22/10/2022
مملكة البحرين وفصل جديد من فصول التطور الديمقراطي
مع الانتخابات النيابية والبلدية 2022 تدخل مملكة البحرين فصلًا جديدًا من فصول التطور الديمقراطي، التي استهلتها بإرادة وطنية خالصة، حين تولى جلالة الملك المعظم المسؤولية في مارس 1999، برؤية إصلاحية، تضع البلاد على طريق التقدم الشامل، عبر عنها في خطابه في 13 مارس، أي بعد أسبوع واحد من توليه المسؤولية، والذي أكد فيه تعهده بتمكين الإنسان في البحرين من كل حقوقه، وأن يرتكز حكمه على مبادئ الشفافية والانفتاح والعدالة.
وأنشأ في نفس العام أول لجنة لحقوق الإنسان في مجلس الشورى، بحكم الدور التشريعي والرقابي لهذا المجلس، واتجه جلالة الملك إلى تحويل الدولة إلى مملكة دستورية فكان أن صدر ميثاق العمل الوطني، كركيزة لعقد اجتماعي جديد استفتى عليه الشعب في 14 فبراير 2001 بأغلبية 98.4%، وبناء على هذا العقد تم إلغاء قانون ومحكمة أمن الدولة في 18 فبراير 2001، والسماح بعودة السياسيين الذين كانوا يقيمون في الخارج، وتشكيل جمعيات سياسية تعد بمثابة أحزاب سياسية لأول مرة في الخليج، وتنشيط شبكة المجتمع المدني، وفي أغسطس 2001 كان إنشاء المجلس الأعلى للمرأة، يقوم على نيل المرأة كل حقوقها الإنسانية على قدم المساواة مع الرجل، وفي 15 فبراير 2002 أصدر جلالة الملك دستورًا معدلًا للبلاد يتم بموجبه تحول البحرين إلى مملكة دستورية، السيادة فيها للشعب مصدر السلطات، يمارسها عن طريق مؤسساته الدستورية، مقرًا الفصل بين السلطات والتعاون بينها، ويمنح المرأة حق التصويت والترشح في الانتخابات، ثم كان إنشاء المحكمة الدستورية، وتبني نظام برلماني قائم على مجلسين، أحدهما منتخب انتخابًا حرًا مباشرًا (النواب) والآخر معيّن من قبل الملك (الشورى)، من أجل أن يوازن كل مجلس الآخر من حيث الخبرة والاختصاص.
ويصدر الملك المرسوم بقانون رقم (14) لسنة 2002 بشأن مباشرة الحقوق السياسية، والمرسوم بقانون رقم (16) لسنة 2002 بشأن مجلسي النواب والشورى، لتنطلق فصول التطور الديمُقراطي من دون انقطاع أو توقف استثنائي، بدءًا من الانتخابات النيابية والبلدية 2002 حتى هذه الانتخابات في 2022، ومن جولة انتخابية إلى أخرى أخذت الطبقة السياسية في التوسع، ونعني بها أولئك المعنيين بالمشاركة الفعلية، سواء في الذهاب إلى صناديق الاقتراع، أو الترشح، أو الفوز بالمقاعد، أو الفاعلية داخل المجلس.
ففي انتخابات 2002 النيابية بلغت نسبة المشاركة 53.48%، وتقدم للترشح 177 مرشحًا من بينهم ثماني سيدات، بينما بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات البلدية 51.28%، وتقدم للترشح فيها 306 مرشحين من بينهم 31 امرأة.
وفي الانتخابات النيابية 2006 تنافس 206 مرشحين من بينهم 16 مرشحة، ولأول مرة تفوز المرأة بمقعد في المجلس النيابي، وارتفعت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات إلى 72%، وفازت المعارضة بـ 17 مقعدًا من أصل 40 مقعدا، وفي الانتخابات البلدية تنافس 171 مرشحًا بينهم 5 سيدات على 40 مقعدا، وبلغت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات نحو 62%.
وبلغت نسبة المشاركة 67.7% في الانتخابات النيابية 2010، وتنافس فيها 133 مرشحًا من بينهم 7 سيدات، وأيضًا فازت سيدة واحدة، فيما حصدت المعارضة 18 مقعدًا، وفاز المستقلون بـ 17 مقعدا، وتنافس في الانتخابات البلدية 182 مرشحًا بينهم 3 سيدات، ولأول مرة تفوز امرأة بمقعد في المجالس البلدية البالغ عددها 40 مقعدا، فيما بلغ عدد الأعضاء الجدد الذين يمارسون العمل البلدي لأول مرة 18 عضوًا بنسبة تغيير بلغت 45%.
وفي الانتخابات التكميلية لمجس النواب 2011 ارتفع عدد النساء في المجلس النيابي المنتخب إلى 4 سيدات، لتصبح نسبة تمثيل المرأة في هذا المجلس 10%.
بينما تنافس 266 مرشحا في الانتخابات النيابية 2014، منهم 22 سيدة، وأسفرت هذه الانتخابات عن دخول 3 سيدات مجلس النواب، و3 سيدات المجالس البلدية، بينما بلغت نسبة المشاركة في التصويت 52.6%، وتعد هذه الانتخابات هي التي شهدت أعلى نسبة ترشح مقارنة بالانتخابات السابقة.
بينما شهدت الانتخابات النيابية والبلدية 2018 ارتفاع نسبة المشاركة في التصويت إلى 67%، وتنافس 293 مرشحًا ومرشحة على 40 مقعدا في المجلس النيابي، و137 مرشحًا ومرشحة على 30 مقعدا في المجالس البلدية، وبلغت المرشحات في مجلس النواب 39 والمجالس البلدية 8، وفازت المرأة بـ 6 مقاعد في المجلس النيابي بنسبة 15% بينما فازت بـ 4 مقاعد في المجالس البلدية، وتوج صعود المرأة في المجلس التشريعي المنتخب بانتخابه «فوزية بنت عبدالله زينل» رئيسًا لمجلس النواب لأول مرة في تاريخ البحرين والخليج والعالم العربي.
ويتوالى اتساع الطبقة السياسية في الانتخابات الحالية 2022 التي تجرى في 12 نوفمبر المقبل والإعادة في 19 نوفمبر، بينما تجرى للبحرينيين في الخارج في 8 نوفمبر والإعادة في 15 نوفمبر، وتشير نشرة اللجنة التنفيذية للانتخابات النيابية والبلدية أن عدد المرشحين والمرشحات قد بلغ 561، منهم 369 مرشحًا ومرشحة للانتخابات النيابية و192 للانتخابات البلدية، وتبين زيادة عدد المرشحين اتجاها قويا لنسبة أعلى للمستقلين للفوز بعدد كبير من مقاعد المجلس النيابي والمجالس البلدية، وهو اتجاه تزايد منذ انتخابات 2014، وهو يعني أيضًا اتجاه المجلس الجديد إلى تركيز أكبر على القضايا الاقتصادية والاجتماعية في ظل ظروف عالمية تنعكس تأثيراتها على المملكة، ومع أجندة تشريعية تنتظر هذا المجلس الجديد لاستكمال المسار الديمقراطي للمملكة، فيما يتجه المجلس الجديد أيضًا لتمثيل الشباب بشكل أكبر حيث بلغت نسبة الشباب نحو 25% من إجمالي المرشحين لهذه الانتخابات وتمثيل أكبر للمرأة، حيث عدد المترشحات 107 نساء من إجمالي 561 مترشحا.
وكما تم في الانتخابات السابقة، تجرى انتخابات 2022 تحت إشراف قضائي كامل، وتحظى بمراقبة وطنية حيادية منضبطة، وانطلاقًا من أهمية الاستمرار في تعزيز المشاركة المجتمعية، وتنمية روح المواطنة لدى المواطنين، ووفقًا للصلاحيات الممنوحة للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بمقتضى المادة (22) من فقرة (هـ) من قانون إنشائها، حيث تختص المؤسسة برصد حالات انتهاكات حقوق الإنسان، وإجراء التقصي اللازم، وتوجيه انتباه الجهات المختصة إليها، مع تقديم الاقتراحات، التي تتعلق بالمبادرات الداعية إلى وضع حد لهذه الحالات، وعند الاقتضاء إبداء الرأي بشأن موقف تلك الحالات، وردود أفعالها، ووفقًا لذات القانون الذي يمنح المؤسسة حق القيام بالزيارات الميدانية المعلنة وغير المعلنة لرصد أوضاع حقوق الإنسان، وإنفاذًا للدور المنوط بالمؤسسة في تعزيز وحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية على أرض الواقع، واستجابة لضمان تمتع الجميع بالحقوق والحريات، وبالأخص الحق المعني بالترشح والانتخابات فإن المؤسسة تعتزم المشاركة في ملاحظة الانتخابات النيابية والبلدية في مملكة البحرين في 2022، وحيث قامت المؤسسة بما لها من ولاية واسعة بصفتها جهة مستقلة وفق قانون إنشائها، بملاحظة الانتخابات النيابية والبلدية في 2018، منذ الدعوة إليها، والبدء في إجراءاتها، حتى الإعلان النهائي للفائزين بالعضوية، ومتابعة النتائج النهائية للطعون.
وأمام المجلس الجديد للفصل التشريعي السادس، اعتماد برنامج عمل الحكومة 2022 – 2026، خاصة خطة التعافي الاقتصادي، بأولوياتها الاستراتيجية الخمس والمتضمنة 27 برنامجا، الأولوية الأولى: خلق فرص عمل واعدة لجعل المواطن البحريني الخيار الأول في سوق العمل، والثانية: تسهيل الإجراءات التجارية وزيادة فاعليتها، والثالثة: تنفيذ المشاريع التنموية الكبرى، والرابعة: تنمية القطاعات الواعدة، والخامسة: الاستدامة المالية والاستقرار الاقتصادي، وتنعكس هذه الأولويات الاستراتيجية في الموازنة العامة التي تقدم الحكومة مشروعها للمجلس لمناقشتها وتقنينها، ولدى تسلم جلالة الملك التقرير السنوي لأعمال مجلسي الشورى والنواب لدور الانعقاد الرابع، من الفصل التشريعي الخامس، أعرب جلالة الملك عن تطلعه إلى فصل تشريعي سادس، يتم فيه مواصلة تحقيق المكتسبات التي تخدم مسيرة التنمية وتعزز الاقتصاد الوطني.
وإذا كانت التشريعات ذات الصلة بمسيرة التنمية الاقتصادية تحتل مكانة بارزة في أجندة الفصل التشريعي السادس، فإن هناك أيضًا تشريعات على درجة عالية من الأهمية ينتظرها الشارع البحريني، وفي مقدمتها قانون الصحافة والإعلام البحريني الجديد، الذي جاء في 85 مادة، وتضم أبرز مواده عدم حبس الصحفي احتياطيًا في الجرائم المنصوص عليها، وعدم جواز فصل الصحفي أو الإعلامي من عمله، إلا بعد التحقيق معه وإخطار الهيئة المهنية بمبررات الفصل، كما نظم مشروع القانون المواقع والوسائل الإعلامية الإلكترونية والمنصات الإخبارية، وقد أصبح هذا المشروع تحت قبة مجلس النواب من يوم الثلاثاء 19 أبريل 2022.
كما يسعى الفصل التشريعي السادس إلى إدخال ما يلزم من تعديلات على التشريعات القائمة، أو سن تشريعات جديدة، لتحويل مضامين الخطة الوطنية لحقوق الإنسان 2022 – 2026 إلى قوانين تعمل بمقتضاها السلطة التنفيذية، ومن المعلوم أن هذه الخطة تتضمن أربعة محاور، تتناول الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحقوق الفئات الأولى بالرعاية، وحقوق التضامن، وتشتمل هذه المحاور على 17 هدفا رئيسيا، يندرج تحتها 34 هدفا فرعيا، و102 مشروع لتحقيق الأهداف المنشودة، ولاسيما في مجالات التشريع والتطوير المؤسسي وبناء القدرات، ويجري تنفيذها تحت إشراف اللجنة التنسيقية العليا لحقوق الإنسان، وإلى هذا يتابع المجلس في الفصل الجديد مواءمة التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ومتابعة توصيات الآليات التعاقدية الدولية والإقليمية، ومتابعة تنفيذ التوصيات عن آلية الاستعراض الدوري الشامل لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
وبينما حققت مملكة البحرين في النصف الأول من 2022 أول فائض في ميزانياتها العامة منذ 14 عاما، بلغ (88 مليون دولار) مستفيدة من ارتفاع أسعار النفط، فإنها تسعى إلى تحقيق الاستقرار المالي، وتزايد ثقة المستثمرين والمؤسسات الدولية في الاقتصاد البحريني، ولهذا فإن التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الفصل التشريعي السادس، سيكون له دور كبير في هذا الشأن خاصة مع بدء مناقشة مشروع الموازنة العامة الجديد 2023 و2024، ما يمكن الحكومة البحرينية من تحقيق الأهداف التي سعت إليها في خطة التعافي الاقتصادي 2022 – 2026، وكما كان هذا التعاون قد مكن الحكومة من تجاوز أزمات حادة، أبرزها أزمة كوفيد – 19، فإن هذا التعاون سيمكن الحكومة كذلك من النجاح في التعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة.