top of page

29/9/2022

أبعاد وتداعيات الاحتجاجات الإيرانية على نظام الملالي.. رؤية غربية

يواجه‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬2022،‭ ‬تحديًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬آخر‭ ‬لسلطاته‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الداخلي،‭ ‬مع‭ ‬وفاة‭ ‬مهسا‭ ‬أميني‭ (‬22‭ ‬عامًا‭) ‬في‭ ‬حجز‭ ‬الشرطة‭ ‬بعد‭ ‬اعتقالها‭ ‬واحتجازها‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬شرطة‭ ‬الآداب‭ ‬التابعة‭ ‬للنظام،‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬ما‭ ‬وصفته‭ ‬فرناز‭ ‬فاسيحي،‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز،‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬أكبر‭ ‬احتجاجات‭ ‬مناهضة‭ ‬للحكومة‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2009‮»‬،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تراكم‭ ‬التوترات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬الإيراني‭ ‬وتزايد‭ ‬خيبة‭ ‬الأمل‭ ‬والاستياء‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬الثيوقراطية‭ ‬المتشددة‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬نزل‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الإيرانيين،‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬البلاد؛‭ ‬للتعبير‭ ‬علنًا‭ ‬عن‭ ‬غضبهم،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التهديد‭ ‬وممارسة‭ ‬القمع‭ ‬الوحشي‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬المسؤولين‭ ‬الإيرانيين‭.‬

وزاد‭ ‬الاهتمام‭ ‬الغربي‭ ‬بهذه‭ ‬المظاهرات‭ ‬الأخيرة؛‭ ‬بسبب‭ ‬وحشية‭ ‬القضية‭ ‬التي‭ ‬أشعلتها،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الاهتمام‭ ‬الأوسع‭ ‬بتدهور‭ ‬وضع‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬إيران‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬نظرًا‭ ‬إلى‭ ‬تأثير‭ ‬ونطاق‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬محليًّا‭ ‬ودوليًّا،‭ ‬بدأ‭ ‬المحللون‭ ‬أيضًا‭ ‬التساؤل‭ ‬عن‭ ‬مستقبل‭ ‬النظام‭ ‬نفسه،‭ ‬حيث‭ ‬أضعفت‭ ‬المعارضة‭ ‬العامة‭ ‬شرعية‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬الإيرانية‭ ‬باتت‭ ‬تمارس‭ ‬قدراتها‭ ‬على‭ ‬قمع‭ ‬المعارضة‭ ‬جيدًا‭ ‬الآن،‭ ‬فمن‭ ‬الجلي‭ ‬أن‭ ‬تراكم‭ ‬الغضب‭ ‬إزاء‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬المجتمعية‭ ‬أصبح‭ ‬عاملاً‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للنظام‭ ‬أن‭ ‬يتغاضى‭ ‬بالقمع‭ ‬العنيف‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭.‬

في‭ ‬قلب‭ ‬ما‭ ‬وصفته‭ ‬ناتاشا‭ ‬توراك‭ ‬على‭ ‬قناة‭ (‬سي‭ ‬ان‭ ‬بي‭ ‬سي‭) ‬بأنه‭ ‬‮«‬تمرد‭ ‬هائل‮»‬‭ ‬حيال‭ ‬وضع‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬أشار‭ ‬راي‭ ‬تاكيه،‭ ‬باحث‭ ‬بمجلس‭ ‬العلاقات‭ ‬الخارجية،‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬أغسطس‭ ‬2022،‭ ‬وقّع‭ ‬الرئيس‭ ‬الإيراني‭ ‬المتشدد‭ ‬إبراهيم‭ ‬رئيسي‭ ‬‮«‬مرسومًا‭ ‬لتطبيق‭ ‬أكثر‭ ‬صرامة‭ ‬للقواعد‭ ‬التي‭ ‬تتطلب‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬ارتداء‭ ‬الحجاب‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأوقات‭ ‬بالأماكن‭ ‬العامة‮»‬،‭ ‬وزعم‭ ‬تاكيه‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬القواعد‭ ‬جعلت‭ ‬‮«‬مأساة‭ ‬موت‭ ‬مهسا‭ ‬أميني‭ ‬شبه‭ ‬حتمية‮»‬،‭ ‬وأوضح‭ ‬أليكس‭ ‬فاتانكا،‭ ‬مدير‭ ‬برنامج‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬شرحه‭ ‬لأهمية‭ ‬ارتداء‭ ‬الحجاب‭ ‬الإلزامي‭ ‬لطهران،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الأنظمة‭ ‬الشمولية‭ ‬والسلطوية‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تنظيم‭ ‬الشؤون‭ ‬المجتمعية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬القواعد‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬يُمكن‭ ‬فرضها‭ ‬بتكلفة‭ ‬عالية‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬يهتم‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬بـ«ممارسة‭ ‬السيطرة‭ ‬السياسية‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬مختلفة‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬سجل‭ ‬جيسون‭ ‬بيرك،‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ ‬الغارديان،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬النساء‭ ‬قد‭ ‬ألقين‭ ‬الحجاب‭ ‬في‭ ‬النيران،‭ ‬وتمت‭ ‬إزالة‭ ‬ملصقات‭ ‬ضخمة‭ ‬للاحتفال‭ ‬بالنظام،‭ ‬وإحراق‮»‬‭ ‬مراكز‭ ‬الشرطة‭.‬

وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة،‭ ‬أشار‭ ‬المحللون‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬الغضب‭ ‬والاستياء‭ ‬وخيبة‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬إيران‭ ‬بشأن‭ ‬قضايا‭ ‬اجتماعية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وسياسية‭ ‬أخرى‭. ‬وأوضح‭ ‬فاتانكا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬معارضة‭ ‬ارتداء‭ ‬الحجاب‭ ‬الإلزامي‭ ‬هي‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬قائمة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬المظالم‭ ‬العامة‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬روبن‭ ‬رايت،‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬نيويوركر،‭ ‬أن‭ ‬المتظاهرين‭ ‬ساروا‭ ‬للمطالبة‭ ‬‮«‬بالتغيير‭ - ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬موضوع‭ ‬الحجاب‮»‬‭.‬

وبالإشارة‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬انضمام‭ ‬الرجال‭ ‬الإيرانيين‭ ‬إلى‭ ‬الاحتجاجات،‭ ‬يرى‭ ‬بيرك‭ ‬هذه‭ ‬الموجة‭ ‬من‭ ‬الاضطرابات‭ ‬‮«‬أكثر‭ ‬تنوعًا‭ ‬ديموغرافيًّا‭ ‬من‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬أحداث‭ ‬مماثلة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‮»‬،‭ ‬وأنه‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأحد‭ ‬الشك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬تستغل‭ ‬أيضًا‭ ‬خلفيات‭ ‬استياء‭ ‬عميقة‭ ‬من‭ ‬الإخفاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬الواضحة‭ ‬للنظام‭ ‬الثيوقراطي‭ ‬القمعي‮»‬،‭ ‬وأشارت‭ ‬فاسيحي‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الاستياء‭ ‬والغضب‭ ‬العميقين‭ ‬يتصاعدان‭ ‬منذ‭ ‬شهور‮»‬،‭ ‬وعلى‭ ‬الأخص‭ ‬بين‭ ‬الشباب‭ ‬الإيرانيين‭ ‬الذين‭ ‬خاب‭ ‬أملهم‭ ‬من‭ ‬‮«‬الفساد‭ ‬وسوء‭ ‬إدارة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والتعامل‭ ‬غير‭ ‬الكفؤ‭ ‬مع‭ ‬كوفيد‭ ‬19‮»‬‭ ‬وكذلك‭ ‬‮«‬القمع‭ ‬السياسي‭ ‬الواسع‭ ‬النطاق‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬معالجة‭ ‬هذا‭ ‬التحدي‭ ‬لسلطته،‭ ‬أشار‭ ‬المراقبون‭ ‬إلى‭ ‬الكيفية‭ ‬التي‭ ‬بدأ‭ ‬بها‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬حملة‭ ‬قمع‭ ‬ضد‭ ‬النقد‭ ‬الداخلي‭. ‬بينما‭ ‬أفاد‭ ‬تاكيه‭ ‬أن‭ ‬رئيسي‭ ‬“تحدث‭ ‬مع‭ ‬عائلة‭ ‬أميني‭ ‬ودعا‭ ‬إلى‭ ‬إجراء‭ ‬تحقيق‭ ‬للوقوف‭ ‬على‭ ‬سبب‭ ‬وفاتها”،‭ ‬وكتب‭ ‬ديفيد‭ ‬كلاود‭ ‬وبينوا‭ ‬فوكون،‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ ‬وول‭ ‬ستريت‭ ‬جورنال،‭ ‬أن‭ ‬قوات‭ ‬الأمن‭ ‬الإيرانية‭ ‬‮«‬صعّدت‮»‬‭ ‬ردها‭ ‬لتشمل‭ ‬القوة‭ ‬العنيفة‭ ‬لتهدئة‭ ‬ما‭ ‬وصفوه‭ ‬بـ«حركة‭ ‬احتجاج‭ ‬سلمية‭ ‬كبيرة‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬تفصيل‭ ‬لاستراتيجية‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬لقمع‭ ‬المعارضة‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر،‭ ‬أوضح‭ ‬فاتانكا‭ ‬كيف‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬إنكار‭ ‬وجود‭ ‬مطلب‭ ‬شعبي‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬الإيراني‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬‮«‬طريقة‭ ‬لردع‭ ‬الجمهور‭ ‬والناشطين‭ ‬المناهضين‭ ‬للحجاب‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬‮«‬الحد‭ ‬من‭ ‬مساحة‭ ‬النقاش‭ ‬بين‭ ‬السياسيين‭ ‬ورجال‭ ‬الدين‭ ‬بشأن‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‮»‬‭.‬

وتم‭ ‬بالفعل‭ ‬استخدام‭ ‬القمع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التهديد‭ ‬بالسجن،‭ ‬حيث‭ ‬أفادت‭ ‬فاسيحي‭ ‬أن‭ ‬وزارة‭ ‬المخابرات‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬‮«‬أرسلت‭ ‬رسالة‭ ‬نصية‭ ‬إلى‭ ‬جميع‭ ‬مستخدمي‭ ‬الهواتف‭ ‬المحمولة‭ ‬تحذر‭ ‬كل‭ ‬مَنْ‭ ‬يشارك‭ ‬في‭ ‬المظاهرات‭ ‬بالمعاقبة‭ ‬وفقًا‭ ‬لأحكام‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية‮»‬‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬لوحظت‭ ‬جهود‭ ‬النظام‭ ‬لقطع‭ ‬شبكات‭ ‬الاتصال‭ ‬وعزل‭ ‬المعارضة‭ ‬داخليًّا‭ ‬ودوليًّا،‭ ‬وأدى‭ ‬تقييد‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬إلى‭ ‬خفض‭ ‬انتشار‭ ‬الصور‭ ‬والمنشورات‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت‭ ‬بشأن‭ ‬المعارضة‭ ‬‮«‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ضئيل‮»‬،‭ ‬وفقًا‭ ‬كلاود‭ ‬وفوكون‭. ‬ومن‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬ديفيد‭ ‬سانجر،‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز،‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬التكنولوجيا‭ ‬المتاحة‭ ‬اليوم‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬على‭ ‬الإيرانيين‭ ‬التواصل‭ ‬في‭ ‬الخفاء‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬أظهر‭ ‬النظام‭ ‬‮«‬يأسًا‭ ‬حقيقيًّا‮»‬‭ ‬في‭ ‬جهوده‭ ‬‮«‬عبر‭ ‬محاولته‭ ‬قطع‭ ‬الإنترنت‭ ‬بالكامل‭ ‬داخل‭ ‬إيران‮»‬‭.‬

وليس‭ ‬من‭ ‬المستغرب‭ ‬أن‭ ‬يحاول‭ ‬المسؤولون‭ ‬الإيرانيون‭ ‬أيضًا‭ ‬الادعاء‭ ‬بأن‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬مدبرة‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬فقد‭ ‬أشار‭ ‬فاتانكا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬‮«‬تخبط‮»‬‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬القوة‭ ‬العنيفة،‭ ‬وسعى‭ ‬إلى‭ ‬ربط‭ ‬الحركة‭ ‬المناهضة‭ ‬للحجاب‭ ‬بأجهزة‭ ‬المخابرات‭ ‬الأجنبية‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬صرح‭ ‬رئيسي‭ ‬نفسه‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬لن‭ ‬يسمح،‭ ‬تحت‭ ‬أي‭ ‬ظرف‭ ‬بتعريض‭ ‬أمن‭ ‬البلاد‭ ‬والشعب‭ ‬للخطر‮»‬‭.‬

ولمواجهة‭ ‬المعارضة‭ ‬المستقبلية،‭ ‬أفاد‭ ‬فاتانكا‭ ‬أن‭ ‬طهران‭ ‬الآن‭ ‬‮«‬تتطلع‭ ‬إلى‭ ‬إدخال‭ ‬مراقبة‭ ‬إلكترونية‭ ‬جماعية‭ ‬على‭ ‬النمط‭ ‬الصيني‭ ‬للعامة‮»‬،‭ ‬بوسائلها‭ ‬القمعية‭ ‬المعنية‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬بـ«الحفاظ‭ ‬على‭ ‬أقصى‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬السياسية‭ ‬وتحييد‭ ‬المعارضة‮»‬‭.‬

وقوبلت‭ ‬جهود‭ ‬طهران‭ ‬في‭ ‬رفض‭ ‬الانتقادات‭ ‬الداخلية‭ ‬وقمعها‭ ‬للمعارضة‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬القوة‭ ‬والتهديد‭ ‬بإدانات‭ ‬دولية‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق،‭ ‬فقد‭ ‬وصفت‭ ‬السكرتيرة‭ ‬الصحفية‭ ‬للبيت‭ ‬الأبيض‭ ‬كارين‭ ‬جان‭ ‬بيير‭ ‬وفاة‭ ‬أميني‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬إهانة‭ ‬مروعة‭ ‬وشنيعة‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬حديثه‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬صرح‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬بأن‭ ‬واشنطن‭ ‬تقف‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬‮«‬المواطنين‭ ‬والنساء‭ ‬الشجعان‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬الذين‭ ‬يتظاهرون‭ ‬الآن‭ ‬لتأمين‭ ‬حقوقهم‭ ‬الأساسية‮»‬‭.‬

كما‭ ‬اتخذت‭ ‬واشنطن‭ ‬بالفعل‭ ‬إجراءات‭ ‬مباشرة‭ ‬لمعاقبة‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬داخل‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني،‭ ‬حيث‭ ‬أصدرت‭ ‬وزارة‭ ‬الخزانة‭ ‬الأمريكية‭ ‬عقوبات‭ ‬ضد‭ ‬شرطة‭ ‬الأخلاق‭ ‬الإيرانية‭ ‬‮«‬بسبب‭ ‬الإساءة‭ ‬والعنف‭ ‬ضد‭ ‬النساء‭ ‬الإيرانيات‮»‬‭. ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬الذين‭ ‬تم‭ ‬تطبيق‭ ‬العقوبات‭ ‬عليهم‭ ‬بموجب‭ ‬الأمر‭ ‬التنفيذي‭ ‬الأمريكي‭ ‬رقم‭ ‬13553‭ (‬المتعلق‭ ‬‮«‬بالانتهاكات‭ ‬الجسيمة‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‮»‬‭) ‬رئيس‭ ‬شرطة‭ ‬الأخلاق‭ ‬الإيرانية‭ ‬محمد‭ ‬رستمي‭ ‬تشيشمة‭ ‬غاتشي،‭ ‬وزير‭ ‬المخابرات‭ ‬الإيراني‭ ‬إسماعيل‭ ‬الخطيب،‭ ‬ونائب‭ ‬قائد‭ ‬قوات‭ ‬الباسيج‭ ‬سالار‭ ‬ابنوش‭. ‬ووفقًا‭ ‬لوزارة‭ ‬الخزانة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬يجب‭ ‬‮«‬حظر‭ ‬أي‭ ‬ممتلكات‭ ‬أو‭ ‬أصول‭ ‬مملوكة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬وردت‭ ‬أسماؤهم‭ ‬والإبلاغ‭ ‬عنها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬وطرق‭ ‬المعاملات‭ ‬أو‭ ‬التعامل‭ ‬معهم‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬الأمريكيين‭ ‬باتت‭ ‬محظورة‭ ‬الآن‭. ‬وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬سعت‭ ‬واشنطن‭ ‬إلى‭ ‬مساعدة‭ ‬المتظاهرين‭ ‬المتضررين‭ ‬من‭ ‬القمع‭ ‬جراء‭ ‬استخدام‭ ‬الإنترنت‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬النظام‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬السماح‭ ‬للشركات‭ ‬الأمريكية‭ ‬بتجاوز‭ ‬العقوبات‭ ‬وتوفير‭ ‬خدمات‭ ‬الإنترنت‭ ‬حتى‭ ‬يتمكن‭ ‬الإيرانيون‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬بحرية‭ ‬إلى‭ ‬المعلومات‭ ‬المتاحة‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت،‭ ‬وذلك‭ ‬وفقًا‭ ‬لما‭ ‬ذكرته‭ ‬رايت‭.‬

كما‭ ‬أدانت‭ ‬وزيرة‭ ‬الخارجية‭ ‬الألمانية،‭ ‬أنالينا‭ ‬بربوك،‭ ‬الحادث‭ ‬باعتباره‭ ‬‮«‬هجوم‭ ‬على‭ ‬الإنسانية‮»‬‭. ‬وأضافت‭ ‬هبة‭ ‬مرايف،‭ ‬مديرة‭ ‬المكتب‭ ‬الإقليمي‭ ‬للشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬العفو‭ ‬الدولية،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬ارتفاع‭ ‬عدد‭ ‬القتلى‮»‬‭ ‬بين‭ ‬المتظاهرين‭ ‬هو‭ ‬‮«‬مؤشر‭ ‬مقلق‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬قسوة‭ ‬هجوم‭ ‬السلطات‭ ‬الإيرانية‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬العامة‮»‬‭.‬

من‭ ‬جانبها،‭ ‬حاولت‭ ‬طهران‭ ‬صرف‭ ‬الانتباه‭ ‬عن‭ ‬انتهاكاتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اتهام‭ ‬بقية‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬بإخفاقاتها‭ ‬بشأن‭ ‬سجل‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬حيث‭ ‬اتهم‭ ‬إبراهيم‭ ‬رئيسي،‭ ‬خلال‭ ‬كلمته‭ ‬بالأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬نيويورك،‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬بـ«تطبيق‭ ‬معايير‭ ‬مزدوجة‭ ‬لمبادئ‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‮»‬،‭ ‬وذلك‭ ‬بحسب‭ ‬تاكيه‭. ‬وردًّا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الانتقاد‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬رئيسي،‭ ‬ردت‭ ‬الأوبزرفر‭ ‬بأنه‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬من‭ ‬المعايير‭ ‬المزدوجة‭ ‬‮«‬موجودة‭ ‬بالتأكيد‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تبرر‭ ‬بأي‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭ ‬الانتهاكات‭ ‬المروعة‭ ‬التي‭ ‬ترتكبها‭ ‬حكومته‮»‬‭. ‬

وتماشيًا‭ ‬مع‭ ‬تأثير‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الحالية‭ ‬واحتمال‭ ‬وقوع‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬العزلة‭ ‬للحكومة‭ ‬الإيرانية،‭ ‬أكدت‭ ‬روبن‭ ‬مدى‭ ‬‮«‬الضعف‮»‬‭ ‬الكامن‭ ‬للنظام‭ ‬الإيراني‭ ‬الذي‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬رده‭ ‬فعله‭ ‬تجاه‭ ‬الاضطرابات‭. ‬وبالفعل،‭ ‬فقد‭ ‬رأت‭ ‬صحيفة‭ ‬الأوبزرفر‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬السابقة‭ ‬‮«‬أنتجت‭ ‬الآن‭ ‬تغييرًا‭ ‬وأيضًا‭ ‬تمردًا‭ ‬جديدًا‮»‬‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬‮«‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يجعل‭ ‬الأمر‭ ‬مختلفًا‭ ‬هذه‭ ‬المرة‮»‬،‭ ‬ويرجع‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬‮«‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬والعديد‭ ‬الفئات‭ ‬الأخرى‭ ‬الأكبر‭ ‬سنًا‮»‬‭ ‬والتي‭ ‬‮«‬لطالما‭ ‬كررت‭ ‬مرارًا‭ ‬دعواتها‭ ‬الإصلاحية‮»‬‭ ‬بفعل‭ ‬إخفاقات‭ ‬النظام‭ ‬الأخيرة‭. ‬وأضافت‭ ‬أيضًا‭ ‬أنه‭ ‬مع‭ ‬تدهور‭ ‬صحة‭ ‬خامنئي‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬83‭ ‬عامًا،‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬التغيير‭ ‬قادم‮»‬‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬لطهران‭ ‬‮«‬التخلص‭ ‬من‭ ‬وضعها‭ ‬المنبوذ‮»‬‭.‬

وهناك‭ ‬محللون‭ ‬آخرون‭ ‬أكدوا‭ ‬ضرورة‭ ‬عدم‭ ‬إطلاق‭ ‬العنان‭ ‬لهذه‭ ‬الآمال؛‭ ‬حيث‭ ‬شكك‭ ‬جيسون‭ ‬بيرك‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬اتساع‭ ‬نطاق‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬داخل‭ ‬إيران،‭ ‬مشيرًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬التقارير‭ ‬الميدانية‭ ‬محدودة‭ ‬للغاية‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬اللقطات‭ ‬المليئة‭ ‬بالاضطرابات‭ ‬والتوتر‭ ‬‮«‬لا‭ ‬تمثل‭ ‬دائمًا‭ ‬الأحداث‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬بلد‭ ‬شاسع‭ ‬ومكتظ‭ ‬بالسكان‭ ‬كإيران‮»‬،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يتضح‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬تحديد‭ ‬مدى‭ ‬انتشار‭ ‬الاضطرابات‭ ‬بالضبط‭. ‬وهكذا،‭ ‬رأى‭ ‬بيرك‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الحقيقة‭ ‬القاسية‮»‬‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬‮«‬الاحتجاجات‭ ‬الخطيرة‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬يسحقها‭ ‬النظام‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬قويًّا‭. ‬وبالمثل،‭ ‬أوضح‭ ‬فاتانكا‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬‮«‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬الضغوط‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬تغيير‭ ‬النظام‮»‬،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬غير‭ ‬مرجح‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬خامنئي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‮»‬‭.‬

في‭ ‬النهاية‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الموجة‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الجماهيرية‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬التي‭ ‬أشعلتها‭ ‬حادث‭ ‬مقتل‭ ‬امرأة‭ ‬تبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬22‭ ‬عامًا‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬اعتقلتها‭ ‬شرطة‭ ‬الأخلاق‭ ‬الإيرانية،‭ ‬تمثل‭ ‬التحدي‭ ‬الأكبر‭ ‬لسلطة‭ ‬الحكومة‭ ‬الإيرانية‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬مضى،‭ ‬وبينما‭ ‬أوضح‭ ‬محللون‭ ‬غربيون‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الاضطرابات‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬أخيرًا‭ ‬لحظة‭ ‬تغيير‭ ‬مرتقبة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة‭ ‬الإيرانية‭ ‬وتحررها‭ ‬من‭ ‬الاضطهاد،‭ ‬أشار‭ ‬آخرون‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاعتقاد‭ ‬‮«‬تفاؤل‭ ‬زائف‮»‬‭ ‬لن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلا‭ ‬إلى‭ ‬الإصابة‭ ‬بخيبة‭ ‬أمل‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬قمع‭ ‬المعارضة‭ ‬الداخلية‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الردود‭ ‬الدولية‭ ‬أصبحت‭ ‬الآن‭ ‬أكثر‭ ‬انتقادًا‭ ‬للانتهاكات‭ ‬التي‭ ‬تُرتكب‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬ضد‭ ‬النساء،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬تركيز‭ ‬الاهتمام‭ ‬العالمي‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬لا‭ ‬يحصى‭ ‬من‭ ‬القيود‭ ‬المجتمعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والإخفاقات‭ ‬التي‭ ‬فرضتها‭ ‬طهران‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭. ‬لذلك،‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬انهيار‭ ‬النظام،‭ ‬فإنها‭ ‬ستؤدي‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬مكانة‭ ‬طهران‭ ‬الدولية‭ ‬وتعزيز‭ ‬الدعم‭ ‬الخارجي‭ ‬لقضايا‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬داخل‭ ‬البلاد‭.‬

{ انتهى  }
bottom of page