16/12/2022
النزاعات المسلحة وتداعياتها على الشرق الأوسط
مع اقتراب عام 2022 من نهايته، أصدر المحللون الغربيون توقعاتهم فيما يتعلق بتطور اتجاهات النزاعات المسلحة في جميع أنحاء العالم خلال العام الماضي. وعلى الرغم من أن "حرب أوكرانيا"، قد هيمنت على الكثير من هذا التحليل، فإن هناك العديد من الصراعات في جميع أنحاء آسيا، وإفريقيا، والشرق الأوسط، قد نالت نصيبًا أيضًا، لا سيما من خلال منظور المنافسة الأوسع بين القوى العظمى والتنافس بين الدول.
ومع تأكيد المعلقين على الخطر الأمني المتزايد الناشئ عن المنافسة بين الولايات المتحدة والصين وروسيا على الأمن العالمي، لوحظ في الشرق الأوسط نمط عام من تراجع التصعيد، مع تسجيل انخفاض عدد الضحايا في مناطق النزاعات طويلة الأمد. ويبقى الاستثناء الملحوظ في الأراضي الفلسطينية، التي شهدت استشهاد أكثر من 220 فلسطينيًا منذ بداية هذا العام، وهو أعلى رقم منذ 2005 و2008. ومع وصول حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة إلى السلطة، حذر "تور وينسلاند"، المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، من أن الأمور قد تصل قريبًا إلى نقطة الغليان مرة أخرى.
ووفقا للمسح الصادر عن "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية"، حول النزاعات المسلحة خلال عام 2022، والذي يفسر أحدث التطورات والاتجاهات بشأن 33 نزاعا مسلحًا في جميع أنحاء العالم؛ فإن التركيز الأساسي أنصب على "حرب أوكرانيا"، والتي وصفتها "ايرين ميا"، الباحثة بالمعهد، بأنها "النزاع المسلح الأكثر أهمية بين الدول، منذ الحرب العالمية الثانية"؛ مضيفة أنه سيكون لها "تداعيات بعيدة المدى على الأمن الأوروبي والعالمي".
بالإضافة إلى ذلك، تم التأكيد على الأهمية المتزايدة للمنافسة العالمية والمخاطر الأمنية الحالية والمستقبلية المرتبطة بتلك الحرب. وكتبت "ميا"، عن كيفية "تصعيد" المخاطر الأمنية من القوى العظمى إلى "مستوى جديد" خلال عام 2022، وهو الأمر الذي توقعت أنه سيكون له "تداعيات بالغة" على النظام الدولي الحالي في السنوات المقبلة. في حين أشار "أنطوني كوردسمان"، من "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"، إلى وجود سلسلة من "حروب الشتاء" في 2022-2023، والتي تشمل كلًا من الحروب المسلحة الجارية، وكذلك الصراعات التي "قد لا تتصاعد لتصل إلى نزاع عسكري"، لكنها تتخذ شكل "حروب على المستوى السياسي والاقتصادي".
وفيما يتعلق بتحليل الاتجاهات الأمنية الحالية والمستقبلية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تمت الإشارة إلى نمط عام لخفض التصعيد، وإن كان ذلك مع التأكيد على تصاعد عمليات القتل من قبل إسرائيل ضد الفلسطينيين، والاعتراف بأن النزاعات طويلة الأمد في سوريا وليبيا والعراق واليمن، لا تظهر بوادر تذكر على انتهائها في المدى القريب.
واستكمالا، يرى "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية"، أن الحروب -المذكورة أعلاه- قد "تطورت، وركدت وباتت عصية على الحل ويمكن وصفها بأنها "تمر بحالات جمود مع جهات فاعلة مباشرة وخارجية غير قادرة على تحقيق أهدافها السياسية من خلال الوسائل العسكرية وحدها". وفيما يخص "سوريا"، أوضح أن الجيش السوري الذي يسيطر على ما يقرب من ثلثي البلاد، لديها "فرصة محدودة للاستيلاء على بقية البلاد"، لكن "احتمالات سيطرة المعارضة على هذه الأراضي أقل حظًا". والنتيجة النهائية لهذا، هي تثيبت الطابع الرسمي على "دولة مجزأة وممزقة"، وصراع من المقرر أن يبقى "في المستقبل المنظور". وبالمثل، في حالة اليمن، رأى "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام"، أن "احتمال التوصل إلى تسوية سياسية لا يزال بعيدًا".
وأدى إدراك الجهات المسلحة ومؤيديهم أن القوة وحدها لا تستطيع تحقيق أهداف سياسية، إلى انخفاض أحداث العنف التي شهدتها مناطق الصراع في الشرق الأوسط. وخلال الفترة بين مارس 2021 وأبريل 2022، تم تسجيل انخفاض بنسبة 86% في ليبيا، و53% في تركيا، و23% في اليمن. وتماشياً مع هذه الإحصائيات، رأى "معهد ستوكهولم"، أن العدد الإجمالي للوفيات المرتبطة بالنزاع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال عام 2021، انخفض للعام الرابع على التوالي، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 75% عن مستويات عام 2017.
وعلى الرغم من وجود أدلة على انخفاض أعمال العنف في مناطق الصراع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلا أن المحللين أصروا على أن المنطقة لا تزال تعاني من عدم الاستقرار السياسي. ورأى "كوردسمان أن المنطقة هي "مصدر رئيسي للتوجس حاليًا من حروب الشتاء"، وأضاف أن العراق وليبيا "لا يزالان يعانيان من التوتر نتيجة عدم الاستقرار". وخلصت "ميا"، إلى أن معظم الصراعات مهيأة لأن "تظل في حالة من الجمود المطول" مع احتمال "ارتفاع" التصعيد المستقبلي في سوريا واليمن.
واستمرارا، حذر "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية"، من أن كلاً من "الطائفية المتزايدة" في المنطقة، و"الانقسام السياسي والإقليمي المستمر" للبلدان التي تعاني من الحرب؛ من المرجح أن "تعرقل الجهود المبذولة للتوصل إلى تسويات سلام شاملة". وفي هذا الصدد، توقع "كوردسمان"، أن السودان وإثيوبيا وإريتريا والصومال، "ستظل بؤرًا ساخنة في المستقبل".
وفي حين شهدت بعض مناطق النزاع انخفاضًا في مستوى العنف، كان هناك تصاعد بنسبة 32% في العراق خلال الفترة 2021-2022. كما تم تسجيل "تصعيد كبير" في الأراضي الفلسطينية؛ حيث زادت بنسبة 127% في الفترة ما بين عامي 2021 و2022. ومن المرجح أن يكون عام 2022 الأكثر دموية بالنسبة للفلسطينيين منذ عام 2005. ووفقًا لما ذكره "وينسلاند"، فإن "تزايد حالة اليأس والغضب والتوتر"، أدى إلى تصاعد أعمال العنف بشكل متزايد، بطريقة يصعب احتواؤها"، وبات الفلسطينيون ضحايا هذا العنف".
وبشكل خاص، أدى الصعود السياسي في إسرائيل للقوميين المتطرفين، مثل "إيتمار بن غفير"، إلى الحقائب الوزارية العليا في الحكومة، إلى احتمال تفاقم التوترات وتدهور الأمن، مع احتمالية استخدام القوة من قبل الشرطة والجيش الإسرائيليين بصورة أكثر قمعية ضد الفلسطينيين. ووصفته صحيفة "الفاينانشيال تايمز"، بأنه "تلميذ الحاخام مئير كاهانا"، الذي سبق إدانته بالتحريض على العنصرية. ومع تولى "بن غفير"، ملف الأمن القومي الإسرائيلي، فإن ذلك يجعله يقود قوات الشرطة الإسرائيلية، وبالتالي بات لديه نفوذ كبير في توجيه سياسة الحكومة تجاه الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
ومن جانبه، أشار "جان سمعان"، من "المجلس الأطلسي"، إلى أن القوميين المتطرفين، مثل بن غفير جعلوا مسألة "ضم الضفة الغربية، حجر الزاوية في برنامجهم". وذكر "جوناثان كوك"، من موقع "ميدل ايست أي"، أن مسؤولي الشرطة والأمن الإسرائيليين، باتوا "لا يواجهون أية انتقادات"، جراء الانتهاكات التي تمارس ضد الفلسطينيين، ولكن الآن "يتم تشجيع تلك الأعمال بنشاط".
وانعكاسًا لهذا النهج، أعرب "مجلس العلاقات الخارجية"، عن "قلقه من اندلاع انتفاضة ثالثة"، حال تصاعد انتهاكات وأعمال عنف واسعة النطاق ضد الأهالي في الضفة الغربية المحتلة. وفي الوقت ذاته، أعرب "وينسلاند"، عن أسفه من أنه "قد تؤدي عملية السلام المتوقفة إلى جانب الاحتلال الغاشم للأراضي الفلسطينية من قبل إسرائيل، و"التحديات الاقتصادية والمؤسسية المتزايدة" في الأراضي المحتلة، إلى احتمالات تفاقم "خطر التصعيد" بنهاية عام 2022.
وفيما يتعلق بوضع الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط، فقد جاءت وفاة زعيم "تنظم داعش"، المعين حديثًا، في وقت تعاني فيه الجماعة من "ضعف شديد". وأشار "بن هوبارد"، في صحيفة "نيويورك تايمز"، إلى أنه على الرغم من استمرار "مهاجمة المدنيين وقوات الأمن في كل من سوريا والعراق وأفغانستان وأجزاء من إفريقيا"؛ فإن تأثير الجماعة الإرهابية، قد "ضعف بشكل كبير" في السنوات الأخيرة. ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن شبكة قيادتها "تدمرت" من قبل قوات مكافحة الإرهاب الأمريكية.
وعلى الرغم من ضعف تأثير الجماعات المتطرفة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فقد رأى "كوردسمان"، أن المنطقة، لا تزال "مراكز رئيسية" للإرهاب والتطرف". وأكدت "ميا"، أنه في منطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد، لا تزال الجماعات المتطرفة نشطة، و"تهدف إلى توسيع نطاق العنف بشكل تدريجي في المنطقة".
من ناحية أخرى، تمت الإشارة إلى خطورة الدور الإيراني في نشر الإرهاب وعدم الاستقرار. وأشارت "مريام بيرجر"، في صحيفة "واشنطن بوست"، إلى ما تتعرض له حقوق المرأة والمتظاهرين المناهضين للحكومة محليًا من حملات قمع عنيفة، قُتل فيها أكثر من 400 شخص، كما أشارت إلى أن "الحرس الثوري"، الذي يعتبر منظمة إرهابية أجنبية من قبل كل من "الخارجية الأمريكية"، و"كندا"، لا يزال "موجودًا بشكل نشط في الحروب في كل من سوريا، واليمن، والعراق، على أمل "ترجمة دعمه السياسي والعسكري إلى تحالفات من أتباع مذهبه".
ومن وجهة نظر عسكرية بحتة، أوضح "كوردسمان"، أن إيران تعد التهديد الإقليمي الأكثر خطورة حاليًا في المنطقة، نتيجة "قوتها النووية المحتملة"، وجراء "علاقاتها الأمنية والاقتصادية الجادة مع روسيا والصين" ورغبتها في تعزيز العلاقات السياسية والعسكرية بصورة "أكثر جدية"، مع وكلائها في سوريا والعراق واليمن، و"لبنان الذي تسيطر عليه جماعة حزب الله".
وتمتد المخاطر الأمنية المنبثقة من "إيران"، إلى ما وراء الشرق الأوسط. فإن تزويدها لروسيا بمجموعة متنوعة من الطائرات المسيرة والمسلحة في حربها ضد أوكرانيا، سيكون له أيضًا آثار كبرى على أمن المنطقة. وكما أوضح "مايكل نايتس"، من "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، فإن أن الحرب الأوكرانية، ستجعل طهران "تتعلم دروسًا مهمة لتكثيف دفاعاتها، وتطوير أنظمة دفاع جوي أكثر تكلفة وبمهل وتريث". ولعل مثل هذه الدروس "مفيدة لحزب الله اللبناني، وكذلك بالنسبة للحوثيين، الذين يسعون لتحسين آليات التهديد متعدد الاتجاهات ضد كل من السعودية والإمارات".
وعلاوة على التهديدات العديدة للأمن في الشرق الأوسط الصادرة عن الدول والجهات الفاعلة غير الحكومية، فمن المحتمل أن تؤثر أيضا العوامل الخارجية على أمن المنطقة خلال عام 2023؛ حيث ستكون هناك آثار اقتصادية للانكماش الاقتصادي العالمي المتوقع خلال العام المقبل. ورأت "ميا"، أن التداعيات السياسية لنقص الغذاء العالمي، وارتفاع الأسعار يمكن أن تكون "أسبابا رئيسية"، وستلقي بظلالها على دول المنطقة؛ بسبب اعتمادها بشكل كامل تقريبًا على الواردات الغذائية، لاسيما مع احتمال تفاقم انعدام الأمن الغذائي العام المقبل "مما قد يؤدي إلى تفاقم الصراعات الحالية وعدم الاستقرار".
على العموم، على الرغم من أن تحليل "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية"، يشير إلى خفض حدة العنف في كل من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال الفترة 2021-2022، فإن العديد من مصادر عدم الاستقرار الإقليمي لا تزال "قائمة". وعلى الأخص، النزاعات في كل من سوريا وليبيا واليمن والعراق، ناهيك عن تصاعد انتهاكات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية إلى مستويات لم تشهدها السنوات العشر الماضية، وصنفتها منظمة العفو الدولية بأنها ترقى إلى درجة جرائم حرب إضافة إلى التأثيرات المزعزعة للاستقرار، التي تقوم بها إيران على الصعيدين المحلي والإقليمي.