01/11/2022
مساعدات التنمية الخليجية ..إضاءات في التعاون الدولي
منذ أن أخذت دول الخليج تنعم بإيراداتها النفطية، وهي توظف نسبة منها كمساعدات للتنمية، تقدمها للدول النامية. وتختلف هذه المساعدات عن تلك التي تقدمها القوى الكبرى، فهي «غير مسيسة»، و«لا ترتبط بمشروطية معينة»، و«يغلب عليها الطابع الإنساني». ولم تتوقف هذه المساعدات في الفترات التي كانت أسعار النفط تهبط فيها، وتفوق كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي تلك التي تقدمها الدول الكبرى، كما تتسم في حالة القروض بطول فترة السماح وانخفاض سعر الفائدة، وأيضًا بالسرعة وكبر الحجم والعطاء الشعبي.
والجدير بالذكر، أنه حين قرر «مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية»، الذي عُقد بالقاهرة في عام 1964، أن تخصص الدول المتقدمة 1% من ناتجها المحلي الإجمالي، كمساعدات للدول النامية، تعوضها فيها عن تدهور أسعار المواد الأولية، التي تصدرها إزاء أسعار السلع الصناعية التي تستوردها منها، وتعوضها عن نهب مواردها أثناء فترة الاستعمار؛ لم تلتزم هذه الدول بتلك النسبة، وما حدث هو التحويل العكسي للموارد من الدول النامية إلى الدول المتقدمة، في صورة خدمة فوائد وأقساط الديون، وعوائد الاستثمار، حيث استبدلت كثير من الدول المتقدمة، مساعداتها باستثمارات أو تقديم قروض للدول النامية.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» في سبتمبر 2022، فإن دول الخليج النفطية، قدمت منذ ستينيات القرن الماضي، مساعدات سخية لجاراتها الفقيرة، عندما أنشأت «الكويت»، أول صندوق للتنمية في ديسمبر1961، كبداية لمسار هذه المساعدات، والتي زادت مع ارتفاع الإيرادات النفطية الخليجية. وفي العام الحالي 2022 قامت «السعودية»، ودول خليجية أخرى بمساعدة مصر وباكستان وتركيا، حيث تعهدت السعودية والإمارات وقطر بتقديم ما يزيد على 22 مليار دولار لمصر لدرء إحتمال عدم القدرة عن سداد ديونها.
وفي الإطار ذاته، تعهدت الدول الثلاث في أغسطس 2022، بتقديم أكثر من 10 مليارات دولار لباكستان، لدعم اقتصادها في مواجهة كارثة الفيضانات المدمرة. وفيما كانت «تركيا»، تواجه واحدة من أعلى معدلات التضخم في العالم، تلقت مليارات من الدولارات الخليجية في شكل استثمارات ومساعدات، وقد تزامنت هذه المساعدات التنموية، التي عززها وفرة الإيرادات النفطية، مع الأزمة المالية الكبيرة، التي تمر بها بلدان الدخل المنخفض، والناجمة عن ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، وزيادة كلفة الاقتراض وارتفاع سعر الدولار، ما يعني أن الدول الخليجية لم تستأثر بحصيلة مبيعاتها من النفط، وإنما جعلت جزءا منه يتوجه إلى هذه المساعدات.
وفي إطار هذا الواقع، غدت «السعودية»، تحتل المرتبة الثانية عالميًا، بعد «الولايات المتحدة»، في قيمة مساعدات التنمية، التي تقدمها لدول العالم. وفي 1975 أنشأت المملكة، «الصندوق السعودي للتنمية»، كمؤسسة حكومية، تعنى بتقديم الدعم الإنمائي، من خلال قروض تنمية ميسرة، لتمويل مشاريع إنمائية في الدول النامية؛ للإسهام في تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي في تلك الدول، وصولاً إلى الإسهام في تحسين المستوى المعيشي للمجتمعات الأشد فقرًا. ويعد ذراع السعودية التنموي أهم ذراع في التنمية الدولية، ويعمل الصندوق وفقًا لأسس ومناهج التنمية الدولية، بما فيها توافق توجه الصندوق إلى المشاريع التي تحقق أهداف التنمية المستدامة.
ومنذ إنشائه، وحتى نهاية عام 2021؛ قدم «الصندوق السعودي للتنمية»، ما مجموعه 733 قرضًا تنمويًا، لتمويل 695 مشروعا، وبرنامجا تنمويا في 84 دولة نامية في مختلف مناطق العالم، بإجمالي قيمة تزيد على 69 مليار ريال سعودي. ويمثل عمل هذا الصندوق نحو 30% من إجمالي المساعدات الخارجية السعودية. ووفقا لـ«موقع منصة المساعدات السعودية»، فإن إجمالي المساعدات المقدمة حتى عام 2022، قد بلغ 83 مليار دولار. وتتضمن هذه المنصة المشاريع والمساهمات الإنسانية والتنموية والخيرية والخدمات المقدمة للاجئين. وتعد كل من اليمن ومصر وباكستان وسوريا وفلسطين ولبنان، أعلى الدول تلقيًا لهذه المساعدات.
وفي هذا الصدد، كانت «الرياض»، قد قررت في 15 أكتوبر 2022، تقديم 400 مليون دولار مساعدات لأوكرانيا، فيما بلغ عدد المشاريع الإنسانية والتنموية والخيرية 4988 مشروعا، والدول المستفيدة 104، بمبلغ إجمالي نحو 63 مليار دولار، وبلغ عدد المساهمات في المنظمات والهيئات الدولية 705، والجهات المستفيدة 53 بإجمالي نحو 2.5 مليار دولار، وبلغت قيمة خدمات اللاجئين داخل المملكة نحو 7.5 مليارات دولار، استفاد منها اللاجئون من اليمن وسوريا والروهينجا.
وفي أبريل 2022، أنشأت «السعودية»، صندوق تنمية مشتركا مع «فرنسا»؛ لمساعدة لبنان، ضمن سلسلة من الاتفاقات التي عقدتها لمساعدة بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي أشرفت على الوقوع في هوة الديون؛ بسبب الصراعات والأزمات. وتركز أولويات هذا الصندوق على «الأمن الغذائي»، و«الرعاية الصحية». وفي الشهر ذاته، أودعت لدى «موريتانيا»، 300 مليون دولار، وقدمت أكثر من 7 مليارات دولار لدول إفريقية، لمشاريع تنموية وإنسانية وخيرية، خاصة بالأمن الغذائي، والصحة، والتعليم، وذلك وفقًا لبيانات «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، التي تأسس عام 2015؛ بغرض توحيد مساهمات المساعدات الإنسانية والإغاثية الحكومية وغير الحكومية خارج المملكة، وفيما استجابت «المملكة»، لاحتياجات 83 دولة حول العالم، فقد بلغت نسبة المساعدات التي تقدمها للناتج المحلي الإجمالي أكثر من 1.9%.
ويعود تقديم «الإمارات»، للمساعدات الخارجية، إلى تاريخ تأسيس الدولة ذاته. ويذهب نحو 25% من دخل الدولة إلى هذه المساعدات، التي تقدمها لجميع دول العالم ذات الحاجة، بغض النظر عن اللون أو العرق أو الدين أو الثقافة أو الاختلاف السياسي، حيث استندت إلى النهج الإنساني، الذي وضعه مؤسس الدولة الشيخ «زايد بن سلطان آل نهيان».
ويشير تقرير «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية»، لعام 2013، إلى تصدر «الإمارات»، دول العالم في مجال المساعدات التنموية الرسمية، قياسًا لدخلها القومي. وبلغ عدد الدول المستفيدة من هذه المساعدات 178 دولة، منذ 1971 حتى 2014، بقيمة إجمالية 173 مليار درهم، بينما بلغت هذه القيمة 32.3 مليار درهم في 2015، استفاد منها 155 دولة. ومنذ التأسيس في 1971، وحتى أغسطس 2021 بلغ إجمالي قيمة هذه المساعدات أكثر من 320 مليار درهم.
وتندرج المساعدات الخارجية الإماراتية، تحت ثلاث فئات: «تنموية»، وتشمل 88% من إجمالي هذه المساعدات، و«إنسانية»، 10%، و«خيرية» 2%. وبلغت نسبة المنح منها أكثر من 59%، بينما بلغت القروض الميسرة نحو 41%. وفيما تلقت إفريقيا نحو 50% من هذه المساعدات، فقد تلقت الدول الآسيوية نحو 40%، والمنظمات متعددة الأطراف 5%، وأوروبا والأمريكتان وأوقيانوسيا 5%. وبلغ الدعم الإماراتي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، نحو 30.1 مليار دولار، ما بين 2016 – 2020.
وتفصيلاً، دعمت المساعدات الإماراتية، قطاع الطاقة المتجددة، بقيمة تجاوزت 537 مليون دولار، وتمكين وحماية النساء 1.7 مليار دولار، وقدمت 100 مليون دولار لدعم التعليم ما بين 2021 – 2025، وتبنت مبادرة محو الأمية في العالم العربي في 2017، مستهدفة محو أمية 30 مليون شخص حتى 2030، وقدمت مساعدات لمواجهة أزمة كورونا لنحو 117 بلدًا، وبلغت نسبة مساعداتها 80% من حجم الاستجابة الدولية لمواجهة التضرر من جائحة كورونا.
أما «الكويت»، فكانت أول دولة خليجية تبادر ببرنامج ثلاثي الأبعاد: «قروض ومساعدات اقتصادية»، «إعانات مالية»، «استثمار مالي خارجي». وفاقت ما تقدمه الدول المتقدمة في كثير من الأزمات الدولية والكوارث، ولم تتردد في استقطاع جزء من دخلها لمساعدة الدول النامية الأخرى في تثبيت أقدامها في مسيرة التنمية. وجاء إنشاء «الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية»، ليكون أول «أداة مالية»، و«قناة رسمية»، للسياسة الخارجية لدولة الكويت. وتركزت أهم القطاعات التي يسهم في تمويلها في: (الزراعة والري، النقل المواصلات، الطاقة والصناعة، المياه والصرف الصحي).
وفي العقد الأول من إنشائه، قدم الصندوق 406 قروض، بلغت قيمتها نحو 7 مليارات دولار لـ 66 دولة، وأمام «الجمعية العامة للأمم المتحدة»، في سبتمبر 1988، ألغى أمير دولة الكويت، ديون الدول المتعثرة، وهي الأكثر فقرًا في العالم. وحتى نهاية 2011، استفاد من عمليات الصندوق 102 دولة موزعة على ست مناطق جغرافية، بإجمالي عدد قروض 803 قروض، بقيمة 15.6 مليار دولار، استأثرت الدول العربية بـ 55% منها.
وإلى جانب «الصندوق الكويتي للتنمية العربية»، فإنه على مدى السنوات الماضية، برز عدد من القنوات لتقديم هذه المساعدات، مثل «وزارة المالية»، و«جمعية الهلال الأحمر»، و«بيت الزكاة»، و«الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية». وفي الفترة من (1990– 2014)، بلغت مساعدات «وزارة المالية»، أكثر من 10 مليارات دولار، فيما بلغت قروض الصندوق أكثر من ثلاثة مليارات دولار، ومساعدات «جمعية الهلال الأحمر»، نحو 86 مليون دولار، و«بيت الزكاة»، أكثر من 211 مليون دولار، و«الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية»، أكثر من 14 مليون دولار.
وفي تأكيد هذا، تبوأت «الكويت»، المركز الأول عالميًا في حجم المساعدات الإنسانية، التي قدمتها، مقارنة بمستوى الدخل القومي في 2016. وفي إطار دعم المساعي الدولية لتخفيف المعاناة الإنسانية في «سوريا»، استضافت ثلاثة مؤتمرات دولية للمانحين، بلغت قيمة التبرعات المعلن عنها فيها أكثر من 7 مليارات دولار، وترأست المؤتمر الرابع في «بريطانيا»، وأسهمت في هذه المؤتمرات بـ1.6 مليار دولار. وحتى نهاية 2020، بلغت قيمة عمليات «الصندوق الكويتي»، أكثر من 20 مليار دولار، ومع مساعدات التنمية الكويتية الأخرى، ترتفع هذه القيمة إلى أكثر من 25 مليار دولار، استفاد منها أكثر من 100 دولة حول العالم.
على العموم، فإن دول الخليج الغنية بمواردها النفطية، رغم أنها دول نامية تحتاج لكل مواردها، لتجسير فجوة التنمية بينها وبين الدول المتقدمة -وهو حق مشروع لها لا يستطيع أحد أن يلومها عليه- إلا أنها بروح المسؤولية ولوجودها في مجتمع دولي، يعاني العديد من أعضائه ضعف القدرة على مواجهة التحديات التنموية، فضلاً عن الكوارث الطبيعية والبشرية؛ فقد أخذت على عاتقها تخصيص نسبة من إيراداتها، تفوق ما أوصت به «الأمم المتحدة»، لدعم مسيرة التنمية حول العالم، من دون تمييز، ومن دون أي مشروطية، أو أهداف سياسية تبتغيها، ولهذا أصبح للعالم مصلحة مشتركة في المحافظة على أمن واستقرار هذه الدول، وقيامها بهذا الدور الداعم.