top of page
2/11/2019

مقتل البغدادي.. نهاية تنظيم «داعش» أم استعادة قوته من جديد؟

أعلنت الولايات المتحدة يوم 27/10/2019 مقتل زعيم تنظيم «داعش»، أبوبكر البغدادي في عملية عسكرية صادق عليها الرئيس دونالد ترامب، وهو ما يُنذر بمستقبل ضبابي للحركة الإرهابية، ويطرح العديد من التساؤلات منها.. هل انتهى داعش بمقتل زعيمه، أم يحدث العكس، ويتحول التنظيم المبعثر إلى آخر أكثر خطورة، يعزز ذلك تمتعه بهيكلية إدارية قوية؟.. وهل تمثل هذه العملية طوق نجاة لترامب في ظل تهديدات الديمقراطيين المتواصلة بعزله من منصبه؟ 
وبعيدًا عن تفاصيل العملية التي تداولتها وسائل الإعلام العالمية، باعتبارها تتويجا لجهد قامت به وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، والحديث عن أن هناك تشابهات سياسية وأمنية ولوجيستية بينها وبين تلك التي أسفرت عن مقتل زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن في عام 2011؛ فإن العديد من المحللين يؤكدون أن مقتل البغدادي لا يعنى نهاية التنظيم، إذ يمكنه تخطي ذلك والعودة لتنفيذ عملياته الإرهابية، وذلك نظرًا إلى تقلص دوره نتيجة اختبائه بشكل دائم منذ عام 2014، وكما قالت «جوزي إنسور» في «صحيفة التليجراف»: «يعتقد على نطاق واسع أنه لم يكن مشاركًا في أي من عمليات للتنظيم، ففقدانه أرضه جرده من آخر مظاهر دور الخليفة الذي نصب نفسه فيه، وهذا يعني أن التنظيم قد تأقلم على العمل في غيابه». وبناء عليه رأت «دانا سترول» من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، أنه «مثلما لم يؤد مقتل بن لادن إلى القضاء على القاعدة فإن مقتل البغدادي لن يكون نهاية داعش».
ولعل أكثر ما يُقلل من أهمية تأثير مقتل البغدادي على «داعش»، هو التحولات السياسية والعسكرية الأخيرة في شمال سوريا التي نجمت عن قرار ترامب سحب الجنود الأمريكيين من المنطقة. يقول. «ريتشارد هول» في «صحيفة إندبندنت»: «مقتل البغدادي لن يكون نهاية داعش، حيث يأتي في وقت تُساعد فيه سياسة ترامب في سوريا على إحياء التنظيم». وكان أحد الانتقادات الرئيسية لانسحابه السريع وغير المتوقع أنه ترك قوات سوريا الديمقراطية تحت تصرف الجيش التركي الذي لم يمنحهم سوى القليل من الوقت لتأمين سجناء داعش ونقلهم، وكانت النتيجة فرار حوالي 100 من مقاتليهم المؤهلين عسكريًا من معسكر الهول بسوريا». وعلى المدى الطويل، قد ينجح هؤلاء في إعادة تأسيس التنظيم وبعثه من جديد والانضمام إلى ما يقدر بــ14 أو18 ألفًا من العناصر الذين مازالوا يُعتقد أنهم موجودون في كل من العراق وسوريا. وكما أكد «جوشوا جيلتزر»، من «مجلس الأمن القومي»، فإن «داعش أكبر من البغدادي، ولن تؤدي وفاته إلى تدارك الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه ترامب بالتخلي عن شركاء واشنطن الأساسيين في قتالهم ضد داعش، تلك المعركة التي لم يوضع لها نهاية بعد». 
وإذا نظرنا إلى ما هو أبعد من منطقة الشرق الأوسط، فمن المرجح أن يكون لتلك العملية تأثير أقل على داعش وقدراتها. فلقد استطاعت تلك الجماعة، على الرغم من خسائرها الفادحة في سوريا والعراق، أن تسيطر على شبكة واسعة من الجماعات الإرهابية العنيفة التي تشاركها نفس النظرة الآيديولوجية والتكتيكية على حد سواء. وبدءًا من ليبيا وتشاد مرورًا باليمن وأفغانستان وإندونيسيا والفلبين، أصبح للتنظيم الآن موطئ قدم إما بصورة مباشرة وإما من خلال المنتمين إليه من الجماعات المتطرفة في أكثر من 20 دولة. ومن المتوقع أن يقوم بنقل نشاطه إلى منطقة يمكن أن يعمل فيها بحرية أكبر؛ مثل دول غرب إفريقيا التي تتميز بوجود عسكري وشرطي ضعيف نسبيًا، كما أن الحدود هناك يسهل اختراقها، ودائرة التركيز الدولي عليها أقل، مما يسمح للجماعة بالعودة مرة أخرى إلى العراق وسوريا مستقبلاً، عزز من ذلك أنها مثل القاعدة تعمل بطريقة لا مركزية، ولديها القدرة على إعادة تجميع صفوفها وإبراز قادة جدد، ولديها فصائل مسلحة يمكن أن تصبح نقطة انطلاق لبدء عمليات جديدة.
وفي الوقت الحالي، قد تؤدي تلك العملية إلى انتشار العنف على مستوى العالم. وأشارت تقارير إلى احتمال قيام عمليات إرهابية من جانب أتباع التنظيم في بعض دول آسيا مثل الفلبين وإندونيسيا وماليزيا ردًّا على مقتل زعيمهم، بما في ذلك هجمات الذئاب المنفردة التي يشنها مواطنون اعتنقوا الأفكار المتطرفة من خلال آلة الدعاية القوية التي يديرها داعش على الإنترنت. وفي هذا الصدد، نقلت «رويترز» عن «دلفين لورينزانا» وزير الدفاع الفلبيني قوله: «رغم أن موت البغدادي سيربك داعش، إلا أنه لا يزال يمتلك قدرات ويمثل خطورة نظرًا إلى اتساع نطاقه، كما أن القلق الحقيقي ليس في القيادة، بل في انتشار آيديولوجية داعش عالميا». 
وعلى العكس، رأى بعض المحللين أن مقتل البغدادي يمثل بداية تفكك التنظيم، بالنظر إلى أنه يعد بمثابة «الأيقونة» لداعش، وينظر إلى بقائه على أنه رمزي لاستمرار التنظيم من قبل العديد من مؤيديه؛ ولا سيما منذ فقدان أراضيه في العراق وسوريا خلال السنوات الأخيرة. يقول «حسن حسن» من «مركز السياسة العالمية»: «كان تعافيهم بطيئا للغاية، وتنظيمهم هشا، ومقتل زعيمهم جاء في توقيت سيئ بالنسبة إليهم، وعلى الرغم من استعدادهم المحتمل لهذه اللحظة، فسيكون من الصعب عليهم ضمان بقاء التنظيم فعالا». ويتفق «دانييل بيمان»، من «مركز بروكنجز» مع هذا الرأي، حيث يقول: «لقد كان البغدادي ذا شخصية جذابة وذات كفاءة، ومن يخلفه قد يثبت عدم كفاءته، أو أنه غير قادر على قيادة فلول الخلافة أو إلهام الجيل الجديد من أفراد التنظيم، ومهما كانت قدرات من سيخلفه -إذا كان لا يريد أن يلقى مصير البغدادي- فيجب عليه الاختباء وتجنب التواصل، وبالتالي سيواجه صعوبات في إعادة بناء التنظيم».
وبعيدًا عن مستقبل التنظيم، فقد رأى بعض المحللين أن لهذه العملية دوافع سياسية. وبالقضاء على زعيم داعش يكون الرئيس الأمريكي قد حقق نجاحًا كبيرًا في سياسته الخارجية قبل أكثر من سنة على الانتخابات الرئاسية، في وقت كان يتعرض فيه لانتقادات من جميع الأطراف حتى من مؤيديه الأكثر ولاء داخل الحزب الجمهوري جراء قراره سحب القوات الأمريكية من شمال سوريا، والتخلي الفعلي عن القوات الكردية، حليف الولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم داعش والتي هاجمتها تركيا. يقول «تشارلز ليستر»، من «معهد الشرق الأوسط»: «يظل مقتل البغدادي أفضل عذرا لترامب لتبرير أن واشنطن قامت بواجبها على أكمل وجه تجاه سوريا». وهنا من الممكن أن يستفيد من أنه قد أوفى بتعهداته السابقة في حملته الانتخابية بإنهاء تورط واشنطن في أي من الحروب الخارجية. 
ووفقًا لـ«مارتن تشولوف» في صحيفة «الجارديان»، «تمنح العملية، ترامب جائزة احتاج إليها بشدة بعد شهر بائس للولايات المتحدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط»، حيث يمكن استغلال نجاح الغارة من أجل استعادة بعض الشعبية، مثلما فعل سلفه الرئيس أوباما، بعد مقتل بن لادن في باكستان عام 2011، حيث ارتفعت نسبة تأييد أوباما من 46% إلى 52%، في حين انخفضت نسبة الرفض لأدائه في منصبه من 45% إلى 40%، الأمر الذي أشارت إليه صحيفة «ليبراسيون»، بقولها: إن «مقتل البغدادي أتى في الوقت المناسب لترامب». 
وتعزز طريقة ترامب في الإعلان عن الحادثة هذه الدوافع السياسية، حيث ارتدى ثوب المنتصر وأعلن خلال مؤتمر صحفي أن «بلاده قضت على أسوأ إرهابي في العالم»، وجاء حديثه بشكل أكثر تفصيلا، من إعلان أوباما عن مقتل زعيم القاعدة، الذي لم يخض في التفاصيل وتجنب أي مناقشة حقيقية لكيفية مقتله، في حين ذكر ترامب كل ما يتعلق بمعاناة البغدادي وبأنه «قضى اللحظات الأخيرة في خوف شديد، وفي حالة من الذعر والرهبة، بينما كان كلب عسكري أمريكي يلاحقه هو وثلاثة من أبنائه في نفق مسدود». 
ويشير تركيزه على الشعبية كأساس والتباهي بتفاصيل الطريقة التي تمت بها الغارة إلى افتقاده الخبرة في تنفيذ العمليات العسكرية والمخابراتية السرية، وهو ما أدى إلى انتقاده؛ بسبب إمكانية تعريض الأشخاص الأمريكيين الموجودين في المنطقة للخطر. وزادت هذه الانتقادات بعد شكر ترامب لموسكو وتركيا نتيجة دورهم في العملية، الذي كان أكبر من السماح للطائرات الأمريكية بالتحليق في المناطق التي يسيطرون عليها. وأشار المحللون إلى أن تركيزه على شكر روسيا وتركيا، بدلا من العراق وقوات سوريا الديمقراطية يعتبر استغلالا متعمدا للموقف، لكي يحسن علاقته مع خصومه قبل الانتخابات الرئاسية2020؛ ولكي يدعم ادعاءه بأنه مفاوض جيد. وذكر آخرون أنها تحميه من انتقاد انسحابه الأخير من شمال سوريا. يقول «بيمان»، يبدو أنها «ضربة لمحاولة تبرير تسليم أجزاء من سوريا إلى هذه البلدان بدلاً من منح الفضل للأكراد والشركاء الحيويين الآخرين الذين قاتلوا تنظيم داعش».
كما كان لتجاهل ترامب، كبار الديمقراطيين من مجموعة الثمانية في الكونجرس فيما يتعلق بتفاصيل العملية، أثره على زيادة حدة الانتقادات له، حيث قام بتنفيذها دون إخطارهم مسبقًا باعتبارهم غير جديرين بالثقة في هذه المعلومات الحساسة للغاية، وهي مجموعة من قادة الكونجرس الذين يحق لهم بموجب القانون الاطلاع على العمليات السرية التي يأمر بها الرئيس الأمريكي، بما في ذلك «نانسي بيلوسي» رئيسة مجلس النواب، و«تشاك شومر» زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، و«آدم شيف» رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، الأمر الذي جعل «بيلوسي»، تقلل من أهمية دور ترامب في العملية، مؤكدة أن «موت البغدادي أمر حاسم، لكن موت زعيم التنظيم لا يعني موت التنظيم».
وبناء عليه، قلل بعض المراقبين من أهمية تلك العملية في رفع شعبية ترامب. يقول «جون هاروود» في شبكة «سي إن بي سي»، إنه على الرغم من أن مقتل زعيم داعش يعتبر حدثًا إيجابيًا، فإنه من غير المرجح أن يؤدي إلى تحول كبير في الرأي العام الأمريكي تجاه سياسات الرئيس، وخاصة أن معظم الأمريكيين لا يدركون الخطورة التي كان البغدادي يمثلها، كما أن ترامب نفسه زعم مرارًا خلال الأشهر الماضية أن داعش قد هُزم». 
على العموم، من المتوقع أن يكون لقتل البغدادي آثار إقليمية ودولية كبيرة، حيث أطاحت بالعقل المدبر لأقوى منظمة إرهابية في العالم، ومع ذلك، لا يزال تحديد تأثير ذلك على قدرات داعش أمرا غير واضح المعالم حتى الآن، فحتى لو واجه التنظيم صعوبات في المرحلة الانتقالية فلا تزال الأفكار الأساسية والكراهية التي روج لها تجد صدى لدى كثيرين.

{ انتهى  }
bottom of page