top of page
24/1/2019

أسباب عجز المجتمع الدولي عن مجابهة تغير المناخ

يعتبر تغير المناخ أحد التحديات الرئيسية في عصرنا، حيث يضيف ضغطًا كبيرًا على مجتمعاتنا وعلى البيئة، فالآثار العالمية لتغير المناخ واسعة النطاق، من تغير أنماط الطقس التي تهدد الإنتاج الغذائي، إلى ارتفاع منسوب مياه البحار التي تزيد من خطر الفيضانات الكارثية وتفاقم مشكلات الجفاف والتصحر والسيول والفيضانات وما إلى ذلك. إن التكيف مع هذه التأثيرات سيكون أكثر صعوبة ومكلفا في المستقبل إذا لم يتم القيام باتخاذ إجراءات جذرية الآن. الاحترار العالمي قضية سياسية حاسمة في عصرنا الحالي، وأن الجهود الدولية الحالية المبذولة من أجل الحد من مخاطر تغيير المناخ ليست كافية كما يُفترض، كما ورد في تقرير أعدته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيير المناخ التابعة للأمم المتحدة (IPCC). الصادر يوم الإثنين الموافق 8 أكتوبر، أن الهدف المعلن لاتفاقية باريس للمناخ 2016. هو تعزيز الاستجابة العالمية لخطر تغير المناخ عن طريق الحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى أقل من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، ومواصلة الجهود للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى أبعد من ذلك إلى 1.5 درجة مئوية. بحلول عام 2040. وهذا يشير إلى أن الدول في جميع أنحاء العالم يجب أن تغير بشكل جذري من معدل إنتاج الطاقة والحد من استهلاكها في المستقبل القريب. ويسعى البنك الدولي إلى مضاعفة تحسين كفاءة الطاقة، وزيادة الاعتماد على الطاقة البديلة، وخاصة البيئة، وتحفيز الاستثمارات، وتقديم الدعم المادي لأصحاب الأعمال، وتطبيق أحدث الممارسات الزراعية والرعوية والمائية والتوسع فيها، لأنها ستحد بقدر الإمكان من تفاقم الاحترار الأرضي.
وصرح هوزونج لي، رئيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيير المناخ، «بأن الإبقاء على الاحترار العالمي في حدود 1.5 درجة مئوية ليس مستحيلاً، ولكنه يتطلب إدخال تغييرات غير مسبوقة في جميع مجالات المجتمع، كما أنه سيحقق فوائد عديدة للناس مقارنة بـ2 درجة مئوية أو أعلى».
ويشير عدد من الأرقام الواردة في التقرير إلى التحدي الذي يواجه المجتمع الدولي في تحقيق هذا الهدف. فمثلا، سيتعين على مصادر الطاقة المتجددة أن توفر من 70% إلى 85% من الكهرباء بحلول عام 2050. وللوصول إلى هذه المستويات، لا بد أن ينخفض استهلاكنا للفحم إلى 78% بحلول عام 2030. و97% بحلول منتصف القرن، مع انخفاض مماثل في النفط، بنسبة 37 % و74% على التوالي، والغاز بنسبة 25% و74%.
ويشير التقرير إلى ضرورة الإسراع في تنفيذ مبادرات مثل زراعة غابات جديدة على نطاق واسع وانتشارها على مستوى العالم من أجل التخلص من الكربون الزائد الذي يلحق الضرر بالمناخ في الوقت الحالي. وقد خلص التقرير إلى أنه إذا فشلت الحكومات في القيام بذلك، سوف يواجه العالم ارتفاعًا مستمرًا في درجات الحرارة. وتؤدي الزيادة بشكل مباشر إلى اشتداد حدة موجات الحر عالميا والتصحر في إفريقيا وآسيا، ما من شأنه الإضرار بالوجود البشري والنظم الإيكولوجية في العالم. مثل: زيادة احتمال هطول الأمطار الغزيرة والفيضانات، وارتفاع مستويات البحار بمقدار 10 سنتيمترات، واحترار المحيطات، وانصهار هائل للجليد في القطب الشمالي. 
ومن المتوقع على سبيل المثال أن تتعرض بنجلاديش لضرر شديد بسبب ارتفاع مستوى مياه سطح المحيط، لأن الجزء الأكبر منها، يقع على ارتفاع بضعة أمتار، فوق مستوى سطح هذه المياه.
وأكد التقرير ضرورة تكاتف الدول في جميع أنحاء العالم في اتخاذ إجراءات فعالة للتخفيف من حدة الآثار الضارة لظاهرة الاحتباس الحراري والتي تعد من أهم القضايا السياسية على الساحة الدولية في إحداث تأثير كبير في السياسة البيئية للدول في جميع أنحاء العالم. وأصبح السعي وراء إيجاد حلول فعالة لمواجهة الأضرار الناجمة عن تغيير المناخ من مصلحة جميع الدول منذ اعتبار تلك الظاهرة كأحد التحديات الرئيسية للأمن القومي. فالآثار الملموسة عن تغير المناخ- زيادة وتكثيف حالات الجفاف والفيضانات وحرائق الغابات والتصحر وما إلى ذلك- لا يمكن اعتبارها مجرد كوارث طبيعية فحسب بل تُعد أسبابا أساسية في حدوث حالة عدم الاستقرار في العالم ككل ولا سيما العالم النامي. وقد يعتبر بداية حقبة من الصراع وحتى الحرب. حيث تواجه الصحة والمياه والأمن الغذائي تهديدًا نتيجة قلة المحاصيل وتدمير الأراضي الصالحة للزراعة وانتشار الأمراض أثناء الفيضانات، مثلا: خسارة الشعاب المرجانية يرتبط مباشرة بانخفاض عدد الأسماك التي تعيش في المحيط والتي يتم اصطيادها لسد احتياجات الإنسان، ما يعني أن قدرة الدول النامية المطلة على السواحل مثل، بابوا غينيا الجديدة، في سد احتياجات مواطنيها من الغذاء تتضاءل بشكل كبير.
ويوضح بوب وورد، مدير السياسات والاتصالات بمعهد بحوث غرانثام للبيئة والتغير المناخي: «لقد أقرت حكومات كثيرة في جميع أنحاء العالم بتلك المخاطر بالفعل، مع تسليط الضوء على التغير المناخي في تأثيره على الأمن القومي على أنه «ذو تهديد مضاعف» ما قد يزيد من فرص عدم الاستقرار السياسي والصراع». 
وعلى الرغم من أن الحد الأقصى للمخاطر يقتصر على بعض الدول الضعيفة في العالم النامي في الوقت الحاضر، فإنه يمكن بسهولة أن يمتد على مستوى العالم في العقود المقبلة. بشكل قاطع، ذكر أندرس نوردجرن، الأستاذ بجامعة لينشوبينج السويدية في تقرير له عام 2016 إن «تغير المناخ يشكل تهديدا للأمن القومي في الوقت الحاضر، ومن مصلحة كل بلد على حدة أن يعمل من أجل التخفيف من آثاره»، أي «من المنطقي أن تعمل الدول بشكل مُنفرد لتخفف من تغير المناخ لأسباب تتعلق بالأمن القومي باعتبارها مسألة دفاع عن الحياة». على سبيل المثال، البلدان المنخفضة عن مستوى سطح البحر والتي يهددها ارتفاع مستويات البحار مثل هولندا وجمهورية جزر فيجي وجزر سليمان وجزر المالديف تم الاعتراف بحتمية معالجة تغير المناخ والإقرار بالتهديد الكامل لتأثيرات ظاهرة الاحتباس الحراري، فكانت رائدة في مجال الحد من الانبعاث وارتفاع درجات الحرارة التي تذوب القمم الجليدية القطبية. 
وعلاوة على ذلك، فإن غالبية الدول، تتهاون في وضع وتنفيذ سياسات شاملة وفعالة للحد من تغير المناخ. وهو ما أشار إليه كل من أودن شيندلر رجل الأعمال والناشط الأمريكي في مجال المناخ وأندرو بي جونز من منظمة Interactive) Climate) توافقًا مع توصيات تقرير «أي بي سي سي»: يحتاج المجتمع الدولي إلى التوسع وتنفيذ أفضل الممارسات المناخية على مستوى العالم، مثل السيارات الكهربائية في النرويج، والاستخدام الفعال للطاقة في ولاية كاليفورنيا، وحماية الأراضي في كوستاريكا، واستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في الصين، والنباتيين في الهند، واستخدام الدراجات في هولندا. 
وقال الدكتور أندرو كنج، في جامعة ملبورن: «يتلاشى أمل الحفاظ على ارتفاع درجة حرارة الأرض أقل من 1.5 درجة مئوية بسرعة، كما أن التبرعات الحالية لمكافحة الانبعاثات التي تعهد بها المصدقون على اتفاقية باريس لا تساعدنا على تحقيق هذا الهدف. 
ومن أوجه القصور في اتفاقية باريس التي صدق عليها وفود 195 دولة، هو أن الدول في جميع أنحاء العالم، بغض النظر عن مدى تطورها أو رخائها أو استقرارها، يبدو أنها تتغاضى عن تنفيذ سياسات الإصلاح البيئي الشاملة. ولا تزال الدول مترددة في معالجة الاحتباس الحراري العالمي على الرغم من اعتباره تحديا أساسيا للأمن القومي فغالبًا ما تنأى الحكومات عن التركيز على قضايا البيئة، كما يشرح بيتروس سيكريس في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، عرف ظاهرة «تغير المناخ» إنه: «اتجاه الموارد الطبيعية المشتركة نحو النضوب سريعًا، وربما تحت وطأة العمل على جني الكثير من الأرباح والمزايا، وفي ظل المعاناة من وراء زيادة الإنفاق، هناك ميل إلى الإفراط في استغلال الموارد». ومن ثم، فإن الحكومات الوطنية على اختلافها تحصل على إيرادات لا حصر لها من وراء ممارسة أنشطة ضارة بيئيا مثل شراء الوقود الأحفوري أو من خلال تسريع وتيرة التصنيع، وتلقائيا تتجه إلى التغاضي عن التأثير الناتج عن تغير المناخ العالمي، على اعتبار هذه الأنشطة المدمرة تقود دفة الازدهار، وقد لا يهتم المسؤولون (السياسيون أو القادة) بإيجاد الحلول اللازمة لمعالجة قضية تغير المناخ. 
وأشار ستيفن كوهين، بجامعة كولومبيا: «ومن الاعتبارات الأخرى للحكومات التي غالبا ما تنأى بنفسها عن التركيز على قضية تغير المناخ ومعالجة الأنشطة الضارة بيئيا التي تولد إيرادات هائلة، أنه غالبا ما تكون المبادرات الرامية إلى التعامل مع الاحترار العالمي باهظة الكلفة إلى حد ما» وتشير الأرقام التي قدمتها صحيفة ذي تليجراف البريطانية إلى أن الهدف المثالي يكمن في الوصول بارتفاع درجات الحرارة إلى أقل من 1.5 درجة مئوية، وهذا الهدف سيتطلب من المجتمع الدولي استثمار حوالي 2.4 تريليون دولار، أي ما يقارب 2.5% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، في تمويل مبادرات للتخفيف من آثار تغير المناخ والتصحر وتدهور الأراضي والجفاف واضمحلال التنوع البيولوجي كل عام خلال الفترة بين عامي 2016 و2035. 
وقالت باتريشيا اسبينوزا، مسؤولة التغير المناخي بالأمم المتحدة: «إن الاستثمارات العالمية الهادفة إلى الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري ضئيلة وواهية كالاستعانة بمظلة وسط إعصار. وحتى الآن نحن نتحدث عن ملايين ومليارات الدولارات بينما ينبغي أن نتحدث عن تريليونات آثار المناخ المتطرف التي تحدث فوضى بالفعل». وعند تدقيق النظر في تلك الكلفة، فإن تكريس هذه الأموال الطائلة لمعالجة تغير المناخ غالبا ما تكون غير مجدية بالنسبة إلى الحكومات التي تواجه بالفعل ضغوطا مالية محلية متعددة. 
وفي الآونة الأخيرة، ظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كحالة توضح مدى إخفاقه في التعامل مع ظاهرة الاحترار العالمي. فلم يتوقف الأمر عند مجرد رفضه اتفاق المناخ في باريس عند توليه منصبه، فقد ركز على إعادة الروح مجددا لصناعة الفحم الأمريكية على الرغم من إضرارها الواضح بالبيئة. 
وفي أعقاب جهود تعزيز عمليات الشراء والبيع لما أسماه «الفحم النظيف» علَّق ترامب جميع اللوائح المتعلقة بتقييد بناء وتشغيل محطات الفحم الجديدة، بالإضافة إلى استبعاد صناعة الفحم من تشريعات الحد من انبعاثات الكربون. وبناء على هذا الأمر، فقد حققت الإدارة الأمريكية هدفين على المدى القصير الأول: توطيد شعبية ترامب الانتخابية بين الناخبين من الطبقة العاملة الريفية، إلى جانب توليد إيرادات متزايدة للحكومة الفيدرالية والشركات الكبرى، ما يدل على إعطاء ترامب الأولوية لجني مزايا قصيرة المدى لحكومته من دون أدنى اهتمام يذكر بقضية تغير المناخ. 
أما الأمر الثاني فهو عدم وجود إطار دولي فعال لتنظيم الجهود الدولية نحو تخفيف آثار ظاهرة تغير المناخ. فإن المجتمع الدولي لم يقدم بعد استجابة فعالة حيال تهديدات الاحترار العالمي، وذلك وفقا لما ذكره روبرت فولكنر بكلية لندن للاقتصاد في تقرير عام 2016.
ومن بين المحاولات الجديرة بالملاحظة من جانب الأمم المتحدة من خلال بروتوكول كيوتو لعام 1997 واتفاق باريس للمناخ لعام 2016. قد فشل كلاهما في ضمان أن تحقق الدول الموقعة لهما أهدافهما. ويرجع هذا إلى عدم قدرة الأمم المتحدة في المقام الأول، فضلا عن عدم وجود أي إطار عمل جماعي يمكنه محاسبة أولئك الذين يخرقون التزاماتهم. على الرغم من أن الاتفاقيات ملزمة قانونا، فإن المنظمات الدولية التي تملك تجاوز حدود الولاية الوطنية مثل الاتحاد الأوروبي لا تملك أي آليات يمكن من خلالها فرض وتطبيق ما تحتويه هذا الاتفاقات. 
ويعني هذا، على وجه الخصوص، أن الدول في ذروة وتيرة التصنيع العالمية مثل الصين والهند يمكن أن تتجاوز الأنظمة واللوائح التي تفرضها الاتفاقيات المتعددة الأطراف إذا اعتبر ذلك يصب في مصالحها الاقتصادية المباشرة. إذ تعتبر الصين الدولة الأولى من حيث انبعاثات الغازات المسببة لارتفاع حرارة الأرض. وسوف يتم عرض ما سُمي بـ«إعادة إطلاق معركة المناخ» من خلال زيادة الالتزامات بمكافحة ظاهرة الاحترار العالمي خلال المؤتمر الدولي للبيئة الـ24 المقرر عقده في نهاية 2018 في بولندا.
إن العوامل المذكورة أعلاه تجعل الكثير من البيانات الواردة في تقرير «اللجنة الدولية للتغيرات المناخية» غير ذي صلة بصانعي السياسات الوطنية، وعلى الرغم من الحاجة المُلحة إلى أن تقوم الدول بمكافحة ظاهرة تغير المناخ بشكل شامل باعتبارها تحديا أساسيا للأمن القومي، فإن احتياجات الحكومات لاستغلال الموارد الطبيعية على المدى القصير في جميع أنحاء العالم يجعلها مصدر قلق سياسي. على الرغم من أن معظم الدول قد اتخذت خطوات نحو تخفيف وطأة الاحترار العالمي إلى حد ما، سواء كان ذلك على نحو شامل مثل الدول الجزرية الصغيرة التي تهددها الظاهرة بارتفاع مستويات منسوب البحر، أو بالكاد على الإطلاق مثل الدول النامية الكبيرة في آسيا وإفريقيا، ولا تزال الاستجابة الجماعية المنظمة عالميا والتي تعالج بشكل أساسي مشكلة تغير المناخ من خلال اتفاقي كيوتو وباريس أمرًا بعيد المنال.

 

{ انتهى  }
bottom of page