14/12/2019
دور البرلمان العربي في المحافظة على الأمن القومي العربي
طرأت فكرة إنشاء مؤسسة تمثيلية شعبية في إطار جامعة الدول العربية منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي؛ إذ تقدمت أمانة الجامعة في عام 1955 بمقترحات لتعديل ميثاقها، ومن هذه المقترحات إضافة هيئة جديدة في شكل جمعية شعبية، ولم تتم الاستجابة لهذا المقترح آنذاك، غير أن فكرة إنشاء برلمان عربي ظلت مطروحة على بساط البحث والتداول إلى أن تأسس البرلمان العربي وأنشئ بمقتضى قرار مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة رقم «292»؛ الصادر عن الدورة العادية السابعة عشر المنعقدة بالجمهورية الجزائرية بتاريخ 23 مارس 2005؛ إذ أدخلت في هذه القمة عدة تعديلات على ميثاق جامعة الدول العربية، وفي صدارتها استحداث المادة التاسعة عشر التي أضيفت إلى الميثاق بموجب قرار هذه القمة رقم «290»، ونصها: «يُنشأ في إطار الجامعة العربية برلمان عربي، ويحدد نظامه الأساسي، تشكيله ومهامه واختصاصاته».
ويعدُّ البرلمان العربي مؤسسة تشريعية ورقابية لجامعة الدول العربية؛ فهو لا يشرع للدول بل لجامعة الدول العربية؛ كما يعمل على تبنِّي ودعم القضايا العربية وإبرازها في مختلف المحافل البرلمانية الإقليمية والدولية، من خلال الدبلوماسية البرلمانية التي يمارسها في مختلف الأصعدة، وعلى كل المستويات، صيانةً للأمن القومي العربي، بالإضافة إلى رصد وتحليل التهديدات التي تواجه الأمن القومي العربي والتصدي لها، كما يسهم وفقا لصلاحياته واختصاصاته في حفظ أمن واستقرار الدول والمجتمعات العربية.
وفي إطار ما سبق، عقدت الجامعة الأمريكية في القاهرة يوم الإثنين 9 ديسمبر 2019. ندوة بعنوان: «دور البرلمان العربي في المحافظة على الأمن القومي العربي»، حاضر فيها الدكتور مشعل بن فهم السلمي-؛ رئيس البرلمان العربي- متحدثا عن دور البرلمان العربي في الدفاع عن الأمن القومي، وقدمها السفير نبيل فهمي- وزير خارجية مصر الأسبق، وعميد كلية العلاقات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة- وأدارتها النائبة أنيسة حسونة- عضو مجلس النواب المصري- وشارك فيها لفيف من كبار الشخصيات الفكرية والسياسية والإعلامية والأكاديمية وعدد من السفراء المعنيين.
استهل السلمي حديثه مستعرضا مسيرة البرلمان العربي- منذ تأسيسه وحتى الآن- باعتباره ممثلا للبعد الشعبي في الجامعة العربية، مؤكدا أن رؤية البرلمان العربي لمفهوم الأمن القومي تنطلق من شمولية الأمن العربي سياسيا واقتصاديا، وأمنيا وثقافيا، واجتماعيا وفكريا، فضلا عن كون موضوع الأمن القومي العربي يعد بندا دائما على أجندة عمل البرلمان خلال الفترة الراهنة.
وأشار رئيس البرلمان العربي إلى عدد من التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي، وفى مقدمتها استمرار الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، موضحًا أن 70% من جهود البرلمان العربي مخصصة لنصرة القضية الفلسطينية والقدس؛ إذ اعتمد البرلمان شعار دوراته «القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين»، كما وضع البرلمان خطط عمل لنصرة القضية الفلسطينية، منها: خطة دعم القدس للتعامل مع تداعيات القرار الأمريكي المتمثل في الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، والتصدي للضغوط الأمريكية على بعض الدول لنقل سفاراتها إلى القدس المحتلة، مؤكدا أن البرلمان العربي تحرك مع الجامعة العربية وباقي الأطراف المعنية لتحجيم آثار القرار الأمريكي بشأن الاعتراف بالقدس؛ ولذلك وجه البرلمان 399 رسالة مكتوبة، موزعة على 9 برلمانات إقليمية وبرلمانات وطنية في 193 دولة حول العالم للتصدي لهذا القرار، وحث الدول على عدم نقل السفارات إلى القدس.
وأوضح السلمي أن البرلمان نجح بالتنسيق والتشاور مع الدول العربية والمنظمات العربية والإقليمية المعنية من التصدي للتغلغل الإسرائيلي في إفريقيا، وتأجيل عقد القمة الإفريقية- الإسرائيلية؛ التي كانت مقررة في توجو في أكتوبر 2017. إلى جانب إفشال محاولات إسرائيل لشغل مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي.
واستعرض السلمي جهود البرلمان لدعم مسار التسوية السياسية في عدد من الدول العربية وبخاصة في اليمن وسوريا، ورفض الإجراءات الأمريكية بشأن الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، والأوضاع في ليبيا، والاحتجاجات الشعبية في لبنان والعراق، إلى جانب دعم حقوق مصر والسودان في مياه نهر النيل، والتضامن معهما في هذا الشأن، مجددا دعمه لجهود السودان لرفع اسمه من القائمة الأمريكية الراعية للإرهاب.
وفي إطار المنظور الشامل للأمن القومي العربي، أكد السلمي أن التعليم ورفع نسبة الوعي في الدول العربية هو أهم سلاح لمواجهة التحديات والتهديدات الأمنية، فتطوير المناهج التعليمية وتوعية الجيل الصاعد بالقضايا العربية الأمنية، يساعدهم على ابتكار حلول لهذه التهديدات، كما يقوي الرابطة العربية في مواجهتها؛ مؤكدا أن الشباب هم عصب الدول العربية، وبخاصة أنهم سيحملون الراية في مواجهة التحديات الأمنية للدول العربية.
ويرى السلمي أن أهم تهديد للأمن القومي العربي يتمثل في التدخلات الإقليمية في الشؤون الداخلية للدول العربية، إضافة إلى التدخلات الدولية التي لا تهدف إلا لتحقيق مصالحها؛ مؤكدا رفض البرلمان العربي التام لكل التدخلات الإقليمية والخارجية، وبخاصة من قبل إيران وتركيا؛ إذ إن إيران تتدخل في شؤون الدول العربية، وتقدم الدعم للمليشيات الانقلابية في اليمن بما يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، واعتبر رئيس البرلمان العربي أن التدخل الإيراني يعد من القضايا الكبرى التي تعدت اللحم إلى العظم، قائلا إنه: «لا يمكن لأحد ألا يرفض التدخل الإيراني في الأراضي العربية، والتدخل التركي في الأراضي السورية».
ويرى السلمي أن الرفض العربي للتدخلات الإقليمية في الشؤون العربية كان واضحا جدا في هتافات المتظاهرين العراقيين؛ الذي نادوا بمنع إيران من التدخل في شؤونها الداخلية، وذلك من خلال هتافهم: «العراق حرة حرة... إيران برة برة»، وأنهم أكدوا هذا الرفض من خلال حرق القنصلية الإيرانية في مدينة النجف، معربا عن أسفه من كون هذه المظاهرات قد أودت بحياة أكثر من 400 شخص، وإصابة أكثر من 14 ألفا، كما أعرب عن أسفه جراء الوضع الخطير الذي تمر به بعض الدول العربية، وقال: «أتألم لانتحار 5 مواطنين لبنانيين، لا يستطيعون شراء خبز، وعلينا أن نتسامى عن كل الخلافات؛ فالوضع خطير ويدفعنا إلى التحرك». وفي إطار حديثه عن تهديد الإرهاب، أشاد بالدور المصري في محاربة الإرهاب، وأن هزيمة الإرهاب في مصر تعني هزيمته في العالم، مؤكدا أنه لا يجوز أن تكون هناك دول عربية تدعم جماعات إرهابية دعما سياسيا وإعلاميا.
وفي ختام كلمته؛ عبَّر السلمي عن امتنانه للجامعة الأمريكية لدعوته للحديث في هذه الندوة؛ التي تأتي في ظل العديد من التهديدات للأمن القومي العربي، وتلقي الضوء على جهود البرلمان العربي في التصدي لهذه التحديات؛ وقد افتتحت النائبة أنيسة حسونة الباب للتساؤلات، والتي جاءت لتنم عن وعي الحضور بما يُحاك من تدخلات وما يطرأ من تحديات؛ إذ قال أحدهم إنه يثمن الجهود المبذولة من البرلمان العربي، لكنه تساءل متى سيتخطى دور المؤسسات العربية مرحلة الشجب والتنديد والتضامن إلى مرحلة العمل الفعلي على أرض الواقع؟ فيما تساءل آخر عن أسباب عدم وجود موقف للجامعة العربية تجاه إيران؟ واقترح النائب سليمان وهدان- وكيل مجلس النواب المصري- أن يبعث البرلمان العربي مبعوثا تحت مظلة جامعة الدول العربية في أي صراع في المنطقة العربية.
وأجاب السلمي على هذه التساؤلات؛ إذ أشاد بالسؤال المتعلق بتطوير دور الجامعة، داعيا الشعوب العربية إلى الضغط على دولهم حتى يتم تفعيل دور البرلمان العربي بشكل أكبر، وأكد ضرورة وجود الظهير الشعبي الكبير للبرلمان العربي، وضرورة تطوير البرلمان والجامعة قياما بدورهما، لأنهما محصلة إرادات عربية، والدور لا يقتصر على المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية فقط؛ بل للإعلام دوره، فمن خلاله ستتخذ المؤسسات مواقف أكثر صلابة.
وتساءل السلمي: «كيف يكون لنا التواصل مع تركيا وإيران وليس لدينا موقف عربي موحد؟»، مؤكدا ضرورة بناء موقف عربي موحد نتفق عليه، علاوة على العمل علي تذليل الكثير من الصعوبات والعقبات التي تقف أمام هذه المواقف الموحدة، كما اعتبر أن البرلمان العربي ومؤسسة التعاون الإسلامي حجمت كثيرا من تصرفات المجتمع الدولي تجاه العرب، مشيرًا إلى رفض التدخل التركي في سوريا، ولكن هذا الرفض لا يُتبع بتشكيل موقف تجاه تركيا وإيران.
وفي الرد على اقتراح النائب وهدان، يرى السلمي أن الصراعات العربية يمكن حلها إذا تم إنشاء محكمة عربية، فكثير من النزاعات تستفحل؛ لأن ليس لدينا محكمة عدل عربية، وهذا الضلع الثالث الأساسي لمنظومة العمل المشترك، ولابد أن يكون لدينا محكمة نلجأ لها، بحيث تفصل في خلافاتنا وتكون قراراتها ملزمة لنا.
على العموم؛ إنَّ التهديدات الأمنية للدول العربية متعددة ومعقدة، والتعامل معها يتطلب أفكارا مرنة وخططا مترابطة، تنظر إلى الأمن العربي نظرة شاملة بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والفكرية، كما أنها بحاجة إلى الدعم الشعبي والإعلامي الذي يرفد هذه القرارات التي تتعامل مع هذه التهديدات، فضلا على أن التوعية بهذه التحديات والأدوار العربية المبذولة تجاهها تتطلب العديد من الندوات على شاكلة هذه الندوة، وهو ما أكدته النائبة أنيسة حسونة مختتمة هذه الندوة القيمة.