top of page

21/9/2022

تحليل غربي لعمليات التجسس والاغتيالات والهجمات السيبرانية الإيرانية ضد أهداف غربية

في‭ ‬أغسطس‭ ‬2022،‭ ‬تعرّض‭ ‬الكاتب‭ ‬سلمان‭ ‬رشدي‭ ‬لمحاولة‭ ‬اغتيال،‭ ‬في‭ ‬هجوم‭ ‬مُتعلق‭ ‬مباشرة‭ ‬بفتوى‭ ‬عام‭ ‬1989‭ ‬أصدرتها‭ ‬إيران‭ ‬بإهدار‭ ‬دمه؛‭ ‬ردًّا‭ ‬على‭ ‬كتابه‭ ‬المثير‭ ‬للجدل‭ ‬‮"‬آيات‭ ‬شيطانية‮"‬،‭ ‬وذكّرت‭ ‬تلك‭ ‬المحاولة‭ ‬المراقبين‭ ‬الغربيين‭ ‬بهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬العنف‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالنظام‭. ‬وفي‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬سُجلت‭ ‬زيادة‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المؤامرات‭ ‬والهجمات‭ ‬التي‭ ‬نفذت‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬حيث‭ ‬أوضح‭ ‬المحللون‭ ‬أنها‭ ‬تأتي‭ ‬انتقامًا‭ ‬من‭ ‬الغارة‭ ‬الجوية‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬قتلت‭ ‬قاسم‭ ‬سليماني،‭ ‬قائد‭ ‬فيلق‭ ‬القدس‭ ‬التابع‭ ‬للحرس‭ ‬الثوري،‭ ‬أثناء‭ ‬زيارته‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2020‭. ‬

وقد‭ ‬صعّد‭ ‬النظام‭ ‬والحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‭ ‬من‭ ‬استهدافهم‭ ‬المسؤولين‭ ‬الغربيين‭ ‬وشخصيات‭ ‬المعارضة‭ ‬السياسية‭ ‬الإيرانية،‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬يأتي‭ ‬نمط‭ ‬محاولات‭ ‬الاغتيال‭. ‬وكتب‭ ‬ماثيو‭ ‬ليفيت،‭ ‬زميل‭ ‬بمعهد‭ ‬واشنطن‭ ‬لسياسة‭ ‬الشرق‭ ‬الأدنى،‭ ‬أن‭ ‬فكرة‭ ‬تجنيد‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬لعملاء‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬للتخطيط‭ ‬وتنفيذ‭ ‬هجمات‭ ‬عنيفة‭ ‬ضد‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬والشخصيات‭ ‬‮"‬تبدو‭ ‬رائعة‭ ‬جدًّا‭ ‬لدرجة‭ ‬يصعب‭ ‬تصديقها‮"‬،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬أبرز‭ ‬محاولات‭ ‬الاغتيال‭ ‬الفاشلة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬عملاء‭ ‬إيرانيون‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬خطط‭ ‬لاغتيال‭ ‬جون‭ ‬بولتون،‭ ‬مستشار‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابق،‭ ‬ومايك‭ ‬بومبيو،‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابق‭. ‬وفي‭ ‬أغسطس‭ ‬2022،‭ ‬اتهمت‭ ‬وزارة‭ ‬العدل‭ ‬الأمريكية‭ ‬شهرام‭ ‬بورصافي،‭ ‬المواطن‭ ‬الإيراني‭ ‬وعضو‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‭ ‬بمحاولة‭ ‬اغتيال‭ ‬بولتون،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬الصقور‭ ‬المتشددة‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬والذي‭ ‬اشتهر‭ ‬بمعارضته‭ ‬الشديدة‭ ‬للحكومات‭ ‬المعادية‭ ‬لأمريكا‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬

وبالتزامن‭ ‬مع‭ ‬محاولات‭ ‬الاغتيال،‭ ‬تم‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬إيرانيين‭ ‬مرتبطين‭ ‬بالنظام‭ ‬يقومون‭ ‬بأعمال‭ ‬مراقبة‭ ‬وتجسس‭. ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019،‭ ‬أقر‭ ‬اثنان‭ ‬من‭ ‬الإيرانيين‭ ‬المقيمين‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بتهمة‭ ‬مراقبة‭ ‬أعضاء‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬للمقاومة‭ ‬الإيرانية،‭ ‬وحضور‭ ‬فعاليات‭ ‬في‭ ‬نيويورك‭ ‬وواشنطن‭ ‬للقيام‭ ‬بذلك‭. ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬أيضًا،‭ ‬أضاف‭ ‬ليفيت‭ ‬أن‭ ‬‮"‬العملاء‭ ‬الإيرانيين‭ ‬كانوا‭ ‬على‭ ‬اتصال‭ ‬منتظم‭ ‬مع‭ ‬مسؤول‭ ‬بالحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬إيران‮"‬،‭ ‬ما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬‮"‬ليست‭ ‬عمليات‭ ‬مارقة‭ ‬بل‭ ‬مؤامرات‭ ‬بتوجيه‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬الإيرانيين‮"‬‭.‬

وفسر‭ ‬البروفيسور‭ ‬أفشون‭ ‬أوستوفار،‭ ‬من‭ ‬كلية‭ ‬الدراسات‭ ‬العليا‭ ‬البحرية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬سبب‭ ‬لجوء‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬انخفاض‭ ‬مخاطر‭ ‬النجاح‭ ‬بشكل‭ ‬واضح،‭ ‬بأن‭ ‬طهران‭ ‬‮"‬تريد‭ ‬بشدة‭ ‬تحقيق‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الانتقام‮"‬‭ ‬لموت‭ ‬سليماني،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬‮"‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتقنوه‮"‬،‭ ‬ومع‭ ‬كل‭ ‬فشل‭ ‬يذكرهم‭ ‬بنقاط‭ ‬ضعفهم‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬استمرار‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الهجمات‭ ‬إلى‭ ‬افتراض‭ ‬أن‭ ‬كفاءتها‭ ‬وقدراتها‭ ‬ستتحسن،‭ ‬مما‭ ‬يسلط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬خطر‭ ‬أن‭ ‬تنجح‭ ‬إحدى‭ ‬المؤامرات‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭. ‬ويرى‭ ‬ليفيت‭ ‬أن‭ ‬طهران‭ ‬تعتبر‭ ‬الأسلوب‭ ‬الحالي‭ ‬‮"‬وسيلة‭ ‬فعالة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التكلفة‮"‬‭ ‬لمحاولة‭ ‬إسكات‭ ‬المعارضة‭ ‬محليًّا‭ ‬ودوليًّا‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬تأكيد‭ ‬جرايم‭ ‬وود،‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬ذي‭ ‬أتلاتنيك،‭ ‬أن‭ ‬محاولات‭ ‬شن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الهجمات‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬وكلاء‭ ‬‮"‬سُذج‮"‬‭ ‬تعكس‭ ‬‮"‬حدود‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تفعله‭ ‬إيران‮"‬‭ ‬حاليًا،‭ ‬ولكنها‭ ‬تعكس‭ ‬أيضًا‭ ‬نموذجًا‭ ‬‮"‬استراتيجيًّا‮"‬‭ ‬تلجأ‭ ‬إليه‭ ‬داعش‭ ‬والجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬المتطرفة‭ ‬الأخرى‭ ‬لتشجيع‭ ‬مجاهديها‭ ‬على‭ ‬تولي‭ ‬زمام‭ ‬الهجوم‭ ‬بأنفسهم،‭ ‬كشكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬‮"‬العمالة‭ ‬الرخيصة‮"‬‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬أشبه‭ ‬بـ"القتل‭ ‬المأجور‮"‬،‭ ‬الذي‭ ‬يلبي‭ ‬كل‭ ‬الرغبات‭ ‬العنيفة‭ ‬للنظام‭ ‬الإيراني‭ ‬وسط‭ ‬ثقتها‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬محاسبتها‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭.‬

وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬اشتراكه‭ ‬في‭ ‬مؤامرات‭ ‬لتنفيذ‭ ‬هجمات‭ ‬عنيفة‭ ‬ضد‭ ‬شخصيات‭ ‬سياسية‭ ‬غربية‭ ‬وخصوم‭ ‬محليين‭ ‬يعيشون‭ ‬خارج‭ ‬طهران،‭ ‬لطالما‭ ‬تورط‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬هجمات‭ ‬إلكترونية‭ ‬ضد‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬ففي‭ ‬14‭ ‬سبتمبر‭ ‬2022،‭ ‬اتهمت‭ ‬وزارة‭ ‬العدل‭ ‬الأمريكية‭ ‬ثلاثة‭ ‬إيرانيين‭ ‬بـ"التآمر‭ ‬لارتكاب‭ ‬عمليات‭ ‬احتيال‭ ‬وتهم‭ ‬ابتزاز‭ ‬إلكتروني‮"‬،‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬العملية‭ ‬اعتبرها‭ ‬جلين‭ ‬ثراش،‭ ‬مراسل‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز،‭ ‬‮"‬حملة‭ ‬اختراق‭ ‬وقرصنة‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق‭ ‬تستهدف‭ ‬عدة‭ ‬دول‮"‬‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬‮"‬حكومات‭ ‬محلية‭ ‬ومرافق‭ ‬عامة‭ ‬ومؤسسات‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬هادفة‭ ‬للربح‮"‬،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬‮"‬ملجأ‭ ‬لضحايا‭ ‬العنف‭ ‬المنزلي‭ ‬ومستشفى‭ ‬للأطفال‮"‬‭. ‬

ووفقًا‭ ‬لـجلين‭ ‬ثراش،‭ ‬تم‭ ‬اختيار‭ ‬تلك‭ ‬الأهداف‭ ‬‮"‬ليس‭ ‬لأي‭ ‬سبب‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬أنظمتها‭ ‬الإلكترونية‭ ‬تعتريها‭ ‬نقاط‭ ‬ضعف‮"‬‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬‮"‬عمليات‭ ‬اختراق‭ ‬أجهزة‭ ‬الحاسب‭ ‬الخاصة‭ ‬بمئات‭ ‬الشخصيات‭ ‬البارزة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وإسرائيل‭ ‬وروسيا‭ ‬وبريطانيا‮"‬،‭ ‬كانت‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬المطالبة‭ ‬بدفع‭ ‬فدية‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬عملات‭ ‬مشفرة‭ ‬افتراضية‭ ‬لإزالة‭ ‬البرامج‭ ‬الضارة‭ ‬الخطيرة‭ ‬المثبتة‭ ‬على‭ ‬شبكات‭ ‬الضحايا‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة،‭ ‬يبدو‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المحتمل‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬ضد‭ ‬هؤلاء‭ ‬الجناة‭ ‬والمرتكبين‭ ‬لتلك‭ ‬العمليات‭ ‬لكونهم‭ ‬داخل‭ ‬إيران،‭ ‬وعلى‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬أنهم‭ ‬يتمتعون‭ ‬بحماية‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‮"‬،‭ ‬وأشار‭ ‬ثراش‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬واشنطن‭ ‬‮"‬أكدت‭ ‬عدم‭ ‬رغبة‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬صارمة‭ ‬ضد‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬المرتكبة‭ ‬داخل‭ ‬حدودها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سهّل‭ ‬على‭ ‬الجناة‭ ‬العمل‭ ‬مع‭ ‬الإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب‮"‬،‭ ‬حيث‭ ‬اتهم‭ ‬مساعد‭ ‬المدعي‭ ‬العام‭ ‬الأمريكي‭ ‬ماثيو‭ ‬جي‭ ‬أولسن‭ ‬إيران‭ ‬بأنها‭ ‬ملاذ‭ ‬آمن‭ ‬لـ"مجرمي‭ ‬الإنترنت‮"‬‭ (‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭).‬

وأوضحت‭ ‬صحيفة‭ ‬الجارديان‭ ‬أن‭ ‬انتشار‭ ‬‮"‬هجمات‭ ‬برامج‭ ‬الفدية‭ ‬الضارة‭ ‬هذه‭ ‬قد‭ ‬نمت‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬الماضي،‭ ‬وأدت‭ ‬إلى‭ ‬إلحاق‭ ‬الضرر‭ ‬بالعشرات‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬الأمريكية‭ ‬والمنظمات‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‮"‬،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬استخدام‭ ‬تلك‭ ‬الهجمات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬قوى‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬وكوريا‭ ‬الشمالية،‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬جهات‭ ‬فاعلة‭ ‬متشددة‭ ‬تعمل‭ ‬بالوكالة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬اعتمادها‭ ‬سياسة‭ ‬الاغتيالات‭ ‬المذكورة‭ ‬أعلاه،‭ ‬وتبنّي‭ ‬أسلوب‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬التي‭ ‬يتقن‭ ‬ارتكابها‭ ‬مجرمون‭ ‬منظمون‭ ‬ونشطاء،‭ ‬لطالما‭ ‬أكدوا‭ ‬أمام‭ ‬أنظمتهم‭ ‬إنكار‭ ‬صلتهم‭ ‬بتلك‭ ‬الأنشطة،‭ ‬وتدرك‭ ‬كل‭ ‬وكالات‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الغربية‭ ‬أنها‭ ‬تنسق‭ ‬وتتورط‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬ردًّا‭ ‬على‭ ‬هجمات‭ ‬القرصنة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬أصدرت‭ ‬وكالات‭ ‬الأمن‭ ‬السيبراني‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والمملكة‭ ‬القرصنة‭ ‬المؤخرة‭ ‬المتحدة‭ ‬وكندا‭ ‬وأستراليا‭ ‬تقريرًا‭ ‬استشاريًّا‭ ‬مشتركًا‭ ‬للأمن‭ ‬السيبراني،‭ ‬أكدت‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬‮"‬الجهات‭ ‬الفاعلة‭ ‬التابعة‭ ‬للحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‮"‬‭ ‬كانت‭ ‬‮"‬تستهدف‭ ‬مجموعة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الأهداف‮"‬،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬‮"‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬الحيوية‮"‬‭.‬

وتمتد‭ ‬محاولات‭ ‬إيران‭ ‬المتعلقة‭ ‬بممارسة‭ ‬أنشطتها‭ ‬الإلكترونية‭ ‬إلى‭ ‬نطاق‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الغربية‭ ‬التقليدية؛‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬سبتمبر‭ ‬2022،‭ ‬قطعت‭ ‬جمهورية‭ ‬ألبانيا‭ ‬علاقاتها‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬مع‭ ‬طهران‭ ‬بعد‭ ‬هجوم‭ ‬إلكتروني‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬العام‭ ‬استهدف‭ ‬خدماتها‭ ‬العامة‭ ‬واستهدف‭ ‬سرقة‭ ‬معلوماتها‭ ‬وبياناتها‭ ‬الحكومية‭ ‬المهمة‭. ‬وأشار‭ ‬ديفيد‭ ‬غريتن،‭ ‬من‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‭ ‬نيوز،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ألبانيا‭ ‬‮"‬عرضت‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬حق‭ ‬اللجوء‭ ‬على‭ ‬آلاف‭ ‬المعارضين‭ ‬الإيرانيين‮"‬،‭ ‬وأن‭ ‬الهجوم‭ ‬الإلكتروني‭ ‬كان‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬‮"‬إثارة‭ ‬الفوضى‮"‬‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدولة‭ ‬العضو‭ ‬في‭ ‬الناتو‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬أضاف‭ ‬شون‭ ‬لينجاس،‭ ‬من‭ ‬سي‭ ‬إن‭ ‬إن،‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الهجوم‭ ‬وقع‭ ‬قبل‭ ‬مؤتمر‭ ‬صحفي‭ ‬في‭ ‬ألبانيا‭ ‬حضره‭ ‬أعضاء‭ ‬من‭ ‬جماعة‭ ‬معارضة‭ ‬إيرانية‭.‬

ومن‭ ‬جانبه،‭ ‬أفاد‭ ‬‮"‬جون‭ ‬هولتكويست‮"‬،‭ ‬رئيس‭ ‬الاستخبارات‭ ‬في‭ ‬شركة‭ ‬الأمن‭ ‬السيبراني‭ ‬‮"‬مانديانت‮"‬،‭ ‬أن‭ ‬طرد‭ ‬ألبانيا‭ ‬للدبلوماسيين‭ ‬الإيرانيين‭ ‬‮"‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬أقوى‭ ‬رد‭ ‬عام‭ ‬رأيناه‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬ضد‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الهجوم‭ ‬الإلكتروني‮"‬،‭ ‬مضيفًا‭ ‬أن‭ ‬‮"‬الهجوم‭ ‬يعد‭ ‬تذكيرًا‭ ‬بأنه‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬النشاط‭ ‬السيبراني‭ ‬الإيراني‭ ‬الأكثر‭ ‬عدوانية‭ ‬كان‭ ‬مركّزًا‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬بات‭ ‬الآن‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة‭ ‬بأي‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬الأحوال‮"‬‭. ‬وبعد‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الطرد،‭ ‬سجل‭ ‬المسؤولون‭ ‬الألبان‭ ‬هجومًا‭ ‬إلكترونيًّا‭ ‬آخر‭ ‬مرتبطًا‭ ‬بإيران،‭ ‬استهدف‭ ‬نظام‭ ‬مراقبة‭ ‬الدولة‭ ‬للأفراد‭ ‬الذين‭ ‬يدخلون‭ ‬ويغادرون‭ ‬البلاد‭.‬

وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬الخطر‭ ‬المتزايد‭ ‬الواضح‭ ‬للهجمات‭ ‬العنيفة‭ ‬والسيبرانية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالنظام‭ ‬الإيراني‭ ‬والحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني،‭ ‬تساءل‭ ‬المحللون‭ ‬عما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تفعله‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬لاعتراض‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬وردعها‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل‭. ‬وردًّا‭ ‬على‭ ‬الهجوم‭ ‬الإلكتروني‭ ‬لألبانيا‭ ‬المذكور‭ ‬أعلاه،‭ ‬اتهمت‭ ‬أدريان‭ ‬واتسون،‭ ‬المتحدثة‭ ‬باسم‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الأمريكي،‭ ‬طهران‭ ‬بارتكاب‭ ‬أعمال‭ ‬‮"‬طائشة‭ ‬وغير‭ ‬مسؤولة‮"‬‭ ‬واعتبرت‭ ‬أنَّ‭ ‬هذه‭ ‬الهجمات‭ ‬تمثل‭ ‬‮"‬تجاهلاً‭ ‬لقواعد‭ ‬السلوك‭ ‬المسؤول‭ ‬للدولة‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬السلم‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الإلكتروني‮"‬‭. ‬كما‭ ‬تعهدت‭ ‬واشنطن‭ ‬‮"‬بمحاسبة‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬أمن‭ ‬أحد‭ ‬حلفائها‮"‬،‭ ‬حيث‭ ‬فرضت‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬عقوبات‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬وزير‭ ‬المخابرات‭ ‬الإيراني،‭ ‬إسماعيل‭ ‬الخطيب،‭ ‬ووزارته‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يرى‭ ‬هولتكويست،‭ ‬وكذلك‭ ‬الجهات‭ ‬الفاعلة‭ ‬السيبرانية‭ ‬الأخرى،‭ ‬‮"‬أن‭ ‬الحلول‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬لن‭ ‬تردع‭ ‬طهران‮"‬،‭ ‬وأن‭ ‬‮"‬الأمر‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬عواقب‭ ‬هذه‭ ‬الهجمات‭ ‬السيبرانية‭ ‬مقبولة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليهم‭ ‬في‭ ‬النهاية‮"‬،‭ ‬كما‭ ‬أوضح‭ ‬ليفيت‭ ‬أنه‭ ‬مع‭ ‬استمرار‭ ‬تلك‭ ‬المخططات‭ ‬السيبرانية‭ ‬الإيرانية‭ ‬‮"‬بلا‭ ‬هوادة‮"‬،‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬لن‭ ‬ينصاعوا‭ ‬إلى‭ ‬الكف‭ ‬عنها‭ ‬لأنهم‭ ‬‮"‬يعلمون‭ ‬أن‭ ‬بإمكانهم‭ ‬الإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب‮"‬،‭ ‬وعلق‭ ‬هولتكويست‭ ‬كذلك‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬‮"‬لوائح‭ ‬الاتهام‭ ‬والتصنيفات‭ ‬والعقوبات‭ ‬المالية‭ ‬ليست‭ ‬ردودا‭ ‬كافية‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأنشطة،‭ ‬خاصة‭ ‬عندما‭ ‬يتم‭ ‬التخطيط‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬الأمريكية‭. ‬وعلى‭ ‬الأقل،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يشمل‭ ‬رد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلفائها‭ ‬العزلة‭ ‬الدبلوماسية،‭ ‬وحظر‭ ‬السفر‭ ‬الذي‭ ‬يمنع‭ ‬أفراد‭ ‬عائلات‭ ‬القادة‭ ‬الإيرانيين‭ ‬من‭ ‬الدراسة‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬أو‭ ‬الذهاب‭ ‬في‭ ‬رحلات‭ ‬تسوق‭ ‬إلى‭ ‬الغرب،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬صنّاع‭ ‬القرار‭ ‬الإيرانيين‭ ‬يتكبدون‭ ‬تكاليف‭ ‬ملموسة‮"‬‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬كتب‭ ‬وود‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬‮"‬ليست‭ ‬عاجزة‮"‬‭ ‬بشأن‭ ‬معالجة‭ ‬قضية‭ ‬الهجمات‭ ‬الإيرانية،‭ ‬معتبرًا‭ ‬أن‭ ‬‮"‬الرد‭ ‬المناسب‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬أو‭ ‬توجيه‭ ‬هجمات‭ ‬سيبرانية‭ ‬جديدة‮"‬‭ ‬سيكون‭ ‬جعل‭ ‬أي‭ ‬اتفاق‭ ‬نووي‭ ‬مستقبلي‭ ‬مع‭ ‬طهران‭ ‬‮"‬مشروطًا‮"‬‭ ‬بتخلي‭ ‬إيران‭ ‬عن‭ ‬عملياتها‭ ‬الإرهابية‭ ‬الدولية‮"‬‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الفشل‭ ‬في‭ ‬القيام‭ ‬بذلك،‭ ‬وفقًا‭ ‬لـوود،‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يخاطر‭ ‬بجعل‭ ‬الاتفاق‭ ‬‮"‬مقبولاً‭ ‬وجاذبًا‮"‬‭ ‬للنظام‭ ‬الإيراني‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬النقاد‭ ‬والخبراء‭ ‬الأمنيين‭.‬

في‭ ‬النهاية،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬حملة‭ ‬الاغتيالات‭ ‬ومحاولات‭ ‬القتل‭ ‬والاختطاف‭ ‬وعمليات‭ ‬التجسس‭ ‬والهجمات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬تظهر‭ ‬نواياه‭ ‬الواضحة‭ ‬للمطالبة‭ ‬بعمل‭ ‬انتقامي‭ ‬لمقتل‭ ‬الجنرال‭ ‬سليماني،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬نيته‭ ‬إضعاف‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬أشار‭ ‬ليفيت‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬الاضطرابات‭ ‬الداخلية‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬يحاول‭ ‬‮"‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‮"‬‭ ‬حماية‭ ‬النظام‭ ‬من‭ ‬المعارضين‭ ‬المتمركزين‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬‮"‬بصورة‭ ‬أكثر‭ ‬عدوانية‮"‬،‭ ‬وبالتالي‭ ‬سيعم‭ ‬على‭ ‬المخاطرة‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التصعيد‭. ‬وبينما‭ ‬أُشير‭ ‬إلى‭ ‬المحاولات‭ ‬الإيرانية‭ ‬الحالية‭ ‬بأنها‭ ‬‮"‬ساذجة‮"‬‭ ‬و"تتميز‭ ‬بأخطاء‭ ‬تفتقد‭ ‬للعقل‮"‬،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهل‭ ‬استمرار‭ ‬انتشار‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المخاطر‭. ‬وبالتالي،‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬وسيلة‭ ‬أفضل‭ ‬لردعها،‭ ‬وفقًا‭ ‬لما‭ ‬أشار‭ ‬إليه‭ ‬ليفيت‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬غياب‭ ‬الوسيلة‭ ‬لمعاقبة‭ ‬المسؤولين‭ ‬الإيرانيين‭ ‬وعملائهم‭ ‬بالغرب‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬يُلزم‭ ‬وكالات‭ ‬الاستخبارات‭ ‬بضرورة‭ ‬منع‭ ‬تلك‭ ‬الهجمات‭ ‬المدمرة‭ ‬التي‭ ‬تطول‭ ‬المسؤولين‭ ‬والمدنيين‭ ‬البارزين‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬هي‭ ‬نجاح‭ ‬لكييف،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬ينبغي‭ ‬النظر‭ ‬فيما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬ستؤدي‭ ‬قريبًا‭ ‬إلى‭ ‬إنهاء‭ ‬الأعمال‭ ‬العسكرية‭. ‬فلا‭ ‬تزال‭ ‬القوات‭ ‬الروسية‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬مساحات‭ ‬شاسعة‭ ‬من‭ ‬البلاد،‭ ‬وتبدو‭ ‬دفاعاتها‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬أكثر‭ ‬مقاومة‭ ‬للهجمات،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬احتمالية‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬سلام‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التفاوض‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للتطبيق‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭.‬

وبعد‭ ‬فشل‭ ‬هجوم‭ ‬الموجة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬ومارس‭ ‬2022‭ ‬لإحباط‭ ‬المقاومة‭ ‬الأوكرانية؛‭ ‬شنت‭ ‬روسيا‭ ‬هجومًا‭ ‬ثانيًا‭ ‬خلال‭ ‬فصلي‭ ‬الربيع‭ ‬والصيف،‭ ‬واستولت‭ ‬على‭ ‬أجزاء‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬‮«‬دونباس‮»‬‭ ‬الشرقية،‭ ‬وعززت‭ ‬قبضتها‭ ‬على‭ ‬جنوب‭ ‬أوكرانيا‭. ‬وفي‭ ‬29‭ ‬أغسطس‭ ‬2022،‭ ‬ردت‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بهجمات‭ ‬مضادة،‭ ‬وعجّلت‭ ‬بما‭ ‬وصفه‭ ‬الخبراء‭ ‬الغربيون‭ ‬بوقف‭ ‬تقدم‭ ‬موسكو‭. ‬وبدأ‭ ‬بهجوم‭ ‬مضاد‭ ‬على‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬خيرسون‮»‬‭ ‬جنوب‭ ‬البلاد،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لتطويق‭ ‬الروس،‭ ‬بما‭ ‬أشارت‭ ‬إليه‭ ‬‮«‬جيزيل‭ ‬دونيلي‮»‬،‭ ‬من‭ ‬معهد‭ ‬‮«‬أمريكان‭ ‬إنتربرايز‮»‬،‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬جيب‭ ‬خيرسون»؛‭ ‬أطلقت‭ ‬أوكرانيا‭ ‬هجومًا‭ ‬ثانيًا‭ ‬أكبر‭ ‬حول‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬خاركيف‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬وصفته‭ ‬أيضا‭ ‬بـ«الخطأ‭ ‬التام‭ ‬للجيش‭ ‬الروسي‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬عانى‭ ‬على‭ ‬أثره‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬‮«‬انهيار‭ ‬كامل‮»‬‭. ‬وأضاف‭ ‬‮«‬فيليبس‭ ‬أوبراين‮»‬،‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬‮«‬سانت‭ ‬أندروز‮»‬،‭ ‬أنه‭ ‬عند‭ ‬لجؤهم‭ ‬إلى‭ ‬إبعاد‭ ‬نظر‭ ‬الروس‭ ‬عن‭ ‬هجومهم‭ ‬الأكبر،‭ ‬فإن‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬‮«‬حققوا‭ ‬ضربة‭ ‬رئيسية‮»‬‭ ‬من‭ ‬الخداع‭ ‬العسكري‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬تشتت‮»‬‭ ‬القوات‭ ‬الروسية‭ ‬حول‭ ‬خاركيف‭.‬

ويعد‭ ‬أفضل‭ ‬تقييم‭ ‬لنجاح‭ ‬الهجوم‭ ‬الأوكراني‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬حتى‭ ‬الآن؛‭ ‬هو‭ ‬احتساب‭ ‬الأراضي‭ ‬التي‭ ‬تمت‭ ‬استعادتها‭. ‬وفي‭ ‬12‭ ‬سبتمبر‭ ‬2022،‭ ‬أوضح‭ ‬الرئيس‭ ‬الأوكراني،‭ ‬‮«‬زيلينسكي‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬قواته‭ ‬استعادت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬6000‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربع،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مواقع‭ ‬استراتيجية‭ ‬رئيسية‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬وجنوب‭ ‬البلاد‭. ‬وتنعكس‭ ‬سرعة‭ ‬التقدم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مطالبته‭ ‬بتحرير‭ ‬1000‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربع‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬الثامن‭ ‬من‭ ‬سبتمبر؛‭ ‬واستعادته‭ ‬3000‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربع‭ ‬في‭ ‬11‭ ‬سبتمبر‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬غالبية‭ ‬التقدم‭ ‬في‭ ‬الشمال،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬الإبلاغ‭ ‬عن‭ ‬تقدم‭ ‬حوالي‭ ‬500‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربع‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬البلاد،‭ ‬حيث‭ ‬المقاومة‭ ‬الروسية‭ ‬أقوى‭.‬

ووفقا‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬المحللين،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬أهمية‭ ‬استراتيجية‭ ‬للأراضي‭ ‬التي‭ ‬استعادتها‭ ‬‮«‬كييف‮»‬‭. ‬وأشار‭ ‬‮«‬ديتش‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬‮«‬أكبر‭ ‬تحرير‭ ‬للأراضي‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬‮«‬استعادت‭ ‬أوكرانيا‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬أيام‭ ‬معظم‭ ‬المكاسب‭ ‬التي‭ ‬تحققت‭ ‬في‭ ‬الربيع‭ ‬للروس‭ ‬بدونباس‮»‬‭. ‬وقدم‭ ‬‮«‬جاك‭ ‬واتلينج‮»‬،‭ ‬من‭ ‬‮«‬المعهد‭ ‬الملكي‭ ‬للخدمات‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬شرحًا‭ ‬عمليًا‭ ‬ورمزيًا‭ ‬لأهمية‭ ‬الهجوم‭ ‬من‭ ‬المنظور‭ ‬الأوكراني،‭ ‬حيث‭ ‬وثق‭ ‬كيف‭ ‬تواجه‭ ‬كييف‭ ‬حاليًا‭ ‬“ثلاث‭ ‬ضرورات»؛‭ ‬أولها‭ ‬‮«‬المطلب‭ ‬السياسي‮»‬‭ ‬لإثبات‭ ‬أن‭ ‬توفير‭ ‬المساعدة‭ ‬العسكرية‭ ‬من‭ ‬الحلفاء‭ ‬‮«‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تقدم‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬المعركة‮»‬،‭ ‬وثانيًا‭ ‬ضرورة‭ ‬‮«‬استمرار‭ ‬تعطيل‭ ‬روسيا‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬استعادة‭ ‬زمام‭ ‬المبادرة‭ ‬أو‭ ‬تعزيز‭ ‬سيطرتها‮»‬،‭ ‬وثالثها‭ ‬إخراج‭ ‬الروس‭ ‬بالقوة‭ ‬من‭ ‬البلاد‭.‬

وحاز‭ ‬نجاح‭ ‬الهجوم‭ ‬الأوكراني‭ ‬على‭ ‬استحسان‭ ‬المراقبين‭ ‬الغربيين‭. ‬وكتب‭ ‬‮«‬إيان‭ ‬بريمر‮»‬،‭ ‬لمجلة‭ ‬‮«‬تايم‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الأمور‭ ‬تغيرت‭ ‬في‭ ‬الحرب‮»‬،‭ ‬وأوضح‭ ‬‮«‬جيريمي‭ ‬بوين‮»‬،‭ ‬من‭ ‬شبكة‭ ‬‮«‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‭ ‬نيوز‮»‬،‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬أهم‭ ‬انتصار‮»‬‭ ‬لأوكرانيا‭. ‬وأشارت‭ ‬‮«‬دونيلي‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬كيفية‭ ‬‮«‬تنفيذها‭ ‬خداعًا‭ ‬استراتيجيًا‭ ‬رائعًا‮»‬‭. ‬ولتوضيح‭ ‬هذه‭ ‬الديناميكية،‭ ‬أوضح‭ ‬‮«‬أوبراين‮»‬‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬ذي‭ ‬أتلاتنيك‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬‮«‬مفاجئة‮»‬،‭ ‬وإنما‭ ‬كانت‭ ‬نتيجة‭ ‬‮«‬تخطيط‭ ‬عسكري‭ ‬دؤوب،‭ ‬وعملية‭ ‬أمنية‭ ‬ممتازة‮»‬‭. ‬ورأى‭ ‬‮«‬كير‭ ‬جايلز‮»‬،‭ ‬من‭ ‬‮«‬المعهد‭ ‬الملكي‭ ‬للخدمات‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬الأهمية‭ ‬الحقيقية‭ ‬‮«‬لا‭ ‬تكمن‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬التقدم‭ ‬الاستثنائي‭ ‬لأوكرانيا‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬‮«‬إثبات‭ ‬أنها‭ ‬تستطيع‭ ‬الأخذ‭ ‬بزمام‭ ‬المبادرة‭ ‬وتحرير‭ ‬الأراضي‭ ‬بمعدل‭ ‬مرتفع‮»‬‭.‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬نظر‭ ‬المراقبون‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬باعتباره‭ ‬تراجعًا‭ ‬شديدًا‭ ‬لـ«عملية‭ ‬بوتين‭ ‬العسكرية‭ ‬الخاصة‮»‬‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭. ‬وأوضح‭ ‬‮«‬أندرو‭ ‬كرامر‮»‬،‭ ‬و«أندرو‭ ‬هيغينز‮»‬،‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬نيويورك‭ ‬تايمز‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬الكرملين‭ ‬‮«‬أصيب‭ ‬بالذهول‮»‬‭ ‬من‭ ‬‮«‬التقدم‭ ‬السريع‭ ‬للقوات‭ ‬الأوكرانية‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬حاول‭ ‬حفظ‭ ‬ماء‭ ‬الوجه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الانسحاب‭ ‬كان‭ ‬محاولة‭ ‬‮«‬لإعادة‭ ‬تجميع‭ ‬القوات؛‭ ‬أكد‭ ‬‮«‬بوتين‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬التراجع‭ ‬هو‭ ‬‮«‬هزيمة‮»‬،‭ ‬موضحا‭ ‬كيفية‭ ‬فشل‭ ‬‮«‬الاستخبارات‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‮»‬،‭ ‬وتخلي‭ ‬الجنود‭ ‬عن‭ ‬كميات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المعدات‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬القتال‭. ‬وسجل‭ ‬‮«‬معهد‭ ‬دراسة‭ ‬الحرب‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬الجبهة‭ ‬الشمالية‭ ‬لروسيا‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬‮«‬تنهار‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬‮«‬لم‭ ‬يقم‭ ‬الجيش‭ ‬بانسحاب‭ ‬منظم‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬“سارع‭ ‬بالفرار‮»‬‭.‬

واستمرارًا،‭ ‬كتبت‭ ‬‮«‬آن‭ ‬أبلباوم‮»‬،‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬ذي‭ ‬أتلانتك‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أكبر‭ ‬صدمة‮»‬‭ ‬للهجوم‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬‮«‬تكتيكات‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬بل‭ ‬الرد‭ ‬الروسي‮»‬،‭ ‬مع‭ ‬انسحاب‭ ‬جنودها‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الذعر،‭ ‬و«الهروب‭ ‬بأسرع‭ ‬ما‭ ‬يمكن‮»‬،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬التصدي‭ ‬للقوات‭ ‬الأوكرانية‭. ‬ومن‭ ‬وجهة‭ ‬نظرها،‭ ‬تسلط‭ ‬هذه‭ ‬الديناميكية‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الاختلاف‭ ‬الأساسي‮»‬‭ ‬بين‭ ‬الجنود‭ ‬الأوكرانيين،‭ ‬‮«‬الذين‭ ‬يقاتلون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وجود‭ ‬بلادهم‮»‬،‭ ‬والروس،‭ ‬‮«‬الذين‭ ‬يقاتلون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬رواتبهم،‭ ‬هو‭ ‬الفيصل‭ ‬الأساسي‮»‬‭. ‬وأشار‭ ‬‮«‬ميك‭ ‬مولروي‮»‬،‭ ‬نائب‭ ‬مساعد‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابق‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الهجوم‭ ‬الأوكراني‭ ‬‮«‬يتحرك‭ ‬بشكل‭ ‬أسرع،‭ ‬وأن‭ ‬الاستعداد‭ ‬الروسي‭ ‬للقتال‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬جنود‭ ‬المشاة‭ ‬يتراجع‮»‬‭.‬

ونتيجة‭ ‬لهذا‭ ‬الأمر،‭ ‬زادت‭ ‬حالة‭ ‬السخط‭ ‬الداخلية‭ ‬لدى‭ ‬الروس‭ ‬لدرجة‭ ‬اعتراف‭ ‬قنوات‭ ‬التلفزيون‭ ‬الرسمية‭ ‬أن‭ ‬قواتها‭ ‬عانت‭ ‬من‭ ‬‮«‬أصعب‭ ‬أسبوع‭ ‬لها‭ ‬حتى‭ ‬الآن‮»‬‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬برمتها‭. ‬وأوضح‭ ‬‮«‬بريمر‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الحالة‭ ‬المزاجية‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬التدهور‮»‬،‭ ‬لاسيما‭ ‬مع‭ ‬‮«‬ازدياد‭ ‬استياء‭ ‬القوميين‭ ‬الروس‮»‬‭. ‬وأشار‭ ‬‮«‬كرامر‮»‬،‭ ‬و‮«‬هيغينز‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أكبر‭ ‬إحراج‮»‬‭ ‬لبوتين‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬‮«‬حالة‭ ‬السخط‭ ‬لدى‭ ‬المدونين‭ ‬الموالين‭ ‬له‭ ‬مؤخرًا‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬غضون‭ ‬ذلك،‭ ‬توجه‭ ‬‮«‬رمضان‭ ‬قديروف‮»‬،‭ ‬زعيم‭ ‬الشيشان،‭ ‬وحليف‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي،‭ ‬إلى‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لانتقاد‭ ‬‮«‬الأخطاء‮»‬‭ ‬الروسية‭ ‬علنًا،‭ ‬وطالب‭ ‬بتفسيرات‭ ‬“للوضع‭ ‬الحقيقي‭ ‬على‭ ‬الأرض‮»‬‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬سيطرة‭ ‬الكرملين‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والتواصل،‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬السخط‭ ‬العام‭ ‬الصريح‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬محدودًا‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ضمان‭ ‬استمراره‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬حدوث‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الخسائر‭.‬

وبالفعل،‭ ‬فإن‭ ‬معالجة‭ ‬‮«‬بوتين‮»‬،‭ ‬للأبعاد‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬الحرب‭ ‬كانت‭ ‬موضع‭ ‬شك‭. ‬وأشارت‭ ‬‮«‬دونيلي‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬آلية‭ ‬شراء‭ ‬الأسلحة‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬وكوريا‭ ‬الشمالية،‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يمثل‭ ‬الطريقة‭ ‬المثلى‭ ‬التي‭ ‬تخطط‭ ‬بها‭ ‬قوة‭ ‬عظمى‭ ‬لشن‭ ‬حرب‮»‬،‭ ‬وأنه‭ ‬‮«‬من‭ ‬المؤكد‮»‬‭ ‬أن‭ ‬بوتين‭ ‬‮«‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬ترجمة‭ ‬قرار‭ ‬بيع‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬بالروبل‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬قدرات‭ ‬قتالية‭ ‬كبرى‭ ‬جديدة‮»‬‭. ‬وأكد‭ ‬‮«‬ستيف‭ ‬روزنبرغ‮»‬،‭ ‬من‭ ‬شبكة‭ ‬‮«‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬الانتكاسات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وتدهور‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية،‭ ‬تُظهر‭ ‬أن‭ ‬قرار‭ ‬بوتين‭ ‬كان‭ ‬بمثابة‭ ‬‮«‬إساءة‭ ‬تقدير‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تخيلها‮»‬،‭ ‬لكنه‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬أكد،‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬‮«‬نادرًا‭ ‬ما‭ ‬يعترف‭ ‬بأخطائه‮»‬،‭ ‬و«نادرًا‭ ‬ما‭ ‬سيحدث‭ ‬أية‭ ‬تغيرات‭ ‬لتدارك‭ ‬الموقف‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الديناميكيات،‭ ‬تناول‭ ‬المراقبون‭ ‬مسألة‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الحرب‭ ‬ستنتهي‭ ‬قريبًا‭ ‬أم‭ ‬لا‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الاعتقادات‭ ‬السائدة‭ ‬بأن‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬يمكنهم‭ ‬حقًا‭ ‬الانتصار‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحرب،‭ ‬فقد‭ ‬أصدر‭ ‬الخبراء‭ ‬السياسيون‭ ‬تحذيرات‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬ينبغي‭ ‬توقع‭ ‬استمرار‭ ‬حالة‭ ‬الصراع‭ ‬عدة‭ ‬أشهر،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لسنوات‭ ‬قادمة‭. ‬وأوضح‭ ‬‮«‬واتلينج‮»‬‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬‮«‬إقناع‭ ‬الروس‭ ‬بالتفاوض‭ ‬بجدية‭ ‬وإدراك‭ ‬أن‭ ‬الهزيمة‭ ‬العسكرية‭ ‬الوشيكة‭ ‬أمر‭ ‬منطقي‭ ‬تمامًا‭ ‬بالوقت‭ ‬الراهن‮»‬‭. ‬وأشارت‭ ‬‮«‬أبلباوم‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬“واقعًا‭ ‬جديدًا‭ ‬أكثر‭ ‬منطقية‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬تشكيله”‭ ‬مفاده‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الأوكرانيين‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينتصروا‮»‬‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬هناك‭ ‬تحديات‭ ‬كبرى‭ ‬أمام‭ ‬أوكرانيا‭. ‬فلا‭ ‬تزال‭ ‬روسيا‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬حوالي‭ ‬1‭/‬5‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الأوكرانية‭ ‬وتتوغل‭ ‬بقوة‭ ‬في‭ ‬منطقتي‭ ‬لوغانسك‭ ‬ودونيتسك‭. ‬ومن‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬‮«‬كرامر‮»‬،‭ ‬و«هيغينز‮»‬،‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يزال‭ ‬تحقيق‭ ‬النصر‭ ‬بعيدًا،‭ ‬حيث‭ ‬يتعين‭ ‬على‭ ‬‮«‬كييف‮»‬،‭ ‬تكبيد‭ ‬موسكو‭ ‬خسائر‭ ‬طائلة،‭ ‬مقابل‭ ‬كل‭ ‬قدم‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يستعيدونها‮»‬‭. ‬ورأى‭ ‬‮«‬ماثيو‭ ‬لوكسمور‮»‬،‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬وول‭ ‬ستريت‭ ‬جورنال‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬يواجهون‭ ‬الآن‭ ‬“تحدي‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬القوة‭ ‬البشرية‭ ‬والذخيرة‭ ‬اللازمة‭ ‬لتعزيز‭ ‬مكاسبهم،‭ ‬وتوسيع‭ ‬نطاقها‮»‬،‭ ‬بينما‭ ‬أشارت‭ ‬‮«‬أبلباوم‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬“الروس‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬لديهم‭ ‬مخزون‭ ‬أكبر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬والذخيرة‮»‬‭.‬

علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬انتكاساتها،‭ ‬لم‭ ‬تعترف‭ ‬‮«‬موسكو‮»‬‭ ‬بالهزيمة‭. ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬أصر‭ ‬‮«‬أوبراين‮»‬،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬‮«‬بوتين‮»‬،‭ ‬سيكون‭ ‬‮«‬ذكيًا‮»‬‭ ‬لبدء‭ ‬المفاوضات‭ ‬لإنهاء‭ ‬الحرب؛‭ ‬أصر‭ ‬المتحدث‭ ‬باسم‭ ‬الكرملين،‭ ‬‮«‬دميتري‭ ‬بيسكوف‮»‬،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬ستواصل‭ ‬القتال‭ ‬‮«‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬المهام‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تحديدها‭ ‬في‭ ‬البداية‮»‬‭. ‬وبالتالي،‭ ‬تم‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬مخاطر‭ ‬حدوث‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التصعيد‭ ‬مستقبلاً‭. ‬وأشارت‭ ‬‮«‬أبلباوم‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬موسكو‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إلحاق‭ ‬الضرر‭ ‬بالمدنيين‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الهجمات‭ ‬الصاروخية‭ ‬وقطع‭ ‬الكهرباء،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬العديد‭ ‬من‭ ‬الخيارات‭ ‬القاسية‭ ‬الأخرى‮»‬،‭ ‬لاسيما‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬محطة‭ ‬‮«‬زابوريزهزهيا‮»‬‭ ‬النووية‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬خط‭ ‬المواجهة‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬أشار‭ ‬‮«‬ديتش‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نجاحات‭ ‬أوكرانيا‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬إشعال‭ ‬فتيل‭ ‬‮«‬الدعوات‭ ‬بين‭ ‬القوميين‭ ‬الروس‭ ‬لشن‭ ‬تعبئة‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق‮»‬‭. ‬وحذر‭ ‬‮«‬بريمر‮»‬،‭ ‬بشدة‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الأحداث‭ ‬قد‭ ‬تجعل‭ ‬الصراع‭ ‬‮«‬أكثر‭ ‬خطورة‮»‬‭ ‬لو‭ ‬لجأ‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬‮«‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‮»‬‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهدافه‮»‬‭.‬

ومن‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬المحللين‭ ‬الداعمين‭ ‬لكييف،‭ ‬فإن‭ ‬نجاح‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬حربها‭ ‬يضيف‭ ‬مصداقية‭ ‬للذين‭ ‬يدعمون‭ ‬تقديم‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المساعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬لأوكرانيا‭. ‬ويرى‭ ‬‮«‬مولروي‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الآن‭ ‬هو‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬لدعم‭ ‬الأوكرانيين‮»‬،‭ ‬‮«‬واستغلال‭ ‬كل‭ ‬فرصة‭ ‬لديهم‭ ‬لإضعاف‭ ‬وتدمير‭ ‬القدرة‭ ‬الروسية‭ ‬على‭ ‬مباشرة‭ ‬القتال‮»‬‭. ‬ودعت‭ ‬‮«‬دونيلي‮»‬،‭ ‬واشنطن‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الضغط‮»‬،‭ ‬‮«‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لاستعادة‭ ‬السيادة‭ ‬والحرية‭ ‬الأوكرانية‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضًا‭ ‬“لإحياء‭ ‬إيمان‭ ‬العالم‭ ‬بالقوة‭ ‬والمبادئ‭ ‬الأمريكية‮»‬‭.‬

من‭ ‬جانبه،‭ ‬يرى‭ ‬‮«‬واتلينج‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬احتمالات‭ ‬لاستمرار‭ ‬الهجمات‭ ‬الأوكرانية‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬‮«‬ومن‭ ‬المهم‭ ‬ألا‭ ‬يعتمد‭ ‬حلفاء‭ ‬أوكرانيا‭ ‬على‭ ‬القوائم‭ ‬المحددة‭ ‬من‭ ‬المعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬الواجب‭ ‬إتاحتها‭ ‬حتى‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬بعينه،‭ ‬ولكن‭ ‬“صياغة‭ ‬التزام‭ ‬طويل‭ ‬الأجل‭ ‬تجاه‭ ‬توفير‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المساعدات‭ ‬الهيكلية‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2024‭ ‬على‭ ‬الأقل‮»‬،‭ ‬مضيفا،‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬‮«‬إزالة‭ ‬الضغط‭ ‬السياسي‮»‬‭ ‬على‭ ‬كييف‭ ‬لإحراز‭ ‬تقدم‭ ‬سريع،‭ ‬و«توليد‭ ‬تأكيدات‭ ‬أكثر‭ ‬واقعية‭ ‬لدى‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬حول‭ ‬مدة‭ ‬الصراع‭ ‬وتأثيره‮»‬‭. ‬وبالفعل‭ ‬هناك‭ ‬توقع‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬العسكري‭ ‬لأوكرانيا‭. ‬وذكرت‭ ‬صحيفة‭ ‬“وول‭ ‬ستريت‭ ‬جورنال‮»‬،‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬النجاحات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬ستطلب‭ ‬‮«‬كييف‮»‬‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المساعدات‭ ‬العسكرية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أنظمة‭ ‬الصواريخ‭ ‬الأمريكية‭ ‬طويلة‭ ‬المدى،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدبابات‭ ‬وأنظمة‭ ‬المدفعية‭ ‬والطائرات‭ ‬المسيرة‭.‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬فإنه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬النجاحات‭ ‬الحالية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬كييف،‭ ‬فقد‭ ‬أشار‭ ‬‮«‬بريمر‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الهجمات‭ ‬وحدها‭ ‬‮«‬من‭ ‬غير‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تقصر‭ ‬أمد‭ ‬الحرب‮»‬،‭ ‬لكنها‭ ‬أظهرت‭ ‬أن‭ ‬موسكو‭ ‬يمكن‭ ‬بالفعل‭ ‬أن‭ ‬تتراجع‭ ‬عن‭ ‬تقدمها‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬استخدام‭ ‬أوكرانيا‭ ‬لأساليب‭ ‬الخداع‭ ‬والاستفادة‭ ‬إلى‭ ‬أقصى‭ ‬حد‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬الغربي‭. ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المؤكد‭ ‬كيف‭ ‬يترجم‭ ‬هذا‭ ‬النجاح‭ ‬العملياتي‭ ‬الميداني‭ ‬إلى‭ ‬نصر‭ ‬استراتيجي‭ ‬أوسع‭ ‬نطاقًا،‭ ‬لاسيما‭ ‬مع‭ ‬إشارة‭ ‬‮«‬دونيلي‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬وتيرة‭ ‬النصر‭ ‬ستتباطأ‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الأوكرانيين‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬‮«‬غير‭ ‬مؤكد‮»‬‭.‬

وعليه،‭ ‬فإن‭ ‬المحللين‭ ‬الغربيين‭ ‬يرجحون‭ ‬أن‭ ‬القتال‭ ‬والهجمات‭ ‬المضادة‭ ‬من‭ ‬كلا‭ ‬الجانبين‭ ‬ستستمر‭ ‬لأشهر‭ ‬عديدة‭ ‬قادمة،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتمتع‭ ‬فيها‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬طرفي‭ ‬الصراع‭ ‬بالقوة‭ ‬الكافية‭ ‬لتحقيق‭ ‬نصر‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬على‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭.‬

{ انتهى  }
bottom of page