top of page

16/02/2023

"دبلوماسية الكوارث".. وتنحية الخلافات الجيوسياسية في زلزال تركيا وسوريا

 

أدى الزلزال العنيف البالغ قوته 7.8 درجة وتوابعه، والذي ضرب جنوب تركيا وشمال غرب سوريا يوم 6 فبراير 2023؛ إلى وفاة أكثر من 24 ألف شخص، وتدمير آلاف المنازل، وتشريد عشرات الآلاف. وكما أوضح "تشارلز ليستر"، من "معهد الشرق الأوسط"، فإن الكارثة الطبيعية، "لم يُمكن أن تأتي في توقيت أسوأ، أو تضرب منطقة أكثر ضعفًا من تلك البلاد"، حيث تواجه سوريا على وجه الخصوص حالة من غياب الاستقرار، جراء اثني عشرة سنة من الحرب الأهلية.

 

 

 

وعلى الرغم من ارتفاع عدد الضحايا، مع تسجيل ما يقرب من 20.000 حالة وفاة في تركيا، و4000 حالة أخرى في سوريا؛ إلا أن الاستجابات الدولية للكارثة، عكست حقائق جيوسياسية متباينة في الشرق الأوسط. وفي حين تلقت "أنقرة"، تدفقات الدعم الدولي؛ أشار "جوليان داسي"، و"كيلي بيتيلو"، من "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية"، إلى إرسال "الحد الأدنى من المساعدة"، حتى الآن إلى سوريا في ظل إحجام الدول الغربية عن التعاون مع دمشق كسبب رئيسي. وتأكيدًا على "الحاجة الملحة"، إلى "وضع الضرورات الإنسانية أولاً"؛ حث المحللون ومسؤولو وكالات الإغاثة، "الدول الغربية"، لا سيما الأوروبية، على إعادة صياغة "مواقفها السياسية القائمة منذ فترة طويلة"، والالتزام بدلاً من ذلك، بتوفير أكبر قدر ممكن من المساعدة، لتقليل الخسائر البشرية لهذه الكارثة. 
وعقب حدوث الزلزال، التزمت كل من المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وفرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا، والاتحاد الأوروبي، بإرسال متخصصين في الإغاثة والإنقاذ فضلا عن المعدات؛ للمساعدة في البحث وجهود التعافي إلى تركيا، حيث أرسلت بريطانيا طائرة "سي 130 هركيوليز"، ومستشفى ميداني، فيما نشرت "الأمم المتحدة"، 50 فريقًا للاستجابة للطوارئ والإنقاذ في المنطقة. وأوضحت شبكة "سي ان ان"، أن "منظمة الصحة العالمية"، "قامت بتنشيط شبكتها من فرق الطوارئ الطبية لمساعدة المتضررين". 
علاوة على ذلك، تم التعهد أيضا بتقديم دعم مالي كبير لأنقرة، حيث التزمت "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية"، بتقديم 85 مليون دولار للإغاثة، بينما تلقت "لجنة طوارئ الكوارث في المملكة المتحدة"، 27.9 مليون جنيه إسترليني في شكل تبرعات، إلى جانب 5 ملايين جنيه إسترليني من الحكومة البريطانية، كما قدمت كل من الصين (4.9 مليون جنيه إسترليني)، وكوريا الجنوبية (5 ملايين دولار)، كمساعدات اقتصادية مباشرة.
وفي حين أن توفير المساعدات العينية والمالية لتركيا من المجتمع الدولي، "لم يواجه معوقات"، وفقًا لـ"داسي"، و"بيتيلو"؛ فإن إيصال المساعدات إلى السوريين المتضررين من الزلزال، قد أعيق نسبيًا؛ بسبب "الحسابات السياسية" للدول الغربية، على الرغم من وصف "ليستر"، للوضع هناك بأنه "كارثي". ومع تقديم كل من الإمارات، والسعودية، وقطر، والجزائر، والعراق، بالفعل مساعدات إنسانية أو تعهدت بتقديم الدعم، فقد أشار الباحثان إلى أن "أولئك الذين هم خارج المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، لا يزالون "معزولين تمامًا" عن تلقي المساعدة الخارجية.
من جانبه، علق "ليستر"، بأن البلد الذي مزقته الحرب، "متداعي وضعيف للتعامل مع مثل هذه الكارثة الطبيعية"؛ بسبب "الأوضاع الاقتصادية السيئة، والنقص الحاد في الوقود، وظروف الشتاء القاسية"، وكذلك "الاضطرابات المرتبطة بالحرب وتأثيرها على الخدمات الطبية والطوارئ". ووفقًا لـ"مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية"، فإنه قبل الكارثة، كان أكثر من 4 ملايين شخص في شمال غرب سوريا، معظمهم من النساء والأطفال، يعتمدون بشكل كبير على أحد أشكال المساعدة الإنسانية.
من ناحية أخرى، فإن الآثار المادية للزلزال الذي أصاب البنية التحتية المتضررة بالفعل، والمخاطر الأمنية الناشئة عن وجود نزاع مسلح، جعلت "يان إيجلاند"، الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، يصف تقديم الدعم الإنساني، بأنه "صعب للغاية بشكل لا يصدق". ومع إشارة "داسي"، و"بيتيلو"، إلى أن "القليل جدًا" من المساعدات الإنسانية، "تتجه إلى المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة" في سوريا، فقد حذرا من أنه "بدون جهد إنساني سريع"؛ فإن مستويات المعاناة الإنسانية والإصابات في شمال سوريا، "ستكون أعلى بكثير من المتوقع. 
وفي تأكيد على هذا، أشار "روبرت هولدن"، من "منظمة الصحة العالمية"، إلى الخطر الوشيك، بوقوع "كارثة أخرى"؛ بسبب نقص المأوى في ظل الطقس البارد، مما يؤدي إلى تفاقم "الظروف الصعبة"، التي يعيشها الناجون من الزلزال، موضحا أن "الانقطاعات الكبيرة لإمدادات المياه الأساسية"، وكذلك "إمدادات الوقود والكهرباء"، و"الاتصالات"؛ قد أعاقت "أساسيات الحياة"، وبالتالي تتطلب مساعدة خارجية عاجلة لإصلاحها.
بالإضافة إلى ذلك، فإنه مع كثرة عدد النازحين في شمال سوريا بسبب الزلزال، فإن الوضع الهش بالفعل يزداد سوءًا أكثر مما هو عليه. وأوضح "ليستر"، أنه مع وجود ما يقرب من 3 ملايين نازح في تلك المنطقة قبل وقوع الكارثة الأخيرة، كانت مخيمات اللاجئين "فوق طاقتها"؛ ما يجعل من الضروري أن يكون هناك "تكثيف كبير"، لمهام "الأمم المتحدة"، وجهودها للمساعدة الإنسانية الطارئة. 
ويسلط هذا التقييم الضوء على أوجه القصور السابقة للمساعدات الدولية للنازحين في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن 90٪ من إجمالي سكان سوريا، كانوا بحاجة إلى مساعدات إنسانية خارجية، قدمت خطة "الأمم المتحدة"، للاستجابة الإنسانية لسوريا، أقل من 44٪ من 4.4 مليار دولار من التمويل المطلوب لعام 2022-2023. وفي تعليقه، رأى "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية"، أن هذه الكارثة هي مجرد «أزمة على رأس أزمات متعددة»، ينقصها موارد التمويل، وبرامج الإغاثة الدولية الكافية لمساعدة كافة النازحين؛ بسبب النزاعات العنيفة، والعوامل الكارثية الطبيعية، التي لا يمكن السيطرة عليها في الشرق الأوسط، وبالتالي فقد ساهمت تلك الأزمة في زيادة حالة عدم الاستقرار والمعاناة الإقليمية بالمنطقة.
وفي إدراك لأهمية هذه القضية، أوضح "ليستر"، أن مسألة تقديم المساعدة للسوريين لا زالت "أمرًا معقدًا"؛ بسبب الصعوبات القانونية لكيفية تخصيص بعثة المساعدة التابعة للأمم المتحدة للمواد الإنسانية في البلاد عمومًا -وليس مواد الإغاثة في حالات الكوارث والإنقاذ في أوقات الطوارئ– وهو ما يحد من نطاق عملها وقدراتها المتاحة، ناهيك عن المشاكل اللوجستية الناجمة عن نقل جميع المساعدات عبر معبر حدودي واحد مع "أنقرة"؛ بسبب الضغوط الدبلوماسية ذات الصلة. 
وفي هذا الصدد، أشار "داسي"، و"بيتيلو"، إلى أن المساعدة الإنسانية الحالية والإغاثة في شمال غرب سوريا، "تعتمد بشكل كامل تقريبًا على جهود المنظمات غير الحكومية المحلية"، التي "تفتقر إلى القدرات والموارد والطاقة"، لمواجهة مثل هذه الكوارث؛ ما يعني ضرورة أن تقوم جهات فاعلة خارجية بتوفير "الخبرة والآليات والوقود لدعم هذه الجهود".وعلى الرغم من الحاجة الملحة للعمل والتعاون، فقد لاحظ الباحثان عدم استعداد الدول الغربية -بما في ذلك الأوروبية- لتوجيه المساعدات عبر الحكومة الحالية في سوريا، خشية عدم إيصالها إلى المتضررين الحقيقيين".
وعلى الرغم من أن "ليستر"، أشار إلى أن "الضغوط المنسقة والفورية" للإغاثة الإنسانية، "من قبل "الولايات المتحدة"، وحلفائها، سيجعل أي شيء ممكنًا" داخل سوريا؛ فإن أي احتمال لتخفيف العقوبات الأمريكية عن سوريا في الوقت الحالي، قد "تم حسمه". وأكد المتحدث باسم "الخارجية الأمريكية"، "نيد برايس"، رفض بلاده التعاون مع الحكومة السورية في ضوء الحرب الأهلية في البلاد، والتي استمرت على مدار أكثر من عشر سنوات وما زالت"، فيما أضاف "برايس"، أن طرح هذه الفكرة الآن "ستأتي بنتائج عكسية". 
وإلى جانب الرفض الأمريكي، أوضح "داسي"، و"بيتيلو"، أنه لا "يوجد دافع أوروبي حقيقي لفتح مفاوضات"، بشأن إيصال المساعدات إلى شمال سوريا عبر دمشق، وهو أمر أوضحا أنه "يدل على حالة من التشاؤم والشعور بالتخلي، الذي أصبحت تشعر به العديد من الجهات الغربية الفاعلة الآن عند معالجة الأبعاد المختلفة للأزمة السورية ".
ومع رفض المراقبين الغربيين لهذا المنطق، أشار الباحثان إلى أنه "يجب أن تتغلب الضرورات الإنسانية على المواقف السياسية". وفي حين أن جميع الحلول الممكنة لتقديم المساعدات الإنسانية "لها جوانب سلبية"؛ فإن البديل عن ذلك، "هو مزيد من الشعور باليأس من قبل السوريين". وعليه، أوضح "كيرين بارنز"، من مؤسسة "ميرسي كوربس" في سوريا، أن العاملين في المجال الإنساني، "لا يريدون للسياسة" أن تتدخل في عملهم، و"أن المطلوب فقط من المجتمع الدولي، هو التركيز على بقاء المعبر الحدودي مفتوحًا"، للسماح "بتزويد الناس بالمأوى والغذاء والماء والضرورات الأساسية". 
واتساقا مع هذا، أكد "ليستر"، أنه "تم التخلي عن الشعب السوري، ونسيانه مرات عديدة، ولفترات طويلة"، مشيرا إلى "أننا لا نستطيع تركه وشأنه مرة أخرى". علاوة على ذلك، فإن إشارة "برايس"، إلى أن "واشنطن"، ستقدم المساعدة من خلال دعم "المنظمات الإنسانية المتواجدة على الأرض، والتي يمكنها تقديم المساعدة"، قد واجه "تحديًا"، ناهيك عن عدم قدرة الفاعلين المحليين على معالجة كارثة بهذا الحجم، وهو "ما لم يساهم  بشكل كبير" في منع تفاقم الأزمة الراهنة.
ومع وجود دعم أمريكي أقل من المأمول، حث "داسي"، و"بيتيلو"، الدول الأوروبية على إظهار "قيادة شجاعة" من خلال "الجهود الدبلوماسية المشتركة"، من أجل "إيجاد حلول" للوضع المتفاقم في سوريا، عبر إيجاد "مسارات لدخول المناطق المتضررة لمساعدتها"، بالإضافة إلى حثهم على "العمل مع أنقرة"، من أجل "إنشاء وإدارة آليات اتصال جديدة"، وفقًا لأنظمة الأمم المتحدة، فضلاً عن النظر في إجراء "مفاوضات مع روسيا" لتسهيل تقديم الدعم. وأوضح "ليستر"، أن بعثة المساعدة الحالية للأمم المتحدة، تعتبر "نقطة انطلاق يمكن البناء عليها"، لاسيما وأن النطاق المطلوب للاستجابة الغربية "كبير".
على العموم، بالنظر إلى الأوضاع المأسوية التي خلفها الزلزال المدمر في كل من سوريا، وتركيا؛ حث المراقبون، "المجتمع الدولي"، على تقديم كافة متطلبات الدعم الإنساني إلى كلا البلدين. وعلى الرغم من التعهد بتقديم كل أوجه الدعم لمساعدة "أنقرة"، إلا أن مستوى الدعم المقدم للسوريين، كان "أقل وضوحًا"، بشكل ملحوظ.ومع تبرير ذلك في ضوء المخاوف الأمنية الناجمة عن الحرب الأهلية المستمرة في البلاد، دعا المراقبون وجهات الإغاثة الدولية، "الدول الغربية"، أن تنحي منافساتها الجيوسياسية، وخلافاتها جانبًا؛ لتقديم مساعدة إنسانية أكبر لمن يحتاجون إليها في الوقت الراهن، خاصة الأوضاع الكارثية في شمال غرب سوريا.
{ انتهى  }
bottom of page