top of page

31/12/2022

"فضيحة البرلمان الأوروبي".. وسياسة التدخل في شؤون الدول الأخرى

لا‭ ‬يحق‭ ‬للمسؤولين‭ ‬الأوروبيين‭ ‬أن‭ ‬يشعروا‭ ‬بالدهشة‭ ‬والاستغراب‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬بعضهم‭ ‬يتلقى‭ ‬رشاوى،‭ ‬فالفساد‭ ‬مستشرٍ‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬الأوروبية‭ ‬والغربية،‭ ‬ومراكز‭ ‬النفوذ‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬تقرير‭ ‬منظمة‭ ‬الشفافية‭ ‬الدولية‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬وتقرير‭ ‬المفوضية‭ ‬الأوروبية‭ ‬عام‭ ‬2014،‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬مستويات‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬مرعبة‭.‬

نقول‭ ‬هذا‭ ‬بمناسبة‭ ‬اتهام‭ ‬نائبة‭ ‬رئيسة‭ ‬البرلمان‭ ‬الأوروبي،‭ ‬‮«‬إيفا‭ ‬كايلي‮»‬،‭ ‬بتلقي‭ ‬حوافز‭ ‬مالية‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬أجنبية‭ ‬مقابل‭ ‬تبني‭ ‬مواقف‭ ‬تأييد‭ ‬صريحة‭ ‬لها،‭ ‬والتي‭ ‬وصفتها‭ ‬‮«‬ماتينا‭ ‬جريدنيف‮»‬،‭ ‬و«مونيكا‭ ‬برونشوك‮»‬‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬نيويورك‭ ‬تايمز‮»‬،‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬أكبر‭ ‬فضيحة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البرلمان‭ ‬الأوروبي،‭ ‬قد‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬تقويض‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الأوروبية‭ ‬وسيادة‭ ‬القانون‮»‬‭. ‬وذكرت‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬فاينانشيال‭ ‬تايمز‮»‬،‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬مصادرة‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬1‭.‬5‭ ‬مليون‭ ‬يورو‭ ‬نقدًا‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المنازل‭ ‬الخاصة‭ ‬بأحد‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬الأوروبي؛‭ ‬وعضو‭ ‬آخر‭ ‬سابق‭ ‬يجري‭ ‬تحقيق‭ ‬آخر‭ ‬بحق‭ ‬أربعة‭ ‬متهمين‭ ‬بجرائم‭ ‬فساد،‭ ‬وغسيل‭ ‬أموال،‭ ‬وتلقي‭ ‬رشاوى‭ ‬مالية‭ ‬وهدايا‭ ‬فاخرة‭ ‬وقيمة‭. ‬

وبالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬فقد‭ ‬وُصفت‭ ‬هذه‭ ‬الأخبار‭ ‬بالمخزية،‭ ‬حيث‭ ‬أضرت‭ ‬بسمعته‭ ‬وبمصداقيته‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭. ‬واعتبر‭ ‬‮«‬سيمون‭ ‬تيسدال‮»‬،‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬الجارديان‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬تمثل‭ ‬‮«‬صفعة‭ ‬قوية‭ ‬للديمقراطية‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬المزاعم‭ ‬الخطيرة‭ ‬الموجهة‭ ‬ضد‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬الأوروبيين‭ ‬تمثل‭ ‬‮«‬خيانة‭ ‬كبرى‮»‬،‭ ‬لثقة‭ ‬مواطني‭ ‬الاتحاد،‭ ‬لأن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الشخصيات‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬دائرة‭ ‬الانتقاد‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬‮«‬كتلة‭ ‬الاشتراكيين‭ ‬والديمقراطيين‭ ‬اليونانيين‮»‬،‭ ‬علقت‭ ‬عضوية‭ ‬‮«‬كايلي‮»‬‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬فورًا،‭ ‬وأكدت‭ ‬أنها‭ ‬ستعتمد‭ ‬نهج‭ ‬عدم‭ ‬التسامح‭ ‬مع‭ ‬قضايا‭ ‬الفساد‭ ‬والرشوة؛‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬كريستينا‭ ‬لو‮»‬،‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬الفورين‭ ‬بوليسي‮»‬،‭ ‬أكدت‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الفضيحة‭ ‬قد‭ ‬هزت‭ ‬أركان‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية،‭ ‬وأثارت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشكوك‭ ‬في‭ ‬مؤسساتها،‭ ‬وزادت‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬المخاوف‭ ‬من‭ ‬ممارسة‭ ‬عمليات‭ ‬بسط‭ ‬النفوذ‭ ‬الأجنبية‭ ‬والفساد‭ ‬داخلها‭.‬

من‭ ‬جانبها،‭ ‬صرحت‭ ‬رئيسة‭ ‬البرلمان‭ ‬الأوروبي‭ ‬‮«‬روبرتا‭ ‬ميتسولا‮»‬،‭ ‬بأن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الأوروبية‭ ‬تتعرض‭ ‬لهجوم،‭ ‬متعهدة‭ ‬بإطلاق‭ ‬عملية‭ ‬إصلاح‭ ‬لمعرفة‭ ‬مَنْ‭ ‬يمكنه‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬مقرّات‭ ‬التكتل،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬طالبت‭ ‬فيه‭ ‬بالمزيد‭ ‬من‭ ‬الشفافية‭ ‬بشأن‭ ‬الاجتماعات‭ ‬مع‭ ‬جهات‭ ‬أجنبية،‭ ‬مؤكدة‭ ‬أنه‭ ‬سيتم‭ ‬وضع‭ ‬حزمة‭ ‬إصلاحات‭ ‬ستكون‭ ‬جاهزة‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬فيما‭ ‬سيتم‭ ‬أيضًا‭ ‬تدقيق‭ ‬شامل‭ ‬وعميق‭ ‬حول‭ ‬كيفية‭ ‬تعامل‭ ‬البرلمان‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬خارج‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬مراجعة‭ ‬تطبيق‭ ‬سياسات‭ ‬مدونة‭ ‬سلوك‭ ‬لأعضاء‭ ‬البرلمان‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وضرورة‭ ‬تشكيل‭ ‬لجنة‭ ‬أخلاقيات‭ ‬مستقلة‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تضيف‭ ‬أيضًا‭ ‬بألا‭ ‬تسمح‭ ‬مدونة‭ ‬السلوك‭ ‬للنواب‭ ‬بالتدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬أن‭ ‬تدخلهم‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬لدول‭ ‬بدعوى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وأحيانا‭ ‬أخرى‭ ‬بوجود‭ ‬أسلحة‭ ‬دمار‭ ‬شامل،‭ ‬أضر‭ ‬بقضايا‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬نفسها،‭ ‬وصنع‭ ‬دولا‭ ‬فاشلة‭.‬

وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الفضيحة‭ ‬وردود‭ ‬الفعل‭ ‬التي‭ ‬أثارتها،‭ ‬فقد‭ ‬سلطت‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬مسؤولية‭ ‬الحكومات‭ ‬الأوروبية‭ ‬عن‭ ‬إعطاء‭ ‬الأولوية‭ ‬لشؤونها‭ ‬ومشاكلها‭ ‬الداخلية،‭ ‬وعدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬عمليات‭ ‬الفساد‭ ‬المتفشية‭ ‬في‭ ‬‮«‬بروكسل‮»‬،‭ ‬تؤكد‭ ‬المسؤوليات‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬الدول‭ ‬والحكومات‭ ‬والمشرعين‭ ‬والمسؤولين،‭ ‬بعدم‭ ‬الانخراط‭ ‬بأي‭ ‬تدخل‭ ‬بهدف‭ ‬تغيير‭ ‬مواقف‭ ‬صنع‭ ‬السياسات‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الأخرى،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬المنظمات‭ ‬متعددة‭ ‬الجنسيات‭ ‬بطرق‭ ‬مخادعة‭. ‬

وبهذه‭ ‬المناسبة،‭ ‬نُذكر‭ ‬بفضيحة‭ ‬مشابهة‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬‮«‬مجلس‭ ‬العموم‮»‬‭ ‬البريطاني،‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬حينما‭ ‬تلقى‭ ‬أعضاء‭ ‬بالمجلس‭ ‬أموالاً‭ ‬مقابل‭ ‬الاشتراك‭ ‬في‭ ‬ندوة‭ ‬تنتقد‭ ‬أوضاع‭ ‬السجون‭ ‬والسجناء‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬السعودية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬وضعهم‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬المساءلة‭ ‬البرلمانية،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬خطير‭ ‬حينما‭ ‬يكون‭ ‬الدفع‭ ‬تجاه‭ ‬قضايا‭ ‬حساسة‭ ‬مثل‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬بحيث‭ ‬إن‭ ‬أي‭ ‬عدو‭ ‬أو‭ ‬معارض‭ ‬لأي‭ ‬بلد‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يستخدم‭ ‬نائبا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬مستعدا‭ ‬لقبول‭ ‬الثمن‭. ‬وإدراكا‭ ‬منه‭ ‬لخطورة‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬طالب‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬‮«‬بوريس‭ ‬جونسون‮»‬‭ ‬–حينها‭- ‬بتعديل‭ ‬مدونة‭ ‬السلوك‭ ‬البرلمانية‭ ‬لمنع‭ ‬النواب‭ ‬من‭ ‬التورط‭ ‬في‭ ‬سياسات‭ ‬خارجية‭ ‬مدفوعة‭ ‬الأجر‭ ‬من‭ ‬جماعات‭ ‬الضغط‭.‬

ويمكن‭ ‬الجزم‭ ‬أن‭ ‬مبدأ‭ ‬عدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الدول،‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬المبادئ‭ ‬التي‭ ‬تحظى‭ ‬بأهمية‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الدولية‭. ‬وتعليقا‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬كتب‭ ‬السير‭ ‬‮«‬مايكل‭ ‬وود‮»‬،‭ ‬المستشار‭ ‬القانوني‭ ‬السابق‭ ‬في‭ ‬‮«‬الخارجية‭ ‬البريطانية‮»‬،‭ ‬أنه‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬فإن‭ ‬مبدأ‭ ‬عدم‭ ‬تدخل‭ ‬الدول،‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تتدخل‭ ‬أية‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‮»‬‭ ‬لدولة‭ ‬أخرى‭. ‬وعلى‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬تنص‭ ‬المادة‭ (‬2‭)‬،‭ ‬الفقرة‭ (‬6‭) ‬من‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬أن‭: ‬‮«‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬نفسها‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬أساسًا‭ ‬ضمن‭ ‬الاختصاص‭ ‬الداخلي‭ ‬والولاية‭ ‬القضائية‭ ‬لأي‭ ‬دولة‮»‬‭. ‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬أصدرت‭ ‬‮«‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬بالأمم‭ ‬المتحدة‮»‬‭ ‬التوصية‭ ‬رقم‭ (‬2131‭) ‬في‭ ‬21‭ ‬ديسمبر‭ ‬1965،‭ ‬وكان‭ ‬عنوانها‭ ‬آنذاك‭ ‬‮«‬عدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للدول،‭ ‬وحماية‭ ‬استقلالها‭ ‬وسيادتها‮»‬،‭ ‬أفادت‭ ‬‮«‬الأمم‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬ذاتها‭ ‬أن‭ ‬زيادة‭ ‬التهديد‭ ‬للسلم‭ ‬العالمي‭ ‬بسبب‭ ‬أعمال‭ ‬التدخل‭ ‬المباشرة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬المباشرة،‭ ‬تهدد‭ ‬‮«‬إجراءات‭ ‬السيادة‭ ‬والاستقلال‭ ‬السياسي‭ ‬للدول‭. ‬وأضاف‭ ‬‮«‬وود‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬فكرة‭ ‬عدم‭ ‬التدخل‭ ‬تعد‭ ‬‮«‬جزءا‭ ‬راسخا‮»‬،‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬السوابق‭ ‬القانونية‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬حق‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬ذات‭ ‬سيادة‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬شؤونها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تدخل‭ ‬خارجي‭.‬

ولتوضيح‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬كتب‭ ‬‮«‬تشارلز‭ ‬باترون‮»‬،‭ ‬من‭ ‬‮«‬المعهد‭ ‬الملكي‭ ‬للخدمات‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬لأي‭ ‬دولة،‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تعظيم‭ ‬مصالح‭ ‬ذلك‭ ‬البلد‭ ‬خارجيًا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أعمال‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬الحكومات‭ ‬والشعوب‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تلبية‭ ‬منافعها‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬أو‭ ‬الاقتصادية‭ ‬أو‭ ‬الثقافية،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬حدودا‭ ‬واضحة‭ ‬يمكن‭ ‬التفريق‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬بين‭ ‬الأنشطة‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬تأثيرًا‭ ‬مشروعًا،‭ ‬وتلك‭ ‬التي‭ ‬يُمكن‭ ‬وصفها‭ ‬بأنه‭ ‬تدخل‭ ‬غير‭ ‬مبرر،‭ ‬لا‭ ‬تحكمه‭ ‬قواعد‭ ‬ثابتة،‭ ‬ويتم‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذا‭ ‬التدخل‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬جهة‭ ‬خارجية،‭ ‬وهو‭ ‬غير‭ ‬مقبول‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭.‬

وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بفضيحة‭ ‬فساد‭ ‬البرلمان‭ ‬الأوروبي،‭ ‬والتي‭ ‬نحن‭ ‬بصددها،‭ ‬أوضحت‭ ‬‮«‬ستيفيس‮»‬،‭ ‬و«برونشوك‮»‬،‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المؤسسة‭ ‬التشريعية،‭ ‬تعد‭ ‬الذراع‭ ‬السياسية‭ ‬داخل‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬مشرعيه‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬الاتصال‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬جماعات‭ ‬الضغط‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬ومجموعات‭ ‬المصالح،‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬للتأثير‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬داخليًّا‭ ‬أو‭ ‬خارجيًّا‭. ‬ويشهد‭ ‬مكتب‭ ‬‮«‬المدعي‭ ‬الفيدرالي‭ ‬البلجيكي‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬وجه‭ ‬التهم‭ ‬ضد‭ ‬من‭ ‬لهم‭ ‬صلة‭ ‬بقضية‭ ‬الفساد‭ ‬المشار‭ ‬إليها،‭ ‬أنه‭ ‬قام‭ ‬طيلة‭ ‬عدة‭ ‬أشهر‭ ‬بتقييم‭ ‬محاولات‭ ‬أطراف‭ ‬خارجية،‭ ‬للتأثير‭ ‬في‭ ‬القرارات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬للبرلمان‭ ‬الأوروبي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دفع‭ ‬مبالغ‭ ‬مالية‭ ‬كبرى،‭ ‬وتقديم‭ ‬هدايا‭ ‬باهظة‭ ‬الثمن،‭ ‬لأطراف‭ ‬ذات‭ ‬موقع‭ ‬سياسي‭ ‬وتشريعي‭ ‬و‭/‬أو‭ ‬استراتيجي‭ ‬مهم‭ ‬داخل‭ ‬البرلمان‭ ‬الأوروبي‭.‬

وفي‭ ‬إدراك‭ ‬لأهمية‭ ‬هذه‭ ‬القضية،‭ ‬ينبغي‭ ‬تأكيد‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬الأوروبي،‭ ‬يشهد‭ ‬على‭ ‬تدخل‭ ‬المسؤولين‭ ‬الأوروبيين‭ ‬والغربيين‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬لدول‭ ‬أخرى‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬التصدي‭ ‬بشكل‭ ‬فعال‭ ‬لقضايا‭ ‬شعوبهم‭ ‬وهي‭ ‬رفع‭ ‬مستوى‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬والسكن‭ ‬والعمل‭ ‬وتحسين‭ ‬حياتهم‭ ‬وتحقيق‭ ‬رفاهيتهم‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭. ‬

ولعل‭ ‬الدلالة‭ ‬الأبرز‭ ‬هنا،‭ ‬القرار‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬البرلمان‭ ‬الأوروبي،‭ ‬يوم‭ ‬15‭ ‬ديسمبر‭ ‬2022،‭ ‬بشأن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬والذي‭ ‬استند‭ ‬إلى‭ ‬معلومات‭ ‬تقف‭ ‬وراءها‭ ‬عناصر‭ ‬خارجية،‭ ‬تقدم‭ ‬معلومات‭ ‬مغلوطة؛‭ ‬بهدف‭ ‬تشويه‭ ‬سمعة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬اعتبرته‭ ‬المملكة،‭ ‬تدخلا‭ ‬في‭ ‬شؤونها‭ ‬الداخلية،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ،‭ ‬كان‭ ‬ردها‭ ‬واضحًا‭ ‬وصريحًا‭ ‬وحضاريًّا،‭ ‬وهو‭ ‬مطالبة‭ ‬البرلمان،‭ ‬بضرورة‭ ‬الالتزام‭ ‬بمبادئ‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬معتبرة‭ ‬القرار‭ ‬الذي‭ ‬أصدره‭ ‬‮«‬باطلاً،‭ ‬ومرفوضًا‮»‬،‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أنه‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬استقلال‭ ‬وسيادة‭ ‬الدول،‭ ‬ويتنافى‭ ‬مع‭ ‬المواثيق‭ ‬والقوانين‭ ‬الدولية،‭ ‬ويفتقر‭ ‬إلى‭ ‬المصداقية‭ ‬والموضوعية،‭ ‬ويشارك‭ ‬في‭ ‬ترويج‭ ‬معلومات‭ ‬تم‭ ‬تزييفها‭ ‬وتدليسها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أشخاص‭ ‬ومجموعات‭ ‬ودول‭ ‬تقوم‭ ‬بعمليات‭ ‬التضليل‭.‬

كان‭ ‬الأولى‭ ‬بالبرلمان‭ ‬الأوروبي‭ ‬أن‭ ‬يهتم‭ ‬بشؤون‭ ‬دوله‭ ‬التي‭ ‬تشهد‭ ‬انتهاكات‭ ‬صارخة‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان؛‭ ‬منها‭ ‬التمييز‭ ‬والعنصرية‭ ‬بين‭ ‬مواطنيها،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬معاناتها‭ ‬من‭ ‬أزمات‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وأمنية‭ ‬وإنسانية‭ ‬أخرى،‭ ‬أو‭ ‬تناول‭ ‬قضايا‭ ‬عالمية‭ ‬أخرى‭ ‬تشهد‭ ‬أحداثًا‭ ‬مأساوية‭ ‬منها‭ ‬أعمال‭ ‬القتل‭ ‬العنصرية‭ ‬ضد‭ ‬المواطنين‭ ‬السود‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬والتي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬الشرطة‭ ‬هناك‭ ‬بشكل‭ ‬ممنهج،‭ ‬هذا‭ ‬غير‭ ‬الكوارث‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬تفتك‭ ‬بملايين‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬العربية،‭ ‬والتي‭ ‬تقف‭ ‬وراءها‭ ‬سياسات‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬ومن‭ ‬ضمنها‭ ‬دول‭ ‬أعضاء‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق‭ ‬وليبيا،‭ ‬وقبل‭ ‬هذا‭ ‬وذاك‭ ‬عمليات‭ ‬الإبادة‭ ‬اليومية‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة‭. ‬

وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬توجهات‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬المعلنة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تعميمها‭ ‬لتسود‭ ‬سبل‭ ‬معاملة‭ ‬كل‭ ‬المهاجرين‭ ‬وطالبي‭ ‬اللجوء‭ ‬الهاربين‭ ‬من‭ ‬بلدانهم،‭ ‬حيث‭ ‬أشار‭ ‬‮«‬آدي‭ ‬إسبوزيتو‮»‬،‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬هارفارد‭ ‬إنترناشونال‭ ‬ريفيو‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬التناقض‭ ‬بين‭ ‬المعاملة‭ ‬غير‭ ‬العادلة‭ ‬لمختلف‭ ‬جموع‭ ‬اللاجئين‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬حيث‭ ‬يتصدر‭ ‬الأوكرانيون‭ ‬التسلسل‭ ‬الهرمي‭ ‬للفئة‭ ‬الأولى‭ ‬بالرعاية‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الأوروبية،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يعطي‭ ‬تصورًا‭ ‬بأن‭ ‬الآخرين‭ ‬الباحثين‭ ‬عن‭ ‬الأمان‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬أقل‭ ‬استحقاقًا‭ ‬لنيل‭ ‬المساعدة‭ ‬والقبول‭. ‬

وعلى‭ ‬ضوء‭ ‬ما‭ ‬تقدم،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬للدول‭ ‬الغربية‭ ‬أن‭ ‬تدرك‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إعطاء‭ ‬الأولوية‭ ‬لشؤونها‭ ‬الداخلية‭ ‬الخاصة،‭ ‬وليس‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالتدخل‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الآخرين،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬الاعتراف‭ ‬بذلك‭ -‬جنبًا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬الرغبة‭ ‬المشتركة‭ ‬في‭ ‬التعاون‭ ‬لتحسين‭ ‬الظروف،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الانتقادات‭ ‬المستمرة‭- ‬تعد‭ ‬في‭ ‬ذاتها‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬لتحسين‭ ‬وتعزيز‭ ‬العلاقات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والثقافية‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬وشعوبها‭. ‬

وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بما‭ ‬يمكن‭ ‬فعله‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العملي‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التدخلات،‭ ‬فمن‭ ‬الضروري‭ ‬أولًا‭ ‬تذكير‭ ‬الحكومات‭ ‬بضرورة‭ ‬الالتزام‭ ‬باتفاقاتها‭ ‬لتجنب‭ ‬التدخل،‭ ‬مثل‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وقراراتها،‭ ‬وكذلك‭ ‬إلزام‭ ‬نفسها‭ ‬باتباع‭ ‬القواعد‭ ‬الإيجابية‭ ‬المتفق‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭.‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬يتضح‭ ‬من‭ ‬قضية‭ ‬الفساد‭ ‬المشار‭ ‬إليها،‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬النماذج‭ ‬الأخرى‭ ‬المشابهة،‭ ‬والتي‭ ‬تثير‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الشكوك‭ ‬والاتهامات‭ ‬والمخاوف‭ ‬حول‭ ‬الأداء‭ ‬السياسي‭ ‬لمؤسسات‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي؛‭ ‬أن‭ ‬‮«‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬البرلمان‭ ‬الأوروبي،‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬يفعله‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬فشل‭ ‬بعض‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬الالتزام‭ ‬بالمعايير‭ ‬المقننة‭ ‬للعلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دعم‭ ‬مصالح‭ ‬الأطراف‭ ‬الخارجية‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬مزايا‭ ‬ومكاسب‭ ‬شخصية‭ ‬وراء‭ ‬الأبواب‭ ‬المغلقة،‭ ‬يعد‭ ‬‮«‬أمرا‭ ‬كارثيا‮»‬،‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬الازدواجية‭ ‬التي‭ ‬تتعامل‭ ‬بها‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬مع‭ ‬قضايا‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وتحول‭ ‬تلك‭ ‬القضية‭ ‬إلى‭ ‬أداة‭ ‬لممارسة‭ ‬الضغوط‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬ضد‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬لأهداف‭ ‬محددة‭. ‬

وفي‭ ‬الأخير،‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬البرلمان‭ ‬الأوروبي‭ ‬أن‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬أوضاع‭ ‬دوله‭ ‬الداخلية،‭ ‬ويحقق‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬انتهاكات‭ ‬حكوماته،‭ ‬وفساد‭ ‬سياسي‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يسمحوا‭ ‬لأنفسهم‭ ‬بالتدخل‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬فمن‭ ‬كان‭ ‬بيته‭ ‬من‭ ‬زجاج‭ ‬لا‭ ‬يرمي‭ ‬الناس‭ ‬بالحجارة‭. ‬

{ انتهى  }
bottom of page