26/8/2022
مكافحة الإرهاب في ظل المنافسة بين القوى العظمى.. رؤية غربية
مع تركيز الاهتمام الاستراتيجي للولايات وحلفائها الغربيين خلال الأشهر الماضية على الحرب الروسية في أوكرانيا، وكذلك بشكل متزايد ضمن مواجهة جيوسياسية ضد النفوذ الصيني المتزايد منذ عدة سنوات، اتضح أن هناك تحولًا ملحوظًا عن أولوية مكافحة الإرهاب في السياسة الخارجية لأمريكا خلال فترة ما بعد 11 سبتمبر -والتي جرى تعريفها من قبل المحللين الغربيين بـ"الحرب على الإرهاب"- في هذه الديناميكية الجديدة. يرى المعلقون أن التنافس بين القوى العظمى والإرهاب لا يقتصر على إرهاب الجماعات المتطرفة، بل تم طرح وجهة النظر القائلة بأن الإرهاب الذي ترعاه الدولة وتوافق عليه سوف يلعب دورًا في هذا العصر الجديد من السياسة العالمية.
طرح مثل هذه المخاطر ليس بالجديد، ففي أبريل 2022 كتب "دانيال بيمان" في موقع "ناشيونال إنترست" أن الحرب الروسية الأوكرانية جعلت الأمر يشبه: "مرحلة في مكافحة الإرهاب في السياسة الخارجية للولايات المتحدة قد انتهت أخيرًا، وأن عصر المنافسة الاستراتيجية قد بدأ رسميا"، ولا يمكن أن يتجاهل صانعو السياسة في واشنطن المخاطر المستمرة للمنظمات الإرهابية المدعومة من قِبَل الجهات الفاعلة الحكومية التي تهاجم المصالح الأمريكية، فقبل ذلك، في فبراير، علق "كريستوفر كوستا" من "مجلس الأمن القومي الأمريكي"، لصحيفة "ذا هل": "إن مكافحة الإرهاب ومنافسة القوى العظمى ليستا خيارًا قابلًا للتطبيق بالنسبة للأمن القومي لواشنطن، حيث يجب القيام بكلا الأمرين في وقت واحد".
وعند التطرق إلى ما طرأ من تحول استراتيجي غربي نحو إعطاء الأولوية لمنافسة القوى العظمى، صاغ المحللون مكافحة الإرهاب كنظام مهمل نسبيًا في الفكر الاستراتيجي، وأوضح "بيمان" أنه على الرغم من اختلافاتهم العديدة حول جوانب أخرى من السياسة الخارجية والدفاعية، سعت الإدارات الأمريكية المتتالية في العشرين عاما الماضية إلى جعل مكافحة الإرهاب أقل أهمية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ليحل محلها التركيز على المخاطر الأمنية الناشئة عن "الصين وروسيا والقوى العظمى الأخرى".
ولاحظ "رافايلو بانتوتشي"، في صحيفة "فاينانشال تايمز"، أيضًا هذا التركيز على التنافس بين القوى العظمى قبل التهديدات المتعلقة بالإرهاب فيما يتعلق بالعملية الأخيرة لقتل زعيم "القاعدة" "أيمن الظواهري" في "كابول"، وهو أمر زعم أنه: "طغى تقريبًا على زيارة "نانسي بيلوسي" لتايوان"، ما يعكس كيف اجتذب التنافس المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين في شرق آسيا مزيدًا من الاهتمام من المعلقين الدوليين ووكالات الأنباء في السنوات الأخيرة.
وعلى الرغم من الحد من سيطرة "داعش" على الأراضي في العراق وسوريا، وتصفية "الظواهري"، فإن خبراء أمنيين يرون أن عددًا لا يحصى من التهديدات الإرهابية العالمية لا تزال قائمة، فقد علق "جاويد علي"، من جامعة "ميشيغان"، بأنه: "في حين أن اغتيال "الظواهري" ربما يشير إلى فصل جديد وربما (نهائي) للقاعدة، لا تزال هناك خمس مجموعات منتشرة في جميع أنحاء العالم تعتبر نفسها منتسبة "إلى القاعدة"، ولديها درجات متفاوتة من القدرة أو الهدف لشنّ هجمات ضد المصالح الغربية أو الأمريكية محليًا".
ومع استمرار وجود نقاط ساخنة لعدم الاستقرار، والتوسع المحتمل للتطرف في بقاع من آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا في ظل المحور الاستراتيجي الأمريكي بعيدًا عن عمليات مكافحة الإرهاب على مستوى العالم، فقد لوحظ خطر سعي القوى الأخرى لملء الفراغ الذي خلفه غياب الولايات المتحدة أو الغرب، ومع إيلاء اهتمام خاص للكيفية التي قد تؤدي بها هذه التدخلات إلى تفاقم المشكلات الأمنية بدلًا من تخفيفها فقد قام "بانتوتشي" بتحليل يفيد بأنه نظرًا إلى أن الموارد الغربية لمكافحة التطرف في جميع أنحاء العالم (تم سحبها أو حجبها)، فقد تدخلت مجموعات المرتزقة الروس لتعزيز السلطات المحلية وشنّ هجمات باسم مكافحة الإرهاب.
أكثر هذه الشركات العسكرية الخاصة شهرة هي "مجموعة فاغنر"، التي كانت نشطة بالفعل على الأرض في مالي والسودان، وجمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق ومدغشقر في إفريقيا، وجميع تلك البلدان وصفها "بانتوتشي" بأنها تعاني من الإرهاب، الذي أخفق الغرب في معالجته أو أصبح لا يوليه اهتماما، وكذلك في سوريا وليبيا واليمن في الشرق الأوسط.
وفي حالتين من هذه الحالات، تتمثلان في موزمبيق ومالي، تشير "فيديريكا سايني فاسانوتي" من معهد "بروكينغز" إلى كيف إن الحرب أدت إلى تفاقم وضع مكافحة الإرهاب.. ففي السابق، استأجرت حكومة موزمبيق "مجموعة فاغنر" لمكافحة التهديد المتطرف المتزايد من حركة "الشباب"، ومع ذلك، وبسبب عدم قدرته على فهم التمرد المحلي والقوات العسكرية المحلية التي كان عليه أن يتعاون معها، فإن عمليات الجيش الروسي الخاص (فشلت فشلًا ذريعا).
وفي الوقت نفسه، في مالي، التي وصفتها "فاسانوتي" بأنها دولة تنشط فيها مجموعة معقدة من الجماعات الإرهابية الجهادية العديدة وحركات الطوارق الإقليمية وغيرها، أدى الانسحاب العسكري الفرنسي، والاستيلاء على السلطة من قبل المجلس العسكري، إلى التقويض الشديد لاستدامة الدعم الغربي لأجل مكافحة التمرد ومكافحة الإرهاب مخافة تحولها اللاحق إلى طلب العون من "فاغنر".
ومع تكرار هذا الأسلوب في كل من موزمبيق ومالي ومناطق أخرى، تمت الاستعانة بتوغل القوات الخاصة الروسية بها، كما رأى "بانتوتشي" أن "هذه الحملات العسكرية الخارجية تؤدي إلى تفاقم حالة الغضب التي ستخلق بدورها مزيدا من الجماعات الإرهابية"، حيث حذر "بانتوتشي" من أن التحول في الاهتمام بعيدًا عن التهديدات الإرهابية من جميع الأطراف الدولية قد ينتهي بها الأمر إلى أن يتم تجاهلها تمامًا.
وقد أثيرت كثيرًا إمكانية استخدام القوى الكبرى والمتوسطة في النظام الدولي للإرهاب لخدمة مصالحها الاستراتيجية، وكتب "بانتوتشي": "كيف إن بعض البلدان مثل إيران تستمر في استخدام وكلاء مسلحين لتحقيق أهدافها"، وأوضح "بيمان" أن "الأنشطة الإرهابية الرامية إلى زيادة نفوذ دول عظمى وإقليمية عادة ما تكون جزءًا من جهود أوسع لزعزعة الاستقرار وإشعال فتيل حروب بالوكالة على يد جماعات إرهابية تعرض على رعاتها وأعضائها حرية إنكار أي تبعية لها، أو على الأقل انتمائها الأيديولوجي".
وفي حين أن الولايات المتحدة لا تعتبر روسيا دولة راعية للإرهاب -حاليًا- (مثلما صنفت واشنطن كلا من إيران وكوريا الشمالية) فقد أشار "بيمان" إلى أنه بعد الحرب على أوكرانيا، يجب أن تندرج "موسكو" ضمن هذا التوصيف، وحتى قبل ذلك، أوضح الأخير أن الانفصاليين المدعومين من روسيا قد تمكنوا من إسقاط طائرة تجارية ماليزية في عام 2014 باستخدام صواريخ مضادة للطائرات قدمتها لهم "موسكو"، ما أسفر عن مقتل 283 شخصًا كانوا على متنها.
وهناك مسألة أخرى يجب التعامل معها، وهي الروابط بين الدول النظامية التي تتعاون مع الكيانات الإرهابية غير الرسمية من أجل تلبية المصالح المتبادلة، وفي هذا الصدد أوضح "ناثان سيلز" أنه بعد وفاة "الظواهري" فإن المرشح الأكثر احتمالًا ليصبح القائد للـ"القاعدة" هو "سيف العدل"، وهو لا يزال مقربًا من النظام الإيراني، وفي هذه الحالة ينبغي توقع التعاون بعد توصلهما إلى توافق لاستهداف أعدائهم المشتركين في السنوات الأخيرة، وفي قضية أخرى اتهم "بيمان" الجيش الروسي بـ(العمل بشكل مباشر) مع "حزب الله اللبناني" خلال الحرب الأهلية السورية، حيث هناك تنسيق بين كل من "موسكو" والمنظمة الإرهابية فيما يتعلق بالهجمات بالمدفعية والغارات الجوية، فضلًا عن إنشاء مراكز عمليات مشتركة بينهما.
وعند النظر في كيفية معالجة هذه التحديات لمكافحة الإرهاب في سياق المنافسة بين كافة القوى لاستغلالها لخدمة مصالحها، لم يقدم المحللون حتى الآن سوى القليل من الحلول الملموسة، وبدلًا من ذلك تم تسليط الضوء على عدد لا يحصى من المشاكل العملية لمعالجة هذه التحديات، هذا في حين أكد "كوستا" أن القدرة على إبداء استجابة سريعة وجاهزة تتسم بالتجانس والقوة في مكافحة الأنشطة الإرهابية: "يجب أن تُنفذ من قبل أجهزة الاستخبارات وشركاء إقليميين موثوقين لتكون أكثر فاعلية"، و أشار "بيمان" إلى أن "أدوات مكافحة الإرهاب الأساسية مثل التعاون في جمع وفهم المعلومات الاستخبارية وتدريب القوات المحلية يبقى أمرًا حيويًا لتجنب التهديدات الراهنة والمستقبلية".
علاوة على ذلك، كتب "بيمان" "أن جهود قطع رأس القيادة بالمنظمات الإرهابية المدعومة من دول لا يمكن أن تُنفذ من دون مخاطرة لمرتكبها أو أن تكون فرصة كبيرة لتصعيد التوتر"، وهكذا، أضاف "بانتوتشي": "فإن طبيعة سبل مواجهة التهديد الإرهابي ودرجة الاستجابة تجاهه حاليًا غير مفهومة جيدًا"، وبالإشارة إلى التهديدات الإرهابية القائمة، علق الأخير قائلاً: "لمجرد أننا توقفنا عن القلق بشأن مشكلة ما لا يعني أنها لم تعد موجودة".
وفي حين أكد "هارنيش" أن الضربة التي قتلت "الظواهري" تؤكد أن مرونة وتصميم واشنطن على مكافحة الإرهاب لا يوجد رادع لها حاليًا، وأشار كل من "بانتوتشي" و"بيمان" و"كوستا" إلى تحول في السياسة الأمريكية نحو المنافسة بين القوى العظمى والإقليمية على استغلال الإرهاب لخدمة المصالح، والتي باتت تفتقر مؤخرًا إلى تقدير المخاطر المستمرة للإرهاب على الأمن الغربي، وفي ضوء حرب أوكرانيا وتصاعد التوترات مع الصين، خَلُصَ "كوستا" إلى "أن حقبة جديدة من المنافسة الجيوسياسية القوية ستختبر بلا شك قدرات الولايات على القيام على مكافحة الإرهاب، ومنافسة مساعي القوى العظمى لفرض سيطرتها من خلال أجندتها الإرهابية في آن واحد".
وفي غضون ذلك، أوضح "بيمان" أن "أدوات مكافحة الإرهاب الأمريكية يجب تسخيرها للتعامل مع سبل استخدام بعض القوى العظمى للأنشطة الإرهابية، وعلى الأخص فيما يتعلق بتنسيق الاستخبارات بين الولايات وحلفائها، وإتاحة الأدوات المالية لمكافحة التمويل غير المشروع لمثل تلك الأنشطة، بما في ذلك عقوبات ضد الأفراد والمنظمات الإرهابية"، وبالرغم من أن إجبار مثل هذه القوى على قطع صلاتها بالإرهابيين سوف (يثبت مدى صعوبته)، فإن "بيمان" تساءل عن: "كيفية استخدام الولايات المتحدة للأسلحة التي شحذتها واستخدمتها على مدى عقدين من الزمن لمواجهة الأنشطة الإرهابية بشكل أكثر فعالية".
وعلى العموم، عند النظر إلى ملامح مستقبل مكافحة الإرهاب ومخاطر اندماجه مع تحديات المنافسة المستقبلية بين القوى العظمى، خلص "بانتوتشي" إلى أن "الغرب قد يندم على حقيقة أنه لم يعد يتمتع بالوضوح الكامل حيال فاعلية عمليات مكافحة الإرهاب التي كان يقوم بها خلال السنوات الأولى من الحرب على الإرهاب".