الحلقة النقاشية الثامنة: الدين والسياسة في أجندة الإصلاح في العالم العربي
17/2/2005
العلاقة بين الدين والسياسة علاقة قديمة ومتجددة في آن واحد، ولا يختص بها دين معين كما يحاولون إيهام العالم، ولذلك تحظى قضية العلاقة بين الدين والسياسة بأهمية كبيرة على الساحتين الدولية والعربية خلال الفترة الأخيرة، فعلى الصعيد العالمي يتم استخدام الدين في تفسير العديد من القضايا الملحة، حيث ألبسوا الصراعات في البلقان رداء الصراعات الدينية، وتردد الاتحاد الأوروبي حيال مسألة قبول عضوية تركيا، والجهود العديدة التي تبذلها الحكومات الغربية، خاصة الولايات المتحدة، لمحاولة التدخل في الثقافة الإسلامية وخاصة التعليم الديني، بدعوى أنها السبب في انتشار التطرف والإرهاب. فضلاً عن الأولوية الفائقة التي حظي بها موضوع الحركات الإسلامية ـ خاصة تنظيم القاعدة وحركة طالبان - من جانب الولايات المتحدة خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، والتداعيات التي ترتبت عليها متمثلة في إعلان ما أطلق عليه "الحرب الدولية ضد الإرهاب"، والتي بدأت ضد طالبان وتنظيم القاعدة في أفغانستان وشكلت بداية الربط بين الإسلام والإرهاب. وقد برزت قضية العلاقة بين الدين والسياسة بصورة واضحة في الأطروحات والمبادرات الخارجية الداعية إلى تحقيق الإصلاح السياسي والديمقراطي في العالم العربي، والذي مثَّل جانب التعليم بعدًا هامًا فيه من خلال تركيزه على إصلاح مناهج التعليم الديني من وجهة نظرهم.
بينما على الصعيد العربي، يعتبر الدين ذا خصوصية شديدة في إطار الواقع السياسي العربي، حيث يعتبر الإسلام المصدر الأساسي لمعظم مواد الدساتير والقوانين الوضعية في غالبية النظم العربية القائمة بشكل مباشر أو غير مباشر والذي يعد منهجًا إيجابيًا، بينما على الجانب الآخر تقوم بعض النظم بتوظيف الإسلام أحيانًا كوسيلة لتبرير سياساتها وتستخدمه للتعبئة السياسية والاجتماعية أو لاستغلاله في إطار التوازنات الداخلية والإقليمية، وهو ما يعد منهجًا سلبيًا. وتعتبر مسألة العلاقة بين الدين والسياسة وموقعها في إطار قضايا الإصلاح في العالم العربي من القضايا البالغة الأهمية والحساسية والتعقيد في المرحلة الراهنة، لما قد تثيره من إشكاليات عديدة بشأن مدى انعكاساتها السلبية والإيجابية على التطور المستقبلي للمجتمعات العربية والإسلامية، وهل يمكن أن تسير في نفس اتجاه التطور الذي شهدته المجتمعات الأوروبية، وهل هناك حقًا اختلاف في المنظور الإسلامي للعلاقة بين الدين والسياسة مقارنة بالمنظور الأوروبي الغربي ومدى هذا الاختلاف ولصالح أي من الجانبين، ومن ثم هل من الصعب على المجتمعات العربية الإسلامية السير في نفس طريق التطور الذي سارت عليه المجتمعات الغربية؟، ويساعد على تأكيد هذا الاتجاه الفجوة التكنولوجية ومدى تطور المجتمعات الغربية مقارنة بمعظم المجتمعات الإسلامية على وجه العموم والمجتمعات العربية على وجه الخصوص.
ورغم كل ما يثار في هذا السياق من آراء متباينة، فإنه لا يمكن إنكار حقيقة هامة مفادها تزايد حضور الجانب الديني في التفاعلات الإنسانية شرقًا وغربًا، حيث تقوم الأديان ومؤسساتها وسلطاتها بممارسة أدوار عديدة في العالم المعاصر في المجالين العام والخاص، كما يتم في حالات كثيرة توظيف الدين في المجال السياسي إضافة لاستخدامه أحيانًا في أداء بعض الوظائف من أجل تدعيم الشرعية السياسية وتبرير الخطاب السياسي للنخب الحاكمة، ودعم سياساتها الاجتماعية وقراراتها السياسية، فضلاً عن كونه بعدًا مهمًا في سياساتها الخارجية. ولا تختلف في ذلك كبرى الديمقراطيات الغربية وهي الولايات المتحدة وما يحدث فيها عما يجري في دول عديدة من العالم النامي إسلامية كانت أو غير ذلك.
وهكذا أدى الربط بين الدين والسياسة في الإطار العام إلى بروز قضية الإصلاح في العالم العربي بشكل خاص، والتي تتضمن في أحد أبعادها أطروحات لإصلاح منظومة القيم الثقافية وتنقية القيم الدينية المستمدة من تعاليم الدين الإسلامي والتي تشكل جانبًا هامًا لرؤية العرب والمسلمين لذاتهم ورؤيتهم للآخر في العالم المعاصر، إلا أن ذلك لا يعني أن الارتباط بين الدين والسياسة توجه جديد ناتج عن ظروف المرحلة الراهنة للنظام العالمي الجديد بأحداثه وقيمه الجديدة، وإنما امتدت أصوله ومنطلقاته الفكرية إلى فترات تاريخية بعيدة تعود إلى بداية ظهور الإسلام الذي لم يقتصر ذلك عليه وحده، بل تبلور في الفكر الغربي أيضًا في بعده الديني رغم العلمانية التي تسود معظم مجتمعاته، غير أن كلاً منهما استند في تصوره لدور الدين في الحياة السياسية إلى عدد من المنطلقات والرؤى الفكرية المستمدة من الإسلام والمسيحية. وهي منطلقات ليست متعارضة في مجملها، حيث إن مساحة الاتفاق بينهما أكثر من مساحة الاختلاف.
وقد كان لتلك المنطلقات الفكرية بشأن العلاقة بين الدين والسياسة، سواء من جانب الولايات المتحدة خاصة أو الغرب عامة، دور كبير في صياغة المبادرات الخارجية للإصلاح في العالم العربي، خاصة الأبعاد المرتبطة بإصلاح مناهج التعليم عمومًا ومناهج التعليم الديني على وجه التحديد، وكذلك تحديد رد الفعل العربي الرسمي والشعبي تجاه محاولة الغرب والولايات المتحدة (المسيحية الصهيونية، واليمين المحافظ) استخدام الدين لتحقيق أهدافه ومصالحه السياسية التي تتخذ من تلك المبادرات ستارًا لها من ناحية أخرى.
لقد أثارت تلك المبادرات وما تحويه من بعض الرؤى التي تتعارض مع الدين الإسلامي ومن ثم معتقدات المسلمين إضافة للظلم الواقع عليهم في مناطق مختلفة من العالم، العديد من التداعيات على الساحة العربية خاصة انتشار العنف والإرهاب، وهو ما قد يترتب عليه عدد من الانعكاسات السلبية على الواقع العربي الراهن في المجالات السياسية ـ الأمنية والاقتصادية ـ الاجتماعية، ومن ثم فإن تلك الانعكاسات تثير التساؤل بشأن ماهية الوسائل والآليات اللازمة لإيجاد علاقة متوازنة بين الدين والسياسة دون أن ينفي أحدهما الآخر، لتحقيق الإصلاح الشامل في العالم العربي، انطلاقًا من الخصوصية الدينية والثقافية في المجتمعات العربية، وذلك في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
في ضوء ما سبق، وانطلاقًا من اهتمام المجلس الاستشاري العربي التابع لمركز الخليج للدراسات الاستراتيجية وإيمانه بأهمية مناقشة وإبداء الرأي في القضايا المطروحة على الساحة العربية بأبعادها المختلفة، وبما يضمه من نخبة متميزة من أصحاب الرأي والفكر في العالم العربي؛ عقد المجلس الحلقة النقاشية الثامنة يوم 17/2/2005 لمناقشة قضية "العلاقة بين الدين والسياسة في أجندة الإصلاح في العالم العربي" والتي جاء ثمرتها هذا الكتاب الذي يحتوي على أربعة فصول، هي:
الفصل الأول: العلاقة بين الدين والسياسة في المنظور الغربي.
الفصل الثاني: العلاقة بين الدين والسياسة في المنظور الإسلامي.
الفصل الثالث: العنف والإرهاب بين الدين والسياسة.
الفصل الرابع: وسائل وآليات الإصلاح الشامل في العالم العربي
.... رؤية استشرافية.