top of page
2/5/2019

«جو بايدن».. والانتخابات الأمريكية 2020

أعلن نائب الرئيس السابق «باراك أوباما» وعضو مجلس الشيوخ عن ولاية «ديلاوير»، «جو بايدن» يوم 25/4. ترشحه للانتخابات الرئاسية 2020 والذي توقع أن تكون الأهم في القرن الحالي. وكتب على تويتر: «إن قيم هذه الأمة ومركزها في العالم وديمقراطيتها وكل ما جعل من أمريكا أمريكا، معرض للخطر؛ ولهذا فإنني أعلن ترشحي لمنصب رئيس الولايات المتحدة». وبذلك يدخل سباقا مزدحما بالمرشحين، خاصة بعد إعلان 15 عضوا في الحزب الديمقراطي ترشحهم للرئاسة في الانتخابات المقبلة.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يترشح فيها «بايدن»، حيث ترشح لانتخابات عام 1988. وانسحب منها على خلفية اتهامه باقتباس خطاب ما ألقاه في أحد مؤتمراته؛ وشهدت محاولته الثانية عام 2008 تراجعه في استطلاع للرأي بين أقل المرشحين الديمقراطيين.
ولبايدن خلفية أثرت فيه، حيث درس التاريخ والعلوم السياسية في جامعة ديلاور، والتحق بكلية الحقوق؛ ما ساعد في تشكيل اهتمامه بمجال السياسة والشؤون الدولية، وفاز كمرشح للديمقراطيين في انتخابات مجلس الشيوخ عام 1972. ليصبح خامس أصغر سيناتور في تاريخ الولايات المتحدة، كما احتفظ بمنصبه في الكونجرس لـ36 عامًا؛ ما عزز سُمعته كخبير في الشؤون الخارجية من خلال إظهار اهتمامه النشط وفهمه للسياسة الخارجية الأمريكية وسط أجواء الحرب الباردة، وقد بلغت هذه السمعة ذروتها أثناء عمله كرئيس للجنة العلاقات الخارجية عدة سنوات. وعينه الرئيس «باراك أوباما» نائبًا له، في الفترة من 2009 إلى 2017. وقد نجح في دوره كنائب للرئيس مثلما نجح في دوره كسيناتور عن الحزب الديمقراطي. 
تقول «جويل جولدشتاين» في صحيفة «واشنطن بوست»، «تمكّن بايدن من الحفاظ على قوة تأثيره بشكل غير اعتيادي مدة فترتين رئاسيتين كاملتين، وعادة ما كان يتولى المهام الكبيرة مثل؛ خطط تحفيز النمو الاقتصادي، والتفاوض على إبرام الصفقات المتعلقة بالميزانية مع قادة الكونجرس الجمهوريين، وكثير من المهام في بؤر الصراعات الدولية؛ ومساعدة الرئيس من دون التعدي على سلطته». 
أما عن أيديولوجيته، فقد اتخذ جانب اليسار في القضايا الاقتصادية والاجتماعية؛ لنشوئه في الطبقة العاملة. ومع ذلك، ظل بمنأى عن الاشتراكية بخلاف أعضاء الحزب الديمقراطي. كما أخذ يتأرجح بين اليسار الجمهوري واليمين الديمقراطي. يوضح «بيل شير»، في مجلة «بوليتكو»، أنه «من خلال انتقاد وجهة نظر كلا المرشحين، وإصدار إعلان جلّي وصريح لما يجب أن يكون عليه المرشح والبديل الرئاسي، يصنف بايدن نفسه باعتباره معاديا للتيار الشعبوي بجميع أشكاله وألوانه». وتتجلى هذه النظرة الوسطية للعالم في مواقفه تجاه عدد من القضايا السياسية البارزة. وقد وصفته مجلة «الا يكونوميست»، البريطانيّة، بأنه «غالبًا ما ينهج أو يجنح إلى تيار اليسار، فقد كان ليبراليا معتدلاً على نطاق واسع مع ميل طفيف نحو المحافظين». وكتب «جيوفري كاباسيرفيس»، في صحيفة «الجارديان»، أن وجهة نظره تجاه العالم تُصور باعتبارها «الديمقراطية الوسطية المطلقة». ويؤكد «مايكل هيرش»، في مجلة «فورين بوليسي»، الأمريكية، أنه «يتخذ قراراته عبر آلية تبدأ بجنوح قوي تغلفه المثالية، لكنه ما يلبث أن يتراجع بشدة في إطار المعطيات على الأرض وفي ضوء خبراته؛ وهو ما يقوده إلى محاولة إيجاد حلول عملية وغير أيديولوجية».
ووفقا لعديد من المحللين، فإن أيديولوجيته قد أثرت في توجهاته على صعيد السياسة الداخلية، والخارجية، على النحو التالي: 
 أولا: السياسة الداخلية، فنتيجة للتوجه اليساري، ركز من الناحية الاجتماعية على توسيع حقوق الأقليات؛ سواء كانت إثنية أو عرقية أو دينية، وكسمة محورية اهتم بسن التشريعات المعززة لذلك، عن طريق عضويته بالكونجرس، كما شن حملة هدفت إلى توفير التعليم الجامعي المجاني للطلاب الأمريكيين، والرعاية الصحية المجانية دعمًا كاملا، ولاسيما للعاطلين عن العمل وأولئك الذي يعملون في وظائف لا تتطلب مهارات والتي يصعب فيها الحصول على تأمين.
وعلى الصعيد الاقتصادي، له آراء مناصرة لحقوق العمال، منها دعمه لرفع الحد الأدنى للأجور إلى15 دولارا في الساعة - في حين أن حزبه طالب برفعه إلى 12 دولارا فقط- كما قدم عددًا من المشاريع التي تُعزز مواقف النقابات العمالية في مواجهة أرباب الأعمال. ومع ذلك، فقد انتهج نهج تيار اليمين في غير مرة، إذ لم يُلق بالا للقضايا المتعلقة بتغير المناخ مقارنة بمعاصريه، وعرف بصرامته تجاه قضايا القانون والنظام، ومناداته بفرض سياسات تجريم أكثر صرامة على تجار المخدرات، كما يتوافق مع اليمين في نظرته لأدوار السوق الحرة؛ ورفضه لزيادة الضرائب ومطالبته بإزالة القيود عن تشريعات التجارة والاستثمار.
ثانيًا: السياسة الخارجية، والتي تحكمها نظرته الليبرالية المرتكزة على ثلاثة عوامل هي: 
التواصل مع المجتمع الدولي، فعلى عكس «ترامب» الذي يقلل من قيمة المؤسسات الدولية، وانسحب من بعضها، يدعم «بايدن» بشكل كامل المشاركة الأمريكية في نظم الحكم الدولية المنبثقة من كيانات كالأمم المتحدة، وحلف شمال الأطلسي.
 التركيز على سياسات التجارة الحرة، وهو ما حدا به إلى دعم مبادرات مثل اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية في تسعينيات القرن الماضي، واتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادئ لتحرير التجارة.
وبالنسبة إليه، فإن تلك المؤسسات مهمة لممارسة الولايات المتحدة للتدخل «الليبرالي» في شؤون الدول التي تصنفها «مُنتهكة لحقوق الإنسان والأمن العالمي»، ويؤكد ضرورة أن يكون التدخل تحت مظلة الإجماع الدولي، وليس من جانب واحد، وهو ما أشار إليه في صحيفة «نيويورك تايمز»، بقوله: إن «إعادة وضع القيم الديمقراطية الأمريكية في قلب سياستنا الخارجية لا يعني أنه ينبغي لنا فرض مبادئنا في الخارج أو رفض التحدث مع دول تتعارض سياساتها معها».
ومن ثم، فقد عارض سابقًا الإجراءات أحادية الجانب مثل إقامة منطقة حظر الطيران لعام 2011 المفروضة على ليبيا، والتي اعتبرها «تفتقر إلى الدعم الكافي داخل الناتو»، ووصفها في مقابلة مع «مجلس العلاقات الخارجية»، بأنها «خطأ مأساوي»؛ وكذلك عملية الاغتيال السري لأسامة بن لادن القائد السابق لتنظيم القاعدة. بينما أيد غزو «الناتو» لأفغانستان للإطاحة بتنظيم القاعدة عام 2001. وتدخله في البلقان لتقديم المساعدات الإنسانية، وكذلك الغزو الأمريكي للعراق 2003.
 الاعتماد على آليات المصالحة والمواجهة معًا، وذلك لمعايشته أجواء الحرب الباردة، التي أكسبته القدرة على التعامل مع الخصوم، وفي مقال له بمجلة «فورين أفيرز» الأمريكية، أكد، أنه «يجب على الولايات المتحدة أن تواصل اتباع سياسة تجمع بين الحاجة الملحة إلى ردع أي من الخصوم، من ناحية، بالتزامن مع السعي الحكيم للتعاون التكتيكي والحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي مع هؤلاء الخصوم، من ناحية أخرى». ولعل خير مثال على ذلك، تشجيعه لخطى التقارب مع موسكو، ودعمه لمعاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية الموقعة بين كلا الطرفين، وفي الوقت ذاته إبداء استعداده للوقوف في وجه موسكو، كما هو الحال في ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية، وتأييده لمسألة فرض عقوبات على الكرملين.
ووفقًا لنهجه الليبرالي والعوامل المحددة لسياسته الخارجية يتوقع العديد من المحللين أن تتحدد علاقته بدول الشرق الأوسط على النحو الآتي.
بالنسبة إلى إيران، فإنه سيتجه إلى المزج بين أسلوبي المواجهة والتصالح، وتجدر الإشارة إلى أنه لا يزال مؤيدًا لخطة العمل الشاملة المشتركة، «الاتفاق النووي» (JCPOA)، التي تمت صياغتها خلال فترة عمله نائبا للرئيس السابق أوباما. وفي مقال له بمجلة «فورين آفيرز»، أكد أن «طهران ليست دولة صديقة ولا شريكًا لنا، لكن استعدادنا لتجاوز نقاط كنا نعتبرها محظورة ومحرمة والاتجاه إلى التعامل مع النظام الإيراني مباشرة، إلى جانب نجاحنا في حشد ضغوط دولية غير مسبوقة للتفاوض معها، أزال أحد أعظم التهديدات للأمن العالمي، وهو شبح حصولها على سلاح نووي». 
وفي الوقت ذاته، يؤيد مواصلة الضغط على طهران لوقف رعايتها للإرهاب والتدخل في شؤون دول الشرق الأوسط، وهو ما يعتبره «تهديدًا للأمن الإقليمي والعالمي». يقول «بن فيشمان»، من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، إن «معرفة بايدن المباشرة بتفاصيل الأنشطة الإيرانية في الشرق الأوسط ستتيح له التعبير عن سياسة لن تتصدى ليس فقط لتطور الأسلحة النووية لإيران، ولكن أيضًا لعناصر زعزعة الاستقرار الإقليمية التي لا تزال تتبناها بنشاط بما في ذلك في العراق».
أما عن الدول الحليفة للولايات المتحدة كمصر، والأردن، والدول الخليجية، فإنه سيضع على قائمة أولويات سياسته الخارجية تجاهها، العثور على أرضية لعلاقات ثنائية واستراتيجية منسجمة، لتحقيق أهداف سياسية متبادلة، وضمن إطار أكثر واقعية في التعاطي مع تهديدات مشتركة من قبل إيران، والتنظيمات الإرهابية؛ كـ «داعش» و«القاعدة»، فضلا عن تعزيز فرص الاستثمار والتعاون الاقتصادي.
وفيما يتعلق بإسرائيل، فمن المتوقع أن ينتهج، نهج ترامب المنحاز لها، حتى إنه يصف نفسه بأنه «صهيوني»، وهو ما سيعد خروجًا عن النهج الليبرالي الوسطى له. ورغم أنه قد لا يكون مؤيدًا لها بشكل علني مثل ترامب، إلا أنه ينصاع بوضوح للتقاليد الأمريكية المتمثلة في التفضيل الصريح للحفاظ على المصالح الإسرائيلية على حساب الفلسطينيين. يقول «براينت هاريس»، في موقع «المونيتور» الأمريكي إنه «على عكس منافسيه، يفتخر الرئيس السابق للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي بالعلاقة طويلة الأمد مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو». 
فيما سيظل العراق نقطة سوداء في تاريخه قد تحول دون وصوله إلى الرئاسة، فقد أيد قرار غزو العراق، مدافعًا عن الرئيس الأسبق «جورج دبليو بوش»، ومؤكدًا أنه لم يكن متسرعًا في غزوه، بل إنه تأنى قرابة عامين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. وقد أظهر استطلاع للرأي أجري أن أكثر من 60% يريدونه في السباق الرئاسي، ولكن كلماته عن العراق منذ نحو عقدين من الزمن ستسبب مشكلة له. ولا يزال يواجه تحقيقًا بشأن دعمه الأولي لحرب العراق عام 2003. وهو الأمر الذي يعترف بأنه يُمكن اعتباره «خطأ سياسيا جوهريا».
على العموم، يعد «بايدن» أقرب الديمقراطيين لكرسي الرئاسة الأمريكية، لتمرسه في الشؤون السياسية طوال 36 عاما، في مجلس الشيوخ، وقضاؤه 8 سنوات نائبا للرئيس الأمريكي باراك أوباما وتوجهه الليبرالي الوسطى في ظل التطرف الذي تبديه التيارات اليمينية واليسارية، فضلا عن جذوره القريبة للطبقة العاملة. وفي حال حدث هذا، ستعد رؤيته الأكثر نموذجية من الإدارات الأمريكية السابقة، والتي ستكون خالية من حالة التقلب والاختلالات والفوضوية التي اعترت إدارة ترامب، بينما لا يرجى الوصول إلى تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. 

{ انتهى  }
bottom of page