13/7/2022
ملاحظات بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين بريطانيا ودول الخليج
حقق السعي وراء تحقيق شراكة أوثق بين «المملكة المتحدة»، و«دول الخليج»، خطوة إلى الأمام؛ مع بدء المفاوضات الرسمية بشأن اتفاقية التجارة الحرة. ومع الجهود التي تبذلها «بريطانيا»، بقيادة «آن ماري تريفيليان»، وزيرة التجارة الدولية، أعربت «لندن»، عن رغباتها في اتفاق واسع النطاق، يشمل تخفيضات جمركية أو إلغاءها، وزيادة تدفقات الاستثمار في كلا الاتجاهين، فضلا عن مزيد من التعاون في التقنيات والمبادرات الخضراء.
وفي السنوات التي أعقبت مغادرتها الاتحاد الأوروبي، سعت «المملكة المتحدة»، إلى إبرام العديد من الاتفاقيات الجديدة. بينما تبنت دول الخليج نوعين من صور التعاون الاقتصادي، هما «اتفاقيات التجارة الحرة»، و«اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة»، كوسيلة لتعزيز التعاون مع القوى الخارجية. وفي الآونة الأخيرة أضحت هذه الاتفاقيات شائعة بين الدول التي تسعى إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية ومتعددة الأطراف. وفي حين تسعى «الأولى»، إلى «إزالة التعريفات والحواجز التجارية لتقليل أكبر عدد ممكن من القيود المفروضة على تدفق التجارة»؛ سعت «الثانية»، إلى «خفض الحواجز التجارية في سياق اتفاقيات اقتصادية أوسع نطاقا، بشأن مسائل، مثل الاستثمارات المتبادلة، وتبادل المعلومات، وتوثيق العلاقات الدبلوماسية».
وتتمتع كل من بريطانيا ودول الخليج بخبرة في التفاوض على كلا النمطين من الصفقات التجارية. ومؤخرا، وقعت «المملكة المتحدة»، اتفاقيات شراكة اقتصادية شاملة مع اليابان، (سبتمبر2020)، واتفاقيات تجارة حرة مع أستراليا، (ديسمبر2021)، ومثلها مع نيوزيلندا، (فبراير2022)، بالإضافة إلى اتفاقية التجارة الرقمية مع سنغافورة (فبراير 2022)، كما أنها بصدد التفاوض على اتفاقيات تجارة حرة جديدة مع كندا والمكسيك والهند، وذلك على الرغم من أن المحادثات مع «واشنطن»، حول صفقة تجارية جديدة مماثلة، قد تراجعت في الأشهر الأخيرة. وكما أوضح «أليستير سموت»، من وكالة «رويترز»، فإن هذه الصفقات تهدف إلى استبدال ما «أبرمته بريطانيا من صفقات قبيل مغادرتها الحيز التجاري للاتحاد الأوروبي».
وعلى الرغم من اعتراف «سيمون كير»، في صحيفة «فاينانشيال تايمز»، بأن الإمارات وقطر «وقعتا مؤخرًا شراكات استثمارية كبيرة مع المملكة المتحدة»، إلا أن الأخيرة ليس لديها حاليًا أي اتفاقيات تجارة حرة مع دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي».
ووفقًا لـ«توماس هاردينغ»، و«أحمد ماهر»، في صحيفة «ذا ناشيونال»، تسعى «لندن»، الآن إلى «صفقة تجارة حرة شاملة» مع دول الخليج، تأخذ التعاملات التجارية المتبادلة «إلى مرحلة تالية من التعاون»، مشيرين إلى المشاورات الجارية حول اتفاقية تجارية تم إطلاقها في أكتوبر 2021. وفي 22 يونيو 2022، بدأت «تريفيليان»، اجتماعات مع الأمين العام لمجلس التعاون، الدكتور «نايف الحجرف»، للحديث عن شروط اتفاقية محتملة.
وتم تبني النموذجين -المشار إليهما- من اتفاقات الشراكة الاقتصادية بشكل متزايد في الشرق الأوسط في الوقت الحالي. ووقعت «الإمارات» اتفاقيات شراكة مع الهند في فبراير2022، كما أحرزت «أبو ظبي»، تقدمًا في المحادثات التجارية مع كوريا الجنوبية، وإندونيسيا، بالإضافة إلى كتلة من ست دول في شرق إفريقيا.
ومن المنظور البريطاني أوضح «كير» أن سعي «لندن»، لتوقيع اتفاقيات التجارة الحرة؛ يرجع إلى رغبتها في زيادة التجارة بشكل كبير مع دول مجلس التعاون الست». وتبلغ التجارة السنوية بين الجانبين بالفعل 33.1 مليار جنيه إسترليني. وتعتبر «بريطانيا»، سابع أكبر شريك تجاري لدول المجلس. وتبلغ قيمة التجارة بين «المملكة المتحدة»، والسعودية وحدها 11 مليار جنيه استرليني. وكما أوضحت «كير»، فإن أكثر من 10.700 شركة بريطانية صغيرة ومتوسطة قامت بتصدير بضائع إلى الخليج في عام 2020 وحده، مع إرسال أكثر من 85% منها إلى السعودية وقطر والإمارات. ووفقًا لبيانات الحكومة البريطانية، فإن ما يقرب من 600 شركة خليجية في المملكة المتحدة، توفر أكثر من 25.000 وظيفة.
وفي المقابل، سجلت مجلة «جلف بيزنس»، كيف استثمرت الشركات البريطانية في عام 2020 وحد، أكثر من 13 مليار جنيه إسترليني في اقتصادات الخليج، بينما بلغت استثمارات دول الخليج في المملكة المتحدة 15.7 مليار جنيه إسترليني. واقترحت الحكومة البريطانية زيادة بنسبة 16% لهذه الأرقام عبر اتفاقية التجارة الحرة. وكما ذكر «كريستوفر ماكيون»، في صحيفة «ذي إندبندنت»، فإن الصفقة «يمكن أن تعزز الاقتصاد البريطاني، بما يصل إلى 1.6 مليار جنيه إسترليني سنويًا». وأشادت «تريفيليان»، بالمحادثات، باعتبارها «توفر إمكانية دعم الوظائف من دوفر إلى الدوحة»، مع صفقة نهائية تهدف إلى المساعدة في «تنمية اقتصادنا في الداخل، وبناء صناعات خضراء حيوية»، فضلاً عن «توفير خدمات مبتكرة إلى الخليج».
وحول الأهداف التي تسعى «لندن» إلى تحقيقها أوضح «ماكيون» أن بريطانيا تهدف إلى «تخفيضات في التعريفات الجمركية على صادراتها إلى الخليج»، لا سيما الأطعمة والمشروبات، التي بلغت قيمتها 625 مليون جنيه إسترليني في عام 2021 وحده، موضحا أن التعريفات الخليجية على الواردات «تُحدد بشكل عام عند 5%»، وإن كانت بعضها يخضع لضرائب أعلى بكثير»، مضيفا أنه من المحتمل تضمين الاتفاقيات الجديدة «الخدمات المالية، والرقمية»، مع تعليق «تريفيليان» بأننا «نتطلع إلى توقيع اتفاقية شاملة وطموحة وحديثة وذات رؤية مستقبلية، لا تقتصر على البضائع، بل تشمل جميع القطاعات». وأوضح «ماكيون»، أن المحادثات» ستتطلع إلى زيادة فرص الاستثمار في المملكة المتحدة، والذي من شأنها تعزيز الاقتصادات المحلية».
وفي هذا الصدد، أشار «توماس»، و«ماهر»، إلى أن الاتفاقات الجديدة، )ستمثل فوائد كبرى للمزارعين والمنتجين البريطانيين(، لأن منطقة الخليج «تعتمد بشكل كبير على الأغذية المستوردة». وانعكاسًا لذلك رحب «الاتحاد الوطني البريطاني للمزارعين»، ببدء المحادثات التجارية، مشيرًا إلى رغبته في إلغاء التعريفات الجمركية لدول الخليج على الواردات الغذائية، مشيرا إلى نمو صادرات لحم الضأن إلى الخليج بنسبة 650% بين عامي 2018 و2019. وأشار «جوناثان رايلي»، في مجلة «فارمرز ويكلي»، إلى أن الاتفاقات من شأنها «تشجيع المزيد من الشحنات التصديرية المنتظمة إلى منطقة الخليج».
ومن جانبهم، رحب قادة الأعمال البريطانيين ببدء المناقشات التجارية. وعلق «ستيفن بيبسون»، من «هيئة المصنعين البريطانيين»، بأنها ستساعد في )تعزيز الفرص التجارية(؛ «لضمان استفادة قطاع التصنيع من التدفقات الإيجابية المستقبلية للسلع والخدمات إلى منطقة الخليج». وأشار «وليم باين»، من «غرفة التجارة البريطانية»، إلى «إمكانية زيادة أكبر لأعداد المصدرين في جميع أنحاء المملكة المتحدة إلى المنطقة».
بالإضافة إلى ذلك، وصف رئيس مجلس الأعمال الإماراتي البريطاني اللورد «إدوارد ليستر»، المناقشات بأنها «عظيمة»، لكلا الجانبين، وأن ذلك كان شيئا يسعى «بشدة لتحقيقه». وأعربت الوزيرة البريطانية السابقة للشرق الأوسط )إليزابيث سيمونز(، عن «سعادتها» بالتقدم الأخير، مضيفة أنه «من الواجب الآن إجراء محادثات تجارية «بأكبر قدر ممكن من الطاقة والمعرفة والالتزام».
في مقابل ذلك، تم التأكيد أيضًا على النتائج الاقتصادية الإيجابية لدول الخليج. وأوضحت «تريفليان» أن لندن تسعى «لدعم تدفق الاستثمارات في كلا الاتجاهين»، كما أن المملكة المتحدة هي ثالث أكبر سوق تصدير بالنسبة للخليج. وأوضح «كير»، أن دول الخليج، «ستتجه بقوة من أجل وصولها إلى سوق المملكة المتحدة»، بما في ذلك من خلال العمل على تخفيضات الرسوم الجمركية، والحواجز التجارية مع مصدريها». وأشار «ماكيون»، إلى الكيفية التي من المتوقع أن يرتفع بها الطلب الخليجي على السلع والخدمات الخارجية الدولية بنسبة 35% في السنوات الـ 13 المقبلة، حيث وضع «كير»، أن هذه النسبة من بينها أنشطة اقتصادية تصل إلى 800 مليار جنيه إسترليني، بحلول عام 2035، مما يعني أن التوسع في الشركاء التجاريين الرسميين سيساعد معدلات النمو الاقتصادية المستقبلية.
وتمت الإشارة إلى قدرة بريطانيا على مساعدة دول الخليج في جهود تنويع الطاقة. وذكر «ماكيون»، أن المملكة المتحدة تسعى إلى أن تكون جزءًا من جهود تنويع الطاقة في الخليج من خلال السعي إلى وصول صناعاتها التكنولوجية، بما في ذلك «التكنولوجيا الخضراء»، لمساعدتها على الانتقال بعيدًا عن الاعتماد على الوقود الأحفوري». وكجزء من هذا الجهد، أشار إلى أن تخفيض الرسوم الجمركية بنسبة 15% على أجزاء توربينات الرياح بريطانية الصنع، يمكن أن «يساعد الإمارات على بلوغ هدفها بتوليد 50% من طاقتها الكهربائية من مصادر متجددة بحلول عام 2050». كما اعتبر «بيبسون»، أن تقنيات «التكنولوجيا الخضراء»، توفر «فرصًا كبيرة» للشركات البريطانية التي «تقود الطريق بالفعل في هذا المجال».
من جانبه، صرح الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، أن الاتفاق سيشكل «نقطة تحول رئيسية في العلاقات التاريخية والاستراتيجية بين دول المجلس وبريطانيا». وقال وزير التجارة الخارجية الإماراتي، «ثاني الزيودي»، إن المحادثات تمثل «فرصة كبيرة» لتعزيز التجارة، و«زيادة تنويع سلاسل التوريد، وتسريع نقل الخبرات والمعرفة ذا الأهمية». وأعرب وزير الصناعة والتجارة والسياحة البحريني، «زايد الزياني»، عن دعمه لاتفاق التجارة الحرة المستقبلي.
وفيما يتعلق بالإطار الزمني المحتمل للمناقشات أوضح «كير»، أن سرعة المحادثات تعتمد على «مدى استعداد دول الخليج للتفاوض على اتفاق جوهري، خاصة أن اتفاقيات التجارة الحرة السابقة بين لندن وأستراليا ونيوزيلندا»، تشير إلى «قدرتها على التحرك بوتيرة سريعة في هذا الصدد». وأكدت «تريفيليان» أن الفترة الزمنية «الواقعية» لاختتام المفاوضات «يصعب تحديدها»، ويمكن أن تمتد من «سنة إلى سنة ونصف». وأوضح السفير الإماراتي لدى بريطانيا، «منصور خلفان»، أن بلاده ترغب في «أن تسير هذه المحادثات والمناقشات التجارية بوتيرة سريعة».
وبغض النظر عن المدة التي تستغرقها المفاوضات فمن الواضح أن بدء المحادثات الرسمية قد عزز أواصر العلاقات التاريخية بين الجانبين. وأكد سفير المملكة المتحدة في الرياض، «نيل كرومبتون»، أن اتفاق التجارة الحرة، سيعزز )التعاون الدبلوماسي القوي بين الخليج وبريطانيا، فضلاً عن تعزيز «النمو الاقتصادي والازدهار» لكليهما(. وأشار المدير التنفيذي لمجلس الأعمال الإماراتي البريطاني، «برادلي جونز»، إلى أن لندن، قد تسعى أيضًا إلى توقيع «اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة»، مع الإمارات، خاصة أن هذا من شأنه «تغطية الكثير من القضايا والأعمال التجارية»، بصورة أكبر من اتفاق التجارة الحرة.
ويتزامن بدء محادثات بريطانيا لإبرام اتفاق تجارة حرة مع الخليج، مع سعي «الاتحاد الأوروبي»، أيضًا إلى تعزيز علاقاته الاقتصادية والسياسية مع المنطقة. وأوضح «توماس»، و«ماهر»، أن بروكسل، كشفت في مايو 2022، عن «استراتيجية شاملة جديدة» لعلاقتها المستقبلية مع دول مجلس التعاون، تشمل «الأمن العالمي، والتجارة، والتحول الأخضر، والرقمنة».
من ناحية أخرى، بدأت دول الخليج مفاوضات تجارية مع «بكين»، من أجل توقيع اتفاقيات تجارية رسمية. وأشار «روي يلينك»، من «معهد الشرق الأوسط»، إلى أن زيارة وفد من المسؤولين الخليجيين للصين في يناير 2022، كان يهدف إلى إقامة «علاقات أوثق» مع بكين، «وإثارة ملامح الآفاق المستقبلية لاتفاقية التجارة الحرة بين دول الخليج والصين».
على العموم، وكما أوضح المراقبون، فإن هناك تفاؤلا واضحا في كل من المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون، حيال إمكانية الوصول إلى اتفاقية تجارة حرة جديدة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية القوية بالفعل. وعلى الرغم من اعتراف «تريفيليان»، بأن توقيع اتفاق للتجارة الحرة «الشاملة» بين الجانبين يمكن أن ينطوي على «محادثات أكثر حول الكثير من القضايا»؛ إلا أن وزيرة التجارة البريطانية لا تزال مصممًة على أنه حتى لو لم تكن المحادثات الأولية شاملة لكافة النقاط فإنها تعتبر «نقطة انطلاق»، قيّمة للمناقشات «للمضي قدمًا».