top of page
15/3/2019

تأثيرات الحرب التجارية بين أمريكا والصين على الاقتصاد الخليجي

شتان بين الأمس واليوم، فبالأمس القريب قبل تولي «دونالد ترامب» رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، كانت أمريكا هي المدافع الأول عن حرية التجارة في العالم، وكان نجاح التفاوض معها، هو مفتاح قبول أي دولة عضوا في منظمة التجارة العالمية. أما اليوم، فقد انقلبت الإدارة الأمريكية الجديدة على حرية التجارة والتعددية والتبادل الحر، فيما تعيد تشكيل السياسات الحمائية من جديد، زاعمة أنها تريد استعادة عافية اقتصادها، الذي تأثر كثيرا بسبب المنافسة. وتوجهت بالأساس هذه السياسات إلى الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاديات العالم، والذي يكاد يلحق الاقتصاد الأمريكي.
وكان «ترامب» قد وجه في مارس الماضي إلى فرض رسوم جمركية بمقدار 25% على واردات صينية، بقيمة 50 مليار دولار على عدة مراحل. بدأت المرحلة الأولى في 6 يوليو الماضي على سلع بقيمة 34 مليار دولار، وفي أغسطس كانت الدفعة الثانية، بقيمة 16 مليار دولار. وردَّت الصين في أبريل بالمعاملة بالمثل، ليصبح إجمالي حجم التجارة المتبادلة المتأثر بهذه الزيادة 100 مليار دولار، قبل أن يرفع «ترامب» هذه القيمة في سبتمبر إلى مقدار 200 مليار دولار خاضعة لـ10% رسوما جمركية، مهددا أنه إذا ردت الصين بالمثل، فإنه سيفرض رسوما إضافية على واردات صينية أخرى قيمتها 267 مليار دولار، ودخلت هذه الرسوم الجمركية حيز التنفيذ من 24 سبتمبر، وتستمر كذلك حتى أول يناير حين ترتفع إلى 25%.
وعليه، فقد بدأت الحرب التجارية بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، مهددة معدل نمو الاقتصاد العالمي، وحجم التجارة الدولية، ومنذرة بالدخول في مرحلة جديدة من الركود، إذا لم تتخذ الصين الإجراءات التي تمكنها في الأجل القصير من التعامل مع هذه الخطوة الأمريكية، إذ إن من شأن هذه التعريفة الجمركية أن تجعل السلع الصينية بوضعها الحالي غير منافسة في السوق الأمريكي، وحتى تستعيد تنافسيتها، فعلى الإدارة الصينية ومنتجي ومصدري هذه السلع تخفيض الكلفة بمقدار هذه التعريفة حتى يلغى أثرها، وهذا الإجراء، هو نفسه الذي تشتكي منه أمريكا، التي تتهم الصين بدعم صادراتها، الأمر الذي كان سببا في فرض هذه التعريفة الجمركية.
ويعد الاقتصاد الخليجي، من أكثر اقتصادات العالم اندماجا في الاقتصاد الدولي. وتمثل صادراته النفطية نحو 80% من إجمالي الصادرات العالمية، وتعتمد عليها الاقتصادات الكبرى في العالم بشكل كبير، حيث تمثل المصدر الرئيسي للطاقة. وإذا كانت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة قد أخذت تقلل استيرادها من النفط الخليجي، وتتحول إلى مواردها النفطية المتنامية، فإن اقتصادات كبرى مثل؛ الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة والاتحاد الأوروبي وتركيا، ينمو طلبها على هذا النفط، خاصة إذا كانت هذه الدول في حالة رواج اقتصادي، وحين يقل مخزونها النفطي. أما حين تكون هذه الدول في حالة ركود، أو لديها فائض في مخزونها النفطي، فقد ينخفض الطلب. ولعل هذا ما حدث في الآونة الأخيرة، حيث عانت اقتصادات هذه الدول حالة من الركود، نتج عنها وجود فائض في معروض النفط العالمي، كان سببه الرئيسي، الحرب التجارية الدائرة بين الأقطاب الاقتصادية الرئيسية في العالم، الأمر الذي جعل صندوق النقد الدولي يحذر يوم 10 فبراير الجاري، من أن العالم مقبل على عاصفة اقتصادية وسط تراجع نمو الطلب العالمي بسبب هذه الحرب.
وفي أحدث تقرير لها في 12 فبراير الجاري، خفضت منظمة الدول المصدرة للنفط، «أوبك»، توقعاتها للطلب العالمي على النفط، بسبب تباطؤ الاقتصادات الكبرى، فضلا عن نمو المعروض من المنافسين (أي من خارج الأوبك+ 15 دولة أعضاء الأوبك مضافا إليها 10 دول من خارجها). وتوقعت المنظمة انخفاض الطلب على خامها إلى 30.59 مليون برميل يوميا، بانخفاض 240 ألف برميل عن توقعاتها في شهر يناير. بينما كان إنتاج «أوبك»، التزاما بجدول خفض الإنتاج، لاستنفاد المعروض الفائض في السوق الدولي، كان قد تراجع بمقدار 800 ألف برميل يوميا؛ أي بنسبة التزام 86% من تعهدات خفض الإنتاج البالغة 1.2 مليون برميل يوميا. وإذا كان هذا التخفيض قد ترتب عليه ارتفاع الأسعار بنسبة 2%، فإن إعلان السعودية -أكبر أعضاء المنظمة إنتاجا وتصديرا- الاتجاه لخفض إنتاجها من النفط الخام بمقدار نصف مليون برميل، إضافة إلى تعهداتها السابقة، من شأنه التكيف مع حالة الركود القائمة في السوق العالمي من ناحية، وتعزيز استقرار أسعار الصادرات من ناحية أخرى، خاصة وسط تململ روسي من الالتزام بتلبية نصيبها من خفض الإنتاج، بحجة أن المستوردين منها، قد أخذوا في التحول إلى مصادر أخرى.
وكانت الصين قد عوَّلت كثيرا، حين اشتدت الحرب التجارية بينها وبين واشنطن العام الماضي، على أن يعوض سوقها الداخلي الكبير، متمثلاً في عدد سكان يتجاوز 1.3 مليار نسمة، انخفاض النمو الناتج عن هذه الحرب، وحالة الركود التي أثرت على الصادرات الصينية؛ ومن ثم طلبها على النفط، والذي يبلغ (أكثر من 9 ملايين برميل يوميا). ومع ذلك، فإن وزارة التجارة الصينية في أحدث تقاريرها، رجحت تباطؤ نمو الاستهلاك المحلي في 2019. وعبر عن هذا التباطؤ، ضعف مبيعات التجزئة، التي سجلت معدل نمو 9% في 2018. وهو الأبطأ في 15 عاما، فيما ظهر الانخفاض بصورة أكبر في قطاع السيارات، الأكثر ارتباطا باستخدام الوقود. 
وجاء تقرير وكالة الطاقة الدولية، يعزز توقعات «الأوبك» -برغم العقوبات الأمريكية على إيران وفنزويلا، وبدء تشغيل مشروعات بتروكيماويات في الصين- حيث أضافت إلى أسباب ضعف نمو الطلب على نفط الأوبك؛ تباطؤ النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة أكبر اقتصادات العالم، نتيجة الحرب التجارية. وإن كانت الولايات المتحدة تعمل في 2019 على رفع إنتاجها النفطي بمقدار يفوق انخفاض إنتاج نفط فنزويلا، اعتمادا على الحوافز الضريبية التي تمنحها للمستثمرين في إنتاج النفط الصخري، بما يبطئ من التخلص من كمية النفط الزائدة في المعروض العالمي، ومن ثمّ، توقعت الوكالة ارتفاع الأسعار.
وحيث كانت الحرب التجارية بين عملاقي الاقتصاد العالمي؛(الولايات المتحدة والصين)، والتي عادت بالخسارة على كليهما، هي السبب الرئيسي لحالة الركود التي أثرت على اقتصادات كل دول العالم، وفي مقدمتها اقتصادات دول مجلس التعاون، فقد تعلقت الآمال بالمباحثات الجارية بين واشنطن وبكين، خاصة بعد أن فتح الرئيس الأمريكي، «ترامب» نافذة أمل، بإرجاء تنفيذ فرض رسوم جمركية كان مقررا تنفيذها في أول مارس. وكانت واشنطن قد أرجأت في ديسمبر الماضي مدة 3 شهور خطط ترامب زيادة الرسوم الجمركية على ما قيمته 200 مليار دولار أمريكي من السلع الصينية المستوردة من 10% إلى 25%، لإتاحة الفرصة أمام المفاوضات، وذلك بعد أن غدا كلا الجانبين يدرك أن كليهما خاسر من هذه الحرب، وأن هناك ضرورة أن يقدم كل منهما تنازلات حتى يعود الاقتصاد العالمي للانتعاش، وحينها لن تتحسن فقط للاقتصاد الخليجي أسعار النفط، ولكن أيضا أسعار الألمنيوم والبتروكيماويات. 
وبالفعل، قدمت الصين وعودا، كزيادة وارداتها من السلع الأمريكية، بينما تطالبها الولايات المتحدة بتغييرات جوهرية مثل تعديل سياساتها الصناعية ووقف دعمها للصادرات ورفع قيمة عملتها والكف عن سرقة حقوق الملكية الفكرية، وأمام المخاطر التي أصبح الاقتصاد العالمي واقتصاد هذين العملاقين معرضا لها، فإنه بمقدور المباحثات الجارية أن تحدث انفراجة، وتعود أجواء الرواج في وقت ليس بطويل. 

 

{ انتهى  }
bottom of page