3/12/2019
حظر أنشطة «حزب الله».. بوابة الدول الأوروبية لمكافحة الإرهاب
فيما لا تزال الجهود الدولية مستمرة في مكافحة الإرهاب والجماعات التي تتبناه؛ تعتزم الحكومة الألمانية توسيع الحظر المفروض على الجناح العسكري لـ«حزب الله» اللبناني ليشمل جناحه السياسي على أراضيها، ويرتقب أن يصدر قرار بهذا الخصوص خلال مؤتمر وزراء داخلية الولايات ووزارة الداخلية الاتحادية، الذي سيعقد قريبا، وذلك في ظل الإقرار بعدم وجود حدود فاصلة بين المؤسستين العسكرية والسياسية للحزب.
و«حزب الله» هو جماعة مسلحة وحزب سياسي مقره لبنان، والجناح العسكري له هو مجلس الجهاد، وجناحه السياسي هو حزب كتلة الوفاء للمقاومة في البرلمان اللبناني. ومنذ تأسيسه عام 1982 ودخوله المعترك السياسي عام 1985 تسيطر عليه إيران، وتستخدمه كذراع لها في منطقة الشرق الأوسط؛ لتنفيذ أجندتها التي تسعى من خلالها لزعزعة دول المنطقة والتدخل في شؤونها.
وفي الوقت الحالي تمتثل ألمانيا فقط للتشريع المقدم من الاتحاد الأوروبي عام 2013 والذي حدد الجناح العسكري لحزب الله كمنظمة إرهابية، متجاهلا وجوده السياسي في القارة، غير أن القانون المحلي الجديد يتجاوز هذا إلى حظر جميع أنشطته دون تمييز، بدءا من أنشطة جمع التبرعات، وتنظيم المظاهرات، حيث سيتم التعامل معه على نفس مستوى الجماعات الإرهابية المحظورة الأخرى مثل داعش، وحزب العمال الكردستاني.
وتعد هذه الخطوة تغييرا مفاجئا في نهج ألمانيا. وكان وزير الدولة بوزارة الخارجية الألمانية، «نيلز أنين»، قد قال في أغسطس 2019 إن «برلين لن تقوم بتغييرات في تصنيف حزب الله، كجماعة إرهابية»، وفي يونيو، اعترض «البوندستاج» على مشروع قانون قدمه حزب البديل من أجل ألمانيا يحظر حزب الله بالكامل، لكن النهج الجديد يجعلها تتماشى مع حلفائها الأوروبيين مثل هولندا وبريطانيا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وكندا.
وعدد المحللون الأسباب التي دفعت ألمانيا إلى هذه المبادرة، حيث رأى د. «مصطفى العمار»، المرشح عن الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني في انتخابات 2021, إن «هذا القرار أُخذ بسبب مفردات عدائية في خطاب حزب الله تخلق عدم استقرار ومصادمات مجتمعية»؛ ورأى آخرون أن المخاوف الانتخابية هي الدافع الحقيقي في ظل أن الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي يرأس الائتلاف الحكومي بات يفقد كثيرا من الدعم والتأييد في الانتخابات المحلية، لصالح «حزب البديل من أجل ألمانيا»، والذي يُنظر إليه على أنه أكثر صرامة في مواجهة الجريمة والإرهاب والهجرة. يشير «تيتوس مولكينبور» في «صحيفة الجارديان»، إلى أنه «بعد أن فقد مليون ناخب لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا، استجاب حزب ميركل -حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي- للاتجاه اليميني المناهض للمهاجرين، والمؤيد لخفض مزاياهم وتسهيل احتجازهم وترحيلهم». ويعد حظر حزب الله بالكامل طريقة سهلة لدحض الاتهامات الموجهة لميركل بالتعاطف مع الإرهاب، ومنح الشرعية لحزب الله رغم دوره في زعزعة الاستقرار، واستعادة أصوات الناخبين قبل الانتخابات المحلية والاتحادية المقبلة.
ومع أن هذا النهج قد يكون ناشئا عن مناورات سياسية، إلا أنه من المتوقع أن يكون له تأثير كبير على قدرة حزب الله على العمل على المستوى المحلي. يقول تقرير صادر عن «كلية لندن للاقتصاد»، إن «الحظر هو رسالة قوية لحزب الله بأن أنشطته غير مقبولة، وأن المضي فيها سيأتي بأضرار بالغة». وفي السابق، كان يُسمح للجماعة بمزج أنشطتها في مجال الرعاية الاجتماعية والسياسية مع أنشطتها الإرهابية والإجرامية، مما يمنحها وسيلة فعالة لجمع الأموال وغسلها إلى جانب قدر من الحصانة لأنشطته العسكرية بيد أن قرار ألمانيا يوضح لحزب الله أن الإرهاب الدولي، والجريمة المنظمة، وأنشطته العسكرية ستُهدد شرعيته كفاعل سياسي واجتماعي.
وتستضيف ألمانيا عددا كبيرا من المهاجرين اللبنانيين والأقليات الأخرى. ووفقا للإحصاءات التي نشرتها المخابرات الألمانية، فقد ارتفع عدد أعضاء وأنصار حزب الله من 950 في عام 2017 إلى 1050 في عام 2018, وكشفت السلطات الألمانية في عام 2018 عن عملية لغسل الأموال جمعت ما يقرب من مليون يورو أسبوعيا لأكثر من عامين؛ حيث تم تحويل الأموال مباشرة إلى حزب الله في أوروبا ولبنان. ويرى «رالف غضبان»، من «معهد الدراسات المتقدمة»، أن «ألمانيا مهمة بشكل لا يصدق لحزب الله، لأنها بلد مُناسب لغسل الأموال»، وبالتالي، من المتوقع أن يكون حظر الحزب بشكل كامل له تأثير ملموس على التنظيم.
إلى جانب ذلك، فإن هذه الخطوة ستلحق أيضا أضرارا رمزية بالحزب كونها تشير إلى احتمالية انتهاج دول أخرى نفس مسار ألمانيا على المدى الطويل. وكان المحللون لسنوات يشيرون إلى أن دول الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى أن تأخذ تهديد حزب الله بجدية أكبر، حيث لا يزال مصدرا مهما لعدم الاستقرار بالنسبة إليها. يشير «بنيامين وينثال» من «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»، «ربما تشير الخطوة التي أقدمت عليها ألمانيا إلى أن العديد من دول الاتحاد الأوروبي ربما تحذو حذوها بالفعل وتدرك أن الوقت قد حان لتصنيف حزب الله بذراعيه كمنظمة إرهابية».
يقول «ماثيو ليفيت»، من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، إن «الجناح الإرهابي لحزب الله مستمر في تنفيذ مجموعة واسعة من عمليات الدعم المالي واللوجستي داخل أوروبا، يشمل ذلك جمع الأموال من خلال تهريب المخدرات وغسل الأموال وإدارة جمعيات خيرية كستار لتنفيذ عملياتهم وشراء الأسلحة والمواد الكيميائية المستخدمة في صنع المتفجرات، وتنفيذ عمليات إرهابية، وإرسال عملاء لتنفيذ مخططات في الخارج أو حتى داخل أوروبا نفسها». وكما يقول «ديفيد داود» من «المجلس الأطلسي»، إن «الحظر الألماني سيكون له تأثير إيجابي في تقليص أنشطته الخبيثة وعزله عن الاقتصاد الأوروبي، وخطوة أخرى نحو الإدانة الدولية للتنظيم».
ومع ذلك فإن تأثير هذا الحظر لن يؤدي إلى إزاحة الحزب بشكل دائم من أوروبا. ويعد حزب الله منظمة مرنة، أثبتت مرارًا أنها تمتلك القدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة. وعلى الرغم من أنه قد يخرج من ألمانيا، فمن المحتمل أن ينقل عملياته إلى البلدان المجاورة مثل الدنمارك والنمسا، حيث إن «منطقة شنغن» في أوروبا تجعل هذا الأمر سهلاً؛ ومع عدم وجود حدود يسهل انتقال الإرهابيين والمتعاطفين معهم داخل القارة بحرية، كما حدث ذلك من قبل جماعات مثل داعش وحزب العمال الكردستاني. وفي الوقت الذي كانت هناك ردود فعل قوية تجاه أنشطته من جانب دول أوروبية مثل، بريطانيا وألمانيا، لم يكن هناك جهد أوروبي مشترك لمواجهته بشكل كلي وقاطع. يقول «فولفجانج ليماخر»، من «المنتدى الاقتصادي العالمي»، إن «التهديد الإرهابي الذي يمثله حزب الله يتطلب تعاونًا من جميع البلدان الأوروبية، واستخدام الآليات التكنولوجية المتقدمة، وبدلاً من الجهود الفردية يمكن جعل أوروبا أكثر أمانًا من خلال دمج ميزانياتها ومواردها الأخرى لحماية حدودها الخارجية تحت لواء استراتيجية واحدة مشتركة».
ومع ذلك، فإن مثل هذه الجهود المأمولة من غير المرجح أن تكون وشيكة الحدوث. فلا زال الاتحاد الأوروبي يواصل مقاومته للدعوات التي تطالب بفرض حظر دولي على أجنحة حزب الله السياسية والعسكرية على حد سواء. وعلى الرغم من قرار وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي تصنيف الجناح العسكري لحزب الله كمنظمة إرهابية وإدراجه على القائمة السوداء عام 2013 فإن الاتحاد لا يزال يحتفظ بقنوات اتصال مفتوحة مع الذراع السياسية للجماعة.
علاوة على ذلك، فإن دولا مؤثرة داخل الاتحاد مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا تتعاون مع الحزب من خلال قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان، خاصة في الجزء الجنوبي الذي يسيطر عليه حزب الله. وبالنسبة إلى هذه الدول، قد يؤدي تصنيف الجماعة وكافة أذرعها، كمنظمة إرهابية إلى تعريض قواتها للخطر. فيما يُعزي محللون هذا النهج الأوروبي إلى الاعتبار الدبلوماسي، كون حزب الله طرفا رئيسيا في البنية السياسية في لبنان على المستويين التنفيذي والتشريعي، ومن ثمّ، سعت الدول الأوروبية لتجنب المواجهة معه.
على العموم، يعد قرار ألمانيا بحظر أنشطة حزب الله داخل أراضيها خطوة إيجابية نحو استئصال شأفة تلك الجماعة كونها كيانا إرهابيا. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة قد تقل أهميتها من الناحية الرمزية واللوجستية، في ضوء أن الاتحاد الأوروبي قد لا يتبع نفس المسار لأغراض سياسية. ومن ثم إذا استمرت أوروبا على الوضع الراهن فإنها تعرض أمنها لخطر حزب الله، وهو ما سيدل على أنها أبعد ما تكون عن الجدية بشأن مكافحة الإرهاب، ويجعل وضعها محرجا باستمرار الازدواجية في التمييز بين الجناح العسكري والسياسي لحزب الله، خصوصا بعد شروع عدد من الدول الأوروبية مثل ألمانيا وبريطانيا بإدراجه على قوائم الإرهاب.