30/11/2022
قراءة في حصاد مؤتمر "قمة المناخ" في شرم الشيخ
في أعقاب اختتام المناقشات حول مسألة العمل المناخي في مؤتمر قمة المناخ "كوب27" بشرم الشيخ، أشارت صحيفة "نيويورك تايمز"، إلى أن "الإنجاز الرئيسي لها تمثل في الاتفاق على إنشاء صندوق من شأنه مساعدة البلدان الفقيرة والضعيفة على مواجهة الكوارث المناخية". فبعد ثلاثة عقود من تجاهل مطالبها، بدأت الدول الغنية في الاستجابة لمطالب الدول الفقيرة ومساعدتها في معالجة الأضرار التي سببتها زيادة الاحترار العالمي والاحتباس الحراري". وأشارت مجلة "الإيكونوميست"، إلى تزايد الاعتراف بضرورة تقبل "فكرة وجود نظام عالمي جديد لمواجهة مخاطر المناخ بشكل جدي".
وعلى الرغم من التقدم الذي تم إحرازه بشأن هذه المطالب، كان التحليل الغربي للآثار الإيجابية للقمة، "مختلطًا ومتفاوتًا"، حيث رفض العديد من المعلقين عدم اتخاذ إجراءات أكثر تقدمًا ووضوحًا، فيما يتعلق بخفض الانبعاثات، وتجنب ارتفاع درجات الحرارة العالمية. وبينما كتبت صحيفة "الجارديان"، عن حماية الدول النامية الأكثر تضررًا من آثار تغير المناخ من خلال صندوق "الخسائر والأضرار"، فقد سلط "المجلس الأطلسي"، الضوء على أن الصندوق "إنجاز ناجح"، ولكن "قد يشهد بعض الإخفاقات حال "عدم اتخاذ إجراءات أكثر انتشارًا لتنفيذه على أرض الواقع.
وفي واقع الأمر، كانت مسألة التعويضات المالية للدول النامية الأكثر تضررًا من تداعيات تغير المناخ، هي الموضوع الأبرز خلال القمة. وأوضح الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريس"، أن الدول الغنية "مسؤولة أخلاقيا" عن القيام بالمزيد من الجهود في هذا الصدد. وأشار "لورانس توبيانا"، من "مؤسسة المناخ الأوروبية"، إلى أن الدفاع عن القمة الأخيرة كان سيواجه "تحديًا" إذا لم يكن هناك أية خطوة لاتخاذ إجراءات ملموسة لمواجهة المشكلة.
وتم طرح فكرة صندوق "الخسائر والأضرار" للدول النامية، تحت رعاية الأمم المتحدة لأول مرة عام 1991، ولكن تم رفضها لأكثر من ثلاثين عامًا من قبل الاقتصادات المتقدمة. وأوضحت مجلة "الإيكونوميست"، أن الأمطار الموسمية الغزيرة بجنوب آسيا، والتي تسببت في خسائر بأكثر من 30 مليار دولار في باكستان وحدها، "أصبحت أشد ثقلاً وكثافة من أي وقت مضى بسبب آثار غازات الاحتباس الحراري"، مشيرة إلى أن الإحصاءات تبين أن 92% من الانبعاثات الكربونية تقع مسؤوليتها على عاتق 15% فقط من سكان العالم داخل البلدان الصناعية والمتقدمة اقتصاديًّا، مثل الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، واليابان".
وفي حين كتب "براد بلومر"، و"ليزا فريدمان"، و"ماكس بيراك"، و"جيني جروس"، في صحيفة "نيويورك تايمز"، أن النتائج النهائية للقمة المتمثلة في الموافقة على خطة المساعدات المالية المناخية وتقديم التعويضات للدول الفقيرة، "تمثل تقدمًا"، بعدما كانت "واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في مفاوضات الأمم المتحدة بشأن المناخ على مدار تاريخه"؛ قد تمت الإشارة إلى تردد الدول الغربية في الموافقة على ذلك، باعتباره عاملا، قد يقوض إسهاماتها المستقبلية خلال القمم المقبلة، وقد يؤثر في أدوارها على المدى الطويل.
وفي تأكيد لهذا، أوضحت "فيونا هارفي"، في صحيفة "الجارديان"، أن "الصندوق الجديد هو بالضبط ما لم يكن يريده الاتحاد الأوروبي، وبدرجة أقل الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة"، خاصة مع تفضيل هذه الدول الأكثر ثراءً "ترتيب" أمر التمويل من قبل المؤسسات الدولية القائمة، مثل "صندوق النقد الدولي"، و"البنك الدولي"، بدلاً من تحمل الموازنات الحكومية المباشرة عبء التعويضات.
وفي غضون ذلك، ذكرت مجلة "الإيكونوميست"، أنه وسط مناقشات أشبه "بالغاضبة والحماسية"، وجهود "مضنية"، تجاوزت حدود "أي اختراق سياسي آخر"، تم التوصل إلى موافقة الدول الغنية على تقديم مدفوعات جراء الخسائر والأضرار المناخية. وأوضح "بلومر"، و"فريدمان"، و"بيراك"، و"جروس"، كيف أصر "الاتحاد الأوروبي"، على "أن أي مساعدة يجب أن تركز على الدول الأكثر ضعفًا"، بدلاً من البلدان التي يعتبرها غير مستحقة لمثل هذه المساعدة". وفي هذا الصدد، قد يكون وضع "الصين"، أحد مصادر القلق الغربي إزاء تمويل التدابير المناخية المستقبلية. وعلى الرغم من كونها أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري عالميًا، فإن "الأمم المتحدة"، تصنفها كدولة نامية، ما يجعلها مؤهلة لتلقي التمويلات والتعويضات المناخية.
ومع ذلك، فإنه مع الموافقة الأوروبية، فقد أوضحت صحيفة "نيويورك تايمز"، أن "الولايات المتحدة هي آخر مُعارض للصندوق، وعلى الرغم من أنها أشارت في النهاية إلى موافقتها على إنشاء الصندوق، فقد أكد "أوليفر ميلمان"، في صحيفة "الجارديان"، أنها "لا تزال تثير حفيظة نشطاء المناخ الذين يلومونها على عرقلة جهود المعالجة والفشل في تقدير حجم دورها في المشكلة، باعتبارها أكبر باعث على الإطلاق للانبعاثات على الكوكب".
وفي حين أنهى "سيمون ستيل"، أمين اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن المناخ، القمة بتأكيد واضح أن صندوق الخسائر والأضرار، "سيفيد الأطراف الأكثر ضعفًا عالميًا"، فقد أشار المحللون إلى "القيود المفروضة على نطاق هذا الصندوق"، و"العقبات البيروقراطية التي تحول دون إرسال الأموال إلى الدول الأكثر ضعفاً الآن". وأشار "فريدمان"، و"بيراك"، و"جروس"، إلى أن البلدان الغنية "لا يمكن أن تتحمل مسؤولية التمويل"، وأن توافر الموارد المالية ستتباطأ وتيرتها لأن "لجنة تضم ممثلين من 24 دولة"، ستعمل على مدار العام المقبل لمعرفة ما هو الشكل الذي يجب أن يتخذه الصندوق، وما الدول التي يجب أن تسهم، وأين يجب أن تذهب الأموال؟". بالإضافة إلى "عدم وجود ضمان"، بأن الدول الأكثر تقدمًا ستقدم أموالاً إلى صندوق مناخي تابع للأمم المتحدة، خاصة وأن "الولايات المتحدة"، و"الاتحاد الأوروبي"، لا يزالان عاجزين عن توفير التمويل للوفاء بتعهداتهما السابقة خلال العقد الماضي.
وفي ضوء هذه التحديات، شبّه "محمد أدو"، من مركز "باور شيفت إفريقيا"، الاتفاق على إنشاء الصندوق من جانب القمة بـ"دلو فارغ"، بحجة أنه من الضروري الآن للدول الأكثر تقدمًا وثراءً أن تقدم الأموال "لجعلها جديرة بالاحترام"، ودعم "الأطراف الأكثر تأثراً الذين يعانون من تداعيات أزمة المناخ". واستمرارًا، وصفه "خورخي جاستيلوميندي"، من "المجلس الأطلسي"، بأنه يفتقر إلى "تركيز واضح على ماهية الفئات الأكثر ضعفًا"، مع وجود شكوك "حول طبيعة الاستخدام المستقبلي للأموال من قبل البلدان المتلقية لها".
وفي هذا الصدد، أشارت "تيريزا أندرسون"، من منظمة "أكشن إيد انترناشونال"، إلى تاريخ من "الخطب الرنانة التي لا نهاية لها" من قادة الدول المتقدمة التي عبرت خلالها عن اهتمامها" بأزمة المناخ في البلدان الفقيرة، ولكن حينما يحين وقت التحرك "كل ما يريدون القيام به هو المراوغة عندما يتعلق الأمر بإنشاء مرفق مالي لمعالجة الخسائر والأضرار المناخية". وخلصت مجلة "الإيكونوميست" إلى أن "هناك قلة تعتقد أن صندوق الخسائر والأضرار الذي ترعاه الأمم المتحدة"، سوف يحول مئات المليارات لتعويض الأضرار الناجمة عن تغير المناخ"، خاصة مع الواقع "المعترف به ضمنيًا"، والذي يشير إلى مرونة الحصول على التعويضات من المؤسسات المالية العالمية، بدلاً من الدول المتقدمة بصورة مباشرة.
ومع مواجهة خطة تمويل تداعيات التغيرات المناخي العديد من العقبات، ذكرت مجلة "الإيكونوميست"، أن الحضور في كوب27 "استغلوا" المقترحات التي قدمتها رئيسة وزراء "بربادوس"، "ميا موتلي"، لإصلاح نظام المؤسسات المالية الدولية"، بما في ذلك توسيع قدرة الإقراض للمؤسسات الاقتصادية العالمية، مثل البنك الدولي، لتوفير الإغاثة الاقتصادية للدول الأقل نموًا حال الأزمات المناخية".
ورغم أن مثل هذه الخطط لم تتحقق رسميًّا، لدرجة أن الدول الأكثر فقرًا لا تزال تواجه تحديات في الحصول على إعانات مالية فورية لحالات الطوارئ المناخية، فإن هناك اعترافا بضرورة إصلاح النظام المالي الدولي، خاصة، وأن البيان الختامي للقمة، دعا الشركات متعددة الجنسيات والبنوك إلى "إصلاح ممارساتها وأولوياتها" لتوجيه التمويلات إلى الأطراف التي تشتد الحاجة إليها. ومع ذلك، ونظرًا إلى أن هذا البيان ليس له سلطة قانونية على ممثلي البلدان، وليس له تأثير في السياسة المالية على أرض الواقع؛ يبقى أن نرى ما إذا كانت خطوات التغيير طويل المدى داخل المؤسسات المالية الدولية لمساعدة الدول الأقل نموًا اقتصاديًا ستؤتي ثمارها من عدمه.
علاوة على ذلك، كانت هناك تساؤلات حول ما إذا كانت الدول ستوافق على بذل المزيد لمنع ارتفاع درجات الحرارة العالمية التي وصلت بالفعل إلى 1.1 درجة، خاصة أن هناك تحديات تعوق الحد من متوسط ارتفاع درجات حرارة الأرض إلى 1.5 درجة مئوية، حيث تشير التوقعات الحالية إلى أن درجات الحرارة سترتفع بمقدار درجتين على الأقل بحلول عام 2100. ووصفت "كاثي ماكليود"، من "المجلس الأطلسي"، إخفاق القمة في التغلب على تلك التحديات، بالـ "فشل الذريع"، وهو "ما أدى إلى تدمير خطط الحفاظ على عدم تجاوز درجة حرارة الأرض عتبة الـ1.5 درجة مئوية".
واعترافًا بذلك، صرح نائب رئيس المفوضية الأوروبية، "فرانس تيمرمانز"، أن الدول المتقدمة "فشلت" في التوصل إلى اتفاق بشأن ارتفاع درجات الحرارة، مشيرًا إلى "العديد من المحاولات للتراجع عما تم الاتفاق عليه في هذا الصدد في قمة جلاسكو الماضية".
من ناحية أخرى، لا يزال مستقبل الوقود الأحفوري في صناعة الطاقة العالمية "مثار جدل". وأوضحت صحيفة "الجارديان"، أن اقتراحًا من "الهند"، بشأن "التخلص التدريجي من جميع أنواع الوقود الأحفوري"، قد "تم تدميره" من قبل الدول المصدرة للطاقة خلال القمة. وخلال عام 2021، أعرب "لوك شارما"، رئيس "كوب26"، في جلاسكو، عن أسفه لأن أزمة "الانبعاثات قد تبلغ ذروتها قبل حلول عام 2025، وأوصى بأن تكون هناك متابعة واضحة للتخلص التدريجي من جميع أنواع الوقود الأحفوري"، وهو الأمر الذي لم يكن مذكورًا في البيان النهائي لمؤتمر قمة المناخ في مصر.
وعلى الرغم من النجاح في إقناع الدول الأكثر ثراءً عالميًا بقبول بعض المسؤولية في دعم الدول الأكثر فقرًا جراء تبعات الكوارث المناخية، فقد شكك المحللون في تمرير ما أقرته القمة. وأكدت مجلة "الإيكونوميست"، أن البيان النهائي للقمة "غير موات لمواجهة التحدي المتمثل في معالجة التغير المناخي". وعلقت "بيرنيس لي"، من "المعهد الملكي للشؤون الدولية"، بأن مجموعة الدول الصناعية السبع تبدو "صماء"، بشأن مخاطر المناخ". وأوضح "بول بليدسو"، من "معهد السياسة التقدمية"، أن نتائج قمة كوب27 ستبوء "بالفشل" من حيث أنها "سمحت لأكبر مصدر للانبعاثات الكربونية عالميًا؛ وهو الصين، بالخروج عن نطاق الالتزام بخفضها"، مؤكدًا أن خفض انبعاثات بكين هو "مفتاح حماية المناخ" في المقام الأول".
على العموم، فإنه على الرغم من الاتفاق على إنشاء آلية مالية من شأنها مساعدة البلدان الفقيرة والضعيفة على مواجهة الكوارث المناخية في "كوب27، فقد رأت "ماكليود"، أنه كان ينبغي "التركيز على آليات التكيف والمرونة حيال التحديات القائمة"، وضرورة إيضاح المزيد من "الخطوات التفصيلية، بشأن صندوق الخسائر والأضرار". وبعيدًا عن الإجراءات الرسمية من جانب الدول، فقد شددت على الدور البارز التي قد يمارسه مستقبلاً "المجتمع المدني، والمواطنون، والقطاع الخاص، وغيرها من الجهات والمنظمات غير الحكومية في طرح حلول جديدة للتخفيف من حدة تغير المناخ والتكيف معه"، في ظل الإيمان بأن هذه الجهات -خاصة فيما يتعلق بالتمويل- من المرجح أن "تتفوق على الإجراءات الرسمية البيروقراطية التي تتبناها الدول من حيث كونها قوة دافعة إلى تعزيز العمل المناخي العالمي.