top of page
18/02/2023
توقعات غربية بحدوث انتفاضة فلسطينية ثالثة عام 2023
حذر "تور وينيسلاند"، منسق "الأمم المتحدة"، الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط في نوفمبر 2022، من أن القضية الفلسطينية وصلت إلى "نقطة الغليان"، بعد "عقود من العنف المستمر والتوسع الاستيطاني غير القانوني، وجمود المفاوضات، وتكريس الاحتلال". وبعد مرور أربعة أشهر على هذا التحذير، أدى تصعيد آخر في العنف، إلى تساؤل "آرشي بلاند"، في صحيفة "الجارديان"، عما "إذا كانت هناك انتفاضة فلسطينية ثالثة تلوح في الأفق".
وتأكيدًا على هذا التحليل، كتب "دانيال بيمان"، من "معهد بروكينجز"، أن التوترات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، قد "احتدمت"، منذ نهاية الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2005، مشيرا إلى أن التوقعات لعام 2023، "قاتمة". وبالفعل، كان عام 2022 الأكثر دموية بالنسبة للفلسطينيين منذ عام 2005، حيث استشهد 151 في الضفة الغربية والقدس الشرقية على أيدي قوات الأمن الإسرائيلية، بما في ذلك 30 طفلًا، فضلًا عن إصابة 9000 آخرين". وأوضحت صحيفة "الجارديان"، أن عدد "الهجمات الانتقامية" من قبل المستوطنين الإسرائيليين -إطلاق نار غير مميت، والسرقة وحرق الممتلكات - تضاعف تقريبًا خلال العام الماضي إلى أكثر من 800 حالة.
ومع إقرار المعلقين الغربيين بتعرض الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وإسرائيل إلى التهميش المتزايد؛ بسبب السياسات الإسرائيلية، وخيبة الأمل بسبب فشل المبادرات الدبلوماسية المتكررة، مع قيام الحكومة اليمينية المتطرفة الجديدة بقيادة "بنيامين نتنياهو"، بتعزيز برنامج التوسع الاستيطاني غير القانوني، وعمليات الإخلاء القسري؛ رأى "جيمس سنيل"، في مجلة "ذا سبيكتاتور"، أن "عملية السلام، لم تكن أبدًا أصعب تحقيقًا من تلك الآونة".
وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الغربية، قد سلطت الضوء على احتمالية اندلاع انتفاضة جديدة خلال العقد الماضي، وعلى الأخص في أعوام 2013 و2015 و2021 على التوالي؛ فقد أوضح "أنشيل فيفر"، في صحيفة "التايمز"، أن "الموجة الحالية" من العنف الآن -والمستمرة منذ عشرة أشهر، ولا توجد دلالات على انتهائها"- تجعل المحللين يتبنون إجماعا باندلاع انتفاضة "حتمية" قريبا.
وبالفعل، أشار "بيمان" إلى أنه في ضوء الوضع الحالي بالشرق الأوسط، فإن اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة أصبح احتمالا، "لا مفر منه"، وهي وجهة نظر تشاركها "الجارديان"، التي رأت أن "السؤال لم يعد هو ما إذا كانت انتفاضة ثالثة يمكن أن تحدث؛ ولكن ما الذي يمكن فعله لتفاديها" في المدى القريب. ومع ذلك، ذكر "بلاند"، أن محللين آخرين يعتقدون أن اندلاع انتفاضة ثالثة، هو "موضع نقاش"؛ بسبب الحجة القائلة بأنه "بعد ما يقرب من عام من تصاعد العنف والغارات شبه اليومية للجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين؛ فقد بدأت الانتفاضة بالفعل".
من جانبها، كتبت "بيثان ماكيرنان"، في صحيفة "الجارديان"، أنه بينما لا أحد "يعرف الإجابة بالضبط"، حول ما إذا كانت انتفاضة ثالثة قد بدأت بالفعل؛ فإن المعلقين الغربيين في مرحلة "استيضاح الصورة"، بشأن تصنيف الاضطرابات الأخيرة، بالإضافة إلى التساؤل عما إذا كان بإمكان الفلسطينيين في الأراضي المحتلة القيام بانتفاضة جديدة أم لا؛ نظرًا لأنهم "يتعاملون مع العنف اليومي للاحتلال"، وهو الواقع الذي يعكس كيف أصبح تصاعد العنف والتوتر متسقًا مع ملامح عدم الاستقرار والاحتلال.
وعند تحليل سبب اندلاع انتفاضة جديدة قريبا، أو أنها بدأت بالفعل؛ أكد المحللون الغربيون على الإحباط الفلسطيني المتزايد، الذي عززه تشكيل حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة جديدة، لم تخف رغبتها في توسيع المستوطنات غير القانونية.
وفي عام 2022، أشار "وينسلاند"، إلى أن "توقف عملية السلام"، و"مصادرة الأراضي الفلسطينية المستمرة من قبل إسرائيل، قد أدى إلى تفاقم "التحديات الاقتصادية والمؤسسية المتزايدة" في الأراضي المحتلة، في ظل "المتغيرات العالمية، وتراجع دعم المانحين"، مما تسبب في تفاقم المشاكل أكثر. وبدلاً من ذلك، أعرب "بيمان"، عن أسفه لأنه "لا توجد عملية سياسية تشير إلى حل القضية الفلسطينية"، وهو ما يتضح من اعتقاد ثلث الفلسطينيين الآن بأن حل الدولتين لم يعد قابلاً للتطبيق.
وبالمثل، أشارت "ماكيرنان"، إلى أن هناك "أملا ضئيلا" للفلسطينيين، "في أن تتحسن الأمور في ضوء المسار الحالي للأحداث، لا سيما مع عودة "نتنياهو"، إلى السلطة على رأس حكومة تحالف تضم متطرفين بارزين. وعليه، أوضح "بيمان"، أن التغييرات السياسية تضع الآن "المستوطنين والمتطرفين السياسيين والعنصريين في مناصب رئيسية تشرف على الضفة الغربية". وبالإشارة إلى تشجيع الوزيرين بالحكومة الإسرائيلية الجديدة، "إيتامار بن غفير"، و"بتسلئيل سموتريتش"، على استفزاز الفلسطينيين؛ بدأ المستوطنون الإسرائيليون "بمهاجمة الفلسطينيين بوتيرة أكبر"، حيث إن قوات الأمن الإسرائيلية "تغض الطرف عن تلك التصرفات". وبالإضافة إلى ذلك، أكد "فريدلاند"، أن التغييرات المقترحة من قبل حكومة "نتنياهو"، على النظام القانوني الإسرائيلي، ستشهد "حتمًا"، معاناة الفلسطينيين بشكل مباشر أكثر".
ومع اتفاق المعلقين على أن الانتفاضة الثالثة، ستكون "أمرا حتميا"، تمت الإشارة أيضًا إلى كيف ستختلف عن سابقتيها. وأوضح "ماكيرنان"، و"بيمان"، أنه ستكون هناك "اختلافات واضحة"؛ حيث أشارت الأولى إلى عدم وجود "قيادة سياسية موحدة" للحركات الفلسطينية، وهو ما يعني احتمالات وقوع "حلقات متفرقة من موجات العنف، بدلاً من أن تكون أكثر تنسيقًا وانتظامًا"، فيما أكد الأخير على أن "القوات الإسرائيلية أكثر قدرة مما كانت عليه في عام 2000" في قمع أية معارضة، بعد أن طورت "شبكات استخباراتية في جميع أنحاء الضفة الغربية"، تحسبًا لوقوع انتفاضة أخرى.
وبغض النظر عن الأساليب الوقائية أو التنظيم المسبق، فإذا ما قُدر أن تتكرر الحالة الكارثية للانتفاضة الثانية -التي استشهد خلالها أكثر من 3000 فلسطيني، وقتل فيها 1000 إسرائيلي، بين سبتمبر 2000 وفبراير 2005- خلال عام 2023 وما بعده؛ فقد دعا "بيمان"، إلى ضرورة السيطرة على مخاطر تصاعد وتيرة العنف وتجنب خروجها عن نطاق السيطرة.
وبعيدًا عن ردود الفعل الإسرائيلية والفلسطينية المحتملة، أبرز "بيمان"، أيضًا كيف ستكون "الأصداء الدولية" حيال انتفاضة 2023 مختلفة تمامًا، مشيرا إلى أنها ستكون "أسوأ بالنسبة للفلسطينيين"، مقارنة بعام 2000؛ بسبب توقع أن تكون العديد من الدول العربية "أقل دعمًا مما كانت عليه قبل 20 عامًا" للقضية. ووصف "سنيل"، حال زادت التوترات الإسرائيلية الفلسطينية، دون أن تشهد في المقابل الكثير من ردود الفعل الدولية كما كان في السابق"؛ بأنه أمر "غير مقبول".
وفي ضوء توقع حدوث هذا السيناريو، فإن ما يمكن فعله لتهدئة التوترات يظل سؤالاً بلا إجابة. ومع ذلك، حدد "وينسلاند"، ثلاثة تدابير لتهدئة التوترات من بينها؛ أولا: "الانخراط والتعاون مع مختلف الأطراف الدولية "للحد من التوترات ومواجهة الاتجاهات السلبية"، والتي يمكن تحقيقها من خلال "كبح جماح العنف والتحريض ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات". ثانيا": تحسين حرية الحركة والتجارة مع إفساح المجال أمام الاقتصاد الفلسطيني للتوسع والنمو. ثالثا: تعزيز المؤسسات الفلسطينية لتحسين سبل الإدارة بها وتقوية سياستها المالية. فيما أقر الباحث بأن تنفيذ هذه الخطوات، يعد "ضرورة لا غنى عنها"، مشددا على أن يكون هناك التزام أكبر من جانب القوى الخارجية لاستخدام نفوذها للمساعدة في تحقيق هذه النقاط.
وفي ظل الوضع السابق، لم يكن مفاجئًا أن يتعرض موقف "الولايات المتحدة"، لانتقادات شديدة. وأوضح "باراك رافيد"، من موقع "أكسيوس"، أن المسؤولين الأمريكيين يأملون في "وقف" تصعيد وتيرة العنف، بينما تحدث وزير الخارجية الأمريكي، "أنتوني بلينكن"، عن "قلق عميق بشأن المسار الحالي" للتصعيد، وأقر بأن المستوطنات الإسرائيلية، والاستفزازات وعمليات الإخلاء القسري تقلص من "آمال الفلسطينيين إزاء أية تسوية"، على الرغم من أنه من الملاحظ أن الإجراءات أو التوصيات من جانب واشنطن لتخفيف التوترات لم تكن صريحة بمعنى الكلمة.
وتأكيدا على ذلك، أشار "بيمان"، إلى أن "إدارة بايدن"، ليس لديها "أدنى استعداد للمواجهة مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة"، على الرغم من الاختلافات الأيديولوجية الواضحة. وبدوره، رأى "آرون ميللر"، من "مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي"، أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي التي كانت في نهاية يناير 2023 الماضي، إلى إسرائيل وفلسطين، بعد وقت قصير من الهجوم ضد إسرائيليين في القدس، لم تكن أكثر من مجرد "دعوة تعزية"، بدلاً من محاولة للعمل على ترسيخ المساءلة، وتحمل المسؤولية ومعرفة أسباب التوتر وعلاجه.
وعلى وجه الخصوص، انتقد "فريدلاند"، نهج "الولايات المتحدة"، التقليدي لدعم حل الدولتين، وهو اقتراح اتفق الكثيرون على نطاق واسع، أنه "لا يلقى قبولا حاليا"، وتم استبداله بـ "خيار الدولة الواحدة". ومع تأكيد الأخير للرأي القائل، بأن واشنطن قد "تخلت عن دورها كوسيط محتمل للقضية الفلسطينية"؛ خلص "بيمان"، إلى أنها حتى لو تدخلت واستخدمت نفوذها لمحاولة تهدئة التوتر، فإنها "ربما تفشل في تغيير السياسة الإسرائيلية المتأصلة" على أي حال.
علاوة على ذلك، رأى "فريدلاند"، أنه في الوقت الحالي، "لا توجد رغبة لإجراء المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية"، خاصة مع "رفض الأولى التحاور بشأن أبسط المبادئ، ولعل التوقعات الغربية بشأن مستقبل الوضع على المدى المتوسط تجعل القراءة "قاتمة".وفي هذا الصدد، توقع "بيمان"، أن "هجمات المستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين ستزداد على الأرجح في العام الجاري، لاسيما مع اعتقادهم "أن الحكومة تفضل وجودهم، وأن قوات الجيش والشرطة ستدافع عنهم مهما كان الأمر". وبالمثل، خلص "سنيل"، إلى "أننا لا نعرف كيف سيتطور الوضع"، "ولكن يتضح أن الأمور ستزداد سوءًا".
على العموم، اعتبر "بيمان"، أن الأمل "الأكثر واقعية"، لاحتواء احتمالات اندلاع انتفاضة ثالثة، هو "إدارة الأزمة الراهنة"، من قبل الولايات المتحدة والدول العربية المجاورة، عبر "الضغط على كلا الجانبين لعدم التصعيد". غير أنه مع إشارة "فريدلاند"، إلى أن "نتنياهو"، يمثل "تهديدًا"، لأي حل أو تسوية؛ حذرت "ماكيرنان"، من أن الأعضاء القوميين المتطرفين في حكومته الجديدة، "كانوا يستعدون للتصعيد منذ عقود"، و"ليسوا قلقين بشأن عواقب، محاولات الضم لمزيد من الأراضي الفلسطينية في المستقبل". وعليه، أوضح "بيمان"، أن "دوامة التصعيد العنيف جعلت المفاوضات لإنهاء أطول أزمة في الشرق الأوسط، "مهمة مستحيلة".
{ انتهى }
bottom of page