29/10/2022
أولويات السياسة الخارجية لرئيس الوزراء البريطاني الجديد
استطاع وزير الخزانة السابق، "ريشي سوناك"، أن يخلف "ليز تراس"، كرئيس وزراء جديد للمملكة المتحدة، رغم كونه منافسا لها في السباق الأخير على الزعامة السياسية البريطانية، ومن الواضح أنه ورث دولة تعاني أزمة اقتصادية كبرى، ساءت أوضاعها جراء السياسات الاقتصادية الخاطئة لنظيرته السابقة.
وليس غريبًا أن يكون الاهتمام الكامل من "حكومة المحافظين"، الجديدة، منصبا على "معالجة القضايا الداخلية"، لا سيما مع مواجهة الاقتصاد لتوقعات اقتصادية "سلبية"، وفقًا لوكالة "موديز". فيما يظل هناك مجموعة واسعة من القضايا الدولية التي قد تختبر قيادة "سوناك"، بما في ذلك الحرب الأوكرانية - الروسية، ودور بريطانيا في المنافسة العالمية، وإيران، والسياسة البريطانية تجاه القضية الفلسطينية.
ومع معاناة الاقتصاد من ارتفاع "معدلات التضخم"، و"أسعار الفائدة"؛ استخدم "سوناك"، خطابه الأول للإقرار، بأن البلاد تواجه "أزمة اقتصادية عميقة"؛ حيث إن شعار نظيرته السابقة، والمتمثل في "سياسات التروسونوميكس"، التي تركز على إلغاء الضوابط وخفض الضرائب، كانت "سببا رئيسيا" في خفض قيمة الجنيه الإسترليني. ووفقًا لصحيفة "فاينانشيال تايمز"، فإن هذه السياسات قد وجهت "ضربة لا يستهان بها إلى سمعة حزب المحافظين، ومدى قدرته على إدارة شؤون البلاد المالية".
وأشار "مارك لاندلر"، في صحيفة "نيويورك تايمز"، إلى أنه "من المتوقع أن يعيد بريطانيا إلى سياسات اقتصادية أقل خطورة" في محاولة لما وصفته مجلة "الإيكونوميست"، بـ"مهمة لإنقاذ المصداقية المالية المهتزة"، و"خفض معدلات التضخم"، و"إنهاء الأزمة التي أنهكت قوى حزب المحافظين". ورغم تعهده، "بإصلاح" "أخطاء" نظيرته السابقة من خلال وضع "عنصري الكفاءة الاقتصادية، والاستقرار"، في صدارة أجندته الحكومية، فقد حذر أيضًا من مغبة الاضطرار إلى اتخاذ "قرارات صعبة".
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية والدفاعية، يواجه "سوناك"، عددًا من القرارات المهمة التي يجب اتخاذها. ونظرًا إلى أنه من المقرر أن تجرى الانتخابات البرلمانية العامة في مايو 2024 -أي إن ولايته ستمتد 18 شهرا، إن لم يحدث أي شيء يحول دون ذلك - فمن ثمّ، سيواجه نفس المشكلات الدولية التي واجهتها "تراس"، ويبدو أنه سيفضل الاستمرار في منصبه لمعالجتها. وأشارت صحيفة "الجارديان"، إلى أن هناك "خطورة تتعلق بانقطاع التيار الكهربائي في فصل الشتاء، طالما ظلت إمدادات الغاز محدودة نتيجة الحرب الروسية – الأوكرانية"، وبالتالي سيكون تحقيق أمن الطاقة أولوية قصوى بالنسبة إليه.
وفي هذا الصدد، أوضح "أنتوني فروجات"، من "المعهد الملكي للشؤون الدولية"، أن "تكلفة" التخفيف من ضغوط أسعار الطاقة المرتفعة للأسر والشركات، "ستؤثر بشكل كبير في أوجه التمويل الحكومي"، ومصادر الإنفاق الأخرى. وبما أن "الاتحاد الأوروبي"، قد "استجاب بفاعلية"، بشأن التشريعات المعنية بإصلاح سوق الكربون، وتعزيز المصادر المتجددة لإنتاج الطاقة، فقد أوصى "فروجات"، "بضرورة اتخاذ إجراء على جميع المستويات "سياسيًا" من قبل "لندن"، كجزء من جهودها لتحقيق التوازن بين "القدرة على تحمل الدعم، وتوفير أمنِ سلاسل الإمداد والتوريد، بالإضافة إلى الاعتبارات البيئية".
وفيما يتعلق بالرؤية الاستراتيجية الأوسع، ناقش المعلقون ملامح الدور البريطاني المرتقب، وما قد يقدمه للمنافسة العالمية بين الغرب وروسيا والصين. وفي ظل قيادة حزب المحافظين خلال صيف عام 2022، وصف "سوناك"، و"تراس"، "الصين"، بأنها "أكبر تهديد أمني طويل الأجل للمصالح والأمن البريطانيين"، و"انتقد سوناك انتهاكات بكين لحقوق الإنسان، والقانون الدولي على كل الأصعدة". وتعليقًا على هذا الأمر، أوضحت "تورة لويس"، من "المعهد الملكي للشؤون الدولية"، أن رئيس الوزراء الجديد سيحتاج إلى إعادة النظر في "نتائج مراجعة الحكومة البريطانية المتكاملة للأمن والدفاع والتنمية والسياسة الخارجية، لاسيما في ضوء "العديد من التهديدات الأمنية التي ستحتاج المملكة المتحدة إلى مواجهتها"، بما في ذلك "الحرب الأوكرانية"، و"قدرات الصين العسكرية الصاعدة وطموحاتها العالمية".
وبالنسبة إلى سياسته الخارجية تجاه "الشرق الأوسط"، فمن المتوقع استمرار السياسات التي تبناها "بوريس جونسون"، و"ليز تراس"، وإن كان رئيس الوزراء الجديد "حريصًا"، على تبني موقف أكثر تشددًا، ضد وكلاء إيران وكياناتها الإقليمية، وتطلعاتها النورية بحسب مؤيديه السياسيين. وفي هذا الصدد، حثت "لينا الخطيب"، من "المعهد الملكي للشؤون الدولية"، حكومته، على ضرورة "استعادة المنصب الوزاري المتميز، المعني بشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، موضحة أن "المهام الوزارية له تظل ضخمة ومعقدة"، و"تتطلب مشاركة دبلوماسية جادة"، مؤكدة أنه على الرغم من إعادة توزيع قدر أكبر من اهتمام "وزارة الخارجية"، ومواردها على الحرب الأوكرانية، فإن "لندن" يمكنها - ويجب عليها- استخدام مواردها الحالية المخصصة للشرق الأوسط للمشاركة بصورة أكثر فعالية مع المنطقة.
وفيما يتعلق بـ"القضية الفلسطينية"، يشير سجل "سوناك"، السابق وتصريحاته إلى أنه سيكون "داعمًا قويًا للعلاقات بين المملكة المتحدة وإسرائيل". وعلق "آدم لوسينتي"، من موقع "المونيتور"، بأنه بينما أشار سابقًا إلى إسرائيل على أنها "ليست مثالية"، فقد وصفها بأنها "منارة أمل مشرقة في منطقة مليئة بالأنظمة الاستبدادية والمتطرفين الدينيين"، وأبدى معارضة قوية للمقارنة بين معاملة الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة على يد قوات الأمن الإسرائيلية، وبين الانتهاكات ضد السود بجنوب إفريقيا تحت نظام الفصل العنصري"، واصفًا ذلك بأنها مقارنة "غير صحيحة من الناحية الواقعية"، و"صورة عدائية صريحة تجاه إسرائيل". وذهب إلى أبعد من ذلك؛ موضحا أن هذا الاتهام "يقف عقبة أمام السلام" في المنطقة، وعبر عن وجهة نظره بأن الحكومة البريطانية، "يجب أن تنادي بعدم استخدام تلك المقارنة داخل أروقة الأمم المتحدة وفي أي مكان آخر".
وقبل تقلده مهام السياسة البريطانية، وعندما كان وزيرا للحكومة المحلية خلال عام 2018، أصدر توجيهات بفرض حظر على السلطات المحلية، وهيئات القطاع العام من أجل عدم مقاطعة الموردين الإسرائيليين، بموجب قواعد حكومية جديدة، وأن المقاطعين قد يواجهون عقوبات مشددة، مبررًا الموقف - آنذاك - "بعدم اتباع سياسات استثمارية قد تتعارض مع السياسة الخارجية للمملكة المتحدة أو سياسة الدفاع البريطانية". وبناءً على الدعم الواضح لإسرائيل، يبدو أن "سوناك"، سيستمر في خطط أسلافه لبدء عملية نقل السفارة البريطانية بإسرائيل من "تل أبيب" إلى "القدس"، على الرغم من العدد الهائل من الإدانات من الناشطين والسياسيين والخبراء الإقليميين.
وعلى النقيض من هذه التحذيرات والمخاوف، تحدث خلال جلسة حوارية نظمها جناح "أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين في أغسطس 2022"، قائلاً: "بالنسبة إلي، لا خلاف أن القدس هي العاصمة التاريخية لإسرائيل بلا منازع، وهناك "حجج قوية" لدفع بريطانيا، نحو تهيئة الوجود الدبلوماسي وفقًا للاعتراف بالمدينة رسميًا كعاصمة لإسرائيل. وفي حين أقر وزير الخزانة السابق "بالحساسيات المتضمنة" في مثل هذه الخطوة، ويفهم "أنها تتسم بالصعوبة"، إلا أنه يريد جعلها حقيقة واقعة في نهاية المطاف مهما كان الأمر.
ورغم هذه السياسة والإعراب عن المخاوف بشأن ردود الفعل الفلسطينية، إلا أنه أصر على أن "الطريق الوحيد لتحقيق سلام دائم بين إسرائيل والفلسطينيين، هو من خلال استئناف المفاوضات المباشرة"، وذلك أثناء ترشحه لقيادة حزب المحافظين، وتأكيد دعمه لحل الدولتين على أساس اتفاقيات أوسلو لعام 1994. ومع ذلك، من الواضح أن صعوده إلى قمة الحياة السياسة البريطانية، يوفر دعمًا قويًا لزعيم موال لإسرائيل، ليس له سجل في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، ومحاسبة قوات الأمن الإسرائيلية ضد الانتهاكات المرتكبة بحق المدنيين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
وحول السياسة البريطانية تجاه دول الخليج، أوضح "جون روبرتس"، من "المجلس الأطلسي"، أن رئيس الوزراء الجديد، "شخصية واقعية خبيرة بشؤون الاقتصاد والمال"، ومن المرجح أن يعيد تأكيد أهمية التجارة مع دول أوروبا، وجميع أنحاء العالم، كما أنه من المرجح أن يواصل مشروع أسلافه للتوصل إلى اتفاقية تجارة حرة مع مجلس التعاون الخليجي، والتي تم إجراء مفاوضات رسمية بشأنها في أواخر أغسطس 2022.
من ناحية أخرى، يبدو أن صعود "سوناك"، إلى منصب رئيس الوزراء، يؤكد احتمالية تبنيه لموقف أكثر تشددًا تجاه جهود "طهران"، لزعزعة الاستقرار الإقليمي، وسعيها لامتلاك أسلحة نووية. ووصفه وزير الدفاع البريطاني السابق "وليام فوكس"، بأنه "أكثر تشددًا"، فيما يتعلق بإيران من "ليز تراس"، موضحًا أنه حينما كان مرشحا لقيادة حزب المحافظين في أغسطس، أعلن "رغبته في فرض أقصى قدر من العقوبات لمعرفة ما إذا كان يمكن إقناع إيران أو إجبارها على الدخول في اتفاق أوسع يتجاوز حدود البرنامج النووي". وأضاف "فوكس"، أن سوناك "يعتبر طهران تهديدًا رئيسيًا للاستقرار الإقليمي"، ويرجع ذلك أساسًا إلى برنامجها للصواريخ الباليستية. وبناءً على ذلك، أكدت وزيرة البيئة السابقة "تيريزا فيليرز"، أن رئيس الوزراء الجديد، يرى أن "إيران المسلحة نوويًا ستشكل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل"، وكذلك "ستقوي" شوكة الجماعات الإرهابية الموالية لها بالمنطقة"، وبالتالي، فإن "اتفاقًا نوويًا" أكثر صرامة مع التهديد بفرض عقوبات سريعة، يعد أمرًا ضروريًا"، لإجبارها على أخذ الاتفاق المحتمل على محمل الجد".
وفيما يتعلق بمكافحة التطرف والإرهاب في المملكة المتحدة، ذكر موقع "ميدل إيست آي"، أن "سوناك"، يخطط "لتوسيع تعريف التطرف"، ليشمل أولئك الذين يسعون "لتشويه سمعة بريطانيا"، وزيادة الكراهية تجاهها". ووصف رئيس الوزراء سابقًا "التطرف بأنه أكبر تهديد للأمن القومي للمملكة المتحدة"، وتعهد بإجراء تغييرات ضمن ممارسات الحكومة لمكافحة الإرهاب للحفاظ على السلام والاستقرار، وذلك عن طريق فصل المتطرفين من المسجونين عن نظرائهم العاديين، بالإضافة إلى "مراجعة نشاط المؤسسات الخيرية الممولة من القطاع العام لاستبعاد أولئك الذين يروجون للتطرف".
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن اهتمام الحكومة الجديدة سينصب على الحرب "الروسية–الأوكرانية". وأوضح "جيمس نيكسي"، من "المعهد الملكي للشؤون الدولية"، أن "دعم أوكرانيا ومواجهة روسيا"، سيكونان "أولويات سياسة خارجية لا جدال فيها"، غير أن السؤال الرئيسي الذي سيواجه الأجندة السياسة الخارجية هو "إلى أي مدى يمكن لموقف المملكة المتحدة أن يحدث تغييرا في نتيجة الحرب". ومع إشارة "لويس"، أيضًا إلى احتمال "زيادة الدعوات" لتقليص الدور البريطاني في مساعدة "كييف"، جراء استمرار المشاكل الاقتصادية المحلية، رأت أن رئيس الوزراء الجديد "سيحتاج إلى أن يكون في طليعة هذا الدور "لضمان" دعم أوكرانيا، وتعزيز الأمن الأوروبي، وتأكيد أهميته بشكل أكبر".
على العموم، يتولى "سوناك"، القيادة من دون أن يكون لديه سجل بشأن قضايا السياسة الخارجية داخل الحكومة البريطانية، وفي حين أن هذا سيؤدي إلى تساؤلات حول مدى قدرته على إدارة الشؤون الخارجية، يبدو أنه قادر على "اتخاذ قراراته"، و"بارع في تقييم مواقفه"، ويعتمد على "البيانات التجريبية" في ذلك. كما يمكن توقع استمراره في أجندات السياسة الخارجية لـ"جونسون"، و"تراس"، مع تشديد محتمل لموقف بلاده تجاه إيران، وإصلاح تدابير مكافحة الإرهاب، وتقديم دعم أكثر لإسرائيل. ومع ذلك، من الواضح أيضًا أن القضايا الاقتصادية المحلية سيكون لها تأثير بالغ في اهتمامه بالشؤون الخارجية، وتخصيص الموارد للقضايا الدولية، وعلى الأخص دعم بريطانيا لأوكرانيا في حربها ضد موسكو.