23/11/2022
مستقبل العلاقات بين "الصين" ومنطقة "الشرق الأوسط"
خلال العقدين الماضيين، وسعت "الصين"، علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية مع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل كبير، بدءًا من الاعتماد المتزايد على صادرات النفط من دول الخليج، وتحت قيادة الرئيس "شي جين بينغ"، منذ عام 2012، تشعبت علاقاتها مع دول المنطقة في مجال البنية التحتية والتنمية والصفقات الأمنية.
وبطبيعة الحال، أثار نمو الشراكات الاقتصادية الصينية مخاوف الغرب من محاولة "بكين"، تقويض دور "واشنطن"، التاريخي كقوة اقتصادية ودبلوماسية رئيسية ضالعة في المنطقة. وفي هذا الصدد، أشار "جرانت روملي"، من "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، إلى مدى "تكريس استراتيجيات الأمن القومي الأمريكية المتعاقبة للاعتقاد، بأن المنافسة مع الصين هي "الفكرة المسيطرة على مجتمع السياسة الخارجية الأمريكية". وعلق "جان سمعان"، من "المجلس الأطلسي"، بأن المسؤولين الأمريكيين "يُعرّفون الشرق الأوسط بشكل متزايد على أنه ساحة معركة بين الولايات المتحدة والصين".
بيد أنه في عام 2021، شهد الاقتصاد الصيني "تباطؤًا"، لا يمكن إنكاره، مدفوعًا بالإصلاحات الاقتصادية والركود والتداعيات المستمرة لفيروس كورونا في البلاد، فضلاً عن الصعوبات المالية المشتركة مع بقية الاقتصادات المتقدمة في العالم، جراء الاضطرابات الناجمة عن حرب أوكرانيا. وفي ضوء ذلك، أشار "جون كالابريس"، من "معهد الشرق الأوسط"، إلى كيف يمكن أن تؤثر الصعوبات الاقتصادية المحلية في "بكين" على أعمالها المستقبلية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ولوضع الأمور في سياقها، فإنه من المهم فهم المستوى الحالي لمشاركة "الصين"، مع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وأوضح "روملي"، أنه في العقد الماضي، عمقت علاقاتها التجارية والاستثمارية مع دول المنطقة، حيث أصبحت الآن "الشريك التجاري الأول" لها، والمورد الثالث لواردات كل بلدانها". وكتب "كالابريس"، إن "رؤية شي جين بينغ"، وطموحه ونفوذه الشخصي"، هي التي سمحت في المقام الأول للعلاقات بين الصين والشرق الأوسط بأن "تزدهر". وفي عام 2021، بلغت تجارتها مع أعضاء مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى العراق وإيران، ما يقرب من 250 مليار دولار، أي أعلى بكثير من 129 مليار دولار، و62 مليار دولار، حجم التجارة الثنائية بين هذه الدول والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على التوالي.
ومع تفوق التجارة الصينية مع دول الشرق الأوسط بكثير عن حجم التجارة مع أي دولة أخرى، وفوز "شي جين بينغ"، بولاية ثالثة كرئيس عقب تنصيبه رئيسا للحزب الشيوعي خلال المؤتمر العشرين للحزب في أكتوبر 2022، أشار "كالابريس"، إلى أن القوة الاقتصادية العظمى في الأشهر الأخيرة "سجلت أداء اقتصاديا مخيبا للآمال". وتباطأ النمو الاقتصادي بشكل حاد في الربع الثاني من عام 2022، مع توسع بنسبة 0.4% بين أبريل ويونيو 2022، وهو أدنى معدل مسجل منذ عام 1992. ونتيجة لذلك، راجع المحللون الماليون توقعاتهم السابقة لنمو اقتصادها بنسبة 5.5%. وتوقعت وكالة "رويترز"، نموًا بحد أقصى 4%، بينما توقع "البنك الدولي"، نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.8% فقط هذا العام.
ولتفسير سبب هذا التحول، أوضح "كالابريس"، أن التباطؤ الاقتصادي الحالي في الصين يرجع في المقام الأول إلى "التحديات المعقدة لعمليات إغلاق كوفيد19"، و"الآثار الاقتصادية لأحداث الطقس المتطرفة". وبشكل خاص، أدى استمرار تفشي فيروس كورونا إلى الإضرار بالاقتصاد في حين عانت البلاد من انكماش اقتصادي بنسبة 6.9% في الربع الأول من عام 2020 وحده؛ بسبب الآثار واسعة النطاق للوباء. وأشار الباحث إلى كيف أدت استراتيجية الحكومة اللاحقة لمكافحة الفيروس إلى "تعطيل النشاط الاقتصادي عبر الصناعات"، ما أثر على نمو علاقتها بالمنطقة.
على الصعيد الدولي، أشار "كالابريس"، أيضًا إلى "التراجع"، في مبادرة "الحزام والطريق" الرائدة، والتي وصفها بأنها "تعاني من تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلدان الشريكة، وتراجع الطلب على المشاريع". بالإضافة إلى الحرب التجارية المستمرة مع الولايات المتحدة، حاليًا، بشأن شحن رقائق أشباه الموصلات الأمريكية اللازمة للذكاء الاصطناعي إلى الصين. وأدى تراكم كل هذه العوامل إلى تباطؤ معدل نمو الصادرات الصينية على مستوى العالم.
وعلى الرغم من ارتفاع الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 11.8%، بين أغسطس 2021 وأغسطس 2022؛ فإن هذا أقل بكثير من الزيادة البالغة 23.1% عن الشهر السابق. علاوة على ذلك، تقلصت صادراتها إلى السوق الأمريكية بنسبة 3.8% في أغسطس 2022. ومع تأثرها أيضًا بالركود العالمي القادم، علقت "إيريس بانغ"، من مجموعة "آي إن جي" للخدمات المالية، بأنها "ليست متفائلة بهذا القدر"، بشأن قوة الاقتصاد الصيني على المدى القريب، ما يشير إلى كيف "سيصبح تأثير أسعار الفائدة على الاقتصاد أكثر وضوحًا".
وفيما يتعلق بكيفية تأثير الانكماش الاقتصادي المحلي في "الصين"، على علاقاتها بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كتب "كالابريس"، إنه نظرًا إلى أن تباطؤ النمو الاقتصادي "يتردد صداه عالميًا"؛ يُمكن توقع شكل من أشكال التغيير الاقتصادي في الشرق الأوسط. ومن المرجح أن ينعكس هذا من خلال انخفاض صادرات الصين إلى المنطقة، وبالتالي انخفاض الطلب من المشترين الصينيين على صادرات الطاقة من الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهتها الصين في مبادرة "الحزام والطريق"، منذ جائحة كورونا، لا تزال العلاقات الاقتصادية مع دول المنطقة قوية. وفي عام 2022، حصل الشرق الأوسط على أكبر حصة إقليمية من مشاركة المبادرة (33%)، والاستثمارات (57%)، حيث بدأت "بكين"، برامج جديدة في المغرب وسوريا هذا العام. وأوضح "كالابريس"، كيف كانت السعودية "أكبر مستفيد منفرد" للمشاركة الاقتصادية للمبادرة، خلال النصف الأول من عام 2022، حيث بلغت استثماراتها 5.5 مليارات دولار.
ومع إشارة "روملي"، إلى أن المصالح الاستراتيجية النهائية للصين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، "تكمن في الحفاظ على وصولها الاقتصادي"، و"الحفاظ على التدفق الحر للتجارة"، و"تعزيز صورتها كقوة عالمية"؛ فإن الاستخدام المستمر لمبادرة الحزام والطريق، يسمح لها بإبراز نفوذها الاقتصادي في جميع أنحاء المنطقة، وبالتالي إقامة علاقات إيجابية مع مجموعة واسعة من الدول في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وبالمثل، أصر "كالابريس"، على أن العلاقات في سوق النفط العالمية لا تزال "قوية". وعلى الرغم من انخفاض الطلب بسبب عمليات الإغلاق التي شهدت انخفاض الواردات خلال الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2022 بنسبة 4.3% مقارنة بالعام السابق، لا تزال الصين تستورد بمعدل يزيد على 9.5 ملايين برميل يوميًا. وفي حين سارع المشترون الصينيون للنفط الخام – إلى جانب نظرائهم الهنود – إلى شراء النفط الروسي المخفض بعد اندلاع الحرب الأوكرانية وفرض حظر غربي على صادرات النفط من موسكو، على حساب نفط الشرق الأوسط على المدى القصير؛ أكد الباحث أن "الصين لا تزال تحصل على ما يقرب من نصف النفط المستورد من المنطقة"، وبالتالي، لا تزال "الزبون الرئيسي لمنتجي النفط الخليجيين".
وبالفعل، تم تأكيد هذه المصالح المشتركة الدائمة في سوق الطاقة العالمي من خلال توقيع "مذكرة تفاهم"، بين "أرامكو"، السعودية، والشركة الصينية للبترول والكيميائيات (ساينوبك) في أغسطس 2022، مع زيادة التعاون المتوقع في مجالات التكرير، والبتروكيماويات، والبناء والتقنيات، وإنتاج الهيدروجين. وبناءً على ذلك، وقعت "أرامكو"، في نوفمبر 2022، صفقة بقيمة 735 مليون دولار لتوريد الخام إلى شركة (تشجيانغ) للبترول والكيماويات الصينية.
ومزجًا بين المجالين الاقتصادي والجيوسياسي، أعربت كل من "بكين"، و"الرياض"، علنًا عن معارضتهما المتبادلة لخطة "مجموعة السبع"، لفرض حد أقصى لسعر صادرات النفط الروسية. وأضاف "جوليان لي"، من وكالة "بلومبرج"، أنه إلى جانب الهند وتركيا، فإن الصين "غير مرجحة" للانضمام إلى مثل هذا المخطط الذي سيعاقب شريكًا اقتصاديًّا رئيسيًّا.
وفي مجال العلاقات الجيوسياسية، بينما تربط صحيفة "وول ستريت جورنال"، العلاقات بين الصين ودول الشرق الأوسط بـ "المعاملات إلى حد كبير"، فقد عززت "بكين"، في السنوات الأخيرة انخراطها الدبلوماسي مع المنطقة. وفي أوائل نوفمبر 2022، وقعت مع الجزائر اتفاقية تعاون استراتيجي مدتها 5 سنوات، بناءً على مذكرة تفاهم لعام 2018. وتم التركيز على تعزيز العلاقات الاقتصادية والصناعية والطاقية والثقافية والسياسية.
ومع ذلك، يبدو هذا الإعلان بعيدًا عن النمط الأحدث المتمثل في تقليل المشاركة، لا سيما على المستوى الفردي. وبعد "سلسلة من الزيارات والإعلانات" بين الصين ودول الشرق الأوسط في وقت سابق من عام 2022، أشار "كالابريس"، إلى أنه منذ زيادة حالات "كوفيد19" في الصين، شهدت "زيارات كبار المسؤولين والوفود من المنطقة وإليها"، "تراجعًا"، مع إجراء جميع الاجتماعات باستثناء عدد قليل منها مع مسؤولي الحكومة الصينية افتراضيًا، بدلاً من إجرائها شخصيًّا.
وعلى الصعيد الأمني، بينما سجلت صحيفة "وول ستريت جورنال"، أن "بكين"، "لم تُظهر اهتمامًا أو قدرة على استبدال الدور الأمريكي الواسع في الشرق الأوسط"، فقد زادت "الصين"، بشكل ملحوظ علاقاتها الأمنية بالمنطقة في العقد الماضي، مع تعاون جيشها بشكل ملحوظ مع السعودية في تطوير الطائرات المسيرة، وتصنيع الصواريخ الباليستية. وعلى الرغم من أن مبيعاتها التاريخية للأسلحة إلى الشرق الأوسط تتضاءل بشكل غير مفاجئ، مقارنة بمبيعات الولايات المتحدة، إلا أن "روملي"، اعتبر المنطقة "سوقًا مربحًا"، لشركاتها الدفاعية، موضحا أن العلاقات الأمنية المتنامية، تمثل "تحديًا مباشرًا" لدور واشنطن كقوة عسكرية في المنطقة.
ومن هذا المنطلق، فإنه من المتوقع أن تستمر المنافسة الاستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وأشارت "هيليما كروفت"، من بنك "ار بي سي كابيتال ماركتس" إلى "إعادة ترتيب جيوسياسي" في الشرق الأوسط، بين المشهد الاقتصادي والسياسي الأمريكي والصيني، مع حرص السعودية، وبقية دول الخليج على السعي وراء "مجموعة متعددة الأوجه من العلاقات"، خاصة أنهم "يرون مستقبلهم في الشرق"، بدلاً من علاقاتهم التاريخية التي ربطتهم مع الغرب.
وبالمثل، رأى "إيان بريمر"، من "مجموعة أوراسيا"، أن "توجه السعوديين والصينيين تجاه بعضهم البعض"، سيكون بمثابة "تحول طويل الأمد"، كما "سيكون مؤثرا اقتصاديًا" على الولايات المتحدة. وأوضح "جوناثان فولتون"، من "المجلس الأطلسي"، أن علاقات بكين المتنامية مع الشرق الأوسط، تفيد منافستها مع واشنطن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فإذا وجدت الأخيرة صعوبة في مغادرة الخليج؛ بسبب مخاوفها من تقلص نفوذها التاريخي، فإن محور شرق آسيا الذي أيده صناع السياسة الخارجية الأمريكيين منذ فترة طويلة، سوف يواجه صعوبات أيضًا من قبل الصين.
ومع ذلك، يرى "سمعان"، أن النظر إلى الشرق الأوسط وخضوعه "لوصاية قوة عظمى"، هو أمر "مضلل"؛ لأن دول المنطقة "تسعى أكثر فأكثر إلى عدم الانحياز" مع قوة خارجية، وتسعى إلى "استخدام المنافسة من أجل النفوذ لإرضاء مصالحها".
على العموم، من المؤشرات البارزة على مستوى العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية والاستراتيجية المستقبلية بين "الصين"، و"الشرق الأوسط"، الحديث عن زيارة "شي جين بينغ"، للمنطقة قبل نهاية عام2022، كما توقعت صحيفة "وول ستريت جورنال". وعلى نطاق واسع، رأى "كالابريس"، أن الزيارة "متوقعة"، ومن المحتمل أن يكشف خلالها الرئيس الصيني عن المزيد من خطط بكين المستقبلية للتعاون الاقتصادي والأمني بالمنطقة.
وعلى الرغم من التوقعات بشأن الاقتصاد الصيني على المدى القريب تزداد صعوبة، فقد أصر "شي جين بينغ"، على أن اقتصاد بلاده "مرن"، وواصل سعيه إلى تعزيزه من خلال التعاون مع العديد من دول العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.