9/8/2022
قراءة في قرار "أوبك+" زيادة إنتاج النفط
منذ تفشي جائحة كورونا عام 2020، حاولت منظمة «أوبك+»؛ التعاطي مع التقلبات في سوق الطاقة العالمي، أولاً عن طريق خفض إنتاجها من النفط، ثم زيادته ببطء تماشيا مع الانتعاش الاقتصادي العالمي. وتمثل المنظمة ما يقرب من40% من إنتاج النفط الخام في العالم، وتعد لاعبا مؤثرا في سوق الطاقة العالمي. وأوضحت «كيت دوريان»، من «معهد الطاقة»، أن التحالف يمتلك القدرة على تحديد «العرض والطلب لتحقيق التوازن في السوق»، و«الحفاظ على ارتفاع الأسعار عن طريق خفض الإمدادات عندما ينخفض الطلب على النفط».
ومع ذلك، ومنذ منتصف عام 2021 ارتفع الطلب على صادرات النفط، لدرجة أنه أصبح يفوق العرض من «أوبك+»، والمنتجين الآخرين. كما اقترنت صعوبات الإنتاج الحالية في الدول الأعضاء في المنظمة بعواقب الغزو الروسي لأوكرانيا، مع تجنب موسكو من قبل الأسواق الغربية، وأوروبا، والتي تبحث عن مصادر بديلة لتأمين احتياجاتها من الطاقة على المدى الطويل.
وانتقلت حالة عدم اليقين في سوق الطاقة العالمية إلى المستهلكين من خلال ارتفاع تكاليف الوقود والطاقة بشكل كبير. وعلى الرغم من تراجع سعر برميل خام برنت إلى حوالي 100 دولار في بداية أغسطس 2022، من 139 دولارًا للبرميل في مارس؛، إلا أن الرقم الحالي يبقى مرتفعًا، مما يعني أن الغرب يواجه «ارتفاعًا في فواتير الوقود». وكما أوضحت «آنا كوبان»، من شبكة «سي إن إن»، فإن «هناك تداعيات سياسية إلى جانب القضايا الاقتصادية». وفي الولايات المتحدة، ارتفع سعر جالون البنزين فوق 5 دولارات للمرة الأولى في يونيو 2022، وظل أعلى من 4 دولارات على الرغم من الانخفاضات المستمرة، وهو ما أسهم في زيادة الضغط السياسي المحلي على إدارة بايدن لاتخاذ إجراءات قبل الانتخابات النصفية للكونجرس الأمريكي في نوفمبر المقبل.
وفي الوقت الحالي، تسعى الدول الغربية لتأمين انخفاض أسعار الطاقة من خلال محاولاتهم إقناع أعضاء «أوبك+»، بتعزيز إنتاجها النفطي. وفي الشهر الماضي وحده، التقى الرئيس الأمريكي، «جو بايدن»، والفرنسي، «إيمانويل ماكرون»، مع ولي العهد السعودي، الأمير «محمد بن سلمان»، وحث كلاهما المملكة على زيادة إنتاجها النفطي لتخفيف الأسعار المرتفعة في الغرب. وفي الحالة الأولى، أشار «مات إيغان»، من شبكة «سي إن إن»، إلى أنه بينما غادر «بايدن»، قمة جدة «دون اتفاق مع المملكة للمساعدة في خفض أسعار الغاز»، فقد أعرب المسؤولون الأمريكيون مع ذلك عن تفاؤلهم بأن المساعدة كانت قادمة في الطريق». وصرح كبير مستشاري الطاقة الأمريكي بالبيت الأبيض، «عاموس هوشتاين»، في منتصف يوليو، أن إدارته كانت «واثقة جدًا» من أن «أوبك+»، سترفع حصص الإنتاج «نتيجة لمحادثات الرئيس» مع المسؤولين السعوديين والخليجيين في جدة.
ومع ذلك، وعند تحديد حصص إنتاج النفط لشهر سبتمبر 2022، وافقت «أوبك+» على زيادة إنتاجها بمعدل 100.000 برميل من النفط الخام يوميًا، وهو المعدل الذي أشار «جو ميدلتون»، في صحيفة «الجارديان»، إلى أنه يعادل «0.1% من الطلب العالمي على النفط». ويمثل هذا الرقم تناقضا مع اتفاقات المنظمة السابقة لزيادة الإنتاج بما يصل إلى 430.000-650.000 برميل كل شهر. وفي شهري يوليو وأغسطس 2022، وافقت على زيادة الإنتاج بمعدل 648 ألف برميل يوميًا. ووصف «ديفيد شيبرد»، و«توم ويلسون»، في صحيفة «فاينانشيال تايمز»، حصة الإنتاج لشهر سبتمبر، باعتبارها، «واحدة من أصغر الزيادات في إنتاج النفط في تاريخ المنظمة».
وفي ضوء ارتفاع أسعار الطاقة في الغرب، قُوبل إعلان المجموعة الأخير بخيبة أمل من قبل المحللين الغربيين. وأوضح الكثيرون أن رفضها طلب واشنطن بزياد الإنتاج، يمثل «إخفاقا سياسيا، لإدارة بايدن محليًا ودوليًا». ووصفت صحيفة «وول ستريت جورنال»، حصص الإنتاج الأخيرة بأنها «متواضعة»، وأشارت «فاينانشال تايمز»، إلى أنها «ضئيلة» و«محاولة لتهدئة الحلفاء الغربيين»، بينما علق «بوب مكنالي»، في شبكة «سي إن إن»، بأنها «غير محسوسة تقريبًا».
وعلى الرغم من ترحيب «واشنطن» بزيادة إنتاج «أوبك+»، حيث صرح «هوشتاين»، أنه مع أن إدارة بايدن «رغبت في رؤية بعض الزيادات في الإنتاج» و«هذا أقل مما هو مرغوب فيه»، إلا أنها «زيادة مع ذلك»، فقد أكد «شيبرد»، و«ويلسون»، أن الإنتاج الإضافي «من المرجح أن يسبب خيبة أمل في الغرب».
وفي تحليل للديناميكيات الجيوسياسية بشكل أكبر، أشارت «هيليما كروفت»، من مصرف «آر بي سي كابيتال ماركتس»، إلى زيارة بايدن الأخيرة إلى السعودية، على أنها زادت بشكل كبير «من مكاسبه السياسية». وكتب «إيغان»، أن «محاولته السياسية» لإصلاح العلاقات مع الرياض «لم تؤت ثمارها بشكل كبير يشعر به الأمريكيون من خلال ضخ الغاز، على الأقل حتى الآن». وشبه «مات سميث»، من شركة «كبلر»، الإعلان بـ«الصفعة على وجه إدارة بايدن». في حين وصفه «رعد القادري»، من مجموعة «أوراسيا»، بأنه «زيادة هامشية» من حيث إنتاج الطاقة العالمي الأوسع نطاقاً.
ومع ذلك، أقر المحللون بصعوبات الإمداد الحالية لأعضاء «أوبك+». وأشار «إيغان»، إلى أن هناك «أسبابا مشروعة» لعدم الاستجابة لدعوة بايدن بزيادة الإنتاج». في حين أوضح «شيبرد»، و«ويلسون»، أن «العديد من أعضاء أوبك يكافحون بالفعل لتحقيق أهداف الإنتاج الخاصة بهم»؛ بسبب «سنوات من نقص الاستثمار»، وبالتالي لن يتمكنوا من تحقيق مكاسب جراء زيادة الإنتاج، و«قد يخسرون إذا انخفضت الأسعار». وأشارت «أوبك» نفسها إلى أن «نقص الاستثمار في قطاع النفط» المرتبط بوباء كورونا، أدى إلى «خفض القدرات الفائضة» للمصدرين، «كأسباب لكون مبلغ الزيادة في سبتمبر 2022 أقل من الأشهر السابقة». وأشارت «سمر سعيد»، و«بينوا فوكون»، في صحيفة «وول ستريت جورنال»، إلى «مشكلات الإنتاج المزمنة» في نيجيريا وأنجولا». وأوضح «ميدلتون»، أن إنتاج «أوبك+» في يونيو 2022 كان «أقل بنحو 3 ملايين برميل يوميًا من حصصها»، مع العقوبات والاستثمارات المنخفضة التي «أعاقت قدرتها على زيادة الإنتاج».
وتؤثر الصعوبات في القدرة الاستيعابية أيضًا على المصدرين الأكثر نفوذاً في «أوبك». وعلى الرغم من أن «ميدلتون»، ذكر أنه «يعتقد أن الإمارات والسعودية فقط لديهما طاقة فائضة لزيادة الإنتاج»، فقد أشارت «فاينانشيال تايمز»، إلى أن الأخيرة تقترب بالفعل من طاقتها الإنتاجية القصوى البالغة 12 مليون برميل من النفط يوميًا». وأوضحت «سعيد»، و«فوكون»، أن المملكة «تقترب من حد الضخ»، وستسعى من أجل الإنتاج بأقصى مستوى لها «لأكثر من بضعة أشهر». ورأى «كريستيان مالك»، من بنك «جي بي مورجان»، أن الرياض «تحاول موازنة دعوات حلفائها الغربيين لزيادة إنتاج النفط»، مقابل «الحاجة إلى الاحتفاظ بطاقتها الاحتياطية في حالة انخفاض الإنتاج بشكل حاد في مكان آخر خلال الأشهر المقبلة».
وكانت هناك تحذيرات من التقلبات طويلة الأجل في سوق الطاقة العالمية. وحذرت وكالة الطاقة الدولية (IEA) مؤخرًا من أن مخزونات النفط العالمية «منخفضة للغاية». بينما توقع تقرير صادر عن منظمة «أوبك»، أن الطاقة الفائضة لأعضائها لإنتاج نفط إضافي ستنخفض إلى 1.7 مليون برميل فقط يوميًا في عام 2023، وإلى 400 ألف برميل يوميًا فقط في العام التالي.
ومما زاد من صعوبة هذا السيناريو، حظر النفط الروسي من السوق الغربية. وحول مدى قدرة أعضاء «أوبك+» الآخرين على سد هذا الانخفاض، أقر «شيبرد»، و«ويلسون»، بأن المملكة وحلفاءها الخليجيين، لن يكونوا قادرين على تعويض النقص المتوقع في الإنتاج الروسي». وأضاف «ديفيد فايف»، من شركة «أرجوس ميديا»، أن التهديدات الغربية بفرض حظر على النفط الروسي «أرعبت الأسواق»، ويمكن أن تؤدي إلى «ضغط حاد في المعروض» من شأنه أن يؤثر أيضًا على أعضاء أوبك. وفيما يتعلق بدور روسيا في «أوبك+»، في غضون ذلك، أوضحت «كارول نخلة»، من شركة «كريستول إنرجي»، أن موسكو «سعيدة بالأسعار عند هذا المستوى» وليس لديها «ما تكسبه من انخفاضها».
وفي ظل هذا الوضع الاقتصادي والجيوسياسي المعقد، أشارت «سعيد»، و«فوكون»، إلى حكمة أعضاء أوبك تجاه الانخفاضات المستقبلية في الطلب، مؤكدين أنهم يشعرون أن «التحالف يحتاج إلى مزيد من الوقت لتقييم التباطؤ المحتمل في الطلب العالمي»؛ قبيل الموافقة على زيادة الإنتاج بشكل كبير». وخلص «مالك»، إلى أنه في حين أن «الزيادة الصغيرة لن تُحدث تغييرًا ماديًا في ميزان السوق»، فإن المجموعة أيضًا «لا يمكن اتهامها بعدم القيام بأي شيء» لتخفيف مخاوف الإمدادات».
على العموم، في ختام رؤاهم حول حصص الإنتاج المخفضة لأوبك+ لشهر سبتمبر 2022؛ رأى المحللون الغربيون أنها تمثل «لفتة رمزية»، موجهة إلى الغرب، وإن كان من المتوقع أن يكون لها «تأثير ضئيل» على أسعار النفط الخام، كما وصفها «ماكنالي»، بأنها «لفتة رمزية بحتة»، على الرغم من أن «هازل سيفتور»، من شركة «وود ماكنزي»، أوضح أنه في حين أن هذا الارتفاع في الإنتاج «يمثل نسبة صغيرة جدًا من إجمالي الإنتاج»، ولا يحدث فرقًا كبيرًا في صورة العرض الإجمالية»، فإنها «لا تزال مهمة من حيث إنها تؤكد التزام المجموعة بإدارة السوق».
من ناحية أخرى، تمت الإشارة إلى تراجع تأثير واشنطن في المنطقة، حيث إن زيارة بايدن إلى جدة في يوليو 2022، قد فشلت في إقناع المنتجين الرئيسيين بزيادة طاقاتهم الإنتاجية، بما يتماشى مع التوقعات الغربية. وخلص «إيغان»، إلى أنه «بغض النظر عن السبب وراء زيادة الإنتاج الضئيلة لأوبك+»، فإنه «من الصعب تصور أن الرئيس الأمريكي قد نجح في الحصول على ما يريد»، خاصة بعد تواصله مع الرياض.