06/10/2022
الاتجاهات المستقبلية لحروب الطائرات المسيرة في الشرق الأوسط
على الرغم من أن «الطائرات المسيرة»، كانت جزءًا لا يتجزأ من الترسانات العسكرية للعديد من الدول لأكثر من عشرين عامًا، إلا أنها ظهرت بتأثير تكتيكي بالغ في حرب أوكرانيا، الأمر الذي جعل «جيسون بوبيان»، من إذاعة «إن بي ار»، يشير إلى أنها «واحدة من أقوى إضافات الأسلحة» في تشكيل ماهية الحرب.
وإلى جانب زيادة الحماس بشأن استخدام «الذكاء الاصطناعي، والحوسبة، والأتمتة لدعم القدرات العسكرية»، وصف «دانيال فارديمان»، من «المجلس الأطلسي»، الاستخدام الموسع لتقنية الطائرات المسيرة، بأنه «ثورة عسكرية جديدة». وبينما كانت «واشنطن» في طليعة مستخدمي الطائرات المسيرة عسكريا على مدار ربع القرن الماضي؛ فقد شهد العقد الماضي انتشارًا عالميًا لها، ومن المتوقع أن ينمو سوقها العالمي تجاريا، والذي تبلغ قيمته 16.7 مليار دولار في عام 2021، إلى أكثر من 500 مليار دولار بحلول عام 2030، ويتوسع بمعدل سنوي يزيد على 46%.
ويتمثل أحد الآثار الجانبية للسوق المدني المتنامي لهذه التكنولوجيا في إمكانية حصول الجهات المعادية عليها، وإجراء تعديلات عليها، بحيث يمكن استخدامها كأسلحة حرب. وكتب «روبين داس»، من «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، أن هذه التكنولوجيا أضحت «أسعارها معقولة، ويمكن الوصول إليها من قبل الجهات الفاعلة غير الحكومية»، ما يجعل استخدامها «يشكل تهديدًا متزايدًا» للأمن الإقليمي والعالمي.
من جانبه، أوضح «دان جيتينجر»، من كلية «بارد»، كيف أصبحت الطائرات المسيرة «معدات عسكرية قياسية»، لدى ما يقرب من مائة دولة في جميع أنحاء العالم. وكشفت دراسة حديثة أن ما يصل إلى 171 نوعًا مختلفًا تستخدمها فقط الجيوش النظامية. وفي الشرق الأوسط، تستخدم كل من السعودية، ومصر، وتركيا، والعراق، والإمارات، وإسرائيل، وإيران، وسوريا، بالإضافة إلى جهات خارجية، مثل الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وروسيا أيضًا عبر أساطيلها العاملة في المنطقة، الطائرات المسيرة.
وإلى جانب تزايد انتشار هذه التكنولوجيا بين الدول؛ سجل «داس»، كيف أن استخدامها من قبل المجموعات المسلحة «أصبح أكثر انتشارًا في مناطق النزاع، لاسيما بالشرق الأوسط»، حيث أشار إلى «تسويق التكنولوجيا»؛ بمعنى أنه في حين أن الحصول على هذه الطائرات كان «في يوم من الأيام حصريًا للترسانات العسكرية الحكومية»؛ فقد أصبحت «أرخص وأكثر سهولة في الوصول إليها». وفي شرحه للاختلافات في نوع الطائرات المسيرة وتطبيقاتها الخاصة، أوضح كيف يتم تقسيم هذه الأسلحة عادةً إلى فئتي «البسيطة، ومتوسطة الحجم»، حيث تستخدم الجماعات الإرهابية، مثل «داعش» في كثير من الأحيان الخيار الأول والأرخص، بينما تمكن المسلحون المدعومون من دول، مثل الحوثيين المدعومين من إيران من الحصول على الخيار الثاني الأكثر تقدمًا من الناحية التكنولوجية.
وحول كيفية استخدام الطائرات المسيرة عسكريًا، سجل «داس»، فرقًا بين عمليات «الهجوم النشط»، و«الدفاعي السلبي». وتتميز الأولى باستخدامها في الهجمات العنيفة. والثانية بـ«المراقبة ونشر المعلومات المضللة ونقل الأسلحة». وتشمل العمليات الهجومية النشطة استخدام الطائرة كسلاح مادي عندما تكون محملة بالمتفجرات وتستخدم كسلاح «كاميكازي»، أو الطائرات الانتحارية. وتم بالفعل استخدام طائرات مسيرة أرخص وأقل تقدمًا بهذه الطريقة من قبل الجماعات الإرهابية؛ بهدف تدمير أهداف أكبر أو إلحاق الضرر بها.
وفيما يتعلق بتكتيكات الدفاع السلبي، أوضح «ديفيد هامبلينج»، في مجلة «فوربس»، كيف يمكن أن تكون «طائرة مسيرة صغيرة بمثابة عين في السماء»، لا تقدر بثمن، ما يسمح للقادة والجنود على حد سواء بالقدرة على رؤية التضاريس وتحديد موقع العدو. وفي حين أن «الاستطلاع الجوي كان مقصورًا في السابق على مستويات أعلى من القيادة، وتم ترشيحه تدريجيًا فقط إلى أسفل التسلسل القيادي، فإن ظهور استخدام الطائرات المسيرة على نطاق واسع في ساحة المعركة يوفر الوقت الحقيقي لتحديد التهديدات والأهداف المحتملة.
وتؤثر الأشكال والأحجام المختلفة للطائرات المسيرة المتاحة للدول والجهات الفاعلة غير الحكومية في استخدامها العسكري. وأوضح «داس»، أن القدرات التقنية «غالبًا ما تكون عاملاً مقيدًا»، فيما يتعلق بالأسلحة التي يمكن استخدامها، حيث «كلما زادت القدرة، زاد تعقيد النظام المستخدم» من ناحية السيطرة عليها. وفي حين اعتمدت الجيوش الرائدة في العالم على طائرات كبيرة ومعقدة تقنيًا للقيام بمهام استطلاع بعيدة المدى وضربات جوية لمكافحة الإرهاب، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت توسعًا في استخدام طائرات أصغر حجمًا وأقل تقدمًا، وفي ذات الوقت قوية جدًا.
بالإضافة إلى ذلك، فإن غياب القدرة على التنسيق وتنفيذ الضربات من تلقاء نفسها، لا يمثل انتكاسة بقدر ما قد يمثله بالنسبة إلى طائرة مسيرة أكثر تقدمًا. ففي حين أن كلفة طائرة مسيرة أمريكية عالية التقنية تبلغ حوالي 32 مليون دولار؛ فإن طائرة «سويتشبليد 300»، الموجهة بواسطة (GPS) ، والتي يمكن وضعها داخل حقيبة ظهر، يبلغ مداها 10 كيلومترات، ويمكن ضبطها للعمل في غضون دقائق، تتكلف أقل من 6000 دولار. وعلى الرغم من أن تداول ذلك السلاح تجاريًا مقيد من قبل وزارة الدفاع الأمريكية، فقد أوضح «داس»، كيف «يتم بيعها على شبكة الإنترنت بأسعار تصل إلى 4000 دولار، ويستخدمها المسلحون في العراق، وسوريا، وأفغانستان.
ويوضح الباحث أيضًا كيف أن الجماعات المسلحة والإرهابية تستطيع الحصول على طائرات مسيرة عسكرية وتجارية، وأن التكلفة المنخفضة، وتوفر المعرفة التكنولوجية اللازمة لتصنيعها، تعني أنه بالإمكان حتى إنشاء برامجها الخاصة. وبالفعل، قامت داعش «بتطوير برنامج طائرات مسيرة محلي متطور»، والتي تنفجر حال اصطدامها بهدف، وكذلك استخدامها من أجل جمع المعلومات الاستخبارية». كما أشار إلى أن ديناميكيات «الدعم الخارجي والسيطرة الإقليمية والقدرة التقنية» «مترابطة بطبيعتها»؛ لأنها تسمح بمشاركة التكنولوجيا، واختبار الأسلحة، ثم استخدامها في الهجمات. وبالنسبة إلى الحوثيين في اليمن، وجماعة حزب الله، فإن المساعدة الإيرانية الخارجية ملحوظة في هذا الصدد، حيث تساعدهم في «تسريع واكتساب القدرات التي يصعب الحصول عليها لولاها»، بما في ذلك «طائرات أكبر وأكثر تقدمًا طائرات من الفئة العسكرية متوسطة الحجم».
ونتيجة للانتشار المتسارع لهذه التكنولوجيا، فقد ااستخدمت على نطاق واسع من قبل المسلحين في الشرق الأوسط. واستهدفت غارات الطائرات المسيرة للحوثيين إمارة أبو ظبي في يناير 2022، وأصابت ضرباتها أهدافا مدنية في السعودية عام 2021، وأشار مركز «الدراسات الاستراتيجية»، إلى وقوع ما يصل إلى 4103 هجوم باستخدام طائرات مسيرة أو صواريخ باليستية من قبل الحوثيين في شبه الجزيرة العربية بين يناير 2016، وأكتوبر 2021. وفي أغسطس 2022، وقع هجوم من قبل «مسلحين باستخدام طائرات مسيرة متعددة، استهدف قاعدة التنف الأمريكية في جنوب شرق سوريا.
علاوة على ذلك، كانت المنظمات الإرهابية حريصة أيضًا على تبني سياسة الهجوم بالطائرات المسيرة المسلحة منخفضة التقنية. واستشهد «داس» بكيفية تنفيذ «داعش» بين عامي 2015 و2017، ما بين 60-100 هجوم شهري، وأنها «لا تزال تمتلك طائرات تم تطويرها عسكريًا». وأشار «دون راسلر»، من أكاديمية «ويست بوينت»، أن الجماعة «كانت قادرة على تحقيق كل ما حققته من نجاحات بفضل آليتها لاستخدام الطائرات المسيرة»، وقدرتها على «الحصول على تلك النوعية، وتجهيزها بطريقة إبداعية، واستخدامها بطرق مبتكرة».
ووفقًا لـ«داس»، فإن من «المميزات الجذابة» الأخرى للطائرات المسيرة بالنسبة إلى الجماعات الإرهابية؛ «تأثيرها الأشبه بالصدمة النفسية»، لا سيما فيما يتعلق باستخدامها وفق مفهوم هجمات الكاميكازي الانتحارية، فضلاً عن إمكانية استخدامها في شن ضربات بالأسلحة الكيماوية.
من ناحية أخرى، استخدمت العديد من الدول التي تسعى إلى تقويض الأمن الإقليمي ترساناتها من الطائرات المسيرة لشن هجمات عنيفة أيضًا. وبالإضافة إلى استخدامها للقيام بدوريات في الخليج العربي وخليج عمان؛ تورطت إيران بقوة في شن ضربات ضد أنظمة الشحن البحرية التجارية في مياه المنطقة بأكملها باستخدام هذه الطائرات. وأسفر هجوم وقع في أغسطس 2021 عن مقتل اثنين من البحارة على متن ناقلة النفط «ميرسر ستريت» اليابانية. ووفقًا لما ذكره «أندرو كرامر»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، فقد تم تسليم طائرات من دون طيار إيرانية الصنع للقوات الروسية التي تقاتل في أوكرانيا، لاسيما مع وجود دلائل واضحة أن مسيرات الكاميكازي الإيرانية شاهد- 136 دمرت بالفعل مدافع الهاوتزر والمدرعات الأوكرانية.
وشهدت حرب أوكرانيا أنواعا مختلفة من الطائرات المسيرة المسلحة. وأرسلت الولايات المتحدة بالفعل طائراتها المسيرة الصغيرة نسبيًا المعروفة باسم «سويتشبليد»، لمساعدة أوكرانيا، بالإضافة إلى استخدام كييف المستمر للطائرات تركية الصنع من طراز «بيرقدار تي بي 2»، ناهيك عن أن الأسلحة الإيرانية أضافت بُعدًا آخرًا للمشاركات والإسهامات الدولية في المنافسة الميدانية الجارية في أوروبا الشرقية.
ومع ذلك، فإن مصنعي الطائرات المسيرة التجارية يعترضون بشدة على استخدام تقنياتهم في أية هجمات مسلحة مهما كانت. وكرد فعل على الاستخدام المتزايد للطائرات التجارية صينية الصنع في حرب أوكرانيا؛ أوقفت شركة «دي جيه آي»، صادراتها إلى كل من روسيا وأوكرانيا، وأصرت على أن منتجاتها ليست مصممة للاستخدام العسكري.
وفيما يتعلق بالاتجاهات المستقبلية لانتشار الطائرات المسيرة واستخدامها؛ حذر «داس»، من الاستخدام الموسع لـ«أسراب» الطائرات المسيرة، المحملة بالمتفجرات والتي يتم إرسالها ضد هدف ما لتدميره بطريقة «يصعب للغاية الدفاع عنه». ولا شك أن مثل هذه التكتيكات قيد الاستخدام بالفعل. ووثق «راسلر»، في عام 2018 كيف أن «داعش»، «أظهر مدى دفاعه الفاشل عن الموصل في عام 2017.
علاوة على ذلك، هناك احتمال لاستخدام الطائرات المسيرة في هجمات كيميائية أو بيولوجية. وحذر «داس» من أن مثل هذا الهجوم «سيكون له تأثيرات جسدية كبيرة، وتأثيرات نفسية أكبر». وأضاف «راسلر»، أنه في حين أن «تنفيذ هجوم كيميائي»، ليس بالأمر السهل، وأن البيولوجي «يصعب تنفيذه»، و«داعش»، قد استخدمت الأسلحة الكيميائية في سوريا حوالي 50 مرة.
وعلى الرغم من أن «داس»، قد رأى أنه من «غير المحتمل» أن تحصل الجماعات المسلحة أو الإرهابية في الشرق الأوسط، أو في أي مكان آخر على الطائرات المسيرة الغربية الأكبر والأكثر تقنية، إلا أن انتشار وتطوير الطائرات المسيرة في السنوات الأخيرة، أظهر أن «الفروق التكنولوجية» بين الأسلحة التي يتم جلبها للمعركة بين الدول والجهات الفاعلة غير الحكومية «تتناقص»، بينما «تتزايد إمكانية الوصول إلى تلك النوعية من التكنولوجيا»، جنبًا إلى جنب مع هذا التطور.
ونظرًا إلى كون تلك الطائرات وتقنياتها متاحة بسهولة، وأقل تكلفة، وكونها أكثر قابلية للاستهلاك من أجل تنفيذ هجمات عنيفة ومهام استطلاعية لتحديد أهدافها المحتملة، فليس من المستغرب أن العديد من الجماعات المسلحة والإرهابية، قد تبنت بحماس سياسة استخدام الطائرات المسيرة، كوسيلة لتوسيع نطاق ومدى وصول عملياتهم المعادية للعديد من الأهداف.
على العموم، أظهرت حرب أوكرانيا «قوة الطائرات المسيرة الأقل جودة، والأرخص ثمنًا، على القيام بعمليات عسكرية، وهو الأمر الذي من المرجح، ألا يؤدي فقط إلى زيادة الطلب التجاري عليها لتحويلها إلى طائرات كاميكازي بدائية؛ بل ستعمل الجماعات المسلحة على طلب أنظمة أكثر تقدمًا من مانحيهم.
وفي ضوء هذا الواقع، خلص «داس»، إلى أنه «طالما أن هذه الطائرات أصبحت أرخص وأسهل في الاستخدام»، فإنها «ستُعتبر إضافة مفيدة لترسانات الجماعات المسلحة»، وبالتالي فمن المؤكد أن تثير المخاوف الأمنية للشرق الأوسط «فترة طويلة من الزمن».