الحلقة النقاشية الخامسة عشر: أزمة البرنامج النووي الإيراني .. والتداعيات المحتملة على أمن المنطقة
23/3/2006
دخلت الأزمة النووية الإيرانية بين إيران من جانب، والغرب المتمثل في كل من: الولايات المتحدة، والترويكا الأوروبية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا) من جانب آخر، إحدى مراحلها الحرجة، وذلك في ضوء التصعيد المتبادل بين طرفيها، وإصرار كل منهما على موقفه المتشدد حيال الآخر، خاصة بعد قرار مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية - في اجتماعه الذي عقده يوم 8/3/2006 - بإحالة هذا الملف إلى مجلس الأمن، للنظر فيما يمكن اتخاذه من تدابير في حق طهران بحجة أنها لم تتعامل بإيجابية مع ما طالبها به المجلس في اجتماع 4 فبراير 2006 من إيقاف تام لنشاط تخصيب اليورانيوم وفتح منشآتها أمام عمليات التفتيش، ثم إعلان إيران في 11/4/2006 نجاحها في القيام بعمليات تخصيب اليورانيوم واستكمال دورة الوقود النووي لتصبح بذلك الدولة الثامنة في نادي الدول التي تمتلك تكنولوجيا نووية.
ولاشك أن ثمة صعوبة في تحديد أي من الاتجاهات التي قد تسلكها الأزمة النووية الإيرانية في المستقبل، لاسيما وأن تطوراتها ما زالت تتفاعل بشكل يمكن القول معه إنها مفتوحة على كل الاحتمالات، وإن كانت السمة التصعيدية أصبحت هي الغالبة على هذه التطورات؛ فإيران - التي شجعها الوضع في العراق والارتفاع في أسعار النفط إضافة إلى مجموعة من العوامل الأمنية والقومية - تصر على حقها في تكوين القدرات الخاصة بدائرة كاملة للوقود النووي، بما في ذلك القدرة على تخصيب اليورانيوم، وبينما تعترف معظم الدول، بحقها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي في امتلاك مثل هذه القدرات للأغراض السلمية للطاقة، فإن لديها عوامل قلق، يعززها افتقاد إيران إلى مصداقية الشفافية حول برنامجها النووي من ناحية، وتصريحات رئيسها المحافظ "أحمدي نجاد" التحريضية من ناحية أخرى، وتصب عوامل القلق في خانة التخوف من أن امتلاك إيران للقدرة على تخصيب اليورانيوم، قد يلحق بها قدرتها على إنتاج أسلحة نووية.
ولكن الأمر الذي لاشك فيه هو أن فشل السبل الدبلوماسية في التعامل مع هذه الأزمة، سيجعل السيناريوهات الأكثر احتمالاً هي الانحدار السريع إلى وضع غير مقبول قد تكون له تداعياته الكارثية على أمن واستقرار منطقة الخليج والشرق الأوسط بشكل عام، مثل القيام بتوجيه ضربة عسكرية وقائية للمنشآت النووية الإيرانية يمكن أن تكون بمثابة نقطة انطلاق لصراع طويل المدى، قد يشمل العراق وإسرائيل ولبنان بالإضافة إلى الطرفين الرئيسيين إيران والولايات المتحدة، وربما يمتد هذا الصراع لدول الخليج العربي، أو القبول بدخول إيران النادي النووي، وهو ما سيعزز حتمًا من هيمنتها الإقليمية في المنطقة.
وعلى أية حال، فإن مجمل التطورات التي يشهدها هذا الملف تشير إلى أنه أصبح على مشارف مرحلة حرجة، خاصة إذا ما أصر كل طرف على مواقفه المتشددة تجاه الآخر، الأمر الذي قد ينذر بدخول المنطقة في كارثة جديدة، بالإضافة إلى العراق، وهو ما يحتم إلقاء المزيد من الضوء على حقيقة البرنامج النووي الإيراني، ونشأته وتطوره، والدوافع التي تقف خلفه، والمواقف الدولية والإقليمية المختلفة إزاءه، والسيناريوهات المحتملة للتعامل معه، وأخيرًا التداعيات المترتبة على ذلك إقليميًا ودوليًا، وخاصة ما يتعلق بسياسات منع انتشار السلاح النووي في العالم، وغيرها من الإشكاليات التي كانت مثار تركيز وبحث أعضاء مجلس الفكر العربي التابع لمركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، خلال جلسته الخامسة عشرة التي عقدت يوم 23/3/2006، وجاء ثمرتها هذا الكتاب، والذي ينقسم إلى ثلاثة محاور:
المحور الثالث:السيناريوهات والتداعيات المحتملة على المنطقة
المحور الثاني: المواقف الإقليمية والدولية إزاء البرنامج النووي الإيراني
المحور الأول: البرنامج النووي الإيراني وسياسات منع الانتشار في العالم