12/3/2019
قراءة في جولة كوشنر.. الأهداف والإمكانيات
اختتم كبير المستشارين في البيت الأبيض «جاريد كوشنر»، جولة مُدتها سبعة أيام، بمنطقة الخليج العربي، زار خلالها خمس دول هي: عُمان، البحرين، السعودية، قطر والإمارات؛ لمناقشة مبادرة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» للسلام بين إسرائيل وفلسطين، والمعروفة باسم «صفقة القرن»، والمتوقع إعلانها رسميًّا بعد انتهاء الانتخابات الإسرائيلية في شهر أبريل. ولتلك الجولة أهمية بالغة لضمها العنصر العربي الذي لا مفر من وجوده في عمليات إقرار السلام بين فلسطين وإسرائيل.
ووفق ما أعلنه كوشنر فإن أهداف زيارته لدول الخليج، تتركز في التشاور مع بعض الحلفاء العرب المُقربين، فيما يتعلق بمبادرة ترامب للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي تُعرف بـ«صفقة القرن»، وإمكانية دعمها قبل الإعلان عنها قبل منتصف هذا العام، وهو ما صرَّح به «كوشنر» في قوله: «نحن نرغب في مشورة دول الخليج العربي بشأن المبادرة وإشراكهم في تفاصيل ما سنسعى إليه، خاصة فيما يتعلق بالرؤية الاقتصادية؛ حيث تشمل الصفقة مبادرات تهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي والتنمية في الأراضي الفلسطينية، وذلك من خلال خلق فرص عمل، وتشجيع الاستثمار في القطاعين العام والخاص وما إلى ذلك، ما سيقلل بدوره مع مرور الوقت من العداء تجاه إسرائيل».
ويعد الجانب الاقتصادي الأهم في المبادرة، وذلك في ظل صعوبة الوصول إلى نهج توافقي في الجوانب السياسية، التي تشمل حق العودة والدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس، وقضية المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الأراضي العربية المحتلة. وهو ما أكده «كوشنر» في قوله: «نركز بدلا من ذلك على العوائق التي تمنع الشعب الفلسطيني من استخدام إمكانياته وقدراته استخدامًا كاملا، جنبًا إلى جنب مع العوائق التي تمنع الشعب الإسرائيلي من الاندماج بشكل صحيح في المنطقة بأكملها».
وقد أشارت «إميلي هوثورن» محللة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز ستراتفور الأمريكي للأبحاث الأمنية والاستراتيجية في مقابلة مع قناة سي إن بي سي الأمريكية، إلى أنه «ليس هناك بصيص أمل من الناحية السياسية في حدوث معجزة، أما فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي للمبادرة، هناك بعض الفرص وأعتقد أن هذا هو المحور الأساسي الذي ارتكزت عليه جولة كوشنر؛ إذ إنها محاولة للحصول على دعم للاقتصاد الفلسطيني من بعض دول الخليج».
وعن إمكانية تحقيق هدف الجولة يرى بعض المحللين أنها قد تثمر أو تساعد في حلحلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وذلك لعدة أسباب أهمها:
أولا: تركيز كوشنر على دول الخليج للبحث عن دعم اقتصادي لمبادرة ترامب للسلام، حتى تكون خالية من التعقيدات الناجمة عن القضايا السياسية المثيرة للجدل منذ فترة طويلة.
ثانيا: الروابط الوطيدة بين كوشنر والعديد من القادة والمسؤولين في دول الخليج، والحماس والرغبة في التعاون فيما يتعلق بالسياسات المشتركة المتعلقة بإيران، ما يزيد من احتمالية قبول الدول بمبادرة ترامب، وفقًا لما أشارت إليه الباحثة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، «كريستين ديوان».
ثالثا: إسهام زيارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى عُمان قبل شهرين تقريبًا في تعزيز العلاقة بين السلطنة وإسرائيل في قضايا تتجاوز الشأن الفلسطيني. ويتوقع البعض أن تسهم هذه العلاقات في تعزيز المصالح الاقتصادية بينهما، وتزيل القلق بشأن التوسع الإيراني، وتساعد في قبول دول الخليج العربي بمبادرة ترامب.
رابعا: اتجاه بعض دول الخليج لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ومن ثم استعدادها لتقديم ما يلزم من تمويل لتسهيل التوصل إلى صفقة عبر بعض المشاريع العربية الإسرائيلية المشتركة التي تُسرع من التطبيع وتقدم عرضًا يشتمل على بعض الفوائد المادية للفلسطينيين، وذلك وفقًا لما أكده د. نبيل خوري، كبير باحثين في مؤسسة «المجلس الأطلسي» في العاصمة الأمريكية.
وعلى الجانب الآخر هناك عدد من المُحللين يرون أنه لا أمل في تحقيق أي تطورات ملموسة من وراء زيارة كوشنر، وذلك لعدة أسباب:
أولا: الفشل في معالجة العقبات الأساسية أمام تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والمتمثلة في الجوانب السياسية، وقد أشار شالوم ليبنر من «المجلس الأطلسي» في مقال رأي بصحيفة «بوليتيكو»، إلى أن «حصْر كوشنر مناقشاته على الشق الاقتصادي فقط، كان له القليل من الحماسة بين محاوريه العرب»، وهناك بيانات صدرت بعد جولة كوشنر مع وزراء خارجية البحرين والسعودية والإمارات وعُمان تؤكد أن الحل يكمن في قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، والعودة إلى حدود 1967.
ثانيا: صياغة صفقة القرن من دون التشاور مع أبرز أطرافها الفلسطينيين، وانقطاع الاتصال الدبلوماسي بين الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية، منذ إعلان نقل سفارة أمريكا من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل في ديسمبر 2017، وهو ما يحول دون الموافقة على «صفقة القرن» وفقا لـ«جيرالد فايرستاين»، نائب رئيس معهد دراسات الشرق الأوسط ومساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى سابقًا، في قوله: «إن الخطأ الأساسي الذي ترتكبه الإدارة الأمريكية هو الاعتقاد أنه بالإمكان الضغط من أجل التوصل إلى اتفاق على غير رغبة الفلسطينيين».
ثالثا: الأجواء الداخلية في إسرائيل وفلسطين تحول دون إحراز تقدم في تنفيذ الصفقة؛ فبالنسبة إلى إسرائيل فهي على أعتاب انتخابات يوم 9/4/2019، ولذلك وضع الناخبون الإسرائيليون ملف القضية الفلسطينية في ذيل الاهتمامات، ويرجحون قضايا، مثل اتهامات نتنياهو بالفساد، فضلا عن التهديدات الإيرانية، وذلك وفقًا للباحث شالوم ليبنر بالمجلس الأطلسي.
رابعا: شعور الفلسطينيين بأنه قد تم تجاهلهم وعزلهم من قِبَل الإدارة الأمريكية التي شنت عليهم حربًا سياسية ودبلوماسية، بدايتها الاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل، لذا فإن مبادرة الولايات المتحدة يبدو أنها لن تؤتي ثمارها، وفقًا لحسين أبش الباحث في معهد دول الخليج العربية في واشنطن.