7/9/2022
تفاقم مخاوف بشأن الأمن الغذائي العالمي
يتعلق الهدف الثاني من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، بالقضاء على الجوع وسوء التغذية في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2030. وجاءت بيانات أحدث استطلاعات الأمن الغذائي الصادرة لتُلقي بظلال الشك ليس فقط حول إمكانية تحقيق ذلك؛ ولكن أيضًا على إمكانية قمع أزمة الأمن الغذائي المستمرة في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا، وكذلك نقص الغذاء المرتبط بالنزاع المسلح، وضغوط الإمداد في أعقاب "كورونا"، وقد أحدثت حرب أوكرانيا ارتفاعًا ملحوظًا في مستويات التضخم في المواد الغذائية والسلع.
بالإضافة إلى التحذيرات البالغة من "ديفيد بيزلي"، المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي بأن: "العالم بحاجة إلى التحرك الآن لحماية المجتمعات الأكثر ضعفًا من خطر المجاعة على نطاق واسع"، وإصدار منظمة (الفاو)، والبنك الدولي مؤخرًا تحديثات متشائمة بشأن حالة الأمن الغذائي العالمي، حيث سجل التحديث الأخير لحالة الأمن الغذائي في 2022 كيف أثرت مستويات تضخم الغذاء فوق 5٪ على "92.9٪ في البلدان منخفضة الدخل، 92.7٪ في البلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى، وما يصل إلى 89% في البلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى؛ ما يعكس كيف أن أزمة أسعار الغذاء عالمية؛ صدر تقرير مؤخرًا عن مؤسسة "ديب نولدج أناليتكس" بعنوان: "الأمن الغذائي العالمي في الربع الثاني لعام 2022"، يرصد التحليلات المقدمة عن الوضع الحالي للأمن الغذائي في العالم، بالتركيز على الأسباب الجذرية لأزمات الغذاء، وكذلك فهم الاعتماد على الغذاء، والتضخم، وتطور السياسات.
وعلى المستوى العالمي، كان الأكثر إثارة للدهشة بالتقرير هو أنه اعتبارًا من يونيو 2022، يُنظر إلى ما يقرب من 868 مليون شخص في 92 دولة على أنهم لا يمتلكون (استهلاكًا كافيًا من الغذاء)، مع مستويات المخاطر المرتبطة بالجوع وسوء التغذية التي تعتبر مرتفعة بشكل يُنذر بالخطر.
في حين أن 8 دول فقط في جميع أنحاء العالم تعتبر ضمن أعلى فئة للأمن الغذائي في التقرير، فقد تم الحكم على 53 دولة بأنها تعاني من انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع وجود 25 دولة في الشرق الأوسط وأفريقيا تواجه مخاطر عالية لانعدام الأمن الغذائي، تم الإبلاغ عن البلدان الأكثر تضررًا من أزمة الغذاء لعام 2022 وتشمل سوريا وجنوب السودان وأفغانستان ونيجيريا واليمن والسودان وباكستان وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وسجل التقرير عن عام 2022 أن: ما يصل إلى 193 مليون شخص في جميع أنحاء العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، في غضون ذلك تمت الإشارة إلى أن انعدام الأمن يضر بـ139 مليون شخص إلى حد الافتقار للأمن الغذائي في 24 دولة، وهو عامل يفوق بكثير الظواهر المناخية المتطرفة (23.5 مليون في 8 بلدان) والصدمات الاقتصادية (30.2 مليون شخص في 21 دولة). وهو ما تم عليه في دراسات البيانات متعددة السنوات، حيث تُظهر بيانات التقرير زيادة تقدر بـ 25.2 مليون شخص تأثر أمنه الغذائي جراء انعدام الأمن.
بالإضافة إلى ذلك فقد سجلت (الفاو) كيف أن عدد غير القادرين على تحمل تكاليف نظام غذائي صحي يبلغ أكثر من 3 مليارات، كما حلل التقرير أن "كورونا" تسببت في زيادة أعداد المصابين بالجوع لـ150 مليونا وذلك بسبب ضعف الإمدادات الغذائية بالعالم، وبالتالي زيادة الجوع العالمي، في ضوء هذه الأرقام، خلصت الوكالة الأممية إلى أن الجهود المبذولة لتحقيق هدف التنمية المستدامة لإنهاء الجوع وانعدام الأمن الغذائي وجميع أشكال سوء التغذية" بحلول عام 2030 تسلك الاتجاه الخاطئ.
كما رصدت التقارير ارتفاع معدلات التضخم وأسعار المواد الغذائية كعامل لتفاقم الجوع، وبين أن أسعار المواد الغذائية العالمية بدأت في الارتفاع في منتصف عام 2020 عندما أغلقت الاستثمارات بسبب "كورونا"، ومع تخبط سلاسل التوريد وزيادة أوقات العبور والنقل، فضلًا عن الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022 أدى إلى تدهور مستقبل أسعار المواد الغذائية بشدة.
وفيما يتعلق بالسلع الغذائية التي تأثرت أكثر من غيرها بسبب الحرب الأوكرانية، سجل مؤشر "الفاو" أسعارًا قياسية للحبوب ومنتجات الألبان في 2022، بالإضافة إلى ذلك شهد سعر الأسمدة ارتفاعا جنونيا، الذي ارتفع بنسبة 30٪، وذلك نظرًا إلى أن روسيا وحدها تمثل أكثر من 15٪ من صادرات الأسمدة العالمية، فقد أدى تقييد وصول منتجاتها إلى السوق الدولية إلى تفاقم نقص الإمدادات بشكل غير مفاجئ، وبالمثل، ارتفعت الأسعار الدولية للبوتاس، وهو عنصر آخر يتم إنتاجه في روسيا وأوكرانيا.
فيما يتعلق بالأمن الغذائي في الخليج العربي، أظهرت بيانات "ديب نولدج" أنه في حين تعتمد دول الخليج بشكل كبير على واردات الغذاء مع 34 دولة أخرى، فقد تمكنت حكومات في المنطقة من ترويض الارتفاع وتجنب مخاطر الجوع وسوء التغذية المتزايدة، وهو نجاح نسبي لم يتكرر عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأوسع.
وفي تقارير "ذي إيكونوميست إنتليجنس يونيت"، حلت جميع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي ضمن أفضل 46 دولة على مستوى العالم، وكانت دولة الإمارات العربية هي الدولة الخليجية الأعلى مرتبة، حيث حصلت على مجموع نقاط 7.07 من أصل 10.
بعد ذلك، احتلت كل من البحرين وقطر المرتبة 29 عالميًا، كما احتلت عمان والسعودية والكويت المرتبة 40 و 43 و 46 على التوالي، ومن حيث النظام الغذائي القائم على معيار المرونة الاقتصادية، احتلت الإمارات العربية المتحدة المرتبة 18 عالميًا، البحرين الـ 26، عمان الـ 42، قطر الـ 56، السعودية الـ 80، والكويت الـ 88.
وعلى الصعيد الدولي، تصدرت أمريكا تصنيفات مؤشر الأمن الغذائي بنتيجة 7.90، تليها النرويج وأيرلندا وهولندا وكندا، كما احتلت بريطانيا المرتبة الـ 14 عالميًا بنتيجة، واحتلت الصين المرتبة الـ27، وروسيا في المرتبة الـ 31 عالميًا، وفي المقابل كانت البلدان الثلاثة الأدنى عالميًا موزمبيق، وجمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال.
وعن الشرق الأوسط، وصف تقرير الأمن الغذائي العالمي بأنه يعتمد بشدة على واردات المواد الغذائية، وخاصة القمح والحبوب الأساسية الأخرى، ولا شك أنه من الواضح أن التداعيات الاقتصادية للحرب الأوكرانية على الأمن الغذائي قد فاقمت حالة انعدام الأمن الغذائي في العديد من البلدان.
وأشار البنك الدولي إلى ارتفاعات قياسية في تضخم أسعار الغذاء بنسبة 95٪ في تركيا، و90٪ في إيران، وعلى الرغم من ذلك فقد أوضح أن هذا الرقم المرتفع يمثل بحد ذاته انخفاضاً في نهاية العام الحالي عن معدلات عام 2021 والتي وصلت إلى 441٪.
وتماشيًا مع هذه البيانات، أفاد تقرير الأمن الغذائي العالمي أن 15.8 مليون شخص في اليمن، و 9.2 ملايين شخص في سوريا يواجهون استهلاكًا غير كافٍ للغذاء لا يلبي احتياجاتهم، بالإضافة إلى 8.5 ملايين آخرين في إيران، و 2.8 مليون في العراق، و1.3 مليون في لبنان.
وفي التصنيف العالمي لمؤشر الأمن الغذائي، سجلت الجزائر 6.76 من10، والمغرب 6.40، وتونس 6.39، وتركيا 6.36، والأردن 6.10، والأراضي الفلسطينية 5.76، ومصر بـ 5.76، والعراق في 5.35، وسوريا 5.01، واليمن 4.41.
ونتيجة لهذه البيانات، اعتبرت مؤسسة "ديب نولديدج" أن حالة الأمن الغذائي في كل من سوريا واليمن مقلقة للغاية، ومن حيث النظام الغذائي ومعايير المرونة الاقتصادية، أحرزت لبنان (3.51 درجة)، جاءت بالمرتبة الأدنى في منطقة الشرق الأوسط والأراضي الفلسطينية (3.24)، بعد اليمن بواقع (3.96 درجة).
وعند التفكير مليًا في استراتيجيات الأمن الغذائي القادرة على مكافحة انعدام الأمن الغذائي في الشرق الأوسط والعالم، سلطت المؤسسة الضوء أيضًا على الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي الخاصة بالإمارات العربية المتحدة، وتهدف إلى تسهيل التجارة العالمية، وتنويع الأغذية المستوردة ومصادرها ، وكذلك تحديد العديد من "خطط التوريد البديلة" حال الأزمات الطارئة.
وأضاف التقرير: "أن دولة الإمارات تهدف إلى القضاء على الجوع من خلال ضمان الوصول إلى غذاء آمن ومغذ وكاف على مدار العام في جميع أنحاء العالم، بالتزامن مع التركيز على تعزيز الممارسات الزراعية المرنة التي تساعد في الحفاظ على النظم البيئية وتعزيز إنتاجية على حد سواء".
وعلى النقيض من هذه الجهود، سجلت التقارير الغربية عدد الدول التي نفذت ضوابط وقيود صارمة على تصدير موادها الغذائية استجابة لارتفاع الأسعار، وهو الأمر الذي انتقده البنك الدولي باعتباره مصدرًا رئيسيًا يضع مزيدا من المخاطر على استقرار أسعار الغذاء العالمية.
كما أشار التقرير أن عدد البلدان التي تسن قيودًا على الصادرات الغذائية من أجل الحفاظ على مخزوناتها قد ارتفع بنسبة 25٪ في عام 2022، حيث تم تفعيل 31 من أصل 53 قيدًا بحق الصادرات من السلع مثل القمح.
وفي ضوء ما نراه من افتقار إلى التعاون الدولي واستمرار حرب أوكرانيا، ونقص الاستثمار في برامج المساعدات الدولية ومبادرات الأمن الغذائي، لا يزال المستقبل قاتمًا على المدى القريب، لاسيما مع تأكيد التقرير أن المستويات الحادة من حالات الجوع في إفريقيا والشرق الأوسط من المتوقع أن تزداد أكثر بحلول نهاية العام الحالي.
بينما على المدى الطويل، فإنه على الرغم من الاهتمام الدولي المتزايد بمعالجة انعدام الأمن الغذائي، فقد أشارت منظمة الأغذية والزراعة الفاو أن ما يقرب من 670 مليون شخص سيظلون يواجهون الجوع في عام 2030، أي ما يعادل 8٪ من سكان العالم أجمع. خلص تقرير الأمن الغذائي العالمي إلى أن دور التكنولوجيا أصبح الآن "أكثر أهمية من أي وقت مضى"، خاصة مع قدرة آليات تحليل البيانات على محاربة انعدام الأمن الغذائي، ناهيك عن تمكن الشركات العالمية من تطوير حلول لقطاع الأغذية بطريقة تحسن عمليات التصنيع وسلاسل التوريد".
وفي غضون ذلك، رأت "الفاو" أن تخصيص الأموال العامة من قبل الحكومات لمبادرات الأمن الغذائي، أصبح "ضرورة ملحة"، وبالمثل، فإنه مع توقع ارتفاع عدد سكان العالم إلى أكثر من 10 مليارات نسمة بحلول عام 2050، ورغم تفاقم أزمة أسعار الغذاء فقد حذرت "مارجريتا ليسينكوفا" من استمرار قضية الأمن الغذائي العالمي في الارتفاع وبقائها بقوائم الأولويات لدى الحكومات والشركات الدولية". وبالتالي بات واضحًا أن دمج قضايا الأمن الغذائي في الاستراتيجيات المستدامة لدى الأطراف الدولية هو الخطوة التالية الحاسمة نحو حل طويل الأجل لأزمة طال أمدها.