top of page

23/9/2022

بعد الجنازة التاريخية للملكة "إليزابيث الثانية".. ما هو مستقبل دول الكومنولث؟

بعد‭ ‬عشرة‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬الحداد‭ ‬الرسمي‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬أقيمت‭ ‬في‭ ‬19‭ ‬سبتمبر‭ ‬2022‭ ‬الجنازة‭ ‬الرسمية‭ ‬للملكة‭ ‬‮"‬إليزابيث‭ ‬الثانية‮"‬،‭ ‬أطول‭ ‬ملكة‭ ‬جلوسًا‭ ‬على‭ ‬عرش‭ ‬البلاد‭. ‬وأقيمت‭ ‬جنازة‭ ‬رسمية‭ ‬في‭ ‬كاتدرائية‭ ‬‮"‬وستمنستر‮"‬،‭ ‬شهدها‭ ‬مئات‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬العالم‭ ‬وكبار‭ ‬الشخصيات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬موكب‭ ‬من‭ ‬حوالي‭ ‬4000‭ ‬فرد‭ ‬عسكري‭ ‬يمشون‭ ‬عبر‭ ‬لندن‭ ‬نحو‭ ‬قلعة‭ ‬وندسور،‭ ‬موقع‭ ‬المثوى‭ ‬الأخير‭ ‬للملكة،‭ ‬وهو‭ ‬الحدث‭ ‬الفريد‭ ‬الذي‭ ‬وصفه‭ ‬المراقبون‭ ‬بـ‮"‬نهاية‭ ‬حقبة‮"‬،‭ ‬واعتبره‭ ‬‮"‬باتريك‭ ‬أوفلين‮"‬،‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮"‬ذا‭ ‬سبيكتاتور‮"‬،‭ ‬أنه‭ ‬‮"‬وداع‭ ‬لائق‮"‬‭ ‬لـ"إليزابيث‭ ‬العظيمة‮"‬‭.‬

من‭ ‬جانبه،‭ ‬وصف‭ ‬‮"‬مارك‭ ‬لاندلر‮"‬،‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ ‬‮"‬نيويورك‭ ‬تايمز‮"‬،‭ ‬أول‭ ‬جنازة‭ ‬رسمية‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬منذ‭ ‬جنازة‭ ‬‮"‬وينستون‭ ‬تشرشل‮"‬‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬إبان‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1965؛‭ ‬بأنها‭ ‬‮"‬وداع‭ ‬مهيب‭ ‬لقائدة‭ ‬البلاد‭.. ‬لم‭ ‬شمل‭ ‬البريطانيين‭ ‬عبر‭ ‬تعبير‭ ‬واسع‭ ‬عن‭ ‬الحزن‭ ‬والامتنان‮"‬‭. ‬وسلطت‭ ‬صحيفة‭ ‬‮"‬واشنطن‭ ‬بوست‮"‬‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬كيفية‭ ‬‮"‬تهيئة‭ ‬مدينة‭ ‬لندن‭ ‬بالكامل‭ ‬لهذا‭ ‬الحدث‮"‬،‭ ‬حيث‭ ‬سافر‭ ‬‮"‬مئات‭ ‬الآلاف‮"‬‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬إليها‭ ‬ليشهدوا‭ ‬موكب‭ ‬الجنازة‭ ‬الذي‭ ‬بلغ‭ ‬طوله‭ ‬أميالًا‮"‬‭. ‬وأشارت‭ ‬‮"‬سارة‭ ‬كوفمان‮"‬،‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬‮"‬واشنطن‭ ‬بوست‮"‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الحدث‭ ‬كان‭ ‬‮"‬إبهارا‭ ‬بصريا‮"‬،‭ ‬حيث‭ ‬‮"‬تواصلت‭ ‬الأجيال‭ ‬بحضور‭ ‬أحفادها‭ ‬والتنسيق‮"‬،‭ ‬واعتبرتها‭ ‬صحيفة‭ ‬‮"‬لو‭ ‬باريزيان‮"‬‭ ‬الفرنسية‭ ‬‮"‬جنازة‭ ‬القرن‮"‬‭.‬

وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬العظمة‭ ‬الواضحة،‭ ‬أضافت‭ ‬صحيفة‭ ‬‮"‬واشنطن‭ ‬بوست‮"‬‭ ‬أن‭ ‬الموكب‭ ‬الجنائزي‭ ‬تميز‭ ‬بلحظات‭ ‬‮"‬هادئة‮"‬‭ ‬من‭ ‬‮"‬الجدية‮"‬،‭ ‬أبرزها‭ ‬‮"‬دقيقتان‭ ‬من‭ ‬الصمت‭ ‬جعلت‭ ‬البلاد،‭ ‬ومدينة‭ ‬يبلغ‭ ‬عدد‭ ‬سكانها‭ ‬16‭ ‬مليون‭ ‬شخص،‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬توقف‭ ‬كامل‮"‬‭. ‬وعقب‭ ‬المراسم‭ ‬العامة‭ ‬والموكب،‭ ‬أقيمت‭ ‬جنازة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬كنيسة‭ ‬الملك‭ ‬جورج‭ ‬السادس‭ ‬التذكارية‭ ‬بقلعة‭ ‬وندسور،‭ ‬حيث‭ ‬دفنت‭ ‬الملكة‭ ‬إليزابيث‭ ‬جنبًا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬دوق‭ ‬إدنبرة،‭ ‬زوج‭ ‬الملكة‭ ‬الراحلة‭ ‬الذي‭ ‬توفي‭ ‬عام‭ ‬2021‭.‬

وأبرز‭ ‬الحدث‭ ‬السمعة‭ ‬العالمية‭ ‬للملكة‭ ‬إليزابيث،‭ ‬وما‭ ‬حازته‭ ‬من‭ ‬مكانة‭ ‬دبلوماسية‭ ‬إيجابية،‭ ‬حيث‭ ‬حضره‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬القادة‭ ‬الأجانب‭ ‬والشخصيات‭ ‬المرموقة؛‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬وصفته‭ ‬صحيفة‭ ‬‮"‬فاينانشال‭ ‬تايمز‮"‬‭ ‬بأنه‭ ‬‮"‬أكبر‭ ‬تجمع‭ ‬للقادة‭ ‬الأجانب‭ ‬وكبار‭ ‬الشخصيات‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬منذ‭ ‬عقود‮"‬‭. ‬وكان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬2000‭ ‬مشيع‭ ‬حضروا‭ ‬مراسم‭ ‬الجنازة‭ ‬في‭ ‬كاتدرائية‭ ‬وستمنستر‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬500‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬الشخصيات‭ ‬الأجنبية‭ ‬من‭ ‬حوالي‭ ‬200‭ ‬دولة‭. ‬وأشار‭ ‬السير‭ ‬‮"‬إيفور‭ ‬روبرتس‮"‬،‭ ‬السفير‭ ‬البريطاني‭ ‬السابق‭ ‬لدى‭ ‬إيطاليا،‭ ‬إلى‭ ‬الجنازة‭ ‬باعتبارها‭ ‬‮"‬أعظم‭ ‬انتصار‭ ‬دبلوماسي‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث‮"‬،‭ ‬و"مثالا‭ ‬رائعا‭ ‬للملكة‭ ‬الراحلة‭ ‬كقطب‭ ‬جذب‭ ‬دولي‮"‬،‭ ‬حيث‭ ‬فاقت‭ ‬أعداد‭ ‬الحضور‭ ‬بكثير‭ ‬ما‭ ‬يشهده‭ ‬مثيلها‭ ‬من‭ ‬التجمعات‭ ‬الدولية‭ ‬الأخرى،‭ ‬مثل‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭.‬

ومع‭ ‬وجود‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬ممثلي‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الذين‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬احترامهم‭ ‬للملكة‭ ‬الراحلة،‭ ‬أشار‭ ‬‮"‬تشارلز‭ ‬مور‮"‬،‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬‮"‬التليغراف‮"‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬كاتدرائية‭ ‬وستمنستر‭ ‬القديمة‭ ‬‮"‬لم‭ ‬تكن‭ ‬كبيرة‭ ‬بما‭ ‬يكفي‮"‬‭ ‬لتتسع‭ ‬لهم‭ ‬جميعًا،‭ ‬ومثّل‭ ‬ذلك‭ ‬‮"‬أزمة‭ ‬لوجستية‮"‬‭ ‬لإيصال‭ ‬قادة‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬وسط‭ ‬لندن،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬نقل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الزوار‭ ‬البارزين،‭ ‬بمن‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العائلات‭ ‬الملكية‭ ‬في‭ ‬إسبانيا‭ ‬وبلجيكا‭ ‬ووفد‭ ‬الصين‭ ‬وقادة‭ ‬من‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬الإفريقية‭ ‬والآسيوية،‭ ‬إلى‭ ‬الموقع‭ ‬بواسطة‭ ‬الحافلات،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الموكب‭ ‬المعتاد‭ ‬للسيارات‭ ‬الفاخرة‭.‬

وكان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أبرز‭ ‬الحاضرين‭ ‬مراسم‭ ‬الجنازة‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬دول‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬‮"‬جو‭ ‬بايدن‮"‬،‭ ‬وفرنسا‭ ‬‮"‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‮"‬،‭ ‬وإيطاليا‭ ‬‮"‬سيرجيو‭ ‬ماتاريلا‮"‬،‭ ‬وألمانيا‭ ‬‮"‬فرانك‭ ‬شتاينماير‮"‬،‭ ‬والبرازيل‭ ‬‮"‬جاير‭ ‬بولسونارو‮"‬،‭ ‬وإمبراطور‭ ‬اليابان‭ ‬‮"‬ناروهيتو‮"‬،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬‮"‬أورسولا‭ ‬فون‭ ‬دير‭ ‬لاين‮"‬‭ ‬رئيسة‭ ‬المفوضية‭ ‬الأوروبية،‭ ‬كما‭ ‬حضر‭ ‬أعضاء‭ ‬من‭ ‬العائلات‭ ‬المالكة‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬من‭ ‬السويد،‭ ‬وهولندا،‭ ‬وبلجيكا،‭ ‬والدنمارك،‭ ‬والنرويج،‭ ‬وإسبانيا‭.‬

وبالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬حضر‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬المرموقة؛‭ ‬في‭ ‬طليعتهم‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬‮"‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‮"‬،‭ ‬وسمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الأمير‭ ‬‮"‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‮"‬،‭ ‬وملك‭ ‬الأردن‭ ‬‮"‬عبد‭ ‬الله‭ ‬الثاني‮"‬،‭ ‬وسلطان‭ ‬عمان‭ ‬‮"‬هيثم‭ ‬بن‭ ‬طارق‮"‬،‭ ‬وأمير‭ ‬قطر‭ ‬الشيخ‭ ‬‮"‬تميم‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬ثاني‮"‬،‭ ‬وولي‭ ‬عهد‭ ‬الكويت‭ ‬الشيخ‭ ‬‮"‬مشعل‭ ‬الأحمد‭ ‬الصباح‮"‬،‭ ‬ونائب‭ ‬رئيس‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬حاكم‭ ‬إمارة‭ ‬دبي‭ ‬الشيخ‭ ‬‮"‬محمد‭ ‬بن‭ ‬راشد‭ ‬آل‭ ‬مكتوم‮"‬،‭ ‬ومثّل‭ ‬السعودية‭ ‬وزير‭ ‬الدولة‭ ‬عضو‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬الأمير‭ ‬‮"‬تركي‭ ‬بن‭ ‬‭??‬محمد‭ ‬آل‭ ‬سعود‮"‬،‭ ‬كما‭ ‬حضر‭ ‬الرئيس‭ ‬اللبناني‭ ‬‮"‬نجيب‭ ‬ميقاتي‮"‬،‭ ‬ووزير‭ ‬خارجية‭ ‬تركيا‭ ‬‮"‬مولود‭ ‬جاويش‭ ‬أوغلو‮"‬‭.‬

أما‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالنطاق‭ ‬الدولي‭ ‬للمدعوين‭ ‬لحضور‭ ‬مراسم‭ ‬الجنازة‭ ‬الرسمية‭ ‬فقد‭ ‬أشارت‭ ‬صحيفة‭ ‬‮"‬فاينانشيال‭ ‬تايمز‮"‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮"‬عددا‭ ‬قليلا‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬العالم‭ ‬فقط‮"‬‭ ‬لم‭ ‬يتلقوا‭ ‬دعوات،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬غياب‭ ‬الممثلين‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬روسيا،‭ ‬وسوريا،‭ ‬وأفغانستان،‭ ‬وفنزويلا،‭ ‬وميانمار،‭ ‬وبيلاروسيا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬بعضا‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬حرب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬الجارية،‭ ‬‮"‬وعدم‭ ‬وجود‭ ‬علاقات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬كاملة‭ ‬مع‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‮"‬‭ ‬لبعض‭ ‬البلدان‭. ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬تمت‭ ‬دعوة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬وكوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬السفراء‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬كان‭ ‬بمثابة‭ ‬تجمع‭ ‬لزعماء‭ ‬العالم‭ ‬والشخصيات‭ ‬المؤثرة،‭ ‬فإنه‭ ‬كان‭ ‬بالكامل‭ ‬إحياءً‭ ‬واحتفالا‭ ‬لذكرى‭ ‬الملكة‭ ‬إليزابيث‭ ‬الثانية‭ ‬وإرثها‭ ‬المحلي‭ ‬والدولي‭. ‬وأطلق‭ ‬خبر‭ ‬وفاة‭ ‬الملكة‭ ‬سيلاً‭ ‬من‭ ‬كلمات‭ ‬التعازي‭ ‬والمواساة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬الاعتراف‭ ‬بدورها‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬العلاقات‭ ‬الودية‭ ‬والتعاون‭ ‬بين‭ ‬كافة‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬وتم‭ ‬تأكيد‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دول‭ ‬الكومنولث،‭ ‬التي‭ ‬عملت‭ ‬الملكة‭ ‬الراحلة‭ ‬كرئيسة‭ ‬لها‭.‬

وعلى‭ ‬الصعيد‭ ‬المحلي،‭ ‬وصف‭ ‬‮"‬أندرو‭ ‬مارشال‮"‬،‭ ‬من‭ ‬‮"‬المجلس‭ ‬الأطلسي‮"‬،‭ ‬وجود‭ ‬الملكة‭ ‬إليزابيث‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬بأنه‭ ‬‮"‬بدًا‭ ‬دائمًا‭ ‬حضورًا‭ ‬متينًا‭ ‬وموثوقًا،‭ ‬مثل‭ ‬نهر‭ ‬التايمز،‭ ‬أو‭ ‬منحدرات‭ ‬دوفر‭ ‬الصخرية‭ ‬البيضاء‮"‬‭. ‬وانعكست‭ ‬أهمية‭ ‬وفاتها‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬البريطاني‭ ‬في‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬من‭ ‬كافة‭ ‬جموع‭ ‬الأمة،‭ ‬التي‭ ‬تميزت‭ ‬بنبرات‭ ‬الحزن‭ ‬وآيات‭ ‬التقدير‭. ‬وظهر‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬الأخص‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬الحداد‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬مراسم‭ ‬الجنازة‭ ‬الرسمية؛‭ ‬حيث‭ ‬زار‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ربع‭ ‬مليون‭ ‬مواطن‭ ‬نعشها،‭ ‬أثناء‭ ‬وجوده‭ ‬في‭ ‬قاعة‭ ‬وستمنستر،‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬طابور‭ ‬منظم،‭ ‬امتد‭ ‬عدة‭ ‬أميال‭ ‬عبر‭ ‬العاصمة،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬وصلت‭ ‬معها‭ ‬فترات‭ ‬انتظار‭ ‬المعزين‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬24‭ ‬ساعة‭.‬

ومع‭ ‬انتهاء‭ ‬الحدث،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬أثارت‭ ‬خلافة‭ ‬الملك‭ ‬‮"‬تشارلز‭ ‬الثالث‮"‬‭ ‬تكهنات‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬الملكية‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‭. ‬ويعد‭ ‬العاهل‭ ‬البريطاني‭ ‬الجديد‭ ‬بالوراثة‭ ‬رئيسًا‭ ‬لأربع‭ ‬عشرة‭ ‬دولة‭ ‬أخرى‭ ‬تضم‭ ‬دول‭ ‬الكومنولث،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬كندا،‭ ‬وأستراليا،‭ ‬ونيوزيلندا،‭ ‬التي‭ ‬يبلغ‭ ‬مجموع‭ ‬سكانها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬150‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭. ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الشعبية‭ ‬العامة‭ ‬وطول‭ ‬عمر‭ ‬حكم‭ ‬الملكة‭ ‬إليزابيث‭ ‬‮"‬حظيا‭ ‬بمستوى‭ ‬معين‭ ‬من‭ ‬الاحترام‭ ‬حتى‭ ‬بين‭ ‬الجمهوريين‮"‬،‭ ‬فإنه‭ ‬وفقًا‭ ‬لـ"جيمس‭ ‬ماكبرايد‮"‬،‭ ‬من‭ ‬‮"‬مجلس‭ ‬العلاقات‭ ‬الخارجية‮"‬،‭ ‬فإن‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬‮"‬تشارلز‭ ‬الثالث‭ ‬لا‭ ‬يتمتع‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الديناميات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتسم‭ ‬بها‭ ‬الملكة‭ ‬الراحلة‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تقلص‭ ‬نفوذ‭ ‬ودور‭ ‬العائلة‭ ‬المالكة‭ ‬البريطانية‭ ‬خارجيًا‮"‬‭. ‬

علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬علق‭ ‬‮"‬مارشال‮"‬‭ ‬بأن‭ ‬‮"‬الدور‭ ‬العالمي‭ ‬المتلاشي‭ ‬لبريطانيا،‭ ‬ضمن‭ ‬مجموعة‭ ‬دول‭ ‬الكومنولث،‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬أكثر‭ ‬مساواة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬القوة‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‮"‬،‭ ‬وأن‭ ‬الملكة‭ ‬إليزابيث‭ ‬‮"‬تكيفت‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الهيكل‭ ‬الجديد‭ ‬للمجموعة‭ ‬وفقًا‭ ‬لقدرات‭ ‬مملكتها‮"‬،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬أثارته‭ ‬الخلافة‭ ‬من‭ ‬أسئلة‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الدول‭ ‬ستحتفظ‭ ‬بتشارلز‭ ‬الثالث‭ ‬كرئيس‭ ‬لدول‭ ‬الكومنولث‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬المقبلة‭.‬

وقبل‭ ‬وفاة‭ ‬الملكة‭ ‬تسارعت‭ ‬بالفعل‭ ‬وتيرة‭ ‬جهود‭ ‬اتحاد‭ ‬دول‭ ‬الكومنولث،‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬لقطع‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬عائلة‭ ‬‮"‬آل‭ ‬وندسور‮"‬‭ ‬المالكة،‭ ‬ومحاولات‭ ‬إعلان‭ ‬نفسها‭ ‬جمهوريات‭. ‬وفي‭ ‬نوفمبر‭ ‬2021‭ ‬أصبحت‭ ‬جزيرة‭ ‬‮"‬بربادوس‮"‬‭ ‬الكاريبية‭ ‬جمهورية‭. ‬وأشار‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الجامايكي‭ ‬‮"‬أندرو‭ ‬هولنس‮"‬‭ ‬إلى‭ ‬نية‭ ‬بلاده‭ ‬فعل‭ ‬الشيء‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2022‭. ‬وبعد‭ ‬شهر،‭ ‬تحدث‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬‮"‬أنتيغوا‭ ‬وبربودا‮"‬‭ ‬أيضًا‭ ‬عن‭ ‬الكيفية‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬بها‭ ‬دولته‭ ‬الكاريبية‭ ‬‮"‬يومًا‭ ‬ما‭ ‬جمهورية‮"‬‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي،‭ ‬أثيرت‭ ‬أيضًا‭ ‬شكوك‭ ‬حول‭ ‬وضع‭ ‬العائلة‭ ‬المالكة‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬دول‭ ‬الكومنولث‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الكندي‭ ‬‮"‬جاستن‭ ‬ترودو‮"‬‭ ‬قد‭ ‬التزم‭ ‬بالحفاظ‭ ‬على‭ ‬التاج‭ ‬البريطاني،‭ ‬وآثر‭ ‬‮"‬ثبات‭ ‬الأمر‭ ‬كما‭ ‬هو‮"‬،‭ ‬فقد‭ ‬وجد‭ ‬استطلاع‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2021‭ ‬أن‭ ‬24‭%‬‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الكنديين‭ ‬يفضلون‭ ‬بقاء‭ ‬بلادهم‭ ‬ملكية‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬الملكة‭ ‬إليزابيث‭ ‬الثانية،‭ ‬بينما‭ ‬45‭%‬‭ ‬يفضلون‭ ‬وجود‭ ‬دولة‭ ‬منتخبة‭ ‬مستقلة‭. ‬

وفي‭ ‬أستراليا،‭ ‬علقت‭ ‬‮"‬سيندي‭ ‬ماكريري‮"‬،‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬‮"‬سيدني‮"‬،‭ ‬أن‭ ‬وفاة‭ ‬الملكة‭ ‬أتاحت‭ ‬للجمهوريين‭ ‬‮"‬مساحة‭ ‬أكبر‭ ‬للتحدث‭ ‬بصراحة‭ ‬عن‭ ‬المستقبل‭ ‬الدستوري‮"‬‭ ‬لبلادهم،‭ ‬وتمهيد‭ ‬الطريق‭ ‬أمامها‭ ‬‮"‬لجعلها‭ ‬جمهورية‮"‬‭. ‬وأشارت‭ ‬صحيفة‭ ‬‮"‬الجارديان‮"‬‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الحالي‭ ‬‮"‬أنتوني‭ ‬ألبانيز‮"‬‭ ‬‮"‬مؤيد‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬لأن‭ ‬تصبح‭ ‬أستراليا‭ ‬جمهورية‮"‬،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬رئيسة‭ ‬الوزراء‭ ‬السابقة‭ ‬‮"‬جوليا‭ ‬جيلارد‮"‬‭ ‬أيدت‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الإصلاح‭.‬

وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬فإنه‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المستقبل‭ ‬القصير‭ ‬المدى،‭ ‬وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬الطبيعة‭ ‬‮"‬الرمزية‭ ‬‮"‬‭ ‬لرئيس‭ ‬هذا‭ ‬الاتحاد،‭ ‬أشار‭ ‬‮"‬ماكبرايد‮"‬‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮"‬هناك‭ ‬تغييرات‭ ‬قليلة‭ ‬قد‭ ‬تطرأ‭ ‬على‭ ‬اتحاد‭ ‬الكومنولث‮"‬،‭ ‬ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬حدوث‭ ‬تحول‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬أوضح‭ ‬‮"‬مارشال‮"‬‭ ‬أنه‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬تشارلز‭ ‬الثالث‭ ‬هناك‭ ‬دلائل‭ ‬بالفعل‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬يستعد‭ ‬لـ"الابتعاد‮"‬‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬رئيس‭ ‬الاتحاد،‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬والدته‭ ‬متحمسة‭ ‬في‭ ‬قيادته‭ ‬طوال‭ ‬عدة‭ ‬عقود‭.‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬كانت‭ ‬جنازة‭ ‬الملكة‭ ‬‮"‬إليزابيث‭ ‬الثانية‮"‬‭ ‬حدثا‭ ‬فريدا،‭ ‬متناسبا‭ ‬مع‭ ‬حياة‭ ‬وحكم‭ ‬ملكة‭ ‬مشهورة‭ ‬ذاع‭ ‬صيتها‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أقطار‭ ‬العالم،‭ ‬جراء‭ ‬تأثيرها‭ ‬ودورها‭ ‬القوي‭ ‬كسفيرة‭ ‬لبريطانيا‭. ‬ويعد‭ ‬تجمع‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬العالم‭ ‬والشخصيات‭ ‬البارزة،‭ ‬واصطفاف‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬العاديين‭ ‬لتوديعها؛‭ ‬شهادة‭ ‬على‭ ‬الاحترام‭ ‬الهائل‭ ‬والاعتراف‭ ‬الذي‭ ‬تستحقه‭ ‬على‭ ‬الصعيدين‭ ‬الداخلي‭ ‬والدولي‭. ‬

ويتبقى‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬مستقبل‭ ‬النظام‭ ‬الملكي،‭ ‬واتحاد‭ ‬الكومنولث‭ ‬تحت‭ ‬قيادة‭ ‬وحكم‭ ‬الملك‭ ‬تشارلز‭ ‬الثالث،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬حقبة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬البريطاني،‭ ‬وعهدا‭ ‬مرتقبًا‭ ‬من‭ ‬التفاعلات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تباشرها‭ ‬لندن‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬دول‭ ‬العالم‭.‬

{ انتهى  }
bottom of page