01/10/2022
دول مجلس التعاون الخليجي على خريطة الاستثمار الأجنبي المباشر
في تحليل تحرك الاستثمار الأجنبي المباشر حول العالم، تبين أن هذا الاستثمار لا يتجه إلى الدول الأقل نموا، ولكنه يتجه إلى الدول الأسرع نموا، حتى يستفيد من جني ثمار النمو في هذه الدول، ويتجه هذا الاستثمار إما بحثًا عن سوق ضخمة، وإما موارد طبيعية، وإما إنتاجية عالية.
ومع نجاح دول الخليج في التصدي لجائحة كورونا، وتبنيها سياسات التعافي من هذه الجائحة، وما طرأ على سوق الطاقة بعد فك دول العالم القيود التي فرضتها أثناء الجائحة، وعودة حركة النقل والطيران إلى سابق عهدها، وانعكاس ذلك في الطلب على النفط والغاز، وارتفاع أسعارهما، وزيادة إيرادات دول الخليج تبعًا لذلك، وخروجها من دائرة عجز الموازنة العامة التي ظلت تعانيه منذ منتصف عام 2014، فإن البنك الدولي توقع أن تحقق دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة معدل نمو 5.9% في 2022، وتقود السعودية هذا المعدل المرتفع بنمو يصل إلى 7%، تليها الكويت بمعدل نمو 5.7%.
وتنظر دول العالم منها دول الخليج إلى الاستثمار الأجنبي المباشر، من حيث دوره في رفع معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، وخلق فرص عمل، ونقل التكنولوجيا الحديثة، ورفع كفاءة الإنتاج، وتحفيز الصادرات، ودعم القدرات التنافسية، وتبدو الحاجة أكثر في دول التعاون الخليجي إلى هذا الاستثمار في تنويع قاعدة الإنتاج المحلي، وتحقيق النمو المستدام، ولهذا فقد تبنت سياسات تحفز قدوم هذا الاستثمار، وخاصة إذا كان استثمارًا في مشاريع جديدة (Green Field) وليس استثمارًا للاستحواذ والاقتناء (Brown Field).
وتوضح بيانات تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر أن دول مجلس التعاون الخليجي هي الأكثر استحواذا على تدفقات هذا الاستثمار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وخاصة مع امتلاكها 35% من احتياط النفط العالمي و20% من احتياط الغاز العالمي، وكان هناك دائمًا ارتباط إيجابي للعلاقة بين أسعار النفط المرتفعة وزيادة تدفقات هذا الاستثمار.
وفي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لعام 2021، الذي احتلت فيه الولايات المتحدة المرتبة الأولى وتلتها الصين، جاءت دول التعاون الخليج بين الـ10 الأكبر عربيًا، واحتلت الإمارات المركز الأول عربيًا وبين دول الخليج، إذ تدفق إليها 20.6 مليار دولار، تلتها السعودية 19.2 مليار دولار، ثم سلطنة عُمان الرابعة عربيًا والثالثة خليجيًا 3.6 مليارات دولار، ثم البحرين السادسة عربيًا والرابعة خليجيًا 1.7 مليار دولار، أما الكويت فقد استقبلت 198 مليون دولار وخرج منها 3.63 مليارات دولار، وسجلت قطر خروج 1.09 مليار دولار، وهو ما رصده تقرير الاستثمار الأجنبي المباشر 2022 الذي يعرض لبيانات 2021، فيما كان العالم قد شهد تدفق 1.6 تريليون دولار عالميًا بزيادة 64% عن العام السابق الذي شهد أوج اجتياح جائحة كورونا.
وبالتدفق الذي تحقق للإمارات في 2021 ارتفع رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل إليها إلى 171.6 مليار دولار، واحتلت بذلك المركز الأول على مستوى منطقة غرب آسيا، بنسبة استحواذ بلغت 37% من إجمالي التدفقات على هذه المنطقة (55.5 مليار دولار)، كما احتلت المرتبة الأولى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسبة استحواذ بلغت 31% من إجمالي التدفقات على هذه المنطقة (66.6 مليار دولار)، وجاءت الأولى عربيًا بنسبة استحواذ 40% من إجمالي التدفقات إلى الدول العربية (52.9 مليار دولار)، كما أنها بذلك تكون قد احتلت المرتبة الـ19 عالميًا.
أما من حيث قيام الإمارات بالاستثمار خارج الحدود فقد جاءت في المرتبة الـ17 عالميًا بإجمالي استثمارات يبلغ (215 مليار دولار)، كان حظ عام 2021 منها (22.5 مليار دولار)، وقد استحوذ قطاع النفط والغاز والطاقة على 59% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة إلى الدولة، يليه قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بنسبة 10%، وقطاع الخدمات المصرفية والتأمين 7%، وقطاع العقارات وأنشطة الإدارة والتطوير 7%، وقطاع الرعاية الصحية 6%، وقطاع التصنيع 5%.
وجاءت الإمارات في المرتبة الخامسة عالميًا في عدد مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة المعلنة في 2021 بعدد 535 مشروعا بنسبة ارتفاع 39% مقارنة بعدد المشاريع في 2020 التي بلغت 384 مشروعا، وكان في مقدمة هذه المشاريع مشروع الطاقة الشمسية بدبي بقيمة (633 مليون دولار).
وقد سجل تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر للسعودية في 2021 أعلى مستوى له منذ 2010، الذي كان الاقتصاد السعودي قد استقبل فيه (29 مليار دولار) من هذه التدفقات، وقفز صافي الاستثمار في 2021 بنسبة 257% مقارنة بالعام السابق 2020 الذي تدفق فيه على الاقتصاد السعودي (5.4 مليارات دولار).
وبالتدفق الجديد في 2021 يصبح رصيد إجمالي الاستثمارات الوافدة (261 مليار دولار)، وبه تصبح المملكة السعودية الأولى عربيًا وخليجيًا، وقد جاء الارتفاع في 2021 بعد أن أعلنت شركة «أرامكو» السعودية في الربع الثاني لعام 2021 بيع حصة أقلية في خطوط الأنابيب التابعة لها مقابل (12.4 مليار دولار) إلى «كونسرتيوم» بقيادة «أي أي جي» وهي أكبر صفقة للشركة منذ الطرح العام الأول الذي حصدت فيه (29.4 مليار دولار) في 2019.
وتستهدف الاستراتيجية الوطنية للاستثمار التي أطلقها ولي العهد رئيس الوزراء السعودي الأمير «محمد بن سلمان» زيادة صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر للسعودية إلى (103.5 مليارات دولار) سنويًا بحلول 2030 وبنسبة 1816% خلال عشرة أعوام من 2021 حتى 2030، أي بمضاعفة أكثر من 19 مرة، وقد سجلت للمشاركة في تحقيق هذا الهدف أكثر من 40 شركة عالمية، سعت لفتح مقار إقليمية لها في المملكة في الربع الأول لعام 2022، بعد أن أصدرت المملكة قرارًا يقضي بإيقاف التعاقد مع أي شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقر إقليمي بالمنطقة في غير السعودية.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد مكنت السعودية أكثر من 100 شركة من الحصول على تراخيص الاستثمار والتراخيص المهنية عبر الإنترنت، وأطلقت عدة مشاريع للاستثمار، أبرزها برنامج «المستثمر الاستراتيجي»، و«بوابة الخدمات الإلكترونية»، و«استثمر في السعودية»، ومشروع لتسويق المملكة وجهة استثمارية رائدة دوليًا، بالإضافة إلى العمل على تحقيق الصعود في مؤشرات ممارسة الأعمال، وتنافسية البيئة الاستثمارية وإنشاء قاعدة بيانات للإحصاءات والمعلومات الاستثمارية، والمؤشرات والتقييمات الدولية، كما أطلقت الهيئة العامة للاستثمار خدمة تأسيس ممارسة الأعمال وفتح الحسابات المصرفية من خارج المملكة، ووافق مجلس الوزراء السعودي على إنشاء هيئة متخصصة لتسويق الاستثمار.
وفي سلطنة عُمان الثالثة خليجيًا، استمرت زيادات تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر، كما توضح نتائج الإصدار الخامس عشر من النشرة الاحصائية للاستثمار الأجنبي في 2022، مع تبني السلطنة أسعار خدمات تنافسية، وما تقدمه من إعفاءات ضريبية، وعدم وجود ضريبة دخل على الأفراد، وحرية تحويل رؤوس الأموال والأرباح، وتملك الأجنبي نسبة تصل إلى 100%، وخدمات المنطقة الواحدة، والأشكال المختلفة لكيانات الأعمال، وتنوع فرص الاستثمار، وإنشاء عدد من المناطق الحرة، كالمنطقة الحرة في «صلالة»، وميناء «صلالة»، وميناء «صحار» الصناعي، والمنطقة الحرة في «صحار»، والمنطقة الحرة في «المزيونة» ومنطقة «الدقم».
وتأتي المملكة المتحدة في صدارة المستثمرين بالسلطنة تليها الولايات المتحدة ثم الإمارات ثم الكويت ثم الصين ثم البحرين ثم قطر، واستحوذ قطاع النفط والغاز على النسبة الكبرى من هذه الاستثمارات يليه قطاع الوسائط المالية ثم قطاع الصناعات التحويلية ثم قطاع الأنشطة العقارية.
وفي مملكة البحرين ارتفع صافي التدفقات الاستثمارية الأجنبية المباشرة في 2021 إلى (1.766 مليار دولار)، بنسبة ارتفاع بلغت 73% عن مستواها في 2020 البالغ (1.26 مليار دولار)، ودعم ذلك خطط التعافي الاقتصادي التي أعلنتها المملكة، وتبني استراتيجيات واعدة لمختلف القطاعات، ومبادرات لزيادة تسهيل الإجراءات، وحزم لتنفيذ مشاريع كبرى مع امتلاك البحرين البيئة المحفزة للاستثمار وسياسات تحفز تدفق هذا الاستثمار، عبر مختلف القطاعات على المدى القصير والمتوسط والبعيد، ولا سيما مع وجود مشروعات مدروسة في مجالات الطاقة المتجددة والرعاية الصحية والخدمات المالية والحوسبة السحابية وحاضنات التكنولوجيا.
وإذ تستهدف مملكة البحرين تحقيق توازن الميزانية العامة في 2024، تقوم على تنفيذ مشاريع بقيمة (30 مليار دولار)، وتستهدف نسبة نمو 5% في الاقتصاد غير النفطي مع التركيز بشكل رئيسي في هذه المشروعات على النفط والغاز والسياحة والخدمات اللوجستية والخدمات المالية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والاقتصاد الرقمي.
وفضلًا عن ذلك تمتلك البحرين مزايا الكلفة المنخفضة لممارسة الأعمال، وتنخفض هذه الكلفة بنسب تتراوح بين 20% و30% مقارنة بالدول المجاورة، وهي الملكية الأجنبية الكاملة، وقوة عاملة محلية ماهرة، ومجموعة من اتفاقات التجارة الحرة مع 22 دولة، واتفاقات حماية وتشجيع الاستثمار الأجنبي مع 34 دولة واتفاقات تجنب الازدواج الضريبي مع 40 دولة، إضافة إلى موقعها الاستراتيجي.
وقد أكدت ارتفاعات الاستثمار الأجنبي المباشر في البحرين في 2021 مقارنة بالعام السابق نجاح سياسات وخطط المملكة في التعامل مع جائحة كورونا على مختلف المستويات الصحية والاقتصادية والاجتماعية، ونجاح خطة التعافي الاقتصادي في تعزيز خلق فرص العمل للمواطنين، والنمو الإيجابي للناتج المحلي، وزيادة تنافسية مملكة البحرين من خلال تبني استراتيجيات واعدة لمختلف القطاعات.
وقبل جائحة كورونا كان مجلس التنمية الاقتصادية قد أعلن استقطاب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة (835 مليون دولار) في 2019 عبر 134 شركة أجنبية في مجالات الخدمات المالية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والصناعة والخدمات اللوجستية والعقارات والسياحة والرعاية الصحية والتعليم، وقد تصدرت السعودية الاستثمارات في البحرين تليها الإمارات فالكويت وفرنسا واليابان والمملكة المتحدة، ومن المعلوم أن المملكة كانت قد دشنت منذ العقد الأول للألفية الجديدة منطقة البحرين العالمية للاستثمار التي توفر بيئة عمل مناسبة للمستثمرين، وقد بلغت قيمة الاستثمارات في هذه المنطقة نحو (ملياري دولار) عبر استثمار 114 شركة تتنوع جنسياتها.
وفي مؤشر مدن المستقبل المالية 2021 التابع لـ«فايننشيال تايمز» صُنفت «المنامة» في المرتبة الخامسة ضمن مدن العالم، وفي المرتبة الأولى من المدن الصغيرة والمتوسطة الحجم لاستراتيجية الاستثمار الأجنبي المباشر، وقد أصبح رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة يشكل نحو 80% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ضعف المتوسط العالمي، ما يؤكد الاهتمام الكبير الذي توليه الحكومة البحرينية لهذا الاستثمار في دعم نمو الاقتصاد البحريني.