08/12/2022
تحديد أسعار للنفط الروسي وتأثيره على أسواق الطاقة العالمية
يبدو أن عامًا من التقلبات في سوق الطاقة العالمية سيصل إلى ذروته في نهاية عام 2022، وسط ما حذر منه ديريك بروير، وديفيد شيبارد، في صحيفة فاينانشال تايمز، من انهيار محتمل للنظام القديم في سوق النفط العالمية، حيث بدأت أوروبا حظر واردات النفط الخام المنقولة بحرًا من روسيا.ومن المقرر أن تشمل القيود المفروضة على التأمين على السفن التي تحمل الطاقة الروسية، شرطًا، وهو تحديد سقف للأسعار لنقل النفط الروسي، بهدف معاقبة موسكو على حربها مع أوكرانيا.
وفي إدراك لذلك، ينتظر المراقبون الغربيون ردود أفعال تحالف أوبك بلس النفطي؛ لمعرفة الإجراءات التي سيتخذها ردًا على الجهود الغربية للسيطرة على أسعار النفط العالمية، وسط موجة من الخطوات المضادة من قبل المنافسين، إلى جانب انخفاض أسعار النفط خلال الأشهر الأخيرة، واستمرار حالة عدم اليقين بشأن مستقبل أسعار الطاقة، وهو ما وصفه بروير، وشيبارد، بأنه لحظة الخطر على سوق النفط.
وفي أحدث العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، أوضح جو والاس، وآنا هيرتنشتاين، في صحيفة وول ستريت جورنال، أنه من المتوقع حظر معظم واردات النفط الخام من روسيا، التي تصل عن طريق البحر، مع فرض عقوبات إضافية اعتبارًا من 5 فبراير العام القادم، إلى جانب تحديد الواردات من النفط الروسي؛ ومن المقرر أيضا فرض سقف على صادراتها، حيث إن العقوبات الجديدة ستمنع الشركات من تأمين السفن التي تحمل النفط الروسي إلى دول ثالثة، ما لم يرضخ المتلقون إلى سعر النفط الذي تمليه القوى الغربية. وتعليقا على ذلك، وصف بروير، وشيبارد، فكرة وضع حد أقصى لسعر صادرات النفط الروسية، بأنها مبادرة مهمة، تستهدف تمويل آلة الحرب الروسية في أوكرانيا.
وبالفعل، أُقِر حد أقصى للسعر، في وقت سابق من العام من قبل مجموعة السبع، ووافق عليه الاتحاد الأوروبي؛ ردًا على ضم روسيا رسميًا لمناطق من أوكرانيا، ومع ذلك نشأ جدال شديد حول التفاصيل. وأوضحت ستيفيس، وتانكرسلي، ورابيبورت، في صحيفة نيويورك تايمز، أن سفراء الاتحاد الأوروبي لم يتمكنوا من تسوية أعلى سعر يُمكن أن يدفعه التجار مقابل النفط الروسي المباع خارج الاتحاد، في حين دعت بولندا، إلى أن يكون الحد الأقصى للأسعار منخفضًا قدر الإمكان لمعاقبة روسيا. وبالمثل، دعا زيلينسكي إلى نطاق سعر منخفض يتراوح بين 30-40 دولارًا لبرميل النفط الروسي. وسجلت صحيفة نيويورك تايمز، أن البلدان التي لديها صناعات بحرية –اليونان، وقبرص، ومالطا- تطلب سقفًا أعلى للسعر يبلغ 65 دولارًا، واتفقت معها أيضًا ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا.
وعلى الرغم من أن والاس، وهيرتنشتاين، أوضحا أنه إذا تم تحديد الحد الأقصى عند مستوى منخفض، فإن فرص انتقام روسيا في شكل تخفيضات في الإنتاج تزداد. وتم وصف المستوى المرتفع المقترح لسقف السعر على نطاق واسع بأنه غير فعال. ومع تداول صادرات النفط الروسية حاليًا عند 66 دولارًا للبرميل، خلصت بلومبرج، إلى أن الحد الأقصى للسعر يبدو ذو تأثير ضئيل على التجارة. ومع مواجهة الاقتصادات الغربية بالفعل احتمالية حدوث ركود متفاقم جراء ارتفاع تكاليف الطاقة، اقترحت هيليما كروفت، من شركة RBC capital markets، أن النقاشات بشأن الأسعار الحالية، تبدو وكأنها تمثل جُهدًا لخفض التضخم أكثر من كونها جهود لخفض الإيرادات الروسية.
لكن الأهم من ذلك، يجب ملاحظة أن الحد الأقصى للسعر النهائي الذي يتم تنفيذه قد تم تخفيضه كثيرًا عما كان ينوي قادة الاتحاد الأوروبي تقديمه في الأصل. وأشار بروير، وشيبارد، إلى ضغوط واشنطن على الدول الأوروبية من أجل تخفيف هذا القرار. وعند تحليل هذا التحول في السياسة، علق بوب ماكنالي من شركة رابيدان إنرجي، بأن تمديد حظر التأمين على جميع الناقلات التي تحمل النفط الروسي من شأنه أن يتسبب في اضطراب أكبر في الإمداد وازدياد الأمور سوءًا.
وفي واقع الأمر، فإن فرض حد أقصى للأسعار له تداعياته على نفوذ روسيا في سوق الطاقة العالمية. ووصفه بروير، وشيبارد، بأنه إذلال لبوتين. وتقدِر شركة برنشتاين، أن موسكو قد تتطلب ما يصل إلى 100 سفينة إضافية مستعدة للعمل دون الغرب؛ للحفاظ على تدفق عائدات النفط. وعلى الرغم من انتشار ما يُعرف باسم الأسطول المظلم من ناقلات الدول المتحالفة جيوسياسيًا، مثل إيران، فلا يزال من المتوقع حدوث انخفاض في المعروض من صناعة تصدير الطاقة الروسية الكبيرة.
وفي ضوء هذه الديناميكيات، وصف دوج كينج، من شركة RCMA Capital، هذه الخطوة بأنها تجعل سوق النفط محفوفة بالمخاطر للغاية؛ حيث أصبحت العلاقات بين القوى العظمى الرائدة في صناعة النفط متدهورة، جراء ردود فعل منظمة أوبك بلس، التي تعتبر روسيا عضوا فيها. ومن المقرر أن يستعد وزراء نفط التحالف لعقد اجتماعهم في فيينا في بداية الشهر القادم. وأوضح بروير، وشيبارد، أن تطبيق الحد الأقصى للسعر على صادرات النفط الروسي المنقولة بحرًا من جانب الدول الغربية، سيترك الكثير من القضايا لمناقشتها من قبل أعضاء التحالف.
وفي هذا الصدد، أشارت كروفت، إلى أن موسكو، سيكون لديها بوضوح كل الرغبة لجعل هذا الشتاء بائسًا قدر الإمكان بالنسبة للدول الغربية، كما أن ردود فعل أعضاء بارزين آخرين في أوبك بلس، وعلى الأخص السعودية، جذب اهتمام عدد كبير من الدول الغربية، بضرورة الانتباه نحو خفض التصعيد في المنافسة النفطية. وأشارت سمر سعيد، وبنوا فوكون، في صحيفة وول ستريت جورنال، إلى أن زيادة إنتاج أوبك بمقدار 500 ألف برميل يوميًا، سيتم مناقشتها في فيينا، لكن ستظل الموافقة على هذا الأمر مجرد توقعات.
من ناحية أخرى، أشار روجر ديوان، من وكالة ستاندرد أند بورز، إلى احتمالات وقوع تحولات طويلة المدى في أسواق الطاقة العالمية. وأشارت صحيفة الإيكونوميست، إلى أن أمريكا تمر بعملية إعادة التفكير في ضبط علاقتها مع منتجي النفط عالميًا؛ في ضوء شعورها بالإحباط؛ بسبب عدم رغبة الشركاء المصدرين للنفط في الشرق الأوسط في زيادة حصص إنتاجها.
وعلى وجه الخصوص، بدأت واشنطن، في إعادة العلاقات مع فنزويلا، والتي تمتلك 20% من احتياطيات النفط عالميًا. وبينما تتعرض روسيا، لمزيد من العقوبات الاقتصادية، فإن إدارة بايدن، تعيد التعامل بحذر مع فنزويلا للبدء في إلغاء حزمة كبرى من العقوبات المفروضة عليها من قبل إدارة ترامب. وأوضحت صحيفة الإيكونوميست، أن واشنطن، منحت شركة النفط الأمريكية العملاقة شيفرون، رخصة لإعادة نشاطها بشأن إنتاج النفط في فنزويلا وتصديره إليها. وعلقت الصحيفة، أنه على عكس بوتين، فقد تأرجح بندول الجغرافيا السياسية لصالح الرئيس نيكولاس مادورو، خلال الأشهر الستة الماضية، لاسيما مع ارتفاع التداعيات الاقتصادية للحرب الأوكرانية. ولعل تكبد الولايات المتحدة، خسائر عزل فنزويلا، عن أسواق الطاقة العالمية، هو ما دفعها، نحو تسهيل عودتها التدريجية إلى الساحة الدولية.
ومع ذلك، فإن التأثير الفوري لعودة النفط الفنزويلي، إلى أسواق الطاقة بالدول الغربية، غير مؤكد. وأشار أنجيل ألفارادو، من جامعة بنسلفانيا، إلى أن هذا التأثير سيستغرق وقتًا حتى عام 2024، عندما تبدأ صادرات النفط الفنزويلية تهدئة مستويات الطلب العالمي على النفط، الذي قد يلبي 1% من تلك المستويات بشكل يومي.
علاوة على ذلك، فإنه على الرغم من إشارة والاس، وهيرتنشتاين، إلى كيفية قيام الدول الأوروبية بالفعل باللجوء إلى النفط من بحر الشمال، والشرق الأوسط، وغرب إفريقيا، والولايات المتحدة للتعويض عن الواردات الروسية الغائبة؛ فإن نيل كروسبي، من شركة أويل إكس، رأى أن الاتحاد الأوروبي لا يزال يستخدم 800 ألف برميل يوميًا، وهو رقم منخفض عن مستويات الاستخدام المعتادة له، ليوضح هذا الأمر كيف تظل مهام الدول الغربية المتمثلة في الوصول إلى مستوى الصادرات التاريخية من روسيا من المصادر البديلة، نشطة مع اقتراب شتاء 2022-2023.
وفيما يتعلق بما يعنيه كل هذا بالنسبة لأسعار النفط العالمية، فإنه يجب الإشارة إلى أن عدم اليقين المحيط بنوايا وأفعال اللاعبين الرئيسيين في الأسواق العالمية، قد أدى إلى مخاوف متزايدة بشأن احتمالات تقلب الأسعار مستقبلًا، خاصة مع تشبيه أولي هانسن، من البنك الدنماركي، الوضع الحالي لسوق الطاقة العالمي بـ"حقل ألغام"
واستمرارًا لهذه الحجة، انخفض سعر برميل خام برنت إلى 85 دولارًا بنهاية نوفمبر 2022، بعدما كان 120 دولارًا للبرميل قبل خمسة أشهر فقط. وعلى الرغم من أن المستهلكين استفادوا مؤقتًا من هذا الانخفاض قبل الشتاء، فقد أكدت صحيفة فايننشال تايمز، أن أسعار النفط لا تزال أعلى مما كانت عليه في أي وقت بين عامي 2015 و2021، كما لا يزال تداول الغاز الطبيعي يقارب خمسة أضعاف المعيار التاريخي، وهو ما يؤثر في الاقتصادات العالمية ويزيد مستويات التضخم.
وفي ضوء محاولة الغرب حظر أو تحديد سقف لأسعار النفط الروسي، بالإضافة إلى الاستجابة المتوقعة اللاحقة من قبل أوبك بلس؛ أشار مايكل هاي، من بنك سوسيتيه جنرال، إلى ضرورة تحليل الأحداث القادمة؛ لأنها يمكنها أن تضغط على الأسعار بشكل كبير للغاية.
على العموم، مع تأكيد أوروبا على رغبتها في الابتعاد عن الاعتماد التاريخي على واردات النفط والغاز الروسية، فقد سعت لفرض حد أقصى لسعر مبيعات الأخيرة النفطية لمعاقبتها، فيما بدأت الولايات المتحدة بالتواصل مع فنزويلا، الغنية بالنفط، وبحسب ما ذكرت الإيكونوميست، فإن الغرب بالفعل يعيد التفكير في علاقته مع المصدرين للطاقة الرئيسيين في جميع أنحاء العالم. وعليه، فإنه يتضح أن أسواق النفط العالمية، تمر بفترة من التغييرات الجيوسياسية، وكما توقع ديوان، فإن هذه العملية من المرجح أن تكون دراماتيكية، وكذلك تصادمية، ومتقلبة في آن واحد.
ومع ذلك، استنتج بروير، وشيبارد، أنه لا يمكن لأحد أن يؤكد حتى الآن إلى أي مدى قد تلحق القيود الغربية الإضافية الضرر بصادرات النفط الروسية إلى الأسواق العالمية، لا سيما بالنظر إلى أن الإجراءات الحالية بالكاد أثرت على عائداتها النفطية، وفشلت في الضغط عليها لوقف الحرب في أوكرانيا.