مقالات رئيس المركز
د. عمر الحسن

20/12/2022
رئيس مجلس الشورى علي صالح الصالح.. قامة وطنية وقيادة برلمانية جديرة بالثقة
جدارة الاستحقاق المبنية على الإنجاز، وكفاءة الإدارة، والقبول العام، هي عنوان ثقة جلالة الملك المعظم التي حازها معالي علي صالح الصالح، ليكون رئيسًا لمجلس الشورى للفصل التشريعي السادس 2022–2026، في إطار العرس الديمقراطي الذي شهدته المملكة، والذي يتكرر كل 4 سنوات منذ الانتخابات النيابية والبلدية عام 2002. فمنذ أن اختاره جلالة الملك رئيسًا للمجلس في الفصل التشريعي الثاني 2006- 2010، وهو يعمل في تعاون وثيق مع مجلس النواب والسلطة التنفيذية لتعزيز المنظومة التشريعية، بما يكفل تمتع المواطن البحريني بكافة حقوقه المدنية، والسياسية، والاقتصادية والاجتماعية، والثقافية، بأفضل المعايير الموجودة في دول العالم المتقدمة.
ومن المعلوم أن مجلس الشورى المؤلف من 40 عضوًا، يمثل الغرفة الثانية المعينة في المجلس الوطني، والتي تتكامل بمقتضى الدستور مع مجلس النواب -المنتخب والمؤلف كذلك من نفس عدد الأعضاء- في تولي المهام التشريعية، حيث يضم مجلس الشورى أصحاب العلم والخبرة والحنكة والمعرفة والاختصاص في القطاعات المختلفة للعمل الوطني، ويعين جلالة الملك رئيسه لمثل مدة المجلس، فيما ينتخب المجلس نائبين للرئيس لكل دور انعقاد. ولتأكيدًا هذه النقطة، فإن حسن اختيار هؤلاء الأعضاء، ومراعاة تمتعهم بدرجة عالية من العلم والخبرة في مجالهم، ينعكس على مستوى إنجاز العمل التشريعي وجودته، والتعامل مع التحديات المختلفة، وإذا كانت التحديات الاقتصادية هي التي تتصدر المشهد حاليًا، فإن اختيار شخصية ذات خلفية اقتصادية وتشريعية لرئاسة مجلس الشورى للفصل التشريعي السادس، كعلي الصالح تأتي في محلها المناسب.
ونحن في هذا المقال نحاول إلقاء الضوء على إحدى القامات التي قادت مسيرة ونهضة المؤسسة البرلمانية في البحرين، وهو علي الصالح، الذي عاصر مراحل مهمة في تاريخها، وأثرى المجتمع بعطائه في مختلف المجالات، بفضل ما تمتع به من خبرة جعلته يحظى بتقدير المؤسسات والشخصيات البرلمانية العربية والدولية، والتي امتدت لقرابة (49) عاما.
وتأتي خبرة الرجل التشريعية المتراكمة من خلال عضويته في المجلس التأسيسي عام 1973، الذي وضع أول دستور للبلاد، ثم عضويته في المجلس الوطني 1973- 1975، وتولى منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الشورى لدور الانعقاد الأول 1993، وأيضا من خلال رئاسته لمجلس الشورى منذ الفصل التشريعي الثاني، خلفًا للدكتور فيصل بن رضى الموسوي، الذي رأس المجلس بكفاءة في الفصل التشريعي الأول 2002–2006، لتتوالى رئاسته للمجلس في الفصل التشريعي الثالث، والرابع، والخامس، وأثناء رئاسته شغل منصب رئيس الدورة الثانية لرابطة مجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة في إفريقيا والعالم العربي من مايو 2013 حتى مايو 2014.
وإلى جانب خبرته التشريعية، تأتي خبرته في السلطة التنفيذية، حيث شغل منصب وزير التجارة والصناعة من (1995 – 2004)، ووزير شؤون البلديات والزراعة (2005 – 2006)، فضلا عن خبرته في قيادة العمل الاقتصادي، فهو خريج كلية التجارة جامعة عين شمس، وتولى منصب نائب رئيس غرفة وتجارة صناعة البحرين، واكتسب عضوية المجلس الأعلى للتنمية الاقتصادية، كما تولى رئاسة مجلس إدارة سوق البحرين للأوراق المالية، وفي المجال التعليمي، اكتسب عضوية مجلس أمناء جامعة البحرين.
ومنذ أن كان عضوًا في المجلس التأسيسي عام 1973، تميز بالاتزان في تعامله مع مختلف المواقف والقضايا، وكان مشهودا له بالوسطية والنزاهة، وعقليته النيرة في التخطيط والإدارة، وقربه لأبناء وطنه، بتواضعه، وحسه الإنساني، وبصماته الواضحة والمؤثرة في العديد من المواقف. ولعل هذه المكانة التي حظي بها الرجل نتيجة لهذه الصفات والخصال، مع ما حصله من الخبرات السابقة المتعددة وقدرته في صناعة عملية التحول الديمقراطي؛ قد شكلت أساسا قويا، لاختيار جلالة الملك له في الفصل التشريعي الثاني، رئيسًا للجنة الوطنية المعنية بتنفيذ توصيات تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق التي تم تشكيلها بالتعاون مع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 28 نوفمبر 2011، فضلا عن رئاسته لمجلس الشورى منذ عام 2006 وحتى اليوم.
وفي تلك الفترة الطويلة كانت البحرين تصنع عملية التحول الديمقراطي، منطلقة من المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، بخطوات متدرجة، تنسجم مع حالة التطور في الوعي العام والثقافة الديمقراطية، بلا اندفاع يجهض هذه العملية في بدايتها، وبلا تأخير يعطل طموحاتها؛ ولهذا مثّل مجلس الشورى المعين صمام الأمان في إنجاح وتحقيق أهداف المجلس الوطني.
وحمل أخذ المملكة بنظام المجلسين في عمل السلطة التشريعية العديد من المزايا التي تناسب أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وبالفعل، كان مجلس الشورى خير رافد لعمل السلطة التشريعية، حيث وفر لها الخبرة والدراية والدراسة المتأنية لكل تطوير في التشريع، ولكل تشريع جديد.
وبرغم أن التعديلات الدستورية في عام 2012، والتي أجرت التعديلات على 20 ، مادة من مواد الدستور، قد أعادت تنظيم كل من مجلسي النواب والشورى، ووسعت من صلاحيات مجلس النواب المنتخب ورئيسه؛ إلا أن دور مجلس الشورى في النظام السياسي البحريني مازال محوريًا، فلا يكتمل تشريع ويخرج إلى حيز التنفيذ إلا به، كما أن له دوره النشط في الدبلوماسية البرلمانية التي تبرز مكانة البحرين في الإطار الإقليمي والمجتمع الدولي؛ ولتميز علي الصالح، في هذا المجال، لم يكن غريبًا أن يمنحه البرلمان العربي وسام التميز العربي في فبراير 2022.
وما يُسجَّل للرجل خلال تلك الفترة التي تولى فيها رئاسة مجلس الشورى، هو ممارسة الأعضاء صلاحياتهم التي منحها لهم الدستور، واللائحة الداخلية للمجلس، وذلك عبر آليتين تشريعيتين، هما مشروعات القوانين، بما تتضمنه من التصديق على الاتفاقات والمعاهدات الدولية، والاقتراحات بقوانين. وقد شكلت القوانين التي أقرها المجلس، حرص الأعضاء على استكمال منظومة الإصلاحات التشريعية التي تتطلبها مقومات إقامة دولة عصرية، تتوافر بها عناصر الديمقراطية والعدالة والمساواة والرخاء، وبما يسهم بشكل رئيسي في إصلاح المجتمع والنهوض به، حيث جاءت هذه التشريعات تغطي كافة المجالات الرئيسية في المجتمع، بما أسهم في زيادة مؤشرات التنمية البشرية، والارتقاء بالمستوى المعيشي للمواطنين وتطوير الخدمات الأساسية والمرافق العامة والبنية التحتية، ولعل هذا ما جعل الأمانة العامة للمجلس تفوز بجائزة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم لتقدم المرأة البحرينية، لدورها في العمل التشريعي المعزز لتقدم المرأة، حيث كان مجلس الشورى من أولى الجهات التي أنشأت لجنة تكافؤ الفرص في أمانتها.
ومن خلال قيادته لمجلس الشورى، عمل علي الصالح، على تأكيد العلاقة القوية والمتينة مع مجلس النواب، ليشكلا معًا حالة من التكامل والتعاون لتحقيق مصلحة الوطن العليا، ونذكر هنا بهذه المناسبة قامة أخرى من قامات البحرين وهي معالي خليفة الظهراني رئيس مجلس النواب الأسبق، وحرص على أن تكون العلاقة بين المجلسين علاقة شراكة وطنية، حيث يحملان معًا مسؤولية كبرى ودورًا مهمًا وفره الدستور في التشريع والرقابة، فحرص على عقد اللقاءات والاجتماعات المشتركة؛ بما يعكس حالة الانسجام والتعاون، كما حرص على علاقة التعاون مع السلطة التنفيذية في إطار عمل مشترك يسهم في تطوير متطلبات عمل السلطة التنفيذية وما يقتضيه من تشريعات، كما حرص على وجود ممثلي الوزارات والمؤسسات الرسمية في اجتماعات اللجان والجلسة العامة، ويعكس هذا التعاون إنشاء وعمل لجنة شؤون مجلسي الشورى والنواب.
وحتى نهاية الفصل التشريعي الثالث كان مجلس الشورى، قد نظر في 676 مشروع بقانون، حيث ناقش في الفصل الأول 177، وفي الثاني 189، بينما نظر في الفصل التشريعي الثالث 310. واستحوذت مشروعات القوانين ذات الصبغة الاجتماعية على النصيب الأوفر من المشروعات التي عرضت على المجلس، تليها مشروعات القوانين الاقتصادية، كما استأثر المجال الاقتصادي على الاقتراحات بقوانين في هذه الفصول الثالثة، والتي بلغت 103 مقترحات. فيما سيطر المجال الاجتماعي على المراسيم بقوانين التي نظرها المجلس، والتي بلغت 11 مرسومًا. وقد أبرزت هذه الفصول الثلاثة دور المرأة في ممارسة الصلاحيات التشريعية، سواء في مناقشة مشروعات القوانين، أو الاقتراحات بقوانين التي قدمتها.
وفي الفصل التشريعي الرابع ناقش 246 مشروع بقانون، و47 مقترحات بقوانين، و39 مرسوما بقانون. أما في الفصل التشريعي الخامس، فقد بلغ عدد المراسيم بقوانين والمشروعات بقوانين والاقتراحات بقوانين التي أحيلت إلى لجانه 436 تشريعا، كما شهد توسعا في أسئلة الأعضاء، حيث بلغت 132 سؤالا.
وبكل المقاييس، توضح الأرقام المذكورة –أعلاه- مدى الإنجاز الذي قام به مجلس الشورى في ممارسة اختصاصاته، وتكامله التشريعي مع مجلس النواب، فضلا عن إشرافه على ميزانية الدولة، وتمثيله للدبلوماسية البرلمانية في المحافل والمؤتمرات الدولية والإقليمية، وإعداد مشروع الرد على الخطاب الملكي السامي إيذانًا بافتتاح كل دور انعقاد، ودوره الرقابي في توجيه أسئلة مكتوبة إلى الوزراء.
وإلى جانب كل هذه الأدوار، يأتي التعاون المستمر مع السلطة التنفيذية، من خلال اللقاءات لتبادل الرؤى والأفكار بشأن التشريعات والقوانين، والتأكيد على المسؤولية المشتركة، واستمرار المجلس في بحث ومناقشة التشريعات، التي تعزز جهود السلطة التنفيذية، وتسهم في إحداث نقلة نوعية على مستوى الخدمات الحكومية، ناهيك عن دوره في اللجنة التنسيقية المشتركة بين المجلس الأعلى للمرأة والسلطة التشريعية، لدعم إدماج احتياجات المرأة في التنمية، تماشيًا مع توجهات المملكة ذات الصلة بالنموذج الوطني للتوازن بين الجنسين.
وضمن مساعيه لتطوير عمل الأمانة العامة للمجلس، حرص علي الصالح، على تنفيذ حزمة من البرامج التدريبية والتطويرية، للنهوض بكفاءة وقدرات منتسبيها، وكافة النظم الإدارية والفنية بها، ما مكنها من جودة التحضير لأدوار الانعقاد، وبحث الخطط الاستراتيجية، وأوجه التنسيق والتعاون مع مختلف الجهات. وقد انعكس ذلك في عدد الاجتماعات التي تم عقدها خلال الفصل التشريعي الخامس، والتي بلغت 677، فضلاً عن الاستفسارات القانونية والمالية والبحوث والدراسات العلمية، والتي بلغت 548.
وبهذا المعنى، تمكنت الأمانة العامة، باستخدام أحدث النظم التقنية من ضمان استمرار العمل التشريعي، ضمن الجهود الوطنية لمكافحة انتشار كورونا، حيث وفرت خدماتها، لانعقاد نحو 309 جلسات واجتماعات، باستخدام أنظمة الاتصال المرئي. وشهد الفصل التشريعي الخامس، تدشين نظام التصويت الإلكتروني، مع الأخذ في الاعتبار متطلبات أمن المعلومات، والحماية السيبرانية. ولتعزيز كفاءة العمل البرلماني، خلال هذا الفصل أيضا، تم تنظيم العديد من البرامج النوعية والتدريبية، والتي بلغت510 برامج.
علاوة على ذلك، تجلت كفاءة الأداء في مسيرة عمل مجلس الشورى أيضا من خلال تنوع لجانه حسب الموضوعات المختلفة، والتي هي أساس عمله التشريعي، وتتشكل خلال الأسبوع الأول من بدء دور الانعقاد، ويقوم كل منها بدراسة ما يحال إليها من مشروعات قوانين ومقترحات، سواء لجانه الدائمة أو المؤقتة، حيث تصدر كل لجنة من هذه اللجان، تقريرًا في نهاية كل دور انعقاد يبين نشاطها خلال هذا الدور والاجتماعات، التي عقدتها ومشروعات ومقترحات القوانين والمراسيم بقوانين التي درستها.
على العموم، الكل يعرف حقيقة تاريخ وأصالة ومنهجية علي الصالح، التي نالت ثقة جلالة الملك المعظم وصاحب السمو الملكي الأمير ولي العهد رئيس الوزراء، وجعلته أحد رجالات البحرين التي يفخر بها وبمسيرتها وعطائها المجتمع البحريني، والتي لا يتسع المجال هنا لذكرها، حيث إن بصماته ستبقى خالدة في المسيرة الديمقراطية لمملكة البحرين، باعتباره واحدا من روادها الذين حرصوا على تواصل مسيرتها التنموية المستدامة، وعلى توازن العلاقة بين مصلحة المواطن وقوة الدولة واستقرارها، تحت مختلف الظروف والمتغيرات.. وما نكتبه اليوم ما هو إلا وفاء لقامة من القامات التي تزخر بها المملكة، لاسيما إذا كانت لهم صفات نيرة تتعلق بتجارب الشعوب ومعاصرة مراحل انتقالية مهمة في حياة مجتمعها.
ومن هنا، يأتي علي الصالح، كشخصية جديرة لرئاسة مجلس الشورى، وكصمام أمان لتقدم المسيرة الديمقراطية ولضمان السلم الاجتماعي في البحرين.