22/9/2022
الطاقة البديلة في دول الخليج.. ضرورة استراتيجية
فيما يعد النفط عمادا للاقتصاد الخليجي، بل والاقتصاد العربي، لكون صادراته تسهم بأكثر من 75% من إجمالي الصادرات الخليجية؛ فإن نفط الخليج أيضًا ركيزة أساسية لأمن الطاقة العالمي، لجهة كبر حجم الاحتياطي الذي يناهز نحو 530 مليار برميل أي نحو 33% من احتياطي النفط العالمي المؤكد البالغ نحو 1.55 تريليون برميل، كما أن إنتاج النفط الخليجي يغطي نحو 19% من الطلب العالمي الذي يناهز نحو 100 مليون برميل يوميًا.
علاوة على ذلك، يتميز إنتاج النفط الخليجي، بأن النسبة الأكبر منه تذهب إلى السوق العالمي، لقلة عدد سكان الدول المنتجة، وقلة استهلاكهم -الذي كان يمثل نحو أقل من 1% في 1973- لكن هذا السوق قد أخذ في الانزعاج، وأيضًا صناع القرار في المنظومة الخليجية، مع تنامي حجم الاستهلاك المحلي، الذي زاد بعد أربعة عقود من التاريخ المذكور ليصل إلى نحو 5% من الطلب العالمي.
وفي واقع الأمر، أخذت دول الخليج تحتل مراتب متقدمة عالميًا في استهلاكها للنفط الخام، فغدت السعودية، أكبر مزود للنفط في العالم، تحتل المرتبة الخامسة عالميًا في استهلاك النفط برقم يناهز 4 ملايين برميل يوميًا، كما احتلت الإمارات المرتبة 31 عالميًا، برقم استهلاك يناهز 600 ألف برميل يوميًا، والكويت المرتبة 36 عالميًا برقم استهلاك يناهز 340 ألف برميل يوميًا. واحتلت قطر المرتبة 60 عالميًا برقم استهلاك يناهز 188 ألف برميل يوميًا، وسلطنة عُمان المرتبة 77 عالميًا برقم استهلاك يناهز 99 ألف برميل يوميًا، ومملكة البحرين المرتبة 97 عالميًا برقم استهلاك يناهز 59 ألف برميل يوميا.
ويرجع تزايد الاستهلاك المحلي إلى ارتفاع مستويات المعيشة، والتوسع الاقتصادي والعمراني، والاعتماد على النفط ومنتجاته، في توليد الطاقة الكهربائية، والتوسع في استخدام هذه الطاقة في تحلية المياه، فضلًا عن قطاعات النقل. ومع قلق صناع القرار في المنظومة الخليجية من تغول الاستهلاك المحلي على المتاح للتصدير من النفط؛ كانت سياسة التوسع في الاعتماد على الغاز الطبيعي في محطات الكهرباء.
وعليه، جاءت السعودية والإمارات في مقدمة الدول العربية في إجمالي استهلاك الغاز الطبيعي، وبحسب بيانات البنك المركزي السعودي في يوليو 2021، فقد بلغت كمية الاستهلاك العام للغاز الطبيعي في 2020 نحو 605 ملايين برميل بزيادة 4.3% عن العام السابق، وبنسبة تصل إلى 45% من إجمالي الاستهلاك العام لمشتقات النفط والغاز الطبيعي.
فيما تعد السعودية سادس أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، بعد روسيا وإيران وقطر والولايات المتحدة وتركمانستان، وتسعى إلى زيادة إنتاجها من الغاز، وزيادة حصته في مزيج الطاقة لديها، وبلغ إنتاجها 11 مليار قدم مكعب يوميًا في 2020 بزيادة 30% عن 2010. وتسعى السعودية من وراء زيادة إنتاج الغاز إلى أن يحل محل النفط الخام وزيت الوقود في تلبية الاستهلاك المتزايد للكهرباء وإتاحة المزيد من النفط الخام للتصدير.
وأدت زيادة اعتماد الإمارات على الغاز الطبيعي إلى عدم كفاية الإنتاج المحلي منه، وقد أعلنت بعد اكتشاف مكمن جديد للغاز بمخزون ضخم يقدر بنحو 80 تريليون قدم مكعبة، اقترابها من هدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من إمدادات الغاز، فيما تستورد الإمارات نحو 40% من احتياجاتها، ويبلغ إنتاجها نحو 7.5 مليارات قدم مكعبة يوميًا، ويبلغ حجم الاستهلاك اليومي حوالي 186 مليون متر مكعب مع التوسع في استخدامه في إنتاج الكهرباء، وفي كثير من الصناعات، فضلاً عن الاستخدام المنزلي ووقود للسيارات.
وفي الكويت يبلغ الإنتاج اليومي من الغاز الطبيعي نحو 1.9 مليار قدم مكعب، ويستهدف أن يصل إلى 3.5 مليارات قدم مكعب في 2031/2032، وأصبح استيراد الغاز الطبيعي المصدر الرئيسي للاستخدامات المحلية للوقود في البلاد، وقامت الكويت بمشروعات البنية التحتية اللازمة لاستقبال واردات هذا الغاز.
وبينما يرتفع إنتاج البحرين من الغاز إلى 758 مليار قدم مكعب يستحوذ قطاع الكهرباء على النسبة الأكبر من استخدامه بنحو 31%، وحقل آبار النفط بنسبة 29%، وألومنيوم البحرين بنسبة 19%. وبينما تعمل المملكة على التوسع في إنتاج الغاز، فإنها أقامت مرفأ لاستقبال الغاز الطبيعي المسال المستورد. فيما بلغ إجمالي استهلاك سلطنة عُمان من الغاز الطبيعي في العام الماضي نحو 50.2 مليار متر مكعب، بينما كان في 2020 نحو 47 مليار متر مكعب، وبلغ إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال 10.6 ملايين طن في 2021.
وفي الوقت الذي تتمتع فيه المنظومة الخليجية بنسبة 25% من احتياطي الغاز العالمي، وتنتج كميات كبيرة من هذا المورد، وعلى رأسها قطر والسعودية والإمارات، فإن توسعها في استهلاك الغاز الطبيعي ليحل محل النفط في توليد الكهرباء وكوقود وفي الصناعات البتروكيماوية والمعدنية، حد من قدرتها على تصديره، وفيما يبلغ متوسط الزيادة السنوية في استخدام الغاز لدى هذه المجموعة نحو 4.4%، فقد وجهت السعودية والبحرين والكويت إنتاجها من الغاز للاستخدام المحلي فقط، وبرزت كل من قطر وعمان والإمارات (التي تعد مستورد صافي للغاز) ضمن الدول العربية المصدرة للغاز الطبيعي المسال، وتتولى قطر وحدها نسبة 21% من السوق العالمي لهذه السلعة.
وإذا كان التوسع في إنتاج الغاز الطبيعي في دول المنظومة الخليجية قد شكل أول بدائل النفط كمصدر للطاقة، وأيضًا لتقليل الانبعاثات الكربونية، والحفاظ على البيئة، فقد اتجهت هذه الدول أيضًا إلى مصادر أخرى بديلة للطاقة في مقدمتها الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة النووية، وفيما تتمتع دول الخليج بمزايا نسبية في إنتاج الطاقة الشمسية، بفضل المساحات الواسعة المشمسة، فقد توقعت "إيرينا" الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، أنه بحلول 2030 سيكون لدى دول مجلس التعاون الخليجي مشاريع لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية بالألواح الكهروضوئية، بقدرة تعادل 40 جيجًاوات، وتوفر نحو 200 ألف فرصة عمل، وهذه المشروعات عند اكتمالها في 2030 توفر نحو 76 مليار دولار.
وفيما تشكل الإمارات 68% من إجمالي مشاريع الطاقة المتجددة في الخليج، فقد أقامت مشروع محطة الظفرة للطاقة الشمسية الكهروضوئية كأكبر محطة لإنتاج الطاقة الشمسية في العالم بقدرة تصل إلى 2 جيجاوات، بما يوفر الكهرباء لأكثر من 160 ألف منزل، ويخفض الانبعاثات الكربونية بأكثر من 2.4 مليون طن سنويًا، ويعزز تنافسية إنتاج الكهرباء إلى أقل من 5 فلوس لكل كيلووات ساعة، كما تأتي محطة شمس 1 مستهدفة توفير 7% من احتياجات إمارة أبوظبي من الطاقة المتجددة، ومشروع الطاقة الشمسية المركزة بقدرة 1000 ميجاوات حتى عام 2030، ويخفض أكثر من 6.5 ملايين طن من الانبعاثات الكربونية، ومشروع مجمع بن راشد آل مكتوم في دبي مستهدفًا 5000 ميجاوات في 2030 ويخفض 4 ملايين طن من الانبعاثات الكربونية.
أما المملكة العربية السعودية، فقد أطلقت عددًا من مشاريع الطاقة الشمسية، على رأسها مشروعات: "سدير"، "سكاكا"، "الشعبية"، "رابغ"، "جدة"، "المدينة المنورة" و"رمخاء". وتتمتع الرياض بميزات قوية في مجال هذه الطاقة، لموقعها في نطاق الحزام الشمسي العالمي، وتقدر المملكة أنه يمكن لمحطات الطاقة الشمسية أن تحقق رقم إنتاج 41 جيجاوات بحلول 2030، ما يلبي أكثر من 30% من احتياجاتها للكهرباء.
وانعكاسًا لهذا النهج، أطلقت الكويت مشروع "الشقايا" للطاقة المتجددة، مستهدفًا توليد 3.2 جيجاوات، فيما تتطلع الكويت أن تتولى الطاقة المتجددة 15% من مزيج الطاقة في 2030، فيما تسعى سلطنة عمان إلى نسبة 20%، وافتتحت في العام الحالي محطة "عابري" بسعة 500 ميجاوات وبتكلفة استثمارية 400 مليون دولار، ويتولى مشروع "محطة عسكر" للطاقة الشمسية في مملكة البحرين توليد 100 ميجاوات.
وإضافة إلى الطاقة الشمسية، قامت الإمارات بمجموعة كبيرة من المشاريع لإنتاج الطاقة من الرياح، وكانت بدايتها في جزيرة "صير بني ياس"، التي أقامتها شركة مصدر بسعة إنتاجية 850 كيلووات ساعة، كما تسعى السعودية إلى إنتاج 10 جيجاوات من الطاقة الكهربائية، اعتمادًا على الرياح بحلول 2025، وقد تم بالفعل بدء توليد الكهرباء من محطة "دومة الجندل" لطاقة الرياح، الأكبر من نوعها في الشرق الأوسط لتنتج أول ميجاوات خالية من الكربون، وستولد المحطة طاقة تكفي 70 ألف منزل، وتتفادى انبعاث 988 ألف طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون.
ويشمل مشروع "الشقايا" للطاقة المتجددة في الكويت محطة لإنتاج الطاقة من الرياح، وتنفذ سلطنة عُمان بالتعاون مع شركة "مصدر الإماراتية مشروعا لإنتاج طاقة الرياح في "ظفار" بقدرة 500 ميجاوات، وتشغل طواحين الهواء لتوليد الكهرباء من الرياح مركز التجارة العالمي في البحرين، فيما تسعى إلى توليد 110 ميجاوات باستخدام طاقة الرياح.
ولدى مشاركته اجتماعات مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة، أعلن سفير المملكة العربية السعودية لدى جمهورية النمسا، أن المملكة قد أسست "الشركة السعودية القابضة للطاقة النووية"، فيما تستهدف المملكة إضافة 17 جيجاوات من القدرات النووية بحلول 2040، مع طموحات بإنشاء اثنين من المفاعلات النووية بسعة بنحو 3.2 جيجاوات، مع إيلاء المملكة اهتماماتها القصوى لاعتبارات الآمن النووي، واعتمادها على مواردها المحلية من اليورانيوم. وتولت الإمارات إنشاء محطة "براكة" للطاقة النووية في منطقة "الظفرة" بأبوظبي بأربعة مفاعلات تغطي ربع احتياجات الدولة من الكهرباء، وحتى مايو الماضي بلغت نسبة إنجاز الأعمال الإنشائية 97% وهي التي بدأ الشروع فيها في 2012، وتحد هذه المحطة انبعاثات كربونية بواقع 22.4 مليون طن سنويًا، أو ما يعادل إزالة نحو 4.8 ملايين سيارة من الطرقات، وتنتج 5600 ميجاوات، تكفي لإنارة برج خليفة 3700 مرة يوميًا.
على العموم، كان اللجوء إلى مصادر الطاقة البديلة إذا لدى دول مجلس التعاون الخليجي، من غاز إلى طاقة شمسية إلى طاقة رياح إلى طاقة نووية؛ ضرورة استراتيجية لهذه الدول، لتحافظ على موقعها في السوق العالمي للطاقة كأكبر مورد نفطي لهذه السوق، وعلى دور صادرات النفط الخام في اقتصادها الوطني، وارتفاع معدلات الاستهلاك المحلي منه. وتسير هذه السياسة جنبًا إلى جنب مع سياسات ترشيد استخدام الطاقة، وتحقيق كفاءة هذا الاستخدام، بعد ما تبين تخطي معدلات الاستهلاك في دول الخليج المعدلات العالمية.