12/12/2022
من يعطل حل الأزمة اليمنية؟
أعلن الأسطول الخامس الأمريكي، ضبط سفينة صيد في خليج عُمان، كانت تهرب ذخائر ووقودا للصواريخ من إيران إلى اليمن، ويزيد وزن هذه الشحنة عن 50 طنا، وهي الشحنة الثانية التي تم ضبطها في غضون شهر واحد. ووفق بيان قائد الأسطول الخامس، الأدميرال "براد كوبر"، فإن اعتراض السفينة يُظهر بوضوح استمرار سياسة "إيران"، وسلوكها المزعزع للاستقرار، حيث إن التوريد المباشر وغير المباشر للأسلحة، أو بيعها أو نقلها إلى الحوثيين في اليمن، ينتهك القانون الدولي وقرار مجلس الأمن ذا الصلة. وفي فبراير 2022، أصدر "مجلس الأمن"، حظرا على إيصال الأسلحة إلى اليمن، يشمل منع جميع مليشيات الحوثي، بعدما كان مقتصرًا فقط على أفراد وشركات محددة.
ويبقى واضحًا، أن عمليات تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين في اليمن، قد تواترت بشكل كبير في السنوات الماضية؛ ما هدد استقرار المنطقة، والأمن الدولي. ونخص هنا فقط ما تم ضبطه وتوثيقه رسميًا في ضوء أن هناك مسارات خفية عبر الدروب البرية يتم من خلالها هذه العمليات. وفي نوفمبر 2022، ضبطت "البحرية الأمريكية"، سفينة صيد تحمل على متنها كمية ضخمة من المواد المتفجرة آتية من إيران، شملت كميات كبيرة من كولورات الأمونيوم، وسماد اليوريا، التي تستخدم في صنع المتفجرات. وفي 23 ديسمبر2021، ضبطت شحنة أسلحة إيرانية كانت في طريقها لمليشيات الحوثي في اليمن، تتألف من 1400 بندقية هجومية، ونحو ربع مليون طلقة ذخيرة. وقبلها في سبتمبر شحنة أسلحة آتية من بندر عباس، وبعدها شحنة أخرى في يناير 2022.
ووفقا لتقرير أصدره "مجلس الأمن" في ديسمبر 2022، فإن المصدر الرئيسي للأسلحة التي تأتي للحوثيين في اليمن -وتشمل آلاف منصات إطلاق الصواريخ والأسلحة الآلية وغيرها، والتي ضبطها الأسطول الأمريكي في بحر العرب خلال الأشهر الأخيرة- هو ميناء تابع للأسطول الإيراني. ويعد هذا التقرير، "وثيقة تفصيلية"، حول تهريب طهران للأسلحة للحوثيين في اليمن، ومليشيات لها تابعة في مناطق أخرى، استنادًا إلى شهادات بحارة السفن التي قامت بنقل هذا السلاح إلى اليمن وغيرها.
واستمرارًا لهذه الحجة، كشف التسجيل المرئي الذي نشره "التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن"، في 26 ديسمبر 2021، عن وجود خبراء من "حزب الله"، اللبناني يتولون إطلاق الطائرات والصواريخ الباليستية. وبالفعل، كانت إيران قد اعترفت في 3 يناير من نفس العام، بدعمها الصريح لمليشيات الحوثي. ووصف قائد فيلق القدس -الذراع الدولية للحرس الثوري الإيراني- الحوثيين بأنهم أولاد ثقافة المقاومة، وأنهم لم يمتلكوا في السابق غير أسلحة من نوع كلاشينكوف، وأر بي جيه، لكنهم الآن يصنعون صواريخ يصل مداها إلى أكثر من 1000كم، وطائرات دون طيار.
وفي الواقع، لم يكن الأسطول الأمريكي فقط هو من ضبط أسلحة إيرانية مهربة إلى الحوثيين في اليمن، حيث إن "البحرية البريطانية"، كانت قد أعلنت في يوليو2022، مصادرتها شحنة أسلحة إيرانية من مهربين، كانوا يقومون بنقلها في المياه الدولية عن طريق زوارق سريعة، وحينها وجهت طهران انتقادات حادة للندن، واتهمتها بالتواطؤ في الحرب على اليمن.
وفيما يبدو من تأكد الدول الكبرى، وعلى رأسها "الولايات المتحدة الأمريكية"، و"المملكة المتحدة"، أن إيران هي الذراع المغذية للحوثيين في اليمن، وأن تهريب الأسلحة منها إليهم، هو الذي يقوي شوكتهم، بل ويحفزهم بإيعاز منها للقيام بأعمال عدائية ضد جيرانهم، ويتسبب في تعطيل الوصول إلى حل للأزمة اليمنية -باعتبار أن اليمن تحت سيطرة الحوثيين هي جزء من المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة- فإن تحرك هذه القوى ضد السلوك الإيراني، لم يكتسب "الحزم المطلوب"، وليس به أي آلية أو خطة لردعه، فيما شكل هذا الموقف نقطة ضعف دولية، تسببت في إطالة أمد الأزمة اليمنية، التي دفع الشعب اليمني ثمنها.
وفي تأييد لهذا الرأي، ففي حين، أن "إدارة ترامب"، كانت تصنف "الحوثيين"، كجماعة إرهابية، وحملتها مسؤولية الكثير من الأعمال الإرهابية، ومن بينها هجمات عابرة للحدود تهدد مدنيين وبنى تحتية؛ فإن "إدارة بايدن"، قررت رفعها من قائمة الجماعات الإرهابية الأجنبية في 16 فبراير 2021. وردا على هذا القرار، انتقد وزير الخارجية السابق "مايك بومبيو"، موقف إدارة بايدن من الحوثيين، بعدما أدت تصريحاتها بأنهم ليسوا جماعة إرهابية، إلى تحفيزها للقيام بهجمات صاروخية على مطار أبو ظبي الدولي، والمنطقة الجنوبية السعودية.
وعليه، فإن هذا التحول في موقف الإدارة الأمريكية، قد أطال أمد الموقف المتأزم في اليمن، والذي تسبب فيه استيلاء الحوثيين على السلطة في صنعاء، وأدى إلى مقتل نحو ربع مليون نسمة، ومواجهة أكثر من نصف السكان مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، فيما استمرت الاعتداءات الإرهابية الحوثية على مقدرات الشعب اليمني، وممرات التجارة العالمية، والأمن والاستقرار الإقليمي.
وفيما لم يقدم رفع "بايدن"، لجماعة الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية، شيئًا يُذكر لتحسين الوضع الإنساني في اليمن؛ فقد دعت مجموعة مكونة من 17 عضوًا بالكونجرس الأمريكي في فبراير 2022، الرئيس الأمريكي، إلى إعادة تصنيف مليشيات الحوثي، "منظمة إرهابية"، بالنظر إلى أنه عقب قراره، حولت المليشيات الحوثية المدن اليمنية إلى ساحات معارك، وزجت بعشرات الآلاف من عناصرها في هذه الحرب، فضلاً عن أعمال القرصنة في البحر الأحمر، وتصعيد استهداف دول الجوار بصواريخ باليستية.
يأتي هذا فيما أعلنت "الخارجية الأمريكية"، نفسها في فبراير 2022، أن الهجمات الحوثية تعوق الحل الدبلوماسي في اليمن، وأنها لن تتردد في فرض عقوبات على قيادات الحوثيين. وكشفت تقارير أن "إدارة بايدن"، بصدد فرض عقوبات مالية على مليشيات الحوثي وقيادتها. وعقب هجمات الحوثي على مدينة "أبها" السعودية في فبراير 2022، أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي، "جيبك سولفان"، أن "واشنطن"، ملتزمة بدعم السعودية في الدفاع عن شعبها وأرضها ضد هجمات مليشيا الحوثي، وأدانت بشدة إطلاقها طائرة مسيرة تجاه مطار أبها.
ومرددًا هذه المخاوف، أعلن "بايدن"، حينها أن إعادة تصنيف الحوثيين، كمنظمة إرهابية قيد النظر. وخلال اتصال هاتفي له مع العاهل السعودي الملك "سلمان بن عبد العزيز"، أكد التزامه بدعم السعودية في الدفاع عن شعبها وأرضها. فيما أكد زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ الأمريكي، "ميتش ماكو نيل"، أن رفع مليشيات الحوثي من قائمة الإرهاب، قد أدى إلى زيادة هجماتها، وأن عدم الرد بقوة على هجماتها المدعومة من إيران ضد القوات الأمريكية في المنطقة، أدى إلى زيادة المخاطر على الأمريكيين، فيما أرجع قائد المنطقة المركزية الأمريكية، استمرار الحرب في اليمن لأكثر من سبع سنوات إلى دعم إيران للحوثيين.
وفي ظل هذا الموقف الأمريكي، تأكد أن الحوثيين ليسوا جادين في السعي إلى حل سلمي للحرب في اليمن، فلم يظهروا أي اهتمام بعملية سلام، أو بمسألة تفاوضية، ولم ينخرطوا في أي جهد لتحقيق تسوية للأزمة، بل وعبرت بياناتهم ومواقفهم العملية عن تعنت شديد يربط أي محادثات سلام بالاستجابة لمطالبهم، في حين أنهم غير مستعدين لتقديم تنازلات حتى في مسائل التدابير الإنسانية، كفك حصار مدينة "تعز" الذي دام سنوات، ناهيك عن المسائل السياسية المتعلقة بتقاسم السلطة والحكم، ووضع نظام سياسي يمكن لجميع اليمنيين الموافقة عليه، فهم يمتلكون حاليًا -بالدعم الإيراني- السلطة كلها، ولا يتعرضون لضغط دولي جاد يجعلهم يتنازلون، فلماذا إذن يخسرون جزءًا من هذه السلطة.
ومع وجود مؤشرات قد تدعم قيام "إيران"، بالضغط على الحوثيين، كعودة سفيري الإمارات والكويت إلى طهران، واقتراحات السعودية لنقل الحوار الثنائي مع إيران إلى المستوى الوزاري، ومن ثمّ، وجود قنوات ثنائية للتواصل بينهما، وفرص للضغط من أجل التعاون الإيراني في المفاوضات السياسية تحت مظلة الأمم المتحدة؛ إلا أن "إيران"، قد أوجدت داخل مجموعة الحوثيين الحاكمة في صنعاء، "فريقًا"، يتظاهر أن قوته لا ترجع إلى مساندتها له، ومن ثم فهو لا يستجيب لضغطها، كما أن شحنات الأسلحة التي تم ضبطها من قبل الأسطولين الأمريكي والبريطاني، تعني أنها غير جادة في حمل الحوثيين على التوصل إلى حل، وقد تتعلل أنها ليس لديها قدرة الضغط عليهم. وعلى إيران إذا كانت جادة أن تسحب عناصر الحرس الثوري التابع لها، وحزب الله اللبناني من اليمن، وأن تنهي إمدادات الأسلحة إلى الحوثيين.
وبالفعل، بيّن تواتر تهريب إيران للأسلحة للحوثيين، أنهم قد اعتبروا الهدنة التي استمرت ستة أشهر، وانتهت في أكتوبر 2022 دون تجديد؛ فرصة لتعزيز أوضاعهم العسكرية، وليست فرصة ممهدة للسلام وحل النزاع المستمر منذ عام 2014، حيث رفض "الحوثيون"، خطة المبعوث الأممي لتمديد الهدنة وتوسيعها، وفرضوا مطالب تعجيزية، كدفع رواتب المدنيين والعسكريين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، ودخول الشحنات النفطية والسفن التجارية لهم، أي إنهم باختصار طالبوا دعمهم، وهو ما يعد تنازلا في غياب أي محادثات سلام منتظمة، معتقدين -بسبب الدعم الإيراني- أنهم الطرف الأقوى، في ظل غياب موقف أمريكي ودولي يكفي لحمل إيران وأتباعها من الحوثيين، إلى التوصل إلى اتفاق متوازن ينهي الأزمة اليمنية، وينقذ الشعب اليمني.
على العموم، يبدو الموقف في اليمن معقدا؛ في ظل أن "إيران"، تربط بين موقفها من هذه الأزمة، ورفع العقوبات الأمريكية عنها، وتركها تبسط نفوذها في المنطقة. وعليه، فشلت جهود تمديد الهدنة رسميًا برغم موافقة الحكومة الشرعية عليها، بعد أن رفضها الحوثيون، ومن ثمّ، تجددت المعارك بين قوات الجيش اليمني ومليشيا الحوثي، وواصلت الأخيرة انتهاج لغة العنف والتهرب من دعوات السلام، بل إن تدفق الأسلحة الإيرانية إليها جعلها تضع موافقتها على الهدنة، مقابل منحهم وضعًا طبيعيًا متكاملاً واقتسام عائدات النفط.
ومع استمرار تدفق الأسلحة الإيرانية إلى جماعة الحوثي، فإنها تواصل عمليات الابتزاز حتى إذا ما حصلت على ما تريد وافقت على هدنة ثانية بشروط جديدة وهكذا، معلنة دون أن تصرح.. أن الحل في طهران وليس في صنعاء.