10/9/2022
دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية في محاسبة إيران على برنامجها النووي.. رؤية غربية
على الرغم من إعلان العديد من وسائل الإعلام والمعلقين الغربيين إحياء الاتفاق النووي بين النظام الإيراني والغرب باعتباره وشيكًا عقب شهور من المحادثات الدبلوماسية الرفيعة المستوى، فإنه لا تزال هناك عقبات كبيرة قائمة، فتعنُّت طهران المستمر تجاه التزامها بالشفافية فيما يتعلق بطموحاتها وعملياتها النووية السابقة والحالية والمستقبلية يُلقي بظلاله على أي تقدم سياسي يتم إحرازه. ويرى ديفيد أولبرايت، رئيس معهد العلوم والأمن الدولي بواشنطن، أن النظام الإيراني "يبذل حاليًا كل ما في وسعه لإخفاء المواد والأنشطة النووية غير المعلنة"، وأصبح الدور الذي لعبته الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومديرها العام، رافائيل غروسي، في تحميل إيران المسؤولية عن أنشطتها النووية الخبيثة مؤخرًا محط اهتمام متزايد من قِبَل المحللين الغربيين.
وحافظ غروسي، 61 عامًا، منذ توليه منصبه في عام 2019، على استقلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن الضغوط السياسية الخارجية، معتبرًا أن تحقيقات الوكالة في النشاط النووي الإيراني غير المبررة يجب ألا تكون جزءًا من شروط الاتفاق النهائي لاستعادة الاتفاق النووي لعام 2015.
إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي وصفتها شبكة "سي إن إن" بأنها "جهة رقابية نووية" تابعة للأمم المتحدة، يقع على عاتقها واجب القيام بعمل لدعم معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية (NPT)، مثل تفتيش المنشآت النووية في الدول ذات القدرات النووية، سواء كانت بغرض الاستخدام المدني أو العسكري. وفي هذا السياق، يرى لورانس نورمان، من صحيفة وول ستريت جورنال، أن التحقيق الجاري من قِبَل الوكالة حول الأنشطة النووية الإيرانية غير المبررة "نقطة شائكة رئيسية" في إحياء المفاوضات النووية بين الغرب وإيران.
ولتوضيح ذلك، وثَّقت كيلسي دافنبورت، مديرة سياسة عدم الانتشار في رابطة الحد من الأسلحة ومقرها الولايات المتحدة، كيف إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، منذ عام 2018، "تحقق في أسباب عدم إعلان إيران بشكل كامل مخزونها من المواد والأنشطة النووية كما هو مطلوب بموجب اتفاقية الضمانات الملزمة قانونًا"، وتتعلق المزاعم بإنتاج مواد نووية في أربع منشآت لم يُعلن التطرق إليها كما هو مطلوب بموجب اتفاق الضمانات بين طهران ووكالة الطاقة الذرية، وعلى الرغم من أن هذا التحقيق ليس مرتبطًا بشكل مباشر بالاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، فإن طهران جعلت تعليق التقيد به شرطًا لموافقتها على العودة إلى اتفاق أعيدت صياغته مع الولايات المتحدة.
كما تتواصل الوكالة الدولية للطاقة الذرية وطهران أيضًا بشأن وضع كاميرات مراقبة في المنشآت النووية الإيرانية، على الرغم من موافقة طهران في مارس 2022 على خطة مدتها ثلاثة أشهر مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية "لحل المشكلة العالقة منذ فترة طويلة"، وردًّا على الإجابات الإيرانية غير المُرضية في التحقيق بشأن كاميرات المراقبة، ألقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية باللوم على طهران في يونيو 2022، فأزالت طهران 27 كاميرا مراقبة من منشآت رئيسية، واعتبر جروسي تصرفات إيران "ضربة قاتلة" لمساعي إحياء صفقة عام 2015.
في ضوء هذه التطورات، تبوأت السياسة النووية الصدارة، وأفاد نورمان بأن مشروع الاقتراح المقدم إلى إيران والولايات المتحدة من قِبَل الاتحاد الأوروبي سيشهد على أنه "من المتوقع أن تجيب إيران عن أسئلة الوكالة" بشأن التحقيق في برنامجها النووي، و"إذا أكدت الوكالة في تقرير أن طهران قد تعاونت" فإن الموقِّعين الآخرين على الاتفاق النووي الإيراني الأصلي "سيحثون بعد ذلك مجلس إدارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية للدول الأعضاء على إغلاق التحقيق".
في مقابل ذلك، ظل جروسي مُصرًّا على أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ستحتفظ باستقلالها أمام الضغوط السياسية الغربية وستواصل محاسبة النظام الإيراني، وأنه "لن يأمر على الإطلاق" بإنهاء تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مضيفا أن النظام الإيراني "لم يقدم لنا التفسيرات ذات المصداقية الفنية التي نحتاج إليها لتوضيح سبب وجود العديد من آثار اليورانيوم" في المنشآت النووية. وفي حديث له إلى شبكة "بي بي اس" في أواخر أغسطس 2022، صرح غروسي بأنه عندما "تعثر الوكالة الدولية للطاقة الذرية على آثار لمواد نووية في مكان لم يُعلن عنه كمكان يجري فيه نشاط نووي"، فإن "التزامه القانوني" يوجب عليه "طرح سؤال" عن سبب حدوث ذلك، ويتطلب أيضًا "تفسيرًا مناسبًا" من المسؤولين الإيرانيين لسبب ذلك.
واستمرارًا لذلك، ظل رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية مُصرًّا على الحاجة إلى منع حالات الانتشار النووي؛ حيث قال بإحدى جلسات مؤتمر أممي معني بمراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في أوائل أغسطس 2022: "لا يمكننا بناء عالم أكثر أمانًا به المزيد من الأسلحة الموجودة بالترسانات النووية الراهنة" أو "السماح للمزيد من البلدان بالحصول عليها". كما حذر رئيس وكالة الطاقة الذرية في وقت سابق من أن "عدم إحراز تقدم" في التحقق من طبيعة التطورات النووية الإيرانية في الماضي والحاضر "ستكون له عواقب على المشهد الأمني الإقليمي". وفي ضوء هذه التعليقات، وصف "أندريا ستريكر" و"أنتوني روجيرو"، بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومقرها واشنطن العاصمة، غروسي بأنه "آخر رجل بإمكانه الوقوف ضد منع الانتشار"، و"على الرغم من الضغوط التي تمارسها جهات مختلفة عليه"، فإنه لن "يترك إيران بلا مساءلة أو عقاب".
وبالنسبة إلى معارضي اتفاق إيران الذي تم إحياؤه، مثل ستريكر وروجيرو، بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومقرها واشنطن، فإن موقف غروسي الذي لا هوادة فيه كان موضع ترحيب لا بأس به، وأضافا أنه "قد يكون آخر رجل يقف مع صياغة اتفاق أضعف من الاتفاق النووي عام 2015"؛ لأنه في حال قيامه بذلك سيلحق الأمر "ضررًا لا يمكن إصلاحه بنظام حظر الانتشار النووي"، أما وكالة "نور نيوز"، المقربة من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، فقد وصفت غروسي بأنه "العقبة الرئيسية" أمام إبرام اتفاق نووي موات للنظام.
وعلى النقيض من غروسي ورفض الوكالة الدولية للطاقة الذرية القاطع لإنهاء التحقيق في الانتهاكات النووية الإيرانية، انتقد ستريكر و =روجيرو ظهور الرئيس الأمريكي جو بايدن كشخص "يائس في أشد الحاجة إلى إحياء نسخة اتفاق أضعف من اتفاق 2015" لدرجة أنه "قد يوافق على برنامج نووي مؤقت مع بعض القيود والعقوبات النسبية مع التغاضي عن انتهاكات الانتشار النووية الإيرانية". وبالمثل، انتقدت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "مادلين أولبرايت" الاتحاد الأوروبي "لعرضه مكافآت على إيران في حال تعاونها مع المفتشين، وعدم تحديد عقوبات إذا لم يتم التعاون"، وهو ما يمنح طهران في الواقع وسيلة "لمواصلة عرقلة جهود الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
وردًّا على مزاعم التدخل السياسي الغربي في عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أصر روبرت مالي، المبعوث الأمريكي إلى إيران، في منتصف أغسطس 2022 على أن واشنطن لن "تمارس أي ضغط" على الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإغلاق أي من "القضايا النووية العالقة" مع طهران.
وفيما يتعلق بالحفاظ على موقفه المتشدد ضد أي تدخل سياسي في عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لوحظ أن غروسي لم يحذُ حذو سلفه "يوكيا أمانو"، الذي وافق في عام 2015 على إنهاء التحقيق في "الأبعاد العسكرية" لبرنامج إيران النووي "بسبب الضغط السياسي من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا"، على الرغم من أن طهران كانت "غير صادقة" في تحقيقات الوكالة في هذا الأمر، وفقًا لما أوضحه ستريكر وروجيرو.
وفي غضون ذلك، أصر غروسي على أنه من أجل التوصل إلى اتفاق نووي جديد في عام 2022، يجب أن تقدم الوكالة الدولية للطاقة الذرية "تأكيدات موثوقة بأن برنامج إيران النووي المطور مخصص للأغراض السلمية فقط"، وعلى أثره يجب أن يمنح النظام في طهران "مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية حق الوصول بما يتناسب مع حجم البرنامج النووي إلى كافة أنشطته"، وكذلك تزويده "بمعلومات كاملة" عنه. وفي هذا الصدد، يثير حجم البرنامج النووي الإيراني أيضًا تساؤلات حول ما إذا كان يجب أن يتوسع عمل ونطاق تحقيقات الوكالة ليتجاوز نظيراتها الحالية، فضلاً عن استعادة تدابير المراقبة في المنشآت النووية الإيرانية المعروفة؛ ففي مايو 2021، قدر معهد العلوم والأمن الدولي أن هناك ما يصل إلى 23 منشأة وموقعًا في إيران تتطلب تحقيقات بشأن التطويرات النووية المحتملة بها، وجميعها "ذات صلة وثيقة" بإجراءات المراقبة الخاصة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية على برنامج إيران النووي.
وترى أولبرايت أن على المجتمع الدولي الإصرار على إجراء عمليات تفتيش صارمة كشرط مسبق لأي اتفاق نووي جديد، بالإضافة إلى ضمان إجبار طهران على "معالجة انتهاكات اتفاق الضمانات الشاملة بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية"، بينما يرى ستريكر وروجيرو أنه طالما أن قرار الإبقاء على التحقيق أو إغلاقه "يعود في النهاية إلى مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، فإنه يمكن إلغاء هذا التحقيق "حتى لو قدمت إيران تفسيرات جديدة أو إضافية للوكالة الدولية للطاقة الذرية ليست ذات مصداقية فنية".
في النهاية يبدو أن غروسي تولى منصب مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في وقت حرج، حيث كانت الوكالة عالقة في وسط اضطرابات سياسية بين الغرب وإيران بسبب انهيار الاتفاق النووي المُوقَّع عام 2015، ومن الواضح أن هناك إمكانية لحدوث سيناريو مقلق، وهو أن يكون النظام الإيراني قادرًا على تجنب الإشراف الدولي وإجراءات التفتيش من قِبَل الوكالة على منشآته وأنشطته النووية، وقد حثت أولبرايت القادة الغربيين على التوقف عن تقويض الوكالة الدولية للطاقة الذرية ورئيسها، وأكد غروسي أن وكالته "ستقاوم الضغوط الخارجية" وستعمل على إقناع الموقعين على اتفاق عام 2015 بأنه لا ينبغي لهم التخلي عن تحقيقات الوكالة "قبل فوات الأوان".