4/8/2022
تأثير شراء الصين للنفط الروسي الرخيص على دول الخليج
في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، تعرّض سوق تصدير الطاقة لموسكو للعديد من العقوبات والمقاطعات الدولية، حيث أوردت صحيفة وول ستريت جورنال أن الولايات المتحدة وكندا فرضتا «حظرًا على النفط الخام الروسي»، في حين أن الاتحاد الأوروبي، أحد العملاء الرئيسيين للنفط الخام والغاز الطبيعي الروسي، سرعان ما حدد خطة لإنهاء اعتماده بمقدار الثلثين على نفط موسكو قبل نهاية عام 2022، كما تسبب الغزو الروسي في ارتفاع أسعار النفط الخام بشكل كبير على مستوى العالم. وسجل مايلز ماكورميك، في صحيفة فاينانشال تايمز، كيف ارتفع سعر برميل خام برنت من 96,84 دولارا قبيل الغزو، إلى أكثر من 130 دولارًا للبرميل بعد قرار غزو الروس لأوكرانيا.
وفي حين تم تجنب النفط الروسي في وقت لاحق من قِبَل الأسواق الغربية، فإن الدول الآسيوية التي رفضت إدانة أفعال فلاديمير بوتين علنًا، وعلى الأخص الهند والصين، كما تحولت بشكل ملحوظ إلى تبني صادرات خام أرخص من موسكو، وفي الواقع، في وقت مبكر من مارس 2022، سجلت ويزين تان، من شبكة «سي ان بي سي» ارتفاعًا كبيرًا في شحنات النفط الروسي إلى الهند، وهي ذات الديناميكية التي تكررت في وقت قريب في الصين.
كما أوضح روبرت موجيلنيكي، كبير باحثين مقيم في معهد دول الخليج العربي بواشنطن: فإن اعتماد الصين على وجه الخصوص لاستيراد كميات أكبر من النفط الروسي الرخيص يمكن أن تكون له آثار كبيرة على علاقات الطاقة الخليجية الآسيوية، خاصة مع عدم وجود بوادر في الأفق توحي بنهاية حرب أوكرانيا، وبالتالي يمكن توقع انخفاض أسعار الطاقة الروسية لبعض الوقت في المستقبل.
وقبل فبراير 2022، كان الشرق الأوسط هو السوق الأساسية لتصدير الطاقة للمشترين الصينيين، حيث وصف جون كالابريس، مدير مشروع الشرق الأوسط وآسيا بمعهد الشرق الأوسط، الأنشطة التجارية والاستثمارية في قطاع النفط والغاز بأنها «الركائز التي بُنيت عليه العلاقات بين الصين والشرق الأوسط على مدى العقود الثلاثة الماضية»، وبلغت قيمة صادرات النفط الخام السعودي إلى الصين وحدها 35,6 مليار دولار في عام 2019، و24,7 مليار دولار في عام 2020، وتمثل سبب انخفاض التعاملات في 2020 في جائحة فيروس كورونا. وفي انعكاس للعلاقات الاقتصادية الوثيقة، أوضح أمين الناصر، الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية في مارس 2021، أن صادرات الطاقة إلى الصين ستكون «أولوية قصوى» للشركة «ليس فقط للسنوات الخمس المقبلة ولكن للسنوات الخمسين المقبلة وما بعدها».
وعن بقية دول الخليج، وصف موجيلنيكي «الطلب الصيني على صادرات النفط والغاز العمانية» بأنه «محوري في العلاقات الصينية العمانية»، حيث شكّلت مشتريات بكين أكثر من 45% من صادرات الطاقة للسلطنة في عام 2020. وبالمثل، كانت الصين أكبر سوق منفردة لصادرات النفط الخام الكويتي، حيث استحوذت على 28,6% من صادرات النفط الخام في عام 2020، بعد أن تجاوزت كوريا الجنوبية واليابان في هذا الصدد منذ عام 2017. وبالنسبة لقطر، ذكر موجيلنيكي كيف أن 76% من إجمالي صادرات الغاز القطري في عام 2019 كانت «موجهة للصين»، مضيفًا أنه «في العقد الذي يسبق عام 2019، نما حجم قطاع الغاز الطبيعي والبترول المكرر في تجارة الطاقة الصينية القطرية بشكل كبير»، وفي المقابل، وصف موجيلنيكي طلب الصين على الطاقة من البحرين بأنه «ضئيل»، حيث أرسلت المنامة ما قيمته 143 مليون دولار من صادراتها من النفط الخام في عام 2020 إلى اليابان.
وبالنسبة إلى الإمارات العربية المتحدة، في غضون ذلك، سجل موجيلنيكي كيف تمكنت أبو ظبي من «موازنة علاقاتها في مجال الطاقة مع العديد من المستهلكين الآسيويين بشكل متساوٍ أكثر من العديد من جيرانها الخليجيين»، على الرغم من أن صادراتها في عام 2019 لا تزال تمثل 3.98 مليار دولار من النفط الخام و1,98 مليار دولار للغاز، في حين أن تجارة الطاقة الإماراتية مع اليابان والهند أكبر من تلك مع الصين، بقيمة 19,4 مليار دولار و7,91 مليارات دولار على التوالي، إلا أن موغيلنيكي أشار مع ذلك إلى كيف «يبدو أن التعاون الصيني الإماراتي في قطاع النفط والغاز ينمو»، مع حجم صادرات بلغ مستويات قياسية في نوفمبر 2021.
وبالتفكير في هذه العلاقات الاقتصادية المزدهرة، أشار أنتوني كوردسمان، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) في أكتوبر 2021، إلى أن التوقعات الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) تشير إلى أن الصين والأسواق الآسيوية الأخرى «سيزداد اعتمادها بشكل حاد على صادرات النفط من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والخليج والذي قد يمتد حتى عام 2050»، مع اعتبار دول الخليج «المصدر الوحيد الموثوق به للصين من صادرات النفط».
ومع ذلك، من الواضح أن الغزو الروسي والعزلة الدولية، والتوافر اللاحق لصادرات النفط الرخيصة للمشترين الآسيويين قد أثر بشكل واضح على مستوردي الطاقة الصينيين والهنود لإعطاء الأولوية للمكاسب الاقتصادية قصيرة الأجل، مع تحليل كالابريس أن «الاعتماد المتبادل» لأمن الطاقة بين الصين والخليج لم يكن كافيًا لمنع بكين من «إجراء تعديلات تكتيكية انتهازية» في سوق الطاقة العالمية.
كما أوضح تشين أيزو، من وكالة رويترز، أن المشترين في آسيا «استفادوا من المعروض المنخفض السعر»، حيث تراوح سعر النفط الروسي في أواخر يونيو 2022 ما بين 30 و40 دولارًا للبرميل، مقارنة بتكلفة خام برنت بين 110 دولارات و120 دولارًا للبرميل.
وقد أدت ديناميكية الأسعار هذه إلى نمو صادرات النفط الروسية إلى الأسواق الآسيوية الرئيسية بشكل ملحوظ في الأشهر الماضية، وقد أشار مات سميث، المحلل بشركة كبلر، إلى أنه تم توثيق وصول 12 مليون برميل فقط من صادرات النفط الخام الروسي إلى الهند خلال عام 2021 بأكمله، ولكن في مارس 2022 وحده تم نقل ما يقرب من 6 ملايين برميل من النفط ذاته، لكون المشترين الهنود يقومون بشراء النفط الروسي بنسبة تخفيض بحوالي 20% من سعره. وفي الصين، ارتفعت مستويات واردات النفط الخام من روسيا بنسبة 55% في مايو 2022، مما يعني أن موسكو حلت محل المملكة العربية السعودية باعتبارها المصدر الرئيسي للطاقة في البلاد. علاوة على ذلك، ارتفعت واردات الصين من الغاز الطبيعي المسال الروسي بأكثر من 56% خلال الشهر نفسه. وفي يونيو 2022، نجد أنه بينما استوردت الصين ما يقدر بـ2,01 مليون برميل من النفط الخام الروسي يوميًّا، انخفضت الواردات من المملكة العربية السعودية إلى 1,44 مليون برميل يوميًّا، حيث نشر موقع «أويل برايس» مقالًا لـ«تسفيتانا باراسكوفا» سلَّطت من خلاله الضوء على كيفية نقل النفط الخام الروسي عبر خط أنابيب شرق سيبيريا المحيط الهادئ (إسبو) للصين «بسعر مخفض بنسبة 10 في المائة» مقارنة بـ«خامات مماثلة الجودة» من البرازيل أو غرب إفريقيا.
وبسبب هذا، أشار كالابريس إلى «بعض الانزعاج» الذي انتشر بين مُصدّري الطاقة الخليجيين، مؤكدًا أنهم «قلقون من حصول منافسيهم على موطئ قدم أقوى في السوق الصينية ذات القيمة العالية»، وأشار موجيلنيكي كذلك إلى أن هناك طلبات متزايدة على النفط الخام الروسي من قِبَل شركة سينوبك الصينية، التي تعتبر «أحد عملاء أرامكو السعودية»، كما أن «الطلب الصيني الإضافي على النفط الخام الروسي قد يؤثر سلبًا في مرحلة ما على مسار العلاقات الصينية الخليجية في مجال الطاقة».
ومع عدم اقتراب حرب أوكرانيا من الانتهاء، وتجنُّب موسكو لوطأة العقوبات الغربية على صناعة الطاقة لديها، يبدو أن مشتريات الصين والهند من النفط الروسي الرخيص لن تتوقف قريبًا، خاصة مع إشارة رويترز إلى أن تكاليف إنتاج النفط لموسكو منخفضة وتبلغ «3 أو 4 دولارات للبرميل»، مما يعني أنه من المرجح أن تستمر الشركات الروسية في تحقيق الأرباح «حتى لو كانت أسعار النفط تتراوح ما بين 25 و30 دولارًا للبرميل».
وعند تحليل مسألة تحول المشترين الصينيين إلى النفط الروسي على المدى القصير، فإنه اعترافًا بأن الخليج لديه «تاريخ قوي من الطلب» من الصين على صادراته من الطاقة، حذر موجيلنيكي من أن دول الخليج «يجب أن تتجنب الاعتماد المفرط على الصين في ضوء التطورات التي يشهدها الطلب على الطاقة». وفي هذا الصدد، أشار الأخير أيضًا إلى كيف أن استخدام بكين المتكرر لعمليات الإغلاق المتعلقة بفيروس كورونا في العديد من المدن لمن أجل منع انتشار العدوى «قد يعيق مستويات الطلب المستقبلية على منتجات الطاقة الخليجية». وفي الواقع، استشهد أيزو بـ«انخفاض إجمالي واردات الصين من النفط الخام في يونيو بالقرب من أدنى مستوى له في أربع سنوات، حيث أدت عمليات الإغلاق الصارمة لاحتواء انتشار فيروس كورونا إلى خفض الطلب على الوقود». وفي الوقت نفسه، يرى كالابريس أن ديناميكية «عدم اليقين والتذبذب» باتت ديناميكية «يجب أن تتعايش معها» صادرات الطاقة في الشرق الأوسط خلال الأشهر القادمة.
إلى جانب هذه الديناميكيات قصيرة ومتوسطة المدى التي تؤثر على العلاقات الصينية الخليجية في مجال الطاقة، سلط المحللون الغربيون الضوء أيضًا على تحول موارد الطاقة العالمية إلى مصادر طاقة أنظف، وتأثير ذلك على دول الخليج على المدى الطويل. ففي حين أوضح كالابريس أن «تأثيرات مستويات العرض والطلب والديناميكيات الجيوسياسية»، بالإضافة إلى «تركيز بكين قصير الأجل على ضمان تدفق إمدادات الطاقة وتعزيز نموها» يعني أن «الصين ستظل مرتبطة بالوقود الأحفوري وتعتمد بشدة على الإمدادات الخارجية أكثر من أي وقت مضى»، كما أشار الأخير إلى كيفية قيام «أسواق الطاقة المتسمة بالتقلب» بـ«زيادة الوعي بين صانعي القرار الصينيين بالمخاطر الناجمة عن التحول الفوضوي للطاقة الخضراء»، وهو ما أثار الرغبة في «إيجاد توازن بين ضرورة ضمان أمن الطاقة والحد من الانبعاثات الكربونية».
وختاما يمكننا القول بأنه على الرغم من وجود آفاق قوية طويلة الأجل للتعاون في إنتاج الطاقة الخضراء بين الصين والخليج، خاصة فيما يتعلق بالهيدروجين، إلا أن صادرات النفط الروسية الرخيصة إلى آسيا على المدى القصير تهدد بتقويض علاقات الطاقة الخليجية مع الصين، وبالتالي تقليل حصة الصادرات القادمة من المملكة العربية السعودية في أسواق استيراد النفط الخام الصينية. ونظرًا لأن حرب أوكرانيا لا تظهر أي علامة على الانتهاء قريبًا، فإنه يمكن توقع استمرار صادرات الطاقة الروسية الرخيصة إلى آسيا لعدة أشهر قادمة على الأقل، وفي هذا الصدد خلص موجيلنيكي إلى أن «التنوع الذكي لشراكات الطاقة على المدى القصير والمتوسط «سيكون مفتاح عملية التنويع الناجح لاقتصادات الخليج بعيدًا عن النفط والغاز على المدى الطويل».