2/4/2019
ماذا بعد إعلان ترامب هزيمة «داعش» في سوريا؟
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم 20 مارس أنه تم القضاء على تنظيم «داعش» في سوريا، معبرا عن ذلك بقوله: «رحلت الخلافة اعتبارا من هذه الليلة» ناسبًا النصر إلى إدارته وحدها، حيث انحصر وجود التنظيم في قطعة أرض صغيرة في باغوز (إجمالي مساحتها ربع كيلو متر مربع) بعد أن ظل التحالف الدولي يحاربه في العراق وسوريا منذ عام 2014.
ويعزز هذا التطور من احتمالات سحب القوات الأمريكية من سوريا، وإن كان ما زال هناك جدل حول كيفية التنفيذ. ففيما اقترح ترامب سحب جميع القوات، كانت هناك اقتراحات تُفيد ببقاء ما بين 400 -1000 من القوات العسكرية كقوة مُتبقية للإشراف على جهود الاستقرار المحلية في أجواء ما بعد خروج داعش.
ويُعد الإعلان عن هزيمة داعش في سوريا صحيحا إلى حد ما في ضوء أن الخلافة التي حكمت ذات يوم قد قُضي عليها تقريبًا وحُوصر وجودها في قطاع صغير على ضفاف نهر الفرات على يد القوات الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية. وهو ما عبر عنه «فيليب عيسى»، لـ«ميليتاري تايمز»، الأمريكية، بقوله: «إن سقوط باغوز سيُشكل نهاية الخلافة المُعلنة لتنظيم الدولة الإسلامية»، مضيفا، أن «القوات التي تقودها الولايات المتحدة شنت على مدار السنوات الأربع الماضية حملة ضد التنظيم قضت على العديد من قادته وأفضل مُقاتليه، وقلصت إلى حد كبير وصوله إلى الموارد المالية والعسكرية؛ وهو ما قوض فعاليته كتهديد عسكري تقليدي».
ومع ذلك، فإن مجموعة من الأكاديميين والمحللين الغربيين، يؤكدون أنه على الرغم من الهزائم العسكرية الأخيرة التي لحقت بالتنظيم، فإن ذلك لا يُشير إلى توقف خطره، وكما يقول «تشارلز ليستر» من «معهد الشرق الأوسط»، بواشنطن، «يحتفظ داعش بالعديد من الشبكات السرية التي يدعمها موالون يتبعون أيديولوجية في كل من سوريا والعراق، والذين تم إعدادهم ليكونوا بمثابة الدعم والبديل في الحالات الطارئة إذا ما فقد التنظيم الأراضي التي استولى عليها»، وبعبارة أخرى: «ما زال داعش باقيا برغم تصريحات الرئيس الأمريكي».
ووفقا لعديد من المحللين، فإن صعوبة اقتلاع التنظيم من سوريا نهائيا تعود إلى سببين رئيسيين: أولهما، ما أشار إليه «رافايلو بانتوتشي»، من «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، من أنه «ربما سقطت الرقة، المعقل السوري لداعش، لكن الأفكار والأشخاص المتورطين في هذا التنظيم ما زالوا أحياء يُرزقون»، مضيفا، «كانت وما زالت أيديولوجية داعش منتشرة بشكل استثنائي في سوريا؛ وتم تعزيزها كونها باتت أيديولوجية يسهل الوصول إليها عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والرسائل التي تُكتب بطريقة قابلة للمشاركة، ترحب بجميع الأعضاء وتقدم شرحا لرؤيتها تجاه العالم».
وعلى الرغم من احتجاز القوات المحلية العديد من أعضاء داعش، وعودة المقاتلين الأجانب إلى بلادهم، إلا أن إعادة دمج الكثيرين يومًا ما في التنظيم أمر له العديد من الشواهد، فكما أوضح «تشارلز ليستر»، من «معهد الشرق الأوسط» فإن، «هناك عشرات الآلاف من الأطفال، (قُدرت أعدادهم بنحو 40.000 طفل في مدينة دير الزور وحدها)، ولدوا وترعرعوا في كنف التنظيم وتشبعوا بعقيدتهم العدائية». وربما يُمثل المؤيدون لنفس الأيديولوجية غير المنتمين إلى التنظيم مشكلة أكبر، لأنهم موجودون بين السكان المحليين ولديهم القدرة على تنفيذ الهجمات أو مساعدة داعش بطُرق أخرى.
فيما يُشير عدد من الأكاديميين إلى أن السبب الرئيسي وراء سهولة تجنيد العديد لداعش هو سوء المعاملة التي عانى منها أتباع المذهب السني على يد الدولة في المحافظات الشرقية السورية قبل وبعد الحرب الأهلية. واليوم، يمر المجتمع بنفس الأجواء، ويبدو أن السنة سيعانون المزيد من الإساءات من نظام بشار الأسد والقوات الإيرانية الطائفية وحزب الله، وهنا يقول ليستر: «تظهر في سوريا والعراق نفس الانقسامات الاجتماعية والمجتمعية والعرقية والطائفية التي سمحت لبذور داعش بأن تتشعب بشكل كبير».
أما العامل الثاني، الذي يُعزز عدم القضاء على داعش نهائيا، فهو الشبكات السرية المتعددة التي أنشأها استعدادًا لهذه الاحتمالية، ففي العراق مثلا، قامت الخلايا النائمة عبر المدن التي يسيطر عليها، مثل الموصل والفلوجة، بهجمات متقطعة وحاولت استعادة السيطرة على المناطق المتعاطفة مع قضيتهم. وفي فبراير، نفذ التنظيم في العراق في المتوسط أربع هجمات كل يوم، ما يدل على مدى انعدام الأمن الذي أحدثه بغض النظر عن خسائره الإقليمية.
وفى سوريا تبقى فاعلية هذا التهديد أكبر، ففي حين يحظى العراق بحكومة لديها القدرة على ممارسة بعض السلطة في المناطق المتمردة، فإن دمشق تفتقر في الوقت نفسه إلى قوة مركزية لديها القدرة على تقديم رد منسق على هجمات التنظيم، كما يوجد فراغ سياسي تتناحر فيه مختلف الفصائل الضعيفة على السلطة. وعن ذلك يقول ليستر: «في هذه المرحلة الزمنية، لا توجد قوة في سوريا قادرة على احتواء هذا التهديد المستمر أو إلحاق الهزيمة به بفعالية». وفي حال سحبت إدارة ترامب قواتها، فمن المحتمل أن ينشأ تمرد ضد الدولة، يقوده التنظيم، فضلا عن القيام بعمليات مثل تهريب المخدرات والأسلحة وتنفيذ هجمات انتحارية، والقيام بجباية الأموال من خلال الاختطاف والابتزاز، والقيام بأعمال عنف.
ويرى محللون أنه بالنظر إلى حجم الفراغ الأمني، فإن لدى التنظيم المجال في المستقبل لاستعادة بعض ما فقده من أراض. يقول السفير الأمريكى السابق «فريدريك هوف» بمركز «الحريري للمجلس الأطلسي»، أنه «إذا كان الافتراض بأن التنظيم قد هُزِم بالفعل، فينبغي للإدارة الأمريكية أن تعد نفسها لتنمية سياسية ودبلوماسية وإنمائية وعسكرية مكثفة ومستدامة في سوريا؛ والمناطق الشرقية من نهر الفرات». ومع ذلك، «لا توجد علامة على أنها تستعد للقيام بذلك»، مضيفا أن «الهزيمة النهائية والحقيقية لداعش لن تتحقق فعليا ما لم يتم ملء الفراغ وحالة عدم الشرعية السياسية». ويؤمن «هوف» مثل الكثيرين من الخبراء والمراقبين، أن هذا الأمر لا يمكنه أن يحدث من دون وجود ضمانات أمنية أمريكية، بالإضافة إلى النواحي التمويلية الملائمة ولا سيما في ظل الضعف والهشاشة الراهنة التي تعتري القوات الكردية، واحتمالية أن يواصل نظام الأسد، بدعم من روسيا وإيران، انتقامه من جموع شعبه، وخاصة أنه حاليا لا توجد أي خطط أو تمويل للمرحلة الانتقالية من حالة الصراع والحرب إلى حالة السلم والاستقرار وتشكيل حكومة محلية والمساعدة في عملية الإعمار في المناطق الشرقية السورية. وبدوره سيكون من المحتمل أن يستغل داعش في المستقبل هذا الأمر ليستحوذ مجددًا على مساحات من الأراضي يكون مجتمعاتها أكثر تعاطفًا وقبولاً للقضايا التي يدعمها تنظيم الدولة».
هذه الآراء تؤيدها شواهد تاريخية، ففي ظروف مشابهة، تمكن داعش عام 2014 في ظل الفراغ السياسي، من اجتياح المدن الكبرى السورية والمناطق الريفية التي كانت لا تنعم بأي حماية دفاعية، وكانت تدار من قبل حكومة مُحاصرة أو قوات متمردة التي ينظر إليها كثير من السكان على أنها تفتقد الشرعية.
أما عن قرار ترامب، فبغض النظر عن الأخطار الواضحة وراء انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، فإنه من غير المحتمل أن يغير قراره. وفي هذا الصدد، يقول «أنتوني كوردسمان» من مركز «الدراسات الاستراتيجية والدولية» بواشنطن أن «الرئيس الأمريكي بات يركز على معالجة القضايا والموضوعات السطحية والقصيرة الأجل التي تؤثر بدورها في مشكلات استراتيجية تتسم بالأهمية والجدية، لقد أثبت ترامب بحق أن سياسته الخارجية يتم توجيهها على الأغلب بناء على المخاوف الداخلية الأمريكية، وكذلك وفقًا لأجندته التي تحمل اسم «أمريكا أولاً». وفي ضوء القبول الواضح بخروج الولايات المتحدة من منطقة الشرق الأوسط من أجل استثمار الموارد البشرية بالداخل، يمكن التأكيد أنه حتى قرار الإبقاء الرمزي لـ400 جندي أمريكي بسوريا سيراه ترامب مكلفًا للغاية ومن ثم لن ينفذه.
على العموم، فإنه بالرغم من سيطرة التحالف الدولي على الأراضي التي كان يستحوذ عليها داعش في سوريا، فإنه يظل الخطر الأكبر على مدار السنوات القادمة، حيث مازال يمتلك الإمكانات التي تُمكنه من الظهور كقوة متمردة قوية، وخاصة إذا انسحبت الولايات المتحدة؛ ما يلزم وجود تنمية شاملة وحكومة ذات شرعية سياسية للحد من هذا الخطر في المستقبل.