07/12/2022
الآفاق والتحديات الاقتصادية لدول الخليج خلال عام 2023
في حين يحذر المحللون الماليون الغربيون منذ فترة طويلة من ركود عالمي قادم؛ بسبب ارتفاع مستويات التضخم، فإن زيادة أسعار الطاقة العالمية خلال عام 2022 -المدعومة باستمرار الطلب العالمي على النفط والغاز في أعقاب جائحة كورونا، بالإضافة إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية- قد أدت إلى زيادة كبيرة في إيرادات الدول المصدرة للطاقة في الشرق الأوسط، ومن بينها دول الخليج.
ووفق هذا المعنى، قدم تقرير صندوق النقد الدولي، الذي حمل عنوان الآفاق الاقتصادية وتحديات السياسات لدول الخليج لعام 2022، نظرة مستقبلية أكثر إيجابية لنهاية عام 2022 وبداية عام 2023، فيما يتعلق باقتصادات هذه الدول على المدى القريب والمتوسط، وإن كان ذلك بحذر شديد، بشأن حالة عدم اليقين حول الاقتصاد العالمي، مع توصيات بضرورة إظهار الاستدامة المالية، والتفكير الاستراتيجي طويل المدى. وفي تأكيده بشكل أساسي للتأثير المفيد لارتفاع أسعار المواد الهيدروكربونية خلال العام، أشار إلى تخفيف تدابير التباعد الاجتماعي المستخدمة لاحتواء انتشار فيروس كورونا في عامي 2020 و2021، وحملات التطعيم الناجحة؛ على أنها ساعدت هذه الدول على التعافي السريع والانتقال إلى نمو أكثر استدامة في السنوات المقبلة.
وفي حين توقع صندوق النقد الدولي، تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي من 6% في عام 2021، إلى 3% لعام 2022، ثم 2.8% في عام 2023، فإن الحالة الاقتصادية لمنطقة الخليج، أظهرت دفعة للنمو في هذا الصدد. وعلى عكس انخفاض مستويات النمو الاقتصادي العالمي، توقع زيادة قوية للدول الخليجية بنسبة 6% في عام 2022.
وفي الإطار ذاته، توقع البنك الدولي، في نهاية أكتوبر 2022، نمو إجمالي الناتج المحلي لدول مجلس التعاون الخليجي إلى 6.9% بنهاية العام، بينما توقع معهد المحاسبين القانونيين، نمو الناتج المحلي الإجمالي السعودي فقط بنسبة 7.5% لعام 2022، لتمثل بذلك الزيادة الأسرع للمملكة منذ أكثر من عِقد. وسجل صندوق النقد، حدوث تحسن إلى 7.3%من الناتج المحلي، مدعومًا ليس فقط بارتفاع أسعار النفط، ولكن أيضًا من خلال الإصلاحات الضريبية والنمو في القطاعات غير النفطية. في حين، توقع البنك الدولي، زيادة الناتج المحلي الإجمالي الخليجي بنسبة 3.7% في عام 2023، وإمكانية تراجعه إلى 2.4% في عام 2024.
ووفقا للعديد من المحللين، فإن مُصَدِري الطاقة في دول الخليج يجنون المكاسب من خلال المنافسة على أمن الطاقة، وعدم قدرة الغرب على إيجاد مصادر بديلة للنفط الروسي، مع وجود روابط تجارية محدودة بين موسكو، وكييف مع منطقة الخليج، تتمثل فيما بين 1.4 و2% فقط من الواردات الغذائية والزراعية تأتي من البلدين. وعليه، خلص صندوق النقد، إلى أن الحرب ستكون ذات تأثير محدود في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي. ويتناقض هذا بشكل حاد مع وضع الدول التي كانت تعتمد صادراتها على البلدين، والتي تضررت اقتصاديًا بشدة، حيث بلغت معدلات التضخم في أمريكا 9.1% في عام 2022، في حين وصلت في إنجلترا إلى 11.1%، وهذا تم احتواؤه في منطقة الخليج، فلم يتجاوز معدل التضخم بها 3.2% في يوليو 2022.
وعلى الرغم من أن التحليل الأخير لصندوق النقد، يقدم رؤية متفائلة للنمو المستقبلي، فإن هناك مخاطر تهدد تلك التوقعات، خاصة مع تباطؤ وتيرة الاقتصاد الدولي. وتوقع بنك سيتي جروب، انخفاض معدلات النمو الاقتصادي العالمي في عام 2023 إلى 1.9% فقط. وأوضحت مجلة الإيكونوميست، أن الركود العالمي في عام 2023، لا مفر منه، ليس فقط بسبب عدم اليقين بشأن مستقبل الحرب الأوكرانية، ولكن أيضًا بسبب الضعف الاقتصادي في السوق المحلية الصينية، واحتمال حدوث معارضات تشريعية داخل واشنطن.
وبالرغم من أن الأضرار الاقتصادية على منطقة الخليج محدودة، إلا أن البنك الدولي، يرى مخاطر أكبر تتعلق بالأمن الغذائي، وبالرغم من أن هذه الدول آمنة غذائيًا، إلا أن المنطقة لا تزال تعتمد بشكل كبير على الواردات الغذائية، حيث يتم استيراد 85% من إجمالي استهلاك الغذاء.
واستجابةً لاحتمالات الخطر، أقر صندوق النقد، بأن دول الخليج أطلقت تدابير اقتصادية عديدة، بما في ذلك المزيد من الإعفاءات المالية، والائتمانات للمزارعين، فضلًا عن الإعانات والدعم أو الأسعار المنضبطة للأغذية، وذلك من أجل الحفاظ على الأمن الغذائي وتخفيف الضغط على الأسر، ولكنه حذر من استمرار بعض القضايا الاقتصادية من دون معالجة، وهي وجود سوق عمل مجزأ، وهو السوق الذي يوجد فيه العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تتنافس في نفس القطاع التجاري أو الصناعي، بالإضافة إلى استخدام شركات القطاع العام كأداة لتوظيف المواطنين، ناهيك عن هيمنة العمالة الوافدة على القطاع الخاص.
وفي ظل حالة الغموض وعدم اليقين التي تحيط بأسواق الطاقة العالمية؛ توقع صندوق النقد، أن الطلب العالمي على النفط قد يشهد قفزة أعلى في عام 2023، والتي تُظهر احتمالات زيادة الطلب من 94.3 مليون برميل يوميًا في الربع الثاني من عام 2021، إلى 98.49 مليون برميل يوميًا بعد مرور عام، كما أن هناك ارتفاعات متوقعة بأن يصل الطلب إلى أكثر من 100 مليون برميل يوميًا في عام 2023، بناءً على إحصاءات وكالة الطاقة الدولية.
وفي هذا السياق، يرى الرئيس العالمي لوحدة السلع في بنك جولدمان ساكس، أن سعر خام برنت قد يصل إلى 110 دولارات للبرميل في عام 2023، فيما أشارت وكالة ستاندرد آند بورز جلوبال، إلى أن استمرار انتشار حالات الإصابة بكوفيد-19 في الصين، قد يعني أن طلبها على صادرات الطاقة الواردة من الخليج، يظل ضعيفًا فترة طويلة، حيث انخفض الطلب اليومي الإجمالي بالفعل، بما يقدر بنحو 550 ألف برميل يوميًا خلال عام 2022 .
وفي ضوء هذه التحديات، قدمت المؤسسات المالية العديد من التوصيات، حول أفضل السبل التي يمكن لدول الخليج من خلالها حماية مصالحها الاقتصادية طويلة الأجل، وترجمة المكاسب غير المتوقعة من صادرات الطاقة المرتفعة في عام 2022، إلى نمو مستدام. وعلى وجه الخصوص، حث صندوق النقد، هذه الدول على مواصلة زخم الإصلاح بغض النظر عن مستوى أسعار الهيدروكربونات.
وفيما يتعلق بالسياسة المالية على المدى المتوسط، رأى أن دول مجلس التعاون، يجب أن تظل متوجهة نحو تحقيق الاندماج من أجل زيادة النمو، وضمان الاستدامة المالية وزيادة المدخرات من أجل تحقيق العدالة بين الأجيال المقبلة، وخاصة مع احتمالات الانتقال السلس في مجال الطاقة. وفي هذا الصدد، يقول عصام أبو سليمان، من البنك الدولي، إن هناك فرصة ممتازة في الوقت الراهن لتنويع الاقتصاد الخليجي بشكل أكبر، حيث يمكن للسعودية والإمارات لعب دور في التحول العالمي إلى اقتصادات منخفضة الكربون.
وفي ضوء الاقتراحات المقدمة، بشأن الإجراءات التي يمكن أن تُتخذ، أشار صندوق النقد، إلى إمكانية تضييق الفجوة الضريبية الحالية البالغة 16% من الناتج المحلي غير النفطي، من خلال تحسين آليات تحصيل الإيرادات الضريبية، وسط ما أطلق عليه (التحول الرقمي في دول مجلس التعاون الخليجي). وفيما يتعلق بمجالات التكنولوجيا، والصحة، والأعمال والتجارة الدولية، رأى أنه من الضروري ضمان وجود أطر تنظيمية لمواجهة التحديات، المتعلقة بحماية البيانات والأمن السيبراني، وذلك على خلفية تبني استراتيجية التحول الرقمي الوطنية في السعودية، واعتبارها مثالًا يحتذى به.
وعلى الرغم من أن التوقعات الحالية لمنطقة الخليج، التي يطرحها صندوق النقد والبنك الدوليين، إيجابية، فإنه لا يمكن التقليل من استمرار انتشار التحديات المقبلة، ومدى تأثيرها في المجلس، كما أنه لا يزال مسار الحرب الأوكرانية غير واضح. ورغم أنه تم توضيح أنه لم يكن لها سوى تأثيرات سلبية محدودة في الموارد المالية المحلية للخليج، فإن حالة عدم اليقين وحدها إزاء السوق العالمية، يعوق الكثير من إجراءات صياغة السياسات الاقتصادية المستقبلية.
على العموم، رأى صندوق النقد الدولي، أن الإحصائيات الاقتصادية المتعلقة بدول مجلس التعاون الخليجي، تشير إلى احتياجها إلى التحلي بالمرونة للاستجابة للصدمات المستقبلية بطريقة سلسة، وذلك بالتزامن مع ضرورة الحفاظ على اعتماد هدف شامل يتمثل في ضبط الأوضاع المالية العامة، وتوفير المزيد من المكاسب غير المتوقعة من إمدادات النفط والغاز على حد سواء.