top of page
16/4/2019

تداعيات تصنيف واشنطن الحرس الثوري منظمة إرهابية

في إطار استراتيجية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لعرقلة الدور التخريبي لإيران في منطقة الشرق الأوسط والعالم، أعلن يوم 8 أبريل إدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية، وتفعيلها يوم 16 أبريل 2019. 
وعقب الإعلان، قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن القرار «جاء كرد طبيعي على سياسة إيران الداعمة للإرهاب، معتبرا أن الحرس الثوري منذ تأسيسه يبث الرعب والفوضى، وأنه أسس الإرهاب وقاد عمليات عسكرية ضد القوات الأمريكية في بيروت».
وفي المقابل، أعلنت إيران أن الولايات المتحدة دولة «راعية للإرهاب»، وصنّفت قادة القوات الأمريكية في غرب آسيا، وكل القوات المنتسبة إليها ضمن الجماعات الإرهابية. وقال المرشد الأعلى آية الله خامنئي، إن الحرس الثوري يمثل «خط الدفاع الأول في مواجهة الأعداء داخل الحدود وخارجها». ووصفه الرئيس حسن روحاني أنه «حامي الثورة الإيرانية». 
فيما تباينت ردود الأفعال العربية والإقليمية، حيث اعتبرته كل من السعودية والإمارات والبحرين واليمن «خطوة مهمة في إطار الضغط على طهران للتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية ومحاولة تفكيكها، ويأتي في إطار جهود مكافحة الإرهاب. فيما رأت كل من قطر والعراق وسوريا ولبنان وتركيا أنه خطوة غير مسؤولة ويأتي في سياق الحرب غير المعلنة لواشنطن ضد طهران. وتعليقًا على هذا الأمر أشارت «باربرا سلافين» من «المجلس الأطلسي»، إلى أن «دولا مثل العراق ولبنان وجدت نفسها في ظروف صعبة كونها ليس لديها بديل آخر تتعامل معه سوى الحرس الثوري ولا سيما في ظل اعتمادها الاقتصادي على المشروعات الاستثمارية والتجارية الإيرانية».
ويُعد «الحرس الثوري» الذي تم تشكيله عام 1979 الذراع الإقليمية للنظام الإيراني، كما يمثل مركز الثقل فيه بما يمتلكه من نفوذ كبير على الصعيدين السياسي والاقتصادي، بالإضافة إلى أن له العديد من الأنشطة التخريبية في الدول العربية، حيث يتولى «فيلق القدس» إحدى الأذرع الرئيسية له تنفيذ المهام الخارجية، مثل تقديم الأسلحة والتدريب للجماعات المقربة من إيران مثل المليشيات الشيعية في العراق، وحزب الله اللبناني، والحوثيين في اليمن، ويقوم على مبادئ إرهابية متطرفة، لتحقيق أهدافه؛ كالسيطرة على الاقتصاد والأمن، وصولا إلى التوسع والهيمنة خارج الحدود.
ومنذ وصول «ترامب» إلى البيت الأبيض في يناير 2017 اتخذ سلسلة من القرارات الموجهة إلى السياسة الإيرانية، والتي بدأت بإدراج وزارة الخزانة الأمريكية «الحرس الثوري» يوم 13 أكتوبر 2017 على قائمتها للعقوبات، وتبعتها بالخروج من الاتفاق النووي في مايو 2018. وإعادة العقوبات الاقتصادية التي كانت قد رفُعِتَ بموجب الاتفاق الذي توصلت إليه إدارة «أوباما» عام 2015. فيما تعد إيران إحدى الدول المدرجة منذ عام 1984 على لائحة الولايات المتحدة للدول الداعمة للإرهاب. غير أن هذه هي المرة الأولى التي تُدرِج فيه «واشنطن» كيانًا عسكريًّا كاملا في قائمة المنظمات الإرهابية، حيث اقتصرت القرارات السابقة على أشخاص وكيانات تابعة للحرس.
بشكل عام، فإن اتخاذ قرار بتصنيف الجماعات والأفراد إرهابيين يسمح للحكومة الأمريكية بإخضاعهم للقانون المحلي لمكافحة الإرهاب تحت سلطة وزارتي الخارجية والخزانة الأمريكية. ويسمح في المقام الأول للسلطات الأمريكية بمحاربة تمويل الإرهاب من خلال مصادرة الأصول ومنع تدفق الأموال. 
كما أن هذا القرار يؤكد حقيقة أن الحرس الثوري هو أداة إيران في تنفيذ حملتها الإرهابية العالمية. وصرحت وكالة «سبوتنيك» الروسية، بأن «تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية خطوة محورية في تحديد أهم مصادر الإرهاب في المنطقة والعالم». وكتب «إيلان برمان» في موقع إذاعة «فردا»، إن «التصعيد الأخير يضع الحرس على قدم المساواة مع الجماعات الإرهابية العالمية، مثل داعش والقاعدة» وحزب الله. 
ووفقا لعديد من المحللين، فإن الدافع وراء هذه الخطوة، يأتي لمواجهة التأثير الإقليمي المتزايد لطهران، العنصر الأكثر أهمية في جدول أعمال «ترامب» في منطقة الشرق الأوسط، من خلال ممارسة الضغوط عليها لتعجيزها اقتصاديا وعزلها دبلوماسيا وسياسيا بكل الوسائل المُمكنة من دون اللجوء للحرب، وذلك للحد من قدرتها على تمويل الإرهاب والعمليات العسكرية في المنطقة. وفي هذا الصدد؛ يقول «بورزو دراغي»، من «المجلس الأطلسي» بواشنطن، «إن التصنيف يعطي انطباعًا عن فعل الكثير من دون نشر قوات أو مجموعات حربية». ويعد هذا السيناريو ذا مردودات مجزية بالنسبة إلى ترامب، حيث يسمح بمطاردة إيران من دون انتهاك مبدئه الخاص بزيادة المشاركة الأمريكية في الشرق الأوسط.
فيما يُشير «مايكل روبن» من «معهد إنتربرايز» الأمريكي إلى أن الدافع وراء اتخاذ القرار بعد تأجيله أكثر من عامين، هو ما كُشف عنه مؤخرًا من تورط الحرس في مقتل عشرات الأفراد العسكريين الأمريكيين في العراق خلال الغزو والاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003. وكما نشرت صحيفة «واشنطن بوست» فإن «الحرس مسؤول عن مقتل أكثر من 600 جندي أمريكي في العراق على الرغم من اتفاق القادة الإيرانيين والدبلوماسيين الأمريكيين على إبقائه خارج دائرة العراق، ومع ذلك كان يقاتل بشكل غير رسمي وغير معلن وبدعم من المدنيين».
ووفقا لمراقبين، فإنه من المحتمل أن ينجح القرار في شل قدرة الحرس الاقتصادية المحلية والدولية والتي تُمثل أهمية بالغة لإيران. يقول «حسن محمودي» في صحيفة «أوراسيا برفيو» «لا يُعتبر الحرس الثوري أقوى قوة عسكرية في إيران فحسب، بل إنه يهيمن على القطاعات الاقتصادية الرئيسية في البلاد مثل الطاقة، وأعمال البناء، والاتصالات، والإعلام، والتعدين، والإلكترونيات، والسيارات، والبنوك، والطاقة النووية». وفي الوقت الذي يدّعي قادته أن مشاركتهم في الاقتصاد تعود بالنفع على الشعب الإيراني، تبدو الحقيقة أنه يُنفق معظم الإيرادات على النفقات العسكرية داخل وخارج البلاد». 
في حين، يذهب آخرون إلى أن التصنيف سيكون له تأثيرات محدودة، حيث سبق أن جرمت وزارة الخزانة الأمريكية التعاملات التجارية مع الحرس عام 2007. كما حظرت دول غربية أُخرى مثل الاتحاد الأوروبي التعاملات الاقتصادية؛ وهو الأمر الذي يعني أن أمريكا وحلفاءها أسهموا بالفعل في القضاء على معظم أشكال التعاون الاقتصادية المشروعة معه. تقول «إليزابيث روزنبرغ» المستشارة السابقة بوزارة الخزانة الأمريكية إن «الاقتصاد الإيراني لن يُصاب بالشلل جراء العقوبات الأمريكية لأنها لم تأت بجديد؛ إذ يخضع الحرس بالفعل لعقوبات أمريكية». وعلى العكس، يؤكد «ديفيد إغناتيوس» في صحيفة «واشنطن بوست» أن «التصنيف يمنح فيلق القدس، سيطرة أكبر على الاقتصاد الإيراني». ويشير إلى ما صرح به وزير الخارجية الأمريكي «مايك بومبيو» يوم8أبريل. من أن «قادة الحرس هم أسياد فن الخداع والفساد على مستوى البلاد، وأن التاريخ أثبت أنهم دائما ما يجدون طرقا غير قانونية للتهرب من العقوبات والضغوط».
ومع ذلك، يبدو أن إيران ستعاني على المدى الطويل من الوضع الجديد، خاصة في ضوء أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران بعد الانسحاب من الاتفاق النووي، قد أضرت طهران بشدة، حيث انخفضت صادرات النفط الإيراني من 2.5 مليون برميل يوميا عام 2018 إلى نحو 1.25 مليون برميل في فبراير 2019. كما توقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد الإيراني بنسبة 6% عام2019. بعد انخفاضه بنسبة 3.9% عام 2018. وأن يبلغ التضخم نحو 47.5%. ووفقًا لمنظمة «مشروع مكافحة التطرف» فإن الشركات المرتبطة بالحرس الثوري تسيطر على ما يصل إلى20% من الاقتصاد الإيراني. وبالنظر إلى مدى انخراطها في الاقتصاد المحلي؛ فإن هذه العقوبات التي يغلب عليها الطابع الشمولي، تضمن تقريبًا منع تجارة واستثمار البلاد في المستقبل مع البنوك، والشركات والمؤسسات الدولية. 
وبخلاف الآثار الاقتصادية، من المتوقع أن تكون التأثيرات الأمنية أكثر إلحاحًا. ويفرض إدراج الحرس الثوري على قائمة المنظمات الإرهابية قيودًا على تحركات أعضائه ممن يسعون للسفر إلى الولايات المتحدة. علاوة على أن أي شخص يتبين أنه قد قدم له عن قصد الدعم المادي أو أي موارد سيجري تتبعه من قبل وزارة الخارجية وملاحقته كمجرم. ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تجنيب الولايات المتحدة التعرض لأي هجمات مُحتملة يشنها عناصره في الوقت الحالي، سواء من يعملون بمفردهم أو بتعليمات إيرانية.
وبالنظر، إلى أن مثل هذا الهجوم لم يحدث قط، ولا من المرجح أن يحدث، فإن احتمالية وقوع حوادث أو مواجهة مباشرة يبقى ضئيلا. لكن يبقى الأهم هو التصعيد المحتمل ضد الأفراد والشركات التابعة لواشنطن في الشرق الأوسط. وبالفعل، وعدت طهران باتخاذ تدابير انتقامية ضد القرار. وهو ما اتضح في تصويت البرلمان على إدراج «القيادة المركزية الأمريكية» على قائمة الإرهاب. وكان «محمد علي جعفري، قائد الحرس الثوري الإيراني قد هدد يوم7 أبريل بأن المنطقة ستفقد «السلام والهدوء»؛ في حال تم وضع الحرس على قوائم الإرهاب»، ما يشير إلى إمكانية قيامه بشن هجمات انتقامية ضد الأهداف الأمريكية في الشرق الأوسط.
يقول «ماثيو ليفيت»، من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، إن «تصنيف الحرس بجميع أجنحته، وكياناته وليس فيلق القدس فقط، كمنظمة إرهابية يعزز احتمالات قيامه بهجمات إرهابية أو عسكرية». ونظرًا إلى تمركز أفراد أمريكيين في مختلف الدول التي تتمتع فيها إيران بنفوذ، مثل العراق وسوريا ولبنان، فإنها معرضة بدرجة كبيرة للهجوم. وحتى لو لم يحدث ذلك، فهناك عدد كبير من التدابير العدائية الأخرى التي يمكن أن يتخذها. ويشير «مايكل آيزنشتات» من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، «إن احتجاز مواطنين أمريكيين كما حدث سابقًا، أو إجراء سلسلة من تجارب الصواريخ، أو تجدد مضايقة السفن الأمريكية في الخليج هي الخيارات قليلة الخطورة التي يُمكن أن تُقدم عليها إيران ردا على هذه الخطوة». 
في حين، يتفق معظم المحللين على أن توقع شكل من أشكال الرد العنيف ضد أمريكا يبدو أمرا غير متوقع. في ضوء اعتراف إيران بافتقارها إلى القدرة على مواجهة الولايات المتحدة في حرب تقليدية. وفي هذا الصدد، يوضح «أليكس فاتانكا» من «معهد الشرق الأوسط»، أن «الإيرانيين لا يرون «التصنيف» مؤشرًا على نشوء مواجهة عسكرية محتملة بين طهران وواشنطن». كما أن الإيرانيين لن ينتهجوا هذا الاتجاه إلا إذا اقتنعوا أن واشنطن تستعد للانخراط عسكريًا في مواجهة ضدهم. وبناء عليه، فمن المرجح أن تكتفي إيران باعتقال عدد من المواطنين الأمريكيين أو القيام بتجارب صاروخية فحسب. 
ولعل التأثير الأساسي لهذا القرار، هو أنه جعل من الصعب للغاية على الولايات المتحدة إعادة إيران إلى المجتمع الدولي والنظام المالي العالمي في أي وقت مُستقبلاً في حال ما تغيرت الظروف السياسية. واعتبرت «إميلي هوثورن» في شبكة «CNBC» الأمريكية، أن خطوة ترامب «ستجعل المفاوضات المستقبلية مع إيران «أكثر صعوبة» في ظل أي حكومة أمريكية مستقبلية، إذا أرادت التفاوض معها، فسيتعين عليها إخراج الحرس الثوري من قائمة الإرهاب، وإلا فإنهم يتفاوضون عمليا مع منظمة إرهابية».
على العموم، تؤكد هذه الخطوة حقيقة أن إيران ليست فقط دولة مموِّلة للإرهاب، بل تستخدمه كأداة حكم، حيث يتم قمع الإيرانيين في الداخل، ويمارس الإرهاب في الخارج، فلا يوجد تنظيم إرهابي أو عملية إرهابية وقعت في العالم إلا ولخلايا الحرس الثوري علاقة بها، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة؛ ما يجعل هناك ضرورة لحشد الإجماع الدولي على اتخاذ خطوات مماثلة، فالنظام الإيراني وأتباعه كان وما زال مصدرا للإرهاب في العالم. 

 

{ انتهى  }
bottom of page