25/5/2019
الانعكاسات السلبية لإعادة انتخاب نتانياهو لولاية خامسة
رغم قضايا الفساد والاتهامات العديدة التي تلاحقه؛ مكنت نتائج الانتخابات الإسرائيلية، التي أُجريت وانطوت على تحدّ قوي من خصومه؛ رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو من الفوز بولاية خامسة، ليصبح واحدا من أطول رؤساء الوزراء الإسرائيليين شغلاً لهذا المنصب منذ عام 1948. وهو ما اعتبره الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» «فرصة جيدة للسلام!».
وأتاحت قدرة «نتانياهو» على بناء تحالفات مع الأحزاب اليمينية المتطرفة حصوله على أغلبية تألفت من 65 مقعدًا، حيث أسس تحالفا مع حزب «تكوما» الصهيوني وحزب «البيت اليهودي» المتطرف، وذلك على الرغم من نجاح منافسه الرئيسي في تحالف (أزرق وأبيض)، «بيني غانتس»، في الحصول على حصة متساوية من المقاعد في الكنيست مقابل الليكود، حيث حصل كل منهما على 35 مقعدًا من أصل 120.
ويؤكد «شالوم ليبنر»، من «المجلس الأطلسي» بواشنطن، أن «مشاكل نتانياهو القانونية ستعود قريبًا لتتصدر العناوين الرئيسية». ومن المقرر أن يمثُل رئيس الوزراء، الذي يواجه تُهمًا تتراوح بين الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، أمام جلسة استماع بحضور المدعي العام في غضون الأشهر القليلة المقبلة. كما يعتقد أنه سيسعى إلى إصدار قانون يحصن فيه منصب رئيس الوزراء من مواجهة تُهم جنائية بالفساد أو الحنث باليمين.
ويتوقع «جوناثان فريدلاند»، في صحيفة «الجارديان»، أن «شركاء ائتلاف نتانياهو سيصوغون القانون لحمايته». وإذا حدث هذا فسيكون مُحصنًا من الملاحقة الحكومية والسجن إذا ثبُتت إدانته. وفي حين، رفض شركاء ائتلافه مشروع القانون، كما أوضح «إي جي ديون»، في صحيفة «واشنطن بوست»، فإنه «قد يتم إبطال لائحة الاتهام ضده»، بالنظر إلى أن «التماس الحماية القانونية من البرلمان الجديد يُمكن أن يُحدث انقسامًا بين شركائه في الائتلاف وحزبه أيضًا»، إذ قد يرغب بعض أعضاء حزبه في رؤية إزاحته من السلطة ليحلوا محله؛ ومن غير المرجح، في الوقت نفسه، أن يرغب شركاؤه في رؤية سلطته تتعزز أكثر، مما سيكون بالتـأكيد على حسابهم.
وبشكل عام، أكدت هذه الانتخابات ملامح التوجهات الحالية في السياسة الإسرائيلية. ولعل أكثرها بروزًا وأهمية هو استمرار التحول نحو اليمين، وهو الأمر الذي حدث في ظل إدارة الليكود منذ سنوات حتى الآن. وأشارت سياسات نتانياهو خلال ولاياته السابقة إلى تكريس خطاب الكراهية وتعزيز المنحنى السياسي القائم على العنصرية والفاشية والتطرف وانعدام الثقة بالآخر والقمع والبطش، والتي أصبحت نهجا يستند إليه الناخب الإسرائيلي في اختيار ممثليه. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد صرح يوم 10 مارس 2019 بأن «إسرائيل ليست دولة لجميع مواطنيها»، وأنها «دولة الأمة اليهودية فقط»، وهو ما يوضح مدى تعصبه وتطرفه وعنصريته، وتحوله إلى أقصى اليمين.
عزز من ذلك دمجه للأحزاب العنصرية اليهودية المتشددة المعادية للعرب، والأحزاب المساندة للاستيطان، ومساعدتها في الوصول الى الكنيست لدعمه في الانتخابات، فضلا عن رغبته في شيطنة الفلسطينيين؛ لتعزيز شعبيته من خلال التحذير من وصول أي منافس له الى السلطة ما يسمح بدعم الأحزاب العربية وتقديم تنازلات لهم. يقول «راف سانشيز»، في صحيفة «ذا تليجراف»، البريطانية: «استثار نتانياهو المخاوف لدى الناخبين اليمينيين؛ وعقد اتفاقًا مع جماعة يهودية مُتطرفة، وقدم نفسه باعتباره بطل المستوطنات في الضفة الغربية المُحتلة ومعارضًا قويًا للدولة الفلسطينية».
ولعل هذا الوضع هو أفضل توظيف للحالة اليمينية المتشددة التي وصل إليها المجتمع الإسرائيلي لكسب أصوات الناخبين، بغضّ النظر عن أي معايير أخرى تمس نزاهة المتنافسين، فالفساد السياسي والأخلاقي يمكن التغاضي عنه نظير أن يُسلب الآخرون حقوقهم، وأن يبقى الحكم تحت سيطرة التشدد والتطرف والاستيطان بغير قيود. وقد برز هذا في ظل قيادة «نتانياهو» الحكومة في آخر ولايتين، بسياسته المتطرفة ضد الفلسطينيين وارتكاب الجرائم بحقهم، عبر سياسة الاقتحامات وتسهيل أوامر القتل والإعدامات، وكذلك مواصلة حصار غزة؛ فيما نصب نفسه مدافعا عن الاستيطان في الضفة.
وفي الواقع، لم يتأثر شيء بإعادة انتخابه، قدر تأثر القضية الفلسطينية. وفي السنوات الأخيرة، اتسم نهجه بالعدائية، إذ وضع عراقيل أمام أي محاولات للتسوية. وأشار «إي جيه ديون»، من معهد «بروكينجز»، إلى أن «تحالف نتانياهو مع اليمين المتطرف في إسرائيل يُقلل من احتمالية التصالح مع الفلسطينيين». ومما لا شك فيه أن شعبية خطابه العدائي ومساهمات شركائه في الائتلاف المتطرف سيشجعانه على المُضي قدمًا في تطبيق أجندته اليمينية فيما يتعلق بملفات الدفاع والأمن والقضية الفلسطينية. وعلقت «فيليسيا شوارتز» في صحيفة «وول ستريت جورنال» بأن «التوجه اليميني من المحتمل أن يوطد حكمه ويُشكل علاقات البلاد مع الفلسطينيين والولايات المتحدة في المستقبل القريب».
وسعيا منه لاجتذاب تأييد الأحزاب الدينية المتطرفة وكسب أصواتهم، أعلن نتانياهو في الأيام السابقة للانتخابات عزمه ضم مستوطنات الضفة الغربية إلى إسرائيل. وقال فيما يمثل خطوة غير مسبوقة لرئيس وزراء إسرائيلي: «جميع المستوطنات في المنطقة دون استثناء، يجب أن تبقى تحت السيادة الإسرائيلية». ووفقا لصحيفة «فاينانشيال تايمز»، فإن «فوز نتانياهو قد يشجع بالفعل على المضي قدمًا في تعهده بضم جميع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة»؛ في خطوة «تقضي على أي أمل باقٍ في قيام دولة فلسطينية مستقلة، وتقطّع أوصال الأجزاء الباقية من أراضي الضفة الغربية إلى كانتونات منفصلة». وكما يصف «هادي عمرو»، من «معهد بروكينجز»، فإن القيام بذلك «يضع نهاية لحلّ الدولتين الذي جاءت به اتفاقيات أوسلو والتي دعمتها الولايات المتحدة طيلة ربع قرن».
ويؤكد كثير من المحللين أن هذا التعهد ليس على سبيل الدعاية الانتخابية ومحاولة منه لتفادي منافسيه، بل إنه سيمضي قدمًا فيه؛ وما يرجحه فعليًا هو نجاحه في الاحتفاظ بمنصبه كرئيس للوزراء. ومن هنا، فإن من المحتمل قيامه تحت ضغط ومطالبة شركائه في الائتلاف بأن تضم إسرائيل المنطقة التي بها المستوطنات، والتي من المتوقع أن يصل عدد سكانها إلى 400 ألف نسمة؛ وهو ما يعني إنهاء الحلم الذي طال أمده بموجب القانون الدولي لإنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية. وكتبت صحيفة «لوفيغارو» أنه «لا شيء يعيق تحقيق وعده الانتخابي بضم مستوطنات الضفة الغربية، فالانتخابات أطاحت بإمكانية التوصل الى تسوية مع الفلسطينيين». ونشر «روبرت ماكي» في مجلة «إنترسبت» أن «الناخبين في إسرائيل صادقوا على بقاء الوضع الراهن، الذي وعد بإهمال الضغط الدولي وفرض الأمر الواقع على ملايين الفلسطينيين». ومن جانبه، رأى السفير الأمريكي السابق في إسرائيل «دان شابيرو» أن إعادة انتخاب نتانياهو تعني تقويض فرصة السلام بين إسرائيل والفلسطينيين».
وبحسب صحيفة «واشنطن بوست»، فإن «الإنجاز الذي حققه لا يجعله مدينا للناخبين الإسرائيليين فحسب، وإنما للرئيس ترامب أيضا». وقد تجلى هذا في ارتباطه الوثيق بالرئيس الأمريكي، الذي تجاهل دور بلاده باعتبارها وسيطًا محايدًا من أجل الانحياز لجانب واحد في سبيل تحقيق المصالح الإسرائيلية، حيث دعم جميع رغبات إسرائيل فيما يخص الجور على حقوق الفلسطينيين، بغضّ النظر عما تحمله تلك المواقف من تطرف. ويؤكد «مارك لاندلر»، في صحيفة «نيويورك تايمز» أنه «باعترافه بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان ونقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، منح ترامب نتانياهو الغطاء السياسي والشرعية القانونية لوضع نهاية لحلم إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة». ويؤكد «آرون ديفيد ميلر»، من مركز «ويلسون» بواشنطن، «لقد ساعدت إدارة ترامب على إتاحة وخلق موقف لإعادة انتخاب نتانياهو». واعتبرت مجلة «فورين بوليسي» أن «ترامب عمل في الفترة الأخيرة على خلق واقع لا يترك فرصة لإقامة دولة فلسطينية وأن خطة السلام الأمريكية ستصل ميتة». وعلقت صحيفة «الغارديان أن «الانتخابات تؤكد أن إدارة ترامب مستعدة لتقديم دعم غير مطلق لليمين الإسرائيلي، فبعد أن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وأنهى الدعم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين، قام في توقيت جيد أثناء الانتخابات، بالاعترف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان».
أما ما يتعلق بسياسته الخارجية الأوسع فيتوقع معظم المراقبين ألا تحمل أي تغييرات. وبدلا من ذلك، سيتم الحفاظ على المسار الحالي والمتمحور جزئيًا حول معارضته القوية لإيران وحلفائها الإقليميين مثل سوريا وحزب الله. ومن غير المحتمل أن يسعى إلى زيادة عدوانه ضد هذه الجهات لتجنب الوقوع في حرب ما. وفي هذا الصدد، يقول «راف سانشيز» في صحيفة «ديلي تليجراف» البريطانية إن «السنوات العشر التي أمضاها هي السنوات الأكثر سلمية وأمانًا في التاريخ الإسرائيلي، وهذا يعود إلى براجماتيته في السياسة الخارجية على الرغم من هوسه الوطني بمواجهة النفوذ الإيراني المتزايد». ويبين «سانشيز» أنه «خلال فترة ولايته، أصبحت إسرائيل تتمتع بعلاقات مفتوحة بشكل متزايد مع كل من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية». وعلى الرغم من أن موقفه العدواني المتزايد تجاه الفلسطينيين من شأنه أن يعقد هذا التعاون، ولا سيما أنه يستقطب انتقادات دولية واسعة، فإنه استطاع تطبيع العلاقات مع حلفاء عالميين، مثل الاتحاد الأوروبي وكل من البرازيل وبولندا وأستراليا.
على العموم، من المرجح أن تؤدي إعادة انتخابه كرئيس للوزراء إلى استمرار السياسات التي تبناها بالفعل. في المقابل عجز العالم العربي عن مواجهة هذه الوقائع غير المسبوقة، والتي تترسخ يوما بعد يوم كحقائق ثابتة، منذ قرار تقسيم فلسطين عام 1947، مرورا بكل محطات المواجهة العسكرية والسياسية، ليصبح العنوان الرئيسي للأداء العربي والفلسطيني هو «إضاعة الفرص»، والانشغال بمشكلات الداخل؛ ما أدى إلى تراجع الهمّ الفلسطيني، ليس فقط على أجندات الأنظمة، وإنما أيضا في وجدان الشعوب العربية؛ ما سمح للكيان الغاصب بأن يمعن في اعتداءاته، ضاربا عرض الحائط بجميع مبادرات السلام التي طُرحت منذ أكثر من 50 عاما.