20/9/2022
ذكرى هجمات 11 سبتمبر.. والتوجهات المستقبلية للإرهاب المحلي والعالمي
بعد مرور أكثر من عشرين عامًا على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تراجعت أولويات الغرب فيما يتعلق بالمخاطر الأمنية للإرهاب، لصالح زيادة الوعي بمنافسة القوى العظمى، وأظهر استطلاع للرأي أجراه المركز مؤخرًا عن تصورات التهديدات الأمنية الرئيسية مع 25.000 شخص في 19 دولة اقتصادية متقدمة أن مكافحة الإرهاب جاءت في مرتبة متأخرة عن قضايا، مثل تغير المناخ، وتداول المعلومات الخاطئة عبر الإنترنت، والهجمات الإلكترونية، وخطر الأمراض المعدية باعتبارها تهديدات خطيرة للمجتمعات، وعلق مارك وارنر، رئيس لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ الأمريكي، في ذكرى 11 سبتمبر بأن مخاطر الإرهاب الدولي "تضاءلت" مقارنة بالاضطرابات المحلية.
كما سعى المحللون إلى ربط مخاطر المنافسة الجيوسياسية بالإرهاب، ففي مواجهة الرأي القائل إن الولايات المتحدة وحلفاءها "يحاولون تجاوز مكافحة الإرهاب كمبدأ ثابت"، يرى كولين كلارك، زميل أول غير مقيم في معهد أبحاث السياسة الخارجية في الولايات المتحدة، أن الإرهاب ومنافسة القوى العظمى "ليس بالأمرين المنفصلين"؛ لأن "الجمع بين الاثنين سيزيد من تعقيد الاستجابة، وقد يؤدي أيضًا إلى زيادة الإرهاب الذي ترعاه الدول".
وفيما يتعلق بالتوجهات المستقبلية في الإرهاب، على الصعيدين المحلي والعالمي، أشار كلارك إلى قضايا تتعلق بالتنوع، واللامركزية، والديمقراطية، ونشر المعلومات المضللة، لافتًا إلى التنوع المتزايد للمهاجمين الإرهابيين وكيف كان هجوم نفذه شاب أبيض استهدف أمريكيين من أصول أفريقية بمتجر في مدينة بوفالو شمال ولاية نيويورك، في مايو 2022 بمثابة "مثال جوهري على كيفية زيادة تنوع الأيديولوجيات الإرهابية في العقود الأخيرة".
وفي حين أن تركيز الغرب على التهديدات في السنوات التي تلت 11 سبتمبر مباشرة انصب على إرهاب بعض الجماعات الإسلامية، أشار كلارك إلى أن "الجماعات الإرهابية العرقية القومية التي كانت هائلة في يوم من الأيام" مثل الجيش الجمهوري الأيرلندي وحركة إيتا الانفصالية بإقليم الباسك الإسباني، "قد سحبت أسلحتها وتلاشت في التاريخ"، وأن " مشهد الإرهاب" العالمي أضحى الآن "أكثر تنوعًا".
كما تم تحديد اللامركزية على أنها تحول كبير في السنوات العشرين الماضية. ومحليًّا، شدد كلارك على الارتفاع الواضح في هجمات "الذئاب المنفردة"، التي يتصرف مرتكبوها "من دون أي مساعدة خارجية أو تحريض". يصعب على مسؤولي مكافحة الإرهاب والشرطة بشكل خاص اكتشاف هذه التهديدات ومنعها لأنها قد لا تترك أثرًا على الإنترنت أو أي مؤشر على نواياها قبل تنفيذ أعمال عنف. وعن اليمين المتطرف، أشار كلارك إلى المفهوم الشائع لـ"المقاومة بلا قيادة"، حيث إن الجماعات الإرهابية الأكثر رسوخًا والأكبر مثل داعش والقاعدة قد فقدت قادتها في "حملات لا هوادة فيها"؛ مما أدى إلى ظهور مجموعات أصغر تمثل تحديًا أمنيًّا قويًّا.
وبالتوازي مع احتمالية امتلاك الملايين من مواطني الدول الغربية للوسائل اللازمة لتنفيذ هجمات مميتة على أرض الواقع، سلط الخبراء الضوء على مخاطر البيانات والمعلومات المضللة الإلكترونية، وتجدر الإشارة إلى تحذير وزير الأمن الداخلي الأمريكي أليخاندرو مايوركاس، من كيفية تبنّي مواطني الولايات المتحدة ليس فقط لأيديولوجية إرهابية أجنبية تحث على العنف، وإنما "لأيديولوجية تحث على الكراهية، ومناهضة الحكومات الرسمية" تعززها "روايات كاذبة منشورة على المنصات الإلكترونية". وبات واضحًا أن هذه الديناميكية لا تؤثر في الغرب فقط، حيث أشار ليستر إلى كيفية تأثير "دمقرطة الإنترنت وآليات نشر المحتوى" في "المناطق المتخلفة والريفية" في منطقة الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا ودورها في تعزيز "أعمال الدعاية للأنشطة الإرهابية".
كما يجب أيضًا مراعاة دور الحكومات الأجنبية المعادية في نشر معلومات مضللة بهدف تأجيج التوترات الاجتماعية داخل دول غربية ما. وأشار كلارك إلى أن دولًا مثل روسيا والصين لطالما كانت "تقوم بحملات تضليلة لتغذية منابع الإرهاب الداخلية في بقاع أخرى مختلفة"، من خلال نشر "الروايات المثيرة للانقسام والفتنة على وسائل التواصل الاجتماعي" الرامية "لزرع المزيد من المعارضة" والترويج لمفاهيم "اعتماد منهجية الحرب الأهلية وتكتيكات الانتفاضات المحلية". علاوة على ذلك، أضاف ليستر أن "وتيرة وحجم المعلومات المضللة الخادعة التي ترعاها الدول في جميع أنحاء العالم النامي قد ولّدت ظروفًا مهيئة للتطرف العنيف"، فضلاً عن "تشتيت انتباه المجتمع الدولي وتشجيعه على تحويل انتباهه إلى مكان آخر عن هذا التطرف".
ولعل العنصر الآخر المقلق بشأن الهجمات الإرهابية في الدول الغربية هو كيف أصبح هذا العنف أكثر تكرارًا وأكثر فتكًا من أي وقت مضى. ومن الواضح كيف أن الهجمات الإرهابية المحلية في الولايات المتحدة قد ازدادت فتكًا في السنوات الأخيرة؛ حيث سلط كلارك الضوء على أنه ما بين عامي 1994 و2013 "قُتل أكثر من ثمانية أفراد في هجمات إرهابية خلال تلك الفترة بأكملها" بالولايات المتحدة، ولكن عند الوضع في الحسبان تفجير أوكلاهوما سيتي عام 1995، وهجمات مركز التجارة العالمي في عام 2001، وهجوم "فورت هود" في عام 2009، والتي وقعت بين عامي 2014 و2021، "بلغ متوسط عدد القتلى سنويًا واحدًا وثلاثين"، وبالتالي "ظهرت القوة الفتاكة المتزايدة للأنشطة الإرهابية".
وفي هذا الصدد، تم الاستشهاد بتوافر الأسلحة في الولايات المتحدة وإمكانية قيام المهاجمين بشراء وإنتاج أنواع خاصة بهم في بلدان أخرى على أنه عنصر يمثل خطورة أمنية. وفي إشارة إلى أن "الإصابات الجماعية الناتجة عن ارتكاب الأعمال الإرهابية" تعتبر نتيجة واضحة "لأهمية الدعاية لتبنّي هجوم أو سلسلة من الهجمات"، أشار كلارك كذلك إلى أن ظهور التقنيات الجديدة، مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد والتوافر للطائرات المسيرة التجارية، أدت إلى تفاقم التهديد بهجمات واسعة النطاق.
علاوة على ذلك، أفاد كلارك أن محاولات حصول الإرهابيين على أسلحة دمار شامل "تظل سيناريو مرعبًا" يتعين على مسؤولي مكافحة الإرهاب مواجهته. وفي الواقع، اتضح أن الضرر الواضح الذي لحق بالاقتصاد العالمي بسبب جائحة فيروس كورونا "زاد على الأرجح من اهتمام الإرهابيين بالحصول على المواد والمعرفة اللازمة لشن هجوم إرهابي بيولوجي مماثل".
وفي حين تم التركيز بشكل أكبر على مخاطر الأعمال الإرهابية التي قد يرتكبها المواطنون المحليون في الدول الغربية، لا يمكن استبعاد التهديدات المستمرة التي تشكلها المجموعات الإرهابية المنظمة الكبرى مثل داعش والقاعدة. وقد أكد ليستر أن هذه الجماعات "تطورت مع مرور الوقت" من خلال "التكيف مع الظروف الجديدة وإظهار نوع المرونة والصبر الاستراتيجي" الذي "غالبًا ما فشلت دول في تلبيته". وفيما يتعلق بالأخطار على المستوى المحلي، أضاف ليستر أن "مساحات شاسعة من أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا من المرجح أن تظل غير مستقرة لسنوات قادمة، جراء قضايا تتعلق بالمخدرات والأسلحة وتهريب البشر"، كما أن كل أشكال الجريمة المنظمة في المنطقة الآن أصبحت ذات صلة بـ"جهات فاعلة إرهابية".
ولعل العنصر الآخر المثير للقلق هو الزيادة المحتملة للأنشطة الإرهابية التي ترعاها الدول، وهي ديناميكية قال عنها كلارك إنها "يمكن أن تحفز تصاعد وتيرة تشكل الجماعات الإرهابية بدافع القومية العرقية والانفصالية"، كما يعتبر البيت الأبيض حاليًا أنظمة سوريا وإيران وكوريا الشمالية وكوبا من الدول الراعية للإرهاب، وقد تردد حاليًا أنه يتم إصدار مثل هذا التوصيف بحق روسيا، وأكد كلارك أن هناك "قليلا من الشك" في أن تصبح روسيا "مؤهلة كدولة راعية للإرهاب" بسبب انتهاكاتها الموثقة على نطاق واسع ضد الأوكرانيين خلال غزوها الذي دام سبعة أشهر وقد يطول، ومن جانبه أوضح مارك تمنيكي، الباحث في مركز "أوراسيا" التابع للمجلس الأطلسي، أن مثل هذا التصنيف "يخلق حواجز جديدة كبرى أمام المشاركة الروسية مع العالم الخارجي والمجتمع الدولي"، ولكن، بالنسبة إلى النقاد، هذا التصنيف يجعل موسكو بصدد رفض أية تسوية تفاوضية للحرب الأوكرانية إلى الأبد.
وبعيدًا عن روسيا، أشار غرايم وود، من مجلة "ذا أتلانتك"، إلى أن النظام الإيراني وأذرعه يستخدم منذ فترة طويلة الأساليب الإرهابية لاستهداف الدول المعادية، ووصف جهوده ضد الولايات المتحدة منذ وفاة الجنرال قاسم سليماني في عام 2020، بما في ذلك مخططٌ لاغتيال مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون، يمكن وصفها بـ"الغبية".
وفي ضوء المخاطر العديدة التي لا تزال تشكلها التهديدات الإرهابية للدول الغربية، سواء أكانت داخليًّا أو خارجيًّا، تم انتقاد نهج مكافحة الإرهاب الحالي للولايات المتحدة والمعني بتفضيل إدارة بايدن نهج مكافحة الإرهاب عبر الأفق (OTH) الذي يتميز باستخدام الضربات الجوية للقضاء على الأهداف ذات الخطورة العالية، وفي هذا الصدد أشار ليستر إلى فشل هذا النهج في معالجة "أي من الأنشطة والعمليات الإرهابية التي أصبحت تهيمن على جميع أنحاء العالم". وأضاف كلارك، أن تقليل تركيز الحكومات على الإرهاب في وقت استمرار المخاطر الأمنية الراهنة يتطلب من الخبراء أن يكونوا "أكثر ذكاءً" في تناول خطورة الجماعات الإرهابية، حيث “من الضروري فهم المظالم التي تحفز ظاهرة العنف السياسي والإرهاب من أجل صياغة استجابة شاملة لمواجهتها.
في النهاية، يبدو أن التصورات بشأن خطر الإرهاب في الدول الغربية قد تراجعت بشكل كبير منذ هجمات 11 سبتمبر، خاصة مع وجود مسائل التضليل المعلوماتية، وتغير المناخ، والهجمات الإلكترونية، ويرى كلارك أن الحكومات الغربية ستكون "غير مستعدة إلى حد كبير" لأي ارتفاع لمستويات الهجمات الإرهابية على الصعيدين المحلي والدولي، وكذلك انتشار موجات الفكر المتطرف. ووسط انخفاض الاهتمام من جانب صانعي السياسات والتمويل المحدود لمكافحة الإرهاب، أشار ليستر إلى أن "ممارسي ومسؤولي مكافحة الإرهاب سيواجهون تحديات كبيرة" في السنوات القادمة، ولذلك من الضروري بشكل عاجل أن يقوم صانعو السياسات "بتأطير وصياغة استجابات سياسية لإنفاذ القانون والاستعداد للتطورات المستمرة التي تشهدها الأنشطة الإرهابية والتطرف والعنف".