس على مستوى الروس فقط، ولكن على مستوى كافة الدول المنتجة، وهو ما يتطلب تنسيقًا غير محتمل مع منظمة أوبك. وذكرت صحيفة فاينانشيال تايمز أنه في حين تسعى إيطاليا إلى وضع حد أقصى لأسعار الطاقة الروسية رأت ألمانيا أنه من أجل أن تكون تلك الخطوة مجدية سوف تحتاج إلى الكثير من العمل، واصفة المقترح بـ الطموح للغاية.
ومع ذلك، أكد فيشمان على ضرورة انخراط واشنطن، كجهة فاعلة اقتصادية في هذه المسألة. وأشار إلى أنه في حين أن التأييد الكامل لمجموعة السبع للاتفاق على حد أقصى للسعر، من شأنه أن يضيف شرعية لهذا الإجراء؛ فإن اتفاقهم بالإجماع ليس الفيصل في تنفيذ تلك السياسة. وأنه من الناحية العملية مطلوب التزام الولايات المتحدة بتنفيذ هذا الإجراء، وفرض عقوبات ثانوية عند الحاجة إلى ذلك. ولا شك أن مثل هذا الإجراء كان أحد أبرز النجاحات في إدارة آليات السيطرة الاقتصادية الحديثة على صادرات الطاقة الإيرانية العالمية.
وبعيدا عن ذلك، أعادت مجموعة السبع تأكيد التزامها بالدفاع عن أوكرانيا، ومواصلة تقديم الدعم الإنساني والعسكري والدبلوماسي، لمساعدتها لأطول فترة ممكنة. وحث رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، الغرب على تحمل التداعيات الاستراتيجية، متوقعًا أنه ستبدأ المعاناة الاقتصادية قريبًا في الانحسار، وبالإضافة إلى المحادثات المناهضة لصادرات النفط الروسية، أصدر قادة المجموعة، حظرا على واردات الذهب الروسي، وهي صادرات رئيسية، أشار بايدن، إلى أنها تسمح لبوتين بالاستفادة من عشرات المليارات من الدولارات.
علاوة على ذلك، كانت هناك محاولات لمعالجة العواقب الاقتصادية العالمية لحرب أوكرانيا. وتعهد قادة المجموعة، بتقديم 4.5 مليارات دولار العام الجاري لمعالجة انعدام الأمن الغذائي الذي تفاقم بسبب الحرب. وأشار شير، إلى أن ما يصل إلى 323 مليون شخص حول العالم، معرضون لخطر نقص الغذاء، وأن الولايات المتحدة ستخصص ما يقرب من 2.7 مليار دولار، كجزء من مساعداتها لأوكرانيا. ومع ذلك، أوضح شير، أن القلق الرئيسي المتمثل في الموانئ الأوكرانية المحاصرة والضرورية لنقل صادرات الحبوب لا يزال بدون معالجة، رغم دعوة دول المجموعة موسكو، إلى إنهاء حصارها للموانئ دون شروط.
على العموم، لا يزال التصعيد الجيوسياسي يمثل خطرًا كبيرًا، حيث أعقب اجتماع مجموعة السبع، انعقاد قمة الناتو، في مدريد. وأعلن الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، أنه سيزيد عدد القوات التي تمتلكها أوروبا لتكون على أهبة الاستعداد للانتشار السريع، ردًا على أي هجوم، بدءًا من 40 إلى 300 ألف جندي.
بالإضافة إلى أن مضاعفة التحالف الغربي مساعيه لفرض عقوبات اقتصادية أشد قسوة على موسكو، تعتبر بمثابة إشارات على أن مستوى التهديد العالمي للحرب الأوكرانية لم ينحسر منذ بدأت الحرب. وبدلاً من ذلك، تتصاعد حدة العداء مع عدم وجود تسوية قابلة للتطبيق في الأفق لأي من الجانبين.