09/12/2022
أبعاد الصراع بين الغرب وروسيا بشأن الحرب في أوكرانيا
كتب بارت كاميرتس، من كلية لندن للاقتصاد، ان الحرب لا تُخاض أبدًا في ساحة المعركة المادية، حيث تشتمل النزاعات المسلحة على التنافس لاجتذاب تأييد الرأي العام، على الصعيدين الداخلي والدولي. ومع انخراط كل من طرفي المعركة في حروب معلومات؛ من أجل تبرير وإضفاء الشرعية على نضالاتهم وتأطير ما يحدث على الأرض بما يتماشى مع مصالحهم الخاصة؛ فإن حرب أوكرانيا ليست بمنأى عن ذلك. وفي تبريره لـ"العملية العسكرية الخاصة" في فبراير 2022، أشار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى سلسلة من الاعتراضات على تصرفات الدول الغربية منذ نهاية الحرب الباردة، بالإضافة إلى توجيه الاتهامات إلى أوكرانيا. وفي المقابل، وصف القادة الغربيون الحرب، بأنها عدوانية إمبريالية، وتبنوا رواية كييف، بأنها مجتمع حر وليبرالي يقاوم الاضطهاد الخارجي.
ووفقا لـ"إيما بوتشر"، من المعهد الملكي للخدمات المتحدة، فإن البناء الدقيق للروايات يتضمن التلاعب بالأحداث المتصلة وتمثيلها، باعتبارها جزءًا أساسيًا من التعريف الذاتي بالقضية. ويبين الإيقاع السريع الحركة للأزمة الحالية أن هذه الروايات يتم نسجها وتعديلها، بل وحتى تغييرها كل يوم، وعليه، فقد تركت التبريرات والاتهامات التي قدمتها كل من روسيا وأوكرانيا آثارها بشكل كبير على وجهات النظر الدولية.
وعلى الرغم من أن المقاومة الأوكرانية ضد العملية الروسية، والاستخدام الناجح لوسائل التواصل الاجتماعي من قبل حكومة زيلينسكي، قد أيد روايتها؛ فإن روسيا تمكنت من جذب بعض الدعم العالمي لأهدافها ضد العدوان والإمبريالية الغربية، لا سيما في آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا. وفي أوروبا أيضًا، تم تبني مواقف مختلفة تجاه المشاركة مع روسيا، مما يدل على أن السيطرة على رواية في الحرب ليست أبدًا بالأمر الهين.
وحول الروايات الخاصة بكلا الطرفين في الحرب؛ أوضح كاميرتس، كيف تم تغذية الجماهير الروسية بسرد رواية عن التحرر البطولي المناهض للفاشية، وعملية عسكرية سلسة مع خسائر روسية محدودة، ضد التلاعب الغربي الشرير. في المقابل، قُدم للجماهير الغربية روايات عن جيش روسي غير فعال، وغير إنساني، بقيادة رئيس روسي متهور، يقاومه الأوكرانيون الصامدون والشجعان.
وفي تحليلها، أشارت بوتشر إلى السرد الروسي الذي أطلقه بوتين على مدى سنوات عديدة، ويتضمن الاحتفال بتاريخ روسيا الطويل، جنبًا إلى جنب مع الالتزام بـجعلها حديثة من خلال إعادة إحياء النجاحات الاستراتيجية للماضي، وتصحيح ما يُنظر إليها على أنها أخطاء تاريخية، أبرزها تفكك الاتحاد السوفيتي، مشيرة إلى أهمية سرد دور الضحية، ضد العدوان الغربي التاريخي والادعاء بأنه الحامي من المعتدين الأجانب، ومحررًا للروس الأوكرانيين المقهورين، ومُستردًا للأرض الروسية التاريخية.
وكدلالة على هذا النهج، ألقى بوتين -في خطابه الذي أعلن فيه بدء العملية العسكرية في أوكرانيا- باللوم على السياسيين الغربيين غير المسؤولين؛ لتوسيع الناتو بشكل غير رسمي، من خلال دمج دول حلف وارسو السابقة؛ بما يهدد أمن روسيا بشكل مباشر. وعقب إعلانه ضم أربع مناطق أوكرانية إلى روسيا، أوضح كيف نشر الزعماء الغربيون العنصريون، الخوف من روسيا في جميع أنحاء العالم، في حين أن حروبهم الإمبريالية في الماضي، قد أفرزت نتائج عكس مزاعمهم، بشأن جلب الحرية والديمقراطية إلى العالم.
وعلى نطاق واسع، رفُضت التبريرات الروسية من قبل الأوكرانيين والغرب. ووصفتها بوتشر، بأنها روايات مبتورة، كما رفض بيتر ديكنسون، من المجلس الأطلسي، عبثية إدانة بوتين للإمبريالية الغربية التاريخية؛ بينما يرتكب في الوقت نفسه أخطر عمل من أعمال العدوان الإمبريالي في التاريخ الأوروبي الحديث، الأمر الذي دفع الباحث إلى استنتاج أن الحرب تهدف إلى أن تكون من الطراز القديم للعدوان الإمبراطوري على الرغم من ادعاء بوتين عكس ذلك.
وفي ظل المنافسة الحالية للسيطرة على الرأي العام العالمي؛ يجب عدم التقليل من أهمية وسائل التواصل الاجتماعي. ومنحت هذه الوسائل فرصة نشر المحتوى حول العالم، حيث يمكن بسهولة التقاط وجهات نظر أي متحدث من أرض المعركة، ونشرها على الإنترنت، بما يعني أن أي مقاتل أو مدني لديه الآن القدرة على التأثير بشكل مؤثر وفعال في رواية الحرب.
وعلى عكس الروس، استشهدت بوتشر، بأن أوكرانيا، صنفت نفسها على أنها بلد الأمل، وفاعلة على مسرح الأحداث، حيث تقرن الكفاح العسكري، بنشأة أسطورة حديثة. وفي حين أن مواقع التواصل الاجتماعي الغربية الرئيسية، مثل فيسبوك، وتويتر، أزالت المحتوى المرتبط بروسيا، أو أولته اهتمامًا أقل، فقد أوضح مارك سكوت، في مجلة بوليتكو، أن موقع تليجرام، أصبح ساحة معركة بين المعسكرات المؤيدة لأوكرانيا والموالية لروسيا.
وبينما اشتهرت روسيا بنجاحها في الحملات الإعلامية عبر الإنترنت، فقد سجل سكوت، كيف ردت أوكرانيا بنشاط على هذه الحملات. وحصل الرئيس الأوكراني زيلينسكي على عدد هائل من المتابعين في جميع أنحاء العالم عبر الإنترنت، كقائد للمقاومة، كما استحوذت منشورات للمواطنين العاديين وهم يحملون السلاح دفاعًا عن عائلاتهم على اهتمام الرأي العام العالمي. لهذا السبب، وصف كاميرتس، كييف، بأنها المتفوق والفائز الحالي في حرب المعلومات على المستوى الدولي، حيث فهمت بيئة الإعلام المتعدد الأوساط، واستغلت الارتباط العاطفي والانتشار الذي تقدمه لتضخيم روايتها.
وفي حين زعم جانيس سارتس من مركز الامتياز الاستراتيجي للاتصالات، أن روسيا خسرت حرب المعلومات، فقد دعا جيديون راشمان، في صحيفة فاينانشال تايمز، إلى توخي الحذر على المدى الطويل بناءً على أن الحرب تحدث في وقت تسود فيه نظريات المؤامرة في جميع أنحاء العالم الغربي؛ حيث لا يثق العديد من المواطنين بحكوماتهم. وعليه، أشارت بوتشر، إلى أن روح الظهور للآلة الإعلامية الأوكرانية تخفي العناصر الأكثر شرًا في العسكرة الأوكرانية التي تُخفي مخالفات، مثل تجنيد أطفال، وهو ما تضخمه الدعاية الروسية.
وفي تبريره للعملية العسكرية، أشار بوتين، إلى الروابط بين النازيين الجدد، وأوكرانيا، موضحا أن الولايات المتحدة تدير منشآت كيميائية حيوية في كييف؛ لتطوير قنبلة نووية قذرة، وكذلك وصفه مؤخرًا تفجير جسر استراتيجي رئيسي بنته موسكو، يربط روسيا بمنطقة شبه جزيرة القرم، بأنه عمل إرهابي.
وعلى الصعيد الدولي، قبلت معظم الدول الرواية الأوكرانية، ورفضت مزاعم روسيا بالقيام بعمل عسكري مشروع لحماية أمنها القومي. وفي تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في أكتوبر 2022، صوتت 143 دولة لإدانة تصرفات موسكو. وكمؤشر على أن بعض ساحات القتال للسيطرة على رواية الحرب لا تزال قائمة في جميع أنحاء العالم، فقد صوتت كل من (روسيا، وبيلاروسيا، وكوريا الشمالية، وسوريا، ونيكاراغوا)، ضد القرار، وامتنعت 35 دولة في آسيا، وإفريقيا، والشرق الأوسط عن التصويت، بما في ذلك الصين والهند.
وفي الشرق الأوسط، حاولت كل من إسرائيل، وتركيا، القيام بدور الوسيط والسعي لحل سلمي للحرب. وتوسطت الأخيرة في اتفاق الأمم المتحدة لإعادة فتح موانئ البحر الأسود، أمام صادرات الحبوب والسلع الغذائية. وفيما يتعلق بدول الخليج، أشار فريدريك ويري، من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إلى وجود آراء متباينة تجاه الحرب، حيث أبدى العديد من الدول بالمنطقة، ترددًا في الانضمام إلى الإدانات الغربية لروسيا، لا سيما فيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية. وفي حين أوضح ويري، أن عدم وجود دعم لرغبات واشنطن في معاقبة روسيا، يُنظر إليه على أنه وسيلة للتعبير عن استياء هذه الدول لعدم تقدير أمريكا لاحتياجاتها الأمنية؛ فإن قرار الدول الأعضاء في أوبك بالموافقة على تخفيض حصص إنتاج النفط في أوائل أكتوبر 2022، قد قوبل باتهامات من واشنطن، بأن الخليج يتحالف مع الروس، ضد الغرب.
وبالمثل، هناك منافسة على النفوذ بين موسكو، وكييف، في إفريقيا. وأوضح بول ميلي، من المعهد الملكي للشؤون الدولية، أن الآراء الأوكرانية بشأن تأثيرات الحرب طغت على نظيراتها الروسية. وأكدت نوسموت جباداموسى، في مجلة فورين بوليسي، أن البلدان في شمال وشرق إفريقيا تأثرت بشدة بالحرب المستمرة؛ بسبب تعطل صادرات الحبوب من كلا البلدين، وبعد ذلك، كان هناك صراع حول مسألة من المسؤول عن ارتفاع تكاليف الغذاء، وهنا ألقى بوتين، باللوم على العقوبات الغربية في نشوء تلك الاضطرابات، بينما اتهمه الغرب، باستخدام الأمن الغذائي كسلاح حرب.
وفي حين حرص العديد من الدول الإفريقية على سياسة الحياد تجاه الحرب؛ من أجل حماية مصالحها الخاصة؛ فقد أشارت جباداموسى، إلى أن الضغط عليها لتغيير موقفها يزيد الآن الانقسامات بين إفريقيا، والولايات المتحدة، وأوروبا، مضيفة أن روسيا، حاولت تصوير الضغوط الغربية على أنها شكل من أشكال الإمبريالية الجديدة. ومن جانبه، أشار ميلي، إلى أن الوجود الدبلوماسي لأوكرانيا صغير نسبيًا في إفريقيا، مقارنة بالعلاقات السياسية والاقتصادية التاريخية لروسيا؛ ما يعني أن كييف، لا يمكنها نشر نفوذ سياسي، أو أمني مماثل لنفوذ موسكو هناك. وفي جميع أنحاء القارة، انقسمت الآراء؛ حيث امتنعت 19 دولة عن التصويت في الأمم المتحدة لإدانة العملية العسكرية الروسية. وأشارت شبكة بي بي سي نيوز، إلى أن أربع دول زارها وزير خارجية موسكو في يوليو 2022، امتنعت عن التصويت، بينما صوتت أربع دول استضافت مؤخرًا وزير الخارجية الأوكراني على إدانة الكرملين.
من ناحية أخرى، كانت في أوروبا، أيضا انقسامات حول المواقف والسياسات المتبناة تجاه روسيا؛ الأمر الذي هدد باستمرار وحدتها. وأوضحت جودي ديمبسي، من مؤسسة كارنيجي أوروبا، أنه على الرغم من الإنجازات الرائعة في الحفاظ على الوحدة الأوروبية حتى الآن، وإرسال المساعدات العسكرية إلى كييف، لا تزال هناك اختلافات جوهرية بين الدول الأوروبية، حول كيفية رؤيتها لروسيا. وفي حين أن الدول التي كانت خاضعة سابقًا للسيطرة الروسية، مثل بولندا، والتشيك، ودول البلطيق، كانت ثابتة في دعمها لكييف طوال الحرب، فقد أشارت ديمبسي، إلى أن باريس، وبرلين، لم يتراجعا عن مواقفهما حول روسيا، وسط شعور بأنه عندما تنتهي الحرب، يمكن استعادة العلاقات معها، والعمل كالمعتاد. ويمكن رؤية هذا النهج في تصريح الرئيس الفرنسي، ماكرون، في يونيو 2022، بأن الغرب يجب أن يتجنب محاولة إذلال روسيا، بالإضافة إلى تحذيرات المستشار الألماني، شولتز، بضرورة تجنب المزيد من التصعيد مع موسكو.
وفيما يتعلق بكيفية تطور المواقف المتعارضة حول روسيا، أثناء الحرب وبعدها؛ رأت ديمبسي، أن لعبة إلقاء اللوم الحتمية ستحدث بين الدول الأوروبية، مما يعني أن شروخا، ستتعمق داخل التعاون الأوروبي، ما لم تشرع الأطراف ذات وجهات النظر المختلفة للبدء في حوار بناء من أجل الحفاظ على وحدة هذا التعاون.
وهناك عنصر آخر عند مناقشة أهمية الروايات السائدة، وانقسام الآراء بشأن الحرب الأوكرانية، يتعلق بحاجة الكرملين إلى الحفاظ على الدعم الشعبي داخليًا. ولاحظ سكوت، أنه بعد حظر الغرب، العديد من شبكات البث الروسية، قامت موسكو، بتغيير خطتها للتركيز على مواطنيها المحليين، بالإضافة إلى الناطقين بالروسية في البلدان المجاورة والبعيدة على حد سواء. ومع استمرار اعتماد العديد من الروس على وسائل الإعلام الحكومية؛ أوضح كاميرتس، أن روسيا استخدمت أساليب الخداع العسكري، مثل (التخفي)، أو (التمويه)، بما في ذلك الاعتماد على آليات الرقابة، والتعتيم، والتحريف، لتقديم واقع بديل أمام الروس، وبالتالي دعم الشرعية الداخلية. ومع ذلك، ووفقًا سيرجي رادشينكو، من كلية جونز هوبكنز، فقد تلقت روايات بوتين عن الحرب، ضربات في الشهرين الماضيين، جراء النجاحات العسكرية الأوكرانية، حيث باتت تهدد بتقويض سلطة بوتين داخليا وخارجيًا.
على العموم، مع أخذ التطورات الأخيرة في حرب أوكرانيا في الاعتبار، من الواضح أن معركة السيطرة على إدارة دفة الحرب ستحسمها في النهاية الأحداث على الأرض، لاسيما في ضوء أن النكسات الأخيرة التي لحقت بالقوات الروسية، قوّت شوكة آلة الإعلام الأوكرانية، وهو ما أدى إلى زيادة دعم كييف، لمواصلة نجاحاتها. وبشكل عام، خلص بوتشر، إلى أنه بالنسبة للعالم أجمع، فإن الروح الجماعية الأوكرانية، اتضحت أنها أكثر قوة بكثير من أوهام العظمة لبوتين.