29/9/2022
أبعاد وتداعيات الاحتجاجات الإيرانية على نظام الملالي.. رؤية غربية
يواجه النظام الإيراني في سبتمبر 2022، تحديًا كبيرًا آخر لسلطاته على الصعيد الداخلي، مع وفاة مهسا أميني (22 عامًا) في حجز الشرطة بعد اعتقالها واحتجازها من قِبَل شرطة الآداب التابعة للنظام، ما أثار ما وصفته فرناز فاسيحي، من صحيفة نيويورك تايمز، بأنها «أكبر احتجاجات مناهضة للحكومة في إيران منذ عام 2009»، إضافة إلى تراكم التوترات السياسية والاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمع الإيراني وتزايد خيبة الأمل والاستياء من الحكومة الثيوقراطية المتشددة في البلاد، نزل الآلاف من الإيرانيين، إلى الشوارع في جميع أنحاء البلاد؛ للتعبير علنًا عن غضبهم، في مواجهة التهديد وممارسة القمع الوحشي من قِبَل المسؤولين الإيرانيين.
وزاد الاهتمام الغربي بهذه المظاهرات الأخيرة؛ بسبب وحشية القضية التي أشعلتها، فضلاً عن الاهتمام الأوسع بتدهور وضع حقوق المرأة في إيران. علاوة على ذلك، نظرًا إلى تأثير ونطاق الاحتجاجات محليًّا ودوليًّا، بدأ المحللون أيضًا التساؤل عن مستقبل النظام نفسه، حيث أضعفت المعارضة العامة شرعية المسؤولين في طهران بشكل أكبر، وعلى الرغم من أن الحكومة الإيرانية باتت تمارس قدراتها على قمع المعارضة جيدًا الآن، فمن الجلي أن تراكم الغضب إزاء عدد كبير من القضايا المجتمعية أصبح عاملاً لا يمكن للنظام أن يتغاضى بالقمع العنيف إلى الأبد.
في قلب ما وصفته ناتاشا توراك على قناة (سي ان بي سي) بأنه «تمرد هائل» حيال وضع حقوق المرأة في إيران، أشار راي تاكيه، باحث بمجلس العلاقات الخارجية، إلى أنه في أغسطس 2022، وقّع الرئيس الإيراني المتشدد إبراهيم رئيسي «مرسومًا لتطبيق أكثر صرامة للقواعد التي تتطلب من النساء ارتداء الحجاب في جميع الأوقات بالأماكن العامة»، وزعم تاكيه أن تلك القواعد جعلت «مأساة موت مهسا أميني شبه حتمية»، وأوضح أليكس فاتانكا، مدير برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط، في معرض شرحه لأهمية ارتداء الحجاب الإلزامي لطهران، أن «الأنظمة الشمولية والسلطوية تسعى إلى تنظيم الشؤون المجتمعية من خلال مجموعة من القواعد الأساسية التي يُمكن فرضها بتكلفة عالية»، حيث يهتم هذا في المقام الأول بـ«ممارسة السيطرة السياسية عبر وسائل مختلفة»، كما سجل جيسون بيرك، من صحيفة الغارديان، أن «النساء قد ألقين الحجاب في النيران، وتمت إزالة ملصقات ضخمة للاحتفال بالنظام، وإحراق» مراكز الشرطة.
وبعيدًا عن حقوق المرأة، أشار المحللون أيضًا إلى الغضب والاستياء وخيبة الأمل في جميع أنحاء إيران بشأن قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية أخرى. وأوضح فاتانكا أن «معارضة ارتداء الحجاب الإلزامي هي واحدة من قائمة طويلة من المظالم العامة»، كما ذكرت روبن رايت، من مجلة نيويوركر، أن المتظاهرين ساروا للمطالبة «بالتغيير - أكثر من موضوع الحجاب».
وبالإشارة إلى حقيقة أن انضمام الرجال الإيرانيين إلى الاحتجاجات، يرى بيرك هذه الموجة من الاضطرابات «أكثر تنوعًا ديموغرافيًّا من المشاركين في أحداث مماثلة في السنوات الأخيرة»، وأنه «لا يمكن لأحد الشك في أن الاحتجاجات تستغل أيضًا خلفيات استياء عميقة من الإخفاقات الاقتصادية والسياسية والأخلاقية الواضحة للنظام الثيوقراطي القمعي»، وأشارت فاسيحي أيضًا إلى أن «الاستياء والغضب العميقين يتصاعدان منذ شهور»، وعلى الأخص بين الشباب الإيرانيين الذين خاب أملهم من «الفساد وسوء إدارة الاقتصاد والتعامل غير الكفؤ مع كوفيد 19» وكذلك «القمع السياسي الواسع النطاق».
وفي معالجة هذا التحدي لسلطته، أشار المراقبون إلى الكيفية التي بدأ بها النظام الإيراني مرة أخرى حملة قمع ضد النقد الداخلي. بينما أفاد تاكيه أن رئيسي “تحدث مع عائلة أميني ودعا إلى إجراء تحقيق للوقوف على سبب وفاتها”، وكتب ديفيد كلاود وبينوا فوكون، من صحيفة وول ستريت جورنال، أن قوات الأمن الإيرانية «صعّدت» ردها لتشمل القوة العنيفة لتهدئة ما وصفوه بـ«حركة احتجاج سلمية كبيرة».
وفي تفصيل لاستراتيجية النظام الإيراني لقمع المعارضة بشكل أكبر، أوضح فاتانكا كيف يسعى إلى «إنكار وجود مطلب شعبي داخل المجتمع الإيراني»، ثم البحث عن «طريقة لردع الجمهور والناشطين المناهضين للحجاب»، ثم يعمل على «الحد من مساحة النقاش بين السياسيين ورجال الدين بشأن هذه المسألة».
وتم بالفعل استخدام القمع من خلال التهديد بالسجن، حيث أفادت فاسيحي أن وزارة المخابرات في طهران «أرسلت رسالة نصية إلى جميع مستخدمي الهواتف المحمولة تحذر كل مَنْ يشارك في المظاهرات بالمعاقبة وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية». علاوة على ذلك، لوحظت جهود النظام لقطع شبكات الاتصال وعزل المعارضة داخليًّا ودوليًّا، وأدى تقييد شبكات التواصل الاجتماعي إلى خفض انتشار الصور والمنشورات عبر الإنترنت بشأن المعارضة «إلى حد ضئيل»، وفقًا كلاود وفوكون. ومن وجهة نظر ديفيد سانجر، من صحيفة نيويورك تايمز، فإن «التكنولوجيا المتاحة اليوم تجعل من السهل على الإيرانيين التواصل في الخفاء أكثر من أي وقت مضى»، حيث أظهر النظام «يأسًا حقيقيًّا» في جهوده «عبر محاولته قطع الإنترنت بالكامل داخل إيران».
وليس من المستغرب أن يحاول المسؤولون الإيرانيون أيضًا الادعاء بأن الاحتجاجات مدبرة في الخارج، فقد أشار فاتانكا إلى أن النظام «تخبط» في التعامل مع الاحتجاجات من دون اللجوء إلى القوة العنيفة، وسعى إلى ربط الحركة المناهضة للحجاب بأجهزة المخابرات الأجنبية»، وقد صرح رئيسي نفسه بأنه «لن يسمح، تحت أي ظرف بتعريض أمن البلاد والشعب للخطر».
ولمواجهة المعارضة المستقبلية، أفاد فاتانكا أن طهران الآن «تتطلع إلى إدخال مراقبة إلكترونية جماعية على النمط الصيني للعامة»، بوسائلها القمعية المعنية في المقام الأول بـ«الحفاظ على أقصى قدر من السيطرة السياسية وتحييد المعارضة».
وقوبلت جهود طهران في رفض الانتقادات الداخلية وقمعها للمعارضة بشيء من القوة والتهديد بإدانات دولية واسعة النطاق، فقد وصفت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارين جان بيير وفاة أميني بأنها «إهانة مروعة وشنيعة لحقوق الإنسان»، وفي حديثه في الأمم المتحدة، صرح الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن واشنطن تقف إلى جانب «المواطنين والنساء الشجعان في إيران الذين يتظاهرون الآن لتأمين حقوقهم الأساسية».
كما اتخذت واشنطن بالفعل إجراءات مباشرة لمعاقبة كبار المسؤولين داخل النظام الإيراني، حيث أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات ضد شرطة الأخلاق الإيرانية «بسبب الإساءة والعنف ضد النساء الإيرانيات». ومن بين كبار المسؤولين الذين تم تطبيق العقوبات عليهم بموجب الأمر التنفيذي الأمريكي رقم 13553 (المتعلق «بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان») رئيس شرطة الأخلاق الإيرانية محمد رستمي تشيشمة غاتشي، وزير المخابرات الإيراني إسماعيل الخطيب، ونائب قائد قوات الباسيج سالار ابنوش. ووفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية، يجب «حظر أي ممتلكات أو أصول مملوكة في الولايات المتحدة من قِبَل أولئك الذين وردت أسماؤهم والإبلاغ عنها، كما أن كل أشكال وطرق المعاملات أو التعامل معهم من قِبَل الأمريكيين باتت محظورة الآن. وعلاوة على ذلك، سعت واشنطن إلى مساعدة المتظاهرين المتضررين من القمع جراء استخدام الإنترنت من قِبَل النظام من خلال السماح للشركات الأمريكية بتجاوز العقوبات وتوفير خدمات الإنترنت حتى يتمكن الإيرانيون من الوصول بحرية إلى المعلومات المتاحة عبر الإنترنت، وذلك وفقًا لما ذكرته رايت.
كما أدانت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بربوك، الحادث باعتباره «هجوم على الإنسانية». وأضافت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، أن «ارتفاع عدد القتلى» بين المتظاهرين هو «مؤشر مقلق على مدى قسوة هجوم السلطات الإيرانية على حياة العامة».
من جانبها، حاولت طهران صرف الانتباه عن انتهاكاتها من خلال اتهام بقية دول العالم بإخفاقاتها بشأن سجل حقوق الإنسان، حيث اتهم إبراهيم رئيسي، خلال كلمته بالأمم المتحدة في نيويورك، الدول الغربية بـ«تطبيق معايير مزدوجة لمبادئ حقوق الإنسان»، وذلك بحسب تاكيه. وردًّا على هذا الانتقاد من قِبَل رئيسي، ردت الأوبزرفر بأنه في حين أن مثل هذه الحالات من المعايير المزدوجة «موجودة بالتأكيد على أرض الواقع، لكنها لا تبرر بأي حال من الأحوال الانتهاكات المروعة التي ترتكبها حكومته».
وتماشيًا مع تأثير الاحتجاجات الحالية واحتمال وقوع مزيد من العزلة للحكومة الإيرانية، أكدت روبن مدى «الضعف» الكامن للنظام الإيراني الذي ظهر في رده فعله تجاه الاضطرابات. وبالفعل، فقد رأت صحيفة الأوبزرفر أنه في حين أن الاحتجاجات السابقة «أنتجت الآن تغييرًا وأيضًا تمردًا جديدًا» خلال عام 2022 «وهو ما قد يجعل الأمر مختلفًا هذه المرة»، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى دعم «العديد من الشباب والعديد الفئات الأخرى الأكبر سنًا» والتي «لطالما كررت مرارًا دعواتها الإصلاحية» بفعل إخفاقات النظام الأخيرة. وأضافت أيضًا أنه مع تدهور صحة خامنئي البالغ من العمر 83 عامًا، فإن «التغيير قادم» في إيران، حيث يمكن لطهران «التخلص من وضعها المنبوذ».
وهناك محللون آخرون أكدوا ضرورة عدم إطلاق العنان لهذه الآمال؛ حيث شكك جيسون بيرك في مدى اتساع نطاق الاحتجاجات داخل إيران، مشيرًا إلى أن «التقارير الميدانية محدودة للغاية»، وأن اللقطات المليئة بالاضطرابات والتوتر «لا تمثل دائمًا الأحداث السائدة في جميع أنحاء بلد شاسع ومكتظ بالسكان كإيران»، وبالتالي يتضح أنه من الصعب تحديد مدى انتشار الاضطرابات بالضبط. وهكذا، رأى بيرك أن «الحقيقة القاسية» تكمن في أن هذه «الاحتجاجات الخطيرة من المرجح أن يسحقها النظام الذي ما زال قويًّا. وبالمثل، أوضح فاتانكا أنه على الرغم من «كل أنواع الضغوط على مسار تغيير النظام»، إلا أن هذا «غير مرجح أن يحدث طالما أن خامنئي لا يزال على قيد الحياة».
في النهاية يبدو أن الموجة الأخيرة من الاحتجاجات الجماهيرية في إيران، التي أشعلتها حادث مقتل امرأة تبلغ من العمر 22 عامًا كانت قد اعتقلتها شرطة الأخلاق الإيرانية، تمثل التحدي الأكبر لسلطة الحكومة الإيرانية منذ أكثر من عقد مضى، وبينما أوضح محللون غربيون كيف أن هذه الاضطرابات قد تكون أخيرًا لحظة تغيير مرتقبة بالنسبة إلى حقوق المرأة الإيرانية وتحررها من الاضطهاد، أشار آخرون إلى أن هذا الاعتقاد «تفاؤل زائف» لن يؤدي إلا إلى الإصابة بخيبة أمل مرة أخرى. ومع ذلك، فعلى الرغم من أن النظام الإيراني قد يكون قادرًا على قمع المعارضة الداخلية مرة أخرى، إلا أن الردود الدولية أصبحت الآن أكثر انتقادًا للانتهاكات التي تُرتكب في البلاد، لا سيما ضد النساء، خاصة مع تركيز الاهتمام العالمي على عدد لا يحصى من القيود المجتمعية والاقتصادية والسياسية والإخفاقات التي فرضتها طهران على الشعب الإيراني. لذلك، فإنه في حين أنه من غير المحتمل أن تؤدي هذه الحادثة في النهاية إلى انهيار النظام، فإنها ستؤدي إلى مزيد من التقليل من مكانة طهران الدولية وتعزيز الدعم الخارجي لقضايا حقوق الإنسان داخل البلاد.