الحلقة النقاشية الثانية والعشرون: مجلس التعاون لدول الخليج العربية في عيده الثلاثين
16/12/2010
جاء تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، قبل نحو ثلاثة عقود، عندما أدركت هذه الدول أنها كدول صغيرة تعيش في بيئة مضطربة تعج بالطامعين الدوليين والإقليميين في إطار يحتدم بالصراع على المصالح، وفي مقدمتها مصادر الطاقةـ لن تستطيع مجابهة التحديات والمخاطر المحدقة بها والنهوض بجهود التنمية، وبلورة شخصية خليجية لها خصائصها وتميزها وانتماؤها العربي الإسلامي، إلا بالتكامل من خلال العمل المشترك؛ الذي كان، ولازال، الخيار الاستراتيجي الأول لهذه الدول، ما مكنها خلال تلك الفترة من صياغة تجربة وحدوية عربية لا تزال تحتاج إلى المزيد من الخطوات الجادة لترسيخها وتحقيقها.
وعزز من هذه الرؤية؛ ما شهدته الساحتان الإقليمية والدولية من تطورات متلاحقة، سواء قبل إنشاء مجلس التعاون كمنظمة إقليمية بلورت تلك الأهداف، أو بعد إنشاء المجلس، ومثلت في مجملها تحديات متعاظمة أمام مسيرة التكامل الخليجية.
وخلال الثلاثين عامًا الماضية.. تمكن مجلس التعاون من تحقيق بعض الأهداف التي أنشئ من أجلها، ووردت في ميثاقه سواء على مستوى العمل الخليجي المشترك، باتخاذ خطوات لافتة على طريق الوحدة الاقتصادية الشاملة، والتعاون والتنسيق بين بلدانه في مجالات أخرى، وخلق شبكة من المصالح، أساسها الروابط المشتركة ووحدة الهدف والمصير، أو على مستوى دعم العمل العربي المشترك، سواء بمحاولاته المتعددة لتعميم فكرة التضامن في المنطقة، أو بدعمه للقضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية.
ومع ذلك، فإن القراءة المتأنية للتحديات التي رافقت مسيرة المجلس وأساليب تعاطيه معها أكدت أن المسيرة التكاملية له، مازالت أقل مما يتوافر له من عوامل نجاح انطلقت منها فكرة إنشائه، وتمثل عناصر قوة افتقرت إليها تجارب إقليمية أخرى أكثر نجاحًا مثل تجربة الاتحاد الأوروبي.
ويعود جانب كبير من هذا التقييم، إلى الواقع السياسي والأمني والديموغرافي الذي واجهته دول المجلس، فقد وجد المجلس نفسه مطالبًا بالتعايش مع واقع اتسمت مكوناته بالتغير المستمر والتشعب الكبير، الأمر الذي تطلب منه الدخول في عملية تطويع مستمرة لتحركاته، أو بالأحرى لتحركات دوله الأعضاء، للتعامل معها بشكل أو بآخر في إطار ردود الأفعال.
وقد ترتب على ذلك إضافة أهداف جديدة لم يتم النص عليها صراحة إبان تأسيسه، وإن كان بعضها حاضرًا في أذهان مؤسسيه آنذاك، لاسيما ما يتعلق بكيفية مواجهة التحدي الأمني الذي قفز إلى مرتبة عالية من أولويات دول المجلس سواء في بعده الإقليمي بأخطاره الكامنة أو المعلنة التي أفرزها المحيط الإقليمي المباشر لدوله، أو تلك التي نبعت من داخله متمثلة في الخلل الديموغرافي، الذي أوجد ظاهرة العمالة الأجنبية، ومحدودية القدرات الدفاعية العسكرية، ومرورًا بقضايا الإصلاح السياسي وما ارتبط بها من موضوعات حقوق الإنسان، والتي زاد من تعقيدها تبلور إمكانية استخدام الوجود الشيعي داخل أغلب دول المجلس كأداة من أدوات ضغط القوى الإقليمية الأخرى في تعاملها مع أعضاء المجلس، فضلاً عن بروز ظاهرة الإرهاب، وتحول دول الخليج لتصبح أحد الميادين الرئيسية لأنشطة جماعات التطرف والإرهاب المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، الذي يوصف بالتنظيم الإرهابي الأخطر على المستوى العالمي، وكان من نتائجها أحداث 11 سبتمبر 2001 التي وضعت الدول العربية والإسلامية؛ وفي القلب منها دول مجلس التعاون، في دائرة الاتهام، ثم احتلال أفغانستان فالعراق، وهو ما أدخل المنطقة في مرحلة جديدة من التوترات السياسية حملت معها الكثير من المخاطر والتهديدات على كافة دول المنطقة؛ حيث كان من تداعيات احتلال العراق تحوله إلى بؤرة جذب للإرهاب وعمليات تهريب السلاح والمخدرات، وبروز ظاهرة الطائفية التي تهدد دول المجلس، وتحول هذا البلد إلى ميدان لممارسة النفوذ من جانب بعض القوى الإقليمية والدولية، خاصة من إيران، التي مثّل برنامجها النووي، وتدخلها في شؤون الدول الخليجية كما رأينا هذا مؤخرًا في البحرين والسعودية والحرب الدائرة في اليمن والتطورات السلبية التي شهدتها القضية الفلسطينية والأزمة اليمنية، مجالاً آخر للتهديد المباشر لأمن الخليج.